[فيديو] لماذا يوجد الضوء؟ ما دوره في الطبيعة؟
في هذه الحلقة من سلسلة تبسيط مفاهيم الفيزياء سوف نتطرق لموضوع الضوء ونستكشف معا اسراره العميقة. سنكتشف كيف تلعب الفوتونات، تلك الجسيمات الكمومية الصغيرة، دورًا محوريًا في نقل المعلومات. سنتعرف على دور الضوء في الكون، وكيف يُمكن لغيابه أن يعني نهاية كل أشكال الحياة كما نعرفها. سنغوص في التفاصيل الدقيقة التي تجعل من الضوء عنصرًا لا غنى عنه في نقل الطاقة والمعلومات.
يلعب الضوء دورًا حيويًا في وجود الكون. سنلقي نظرة أقرب على ما هو ذلك الدور، وما هو الغرض من الضوء، وكيف يعمل ولماذا يوجد.
لذا، دعونا ننطلق لاستكشاف وفهم أسرار الكون بشكل أفضل، انضم إلينا في هذا الفيديو التعليمي الشيق، ودعنا نبدأ هذه الرحلة المذهلة إلى عالم الضوء!
البداية
انظر حول الغرفة التي أنت فيها. ما تراه ليس مادة. ما تراه هو الضوء الذي يرتد عن تلك المادة ويدخل إلى عينيك، ثم يفسره عقلك الأشياء التي تراها.
كل المعلومات التي لديك عن غرفتك يتم حملها بواسطة جزيئات كمومية صغيرة تشكل الضوء، والتي تُعرف بالفوتونات. هذه المعلومات تسافر بسرعة الضوء. لو لم يكن هناك ضوء، لما استطعت جمع أي معلومات بصرية عن الكون. سيكون الكون بأكمله مظلمًا تمامًا. لكن الأمر سيكون أسوأ من ذلك بكثير، لأنه بدون الضوء، لن توجد الحياة كما نعرفها.
كانت هناك جدلا واسعا في القرن السابع عشر حول طبيعة الضوء الحقيقية: هل هي جسيمات أم أمواج؟ اعتقد العديد من العلماء مثل عالم الفلك الهولندي كريستيان هوجنز أن الضوء هو موجة تهتز في وسط من الأثير. ولكن في نفس الوقت، اعتقد علماء آخرون، أبرزهم العالم إسحاق نيوتن، أن الضوء يتكون من جسيمات تسافر بسرعة محدودة.
بعد حوالي مائة عام، في عام 1801، أظهرت تجارب الشق المزدوج لتوماس يونغ أن الضوء يجب أن يكون موجة، لأن شعاع الضوء الذي انقسم من خلال شقين مزدوجين اعطى نمط تداخل. هذا الظاهرة يمكن تفسيرها فقط إذا كان الضوء موجة.
لكن بعد حوالي مائة عام من تجربة يونغ، وبعد 200 عام من نظرية الجسيمات لنيوتن، أظهر ألبرت أينشتاين أن الضوء عبارة عن حزم منفصلة من الطاقة، والتي نسميها اليوم الفوتونات. لأن هذا هو الطريقة الوحيدة التي نجحت في تفسير الظاهرة الكهروضوئية.
في الظاهرة الكهروضوئية تنتزع الإلكترونات من سطح معدن عند تسليط تردد معين من الضوء عليه. والامر المحير في ذلك الوقت هو ان الالكترون المتحرر من سطح المعدن كان لا يتأثر بشدة الضوء بل بتردده. وإذا فكرنا في الضوء على أساس انه موجة كلاسيكية، فإن طاقة الضوء ستعتمد على شدته وليس على تردده.
ما أظهره أينشتاين هو أن طاقة الضوء تأتي في كمات منفصلة تُحدد بواسطة معادلة بلانك: وهي ان طاقة الضوء تساوي ثابت بلانك مضروبًا في التردد. بعبارة أخرى، الضوء يتكون من فوتونات، والطاقة لكل منها تُحدد بواسطة ترددها. لذا، الضوء له خصائص الأمواج والجسيمات معًا. اليوم، نسمي هذه الظاهرة ازدواجية الموجة والجسيم.
