كيف تعمل الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد
أحدثَ باحث في جامعة ويك فورست يُدعى أنتوني أتالا ضجة كبيرة عندما ظهر في مؤتمر تيد عام ٢٠١١، وقدَّم عرض لكيفية طباعة كُلية بشرية حية؛ وبما أن ٩٠ بالمائة من المرضى على قوائم التبرع بالأعضاء ما زالوا في انتظار زرع الكُلَى، فقد تحمس الكثيرون بطبيعة الحال لما قدمه أتالا.
يعتبر أتالا أحد رواد الطب التجديدي وأحد الرواد في مجال الطباعة الحيوية قال متفائلًا في مقابلة مع رسالة إخبارية تابعة لإحدى الشركات المالية الكبرى: «لا شك أنه في أحد الأيام، ربما بعد جيل، يمكن أن تمتلك قلبًا مصنوعًا من نسيج الخلايا خاصتك. أليس هذا رائعًا؟
في هذا المقال وبعد مرور عشرة اعوام على فكرة انتوني أتالا حدثت العديد من التطورات في مجال الطباعة الحيوية لاعضاء بشرية سوف نتعرف على فكرة عمل هذه الطابعات الحيوية ثلاثية الابعاد وانواعها والتقنيات المستخدمة لطباعة الانسجة والأعضاء والهياكل الحية، التي يمكن أن تستخدم كبدائل لأعضاء تلفت في جسم الانسان.
يمكن تعريف الطباعة الحيوية على أنها إحدى طرق الطباعة ثلاثية الابعاد 3d printing ولكن الطباعة الحيوية هي منصة تصنيع متطورة للغاية تستخدم فيها خلايا ومواد حيوية في صورة أحبار لتصنيع الخلايا والأنسجة والهياكل الحيوية بمساعدة الكمبيوتر. إنها تنتج هياكل تشبه الأنسجة ثلاثية الأبعاد عن طريق طباعة الخلايا والمواد الحيوية طبقة واحدة فوق الأخرى. وتبشر هذه التقنية بطباعة أعضاء كاملة لجسم الانسان لإصلاح أو استبدال أعضاء أو خلايا أو انسجة تالفة.
بدأت الطباعة ثلاثية الأبعاد مع المهندسين المعماريين الذين يصنعون نماذج أولية مصغرة، ولكن الآن أصبحت الطباعة ثلاثية الأبعاد تستخدم في مجالات متعددة مثل البناء والتصنيع. أدى ذلك إلى طرح سؤال طبيعي: هل يمكن أيضًا استخدام هذه التقنية لطباعة الخلايا أو الأنسجة أو الأعضاء؟ نعم، يمكن ذلك، وهذا المجال المثير يُعرف بالطباعة الحيوية.
ما هي الطباعة ثلاثية الأبعاد؟
الطباعة ثلاثية الأبعاد هي عملية يتم فيها تحويل الملفات الرقمية ثلاثية الأبعاد إلى أشكال مادية باستخدام “حبر طباعة حيوي”. يتم وضع طبقات متعددة من هذا “الحبر” طبقة تلو طبقة، بشكل متتالي فوق بعضها البعض، لإنشاء هياكل هندسية معقدة.
تعد الطباعة الحيوية bioprinting امتدادًا للطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث تتم طباعة الأنسجة الحية و / أو الأعضاء. يتم وضع الخلايا في طبقات فوق بعضها البعض، مما ينتج عنه هياكل بيولوجية ثلاثية الأبعاد. تم تصميم النسيج / العضو المطلوب باستخدام برنامج كمبيوتر، وبعد ذلك يتم طباعته وتحويلها إلى واقع ملموس.
الأنسجة ثلاثية الأبعاد المطبوعة حيويًا تشبه إلى حد بعيد الأنسجة / الأعضاء الحية لدينا، مع تفاصيل خلوية دقيقة، مثل شبكات الأوعية الدموية الدقيقة والوصلات الخلوية التي تربط الخلايا ببعضها؛ حتى هذه التفاصيل المجهرية يمكن طباعتها بدقة فائقة.
يخضع الهيكل المطبوع بعد ذلك لإعادة تشكيل الأنسجة ويُسمح له بالنضوج في وعاء متخصص يُعرف باسم المفاعل الحيوي bioreactor. بمجرد أن تنضج، تصبح هذه الأعضاء قادرة على تحمل تدفق الدم.
تعد الطباعة الحيوية الحل الأكثر ابتكارًا لمشكلة نقص الأعضاء وزرعها.
كيف تتم الطباعة البيولوجية؟
تتضمن عملية الطباعة الحيوية 4 خطوات أساسية:
- مسح الأنسجة المراد طباعتها بيولوجيا طباعة ثلاثية الأبعاد.
- اختيار الحبر البيولوجي bioink.
- مرحلة الطباعة الحيوية.
- احتضان العضو المطبوع حيويا ثلاثي الابعاد.
مخطط انسيابي لعملية الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد.
يقوم مهندسو الأنسجة بفحص جزء سليم من الجسم لإنشاء تصميم رقمي له. يتم في هذه المرحلة استخدام تقنيات التصوير مثل التصوير المقطعي المحوسب (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي، اعتمادًا على المعلومات المطلوبة. يتم تحويل الصور ثلاثية الأبعاد والتي تم الحصول عليها من التصوير المقطعي إلى شرائح ثنائية الأبعاد لترسل إلى الطابعة شريحة تلو الأخرى.
من المهم أن يتوافق العضو المطبوع حيويا بشكل وثيق مع متلقيه؛ يتم استخدام برامج كمبيوتر لنمذجة الأنسجة بدقة. ينشئ هذا البرنامج مجموعة من الإرشادات للطابعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء النسخة المتماثلة.
بناءً على الأنسجة التي يتم طباعتها، سيتم اختيار مواد الطباعة. تمامًا كما تحتاج الطابعات التقليدية إلى خراطيش حبر، تستخدم الطابعات الحيوية نوعًا خاصًا من الأحبار الحيوية. يحتوي الحبر الحيوي على خلايا حية، مثل الخلايا الجذعية، ممزوجة بالميكروجيلات التي توفر بيئة مناسبة (الماء والأكسجين والعناصر الغذائية) لكي تظل الخلايا على قيد الحياة.
فكر في مريض أصيب بحروق شديدة ويعاني من جروح حروق شديدة. قد تكون الخلايا الجذعية المسماة mesenchymal stroma cells أي (الخلايا الجذعية الوسيطة اللحمية) هي الرابط الحيوي المستخدم لتجديد جلد المريض المحروق.
بمجرد مسح الكائن المراد طباعته بيولوجيًا، يتم إنشاء إرشادات للطابعة، وتحديد نوع الحبر البيولوجي المطلوب لبدء عملية الطباعة الحيوية.
بناءً على الأنسجة / العضو والمواد المختارة، يتم تحديد استراتيجية الطباعة الحيوية الصحيحة. هناك ثلاث طرق لهذا، والتي سيتم توضيحها لاحقًا