هذه التسمية والتي هي ازدواجية الموجة والجسيم لا تعكس الحقيقة تماما لان الضوء هو نوعا مختلفا من الأشياء انه نوع من الاجسام الكمومية ويتصرف كما تفعل جميع الاجسام الكمومية التي تخضع في سلوكها لمعادلة شرودنجر التي تحتوي على دالة موجية. هذه الدالة الموجية لا تُظهر الاجسام الكمومية كأمواج بالمعنى التقليدي الكلاسيكي ولكن حالاتها الكمومية مثل الموقع والزخم والدوران وغيرها من الخصائص تكون في حالة تغير مستمر مثل التغير المستمر في سعة الموجة الكلاسيكية. تخبرنا معادلة شرودنجر ان الاجسام الكمومية عبارة عن موجة احتمالية تحدد احتمال العثور عليه في موقع معين.
ولكن قبل حوالي 50 عامًا من هذه التطورات في ميكانيكا الكم، في حوالي عام 1865، توصل جيمس كلارك ماكسويل إلى قوانين الكهرومغناطيسية التي كشفت أن الضوء هو موجة كهرومغناطيسية، وأن سرعة الضوء يمكن تحديدها بدقة بواسطة ثابتين هما، الثابت الكهربائي والثابت المغناطيسي، المعروفين الآن بثابت النفاذية وثابت السماحية في الفراغ.
هذا الاكتشاف الذي قدمه ماكسويل وهو أن سرعة الضوء تُحدد بواسطة الخواص الذاتية للفراغ قاد أينشتاين إلى افتراض أن سرعة الضوء في الفضاء هي نفسها بالنسبة لجميع الأطر المرجعية، وهذا هو المبدأ الأساسي الذي قاد إلى نظرية النسبية.
لذا، فان الضوء واكتشاف خصائصه لعب دورًا مهمًا في تطوير كل من ميكانيكا الكم والنسبية، واللذين معًا يقدمان أفضل فهم لدينا اليوم لكيفية عمل الكون. ولكننا لم ننته بعد، لأن الضوء أكثر عمقًا في الدور الذي يلعبه في كوننا. إنه وسيلة أساسية يستخدمها كوننا لنقل الطاقة من مكان إلى آخر.
ماذا أعني بذلك؟ دعونا نأخذ الشمس كمثال. كيف تضيء؟ من أين يأتي الضوء؟ في مركز الشمس، تتحد أربع ذرات هيدروجين لتشكيل نواة هيليوم من خلال عملية تسمى الاندماج النووي. يتحرر من عملية الاندماج هذه الكثير من الطاقة، لأن نواة الهيليوم أكثر استقرارًا وتكون في حالة طاقة أقل بالمقارنة مع الأربعة انوية هيدروجين التي اندمجت لتكوين نواة الهليوم. تنطلق الطاقة في صورة أشعة جاما، وهي عبارة عن فوتونات ذات تردد عالي أو طاقة عالية. أشعة جاما لا تصل إلينا لأن طاقتها تُمتص في البلازما الكثيفة للشمس.
بالرغم من أن هذه الفوتونات تسافر بسرعة الضوء، إلا أنها تستغرق آلاف السنين للوصول إلى سطح الشمس بسبب المسارات العشوائية التي تسلكها داخل مركز الشمس، وفي الوقت الذي تصل فيه إلى السطح، تكون طاقاتها في نطاق الضوء المرئي، وهو ما نراه على الأرض.
هذا يصف أصل الضوء الصادر عن الشمس. لكن ماذا عن المصادر الصناعية للضوء التي نصنعها على الأرض، مثل ضوء الشارع أو المصابيح في منزلك أو النار؟ كيف تُنتج الفوتونات في هذه العمليات؟
تقريبًا كل الضوء المصطنع على الأرض هو نتيجة لانتقالات الإلكترونات بين مدارات الذرة بعد أن تم اثارتها إلى مدارات طاقة أعلى. في الذرة، الإلكترونات تكون في مدارات محددة يمكن حسابها بواسطة معادلة شرودنجر. يمكن اثارة هذه الإلكترونات إلى مدارات أعلى عندما تمتص الطاقة، غالبًا ما يتم اثارتها بواسطة فوتونات. الآن لديك ذرة مع إلكترون أو أكثر في حالة اثارة، وهي حالة طاقة أعلى من أدنى حالة طاقة يمكن أن تكون فيها. ولكن لأن كل الأنظمة في الطبيعة تفضل أن تكون في أدنى حالة طاقة لها، فإن هذا الإلكترون المثار سينتقل في النهاية إلى مدار أقل، وفي هذه العملية، تُطلق الطاقة الزائدة على شكل فوتون.
اذا نستطيع ان نقول ان كل الضوء المصطنع على الأرض يصدر من خلال عملية انتقال الإلكترونات في الذرات.
الآن، أهمية الضوء ليست فقط فيما يمكننا رؤيته، ولكن أيضًا فيما يمكننا الشعور به. ماذا أعني بذلك؟
كشفت نظرية الكهروديناميكا الكمومية التي طُورت في الأربعينيات بواسطة ريتشارد فاينمان وآخرين أن القوة الكهرومغناطيسية تُنقل بواسطة الفوتونات. بعبارة أخرى، عندما تتنافر الشحنات المتشابهة، فإن الجسيمات التي تحمل هذه القوة هي أشكال افتراضية من الفوتونات. تحمل تلك القوة.
أن عددًا كبيرًا من القوى التي تشعر بها لن تكون ممكنة بدون الفوتونات. لذا، على سبيل المثال، الاحتكاك بين حذائك والأرض، أو الاحتكاك بين إطارات سيارتك والطريق هو في الأساس ناتج عن الكهرومغناطيسية. هذا لأن الاحتكاك ناتج عن التفاعلات الكهرومغناطيسية بين ذرات الأسطح المتلامسة.
بدون الضوء، لن تشعر بأي شيء أيضًا، لأن اللمس هو نتيجة للتفاعل الكهرومغناطيسي بين جلدك والسطح الذي تلمسه. وبما أن الذرات في جسمك تتماسك نتيجة التفاعلات الكهرومغناطيسية بين النواة الموجبة الشحنة والإلكترونات السالبة الشحنة التي تدور حولها، فإن الذرات لن توجد بدون الضوء أيضًا.
بعبارة أخرى، عدم وجود الضوء يعني عدم وجود ذرات، عدم وجود سيارات، عدم وجود منازل، عدم وجود أي شيء، وعدم وجود الكون كما نعرفه. لذا، ليس فقط أنك لن ترى أو تشعر بأي شيء، بل لن تكون موجودًا بدون الضوء.
الكون يمكن أن يستمر في الوجود إذا أخذنا القوة الكهرومغناطيسية، ولكنه لن يشبه الكون الذي نعرفه. سنظل نملك الجاذبية، القوة القوية والقوة الضعيفة، لذا يمكننا أن نستمر في تكوين النوى ونملك بعض الانحلالات النووية. يمكن أن تتكون النوى الكبيرة جدًا في مثل هذا الكون، لأن ليس هناك تنافر كهربائي بين البروتونات الذي يمنع تكون النوى الكبيرة جدًا. الحياة كما نعرفها لن توجد بدون الضوء.
لذا، مرة أخرى دعني أطرح السؤال الذي طرحته في البداية: ما هو الغرض من الضوء؟
أريد أولاً أن أوضح أن الضوء يلعب دورًا حيويًا في معظم العمليات التي يتم فيها تبادل الطاقة. في كل مرة تنبعث أو تُمتص فيها الطاقة، يكون للفوتونات دورا فيها. من التفاعلات الكيميائية إلى الإشعاع الحراري إلى الاحتكاك وحتى العديد من العمليات النووية، تلعب الفوتونات دورا جوهريا. لذا، على سبيل المثال، الحرارة التي تُطلق في أي تفاعل كيميائي، الضوء الشمسي الذي تمتصه النباتات، الطاقة المستخدمة في العمليات البيولوجية في جسمك، حتى الحرارة التي تُطلق من القنابل النووية، كل هذه تتضمن الفوتونات. بعبارة أخرى، الضوء موجود في المعادلة.
في الواقع، ستلاحظ أن سرعة الضوء موجودة في معادلة أينشتاين للتكافؤ بين الكتلة والطاقة: E=mc². سرعة الضوء هنا تعتبر عامل تحويل يُستخدم لإظهار كيف أن الطاقة والكتلة الساكنة هما في الحقيقة نفس الشيء. ولكن دعنا نفكر في هذا بعمق أكثر. ماذا يعني هذا حقًا؟ على سبيل المثال، ماذا يحدث لكتلة الوقود في القنبلة النووية عندما يتم تحويل بعضه إلى طاقة؟ تلك الطاقة تظهر بطرقتين: واحدة هي في شكل الطاقة الحركية التي تحملها المواد التي كانت تشكل القنبلة والتي تُطلق بسرعة عالية، ولكن معظم الطاقة تُطلق في شكل حرارة وضوء. تلك الطاقة الحرارية والضوئية تُحمل في الغالب بواسطة الفوتونات، وإذا كان بالإمكان تحويل 100% من كتلة الوقود النووي إلى طاقة، في النهاية ستكون كلها في شكل فوتونات، لأن الفوتونات هي الجسيمات الوحيدة المعروفة التي يمكنها أن تكون لها طاقة وزخم بدون كتلة ساكنة، والتي يمكنها أيضًا الانتشار بحرية.
الفوتونات شائعة جدًا لدرجة أن كل جسم في الكون يُشع فوتونات. هذا يُسمى إشعاع الجسم الأسود، وهو خاصية لأي جسم فوق الصفر المطلق. وأريد أن أشير إلى أنه في عملية تبادل الطاقة عبر الفوتونات، يتم أيضًا تبادل المعلومات. لذا، عندما نشعر بحرارة ضوء الشمس، فإن هذا الضوء يحمل أيضًا معلومات من الشمس. في الواقع، لن يكون لدينا معلومات كثيرة عن كوننا إذا لم تكن هناك أشكال مختلفة من الضوء التي نكتشفها من النجوم والأشياء الأخرى في كوننا. وهذا لا يشمل فقط الضوء المرئي بل أيضًا الأشعة تحت الحمراء، والأشعة فوق البنفسجية، والأشعة السينية، وأشعة جاما. ولا ننسى الضوء الخلفي الميكروي الذي يوجد في كل مكان في الكون، وهو بقايا من بدايات الكون ويوفر دليلًا قويًا على الانفجار الكبير.
لذا، فإنني أستطيع القول ان الضوء هو الوسيط الأساسي لتبادل الطاقة والمعلومات عبر هذا الكون الفسيح.
الخاتمة
ها نحن قد وصلنا إلى نهاية رحلتنا المثيرة في عالم الضوء والفوتونات. لقد تعرفنا على الدور الحاسم الذي يلعبه الضوء في حياتنا وكيف يمكن لهذه الجسيمات الكمومية الصغيرة أن تكون الأساس لكل ما نراه ونشعر به. من تفاعلات الطاقة في الشمس إلى الضوء المنبعث من المصابيح في منازلنا، يسهم الضوء في جعل الحياة ممكنة ويعطينا القدرة على فهم الكون من حولنا.
ندرك الآن أن الضوء ليس مجرد شيء نراه بل هو عنصر أساسي يحمل الطاقة والمعلومات عبر الكون. إنه العملة الأساسية التي يستخدمها الكون لتبادل الطاقة والمعلومات من مكان إلى آخر.
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بهذه الرحلة العلمية وأن تكونوا قد تعلمتم شيئًا جديدًا ومثيرًا عن هذا الكائن العجيب الذي نسميه الضوء. إذا كنتم قد استمتعتم بهذا الفيديو، لا تنسوا الضغط على زر الإعجاب، والاشتراك في قناتنا لتصلكم المزيد من الفيديوهات التعليمية المثيرة.
وإذا كان لديكم أي أسئلة أو مواضيع ترغبون في معرفتها، اتركوها في التعليقات أدناه، وسنكون سعداء بالرد عليها. شكرًا لكم على المشاهدة، وحتى نلتقي مجددا في الفيديو القادم احييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
fg7u96
4fuqp5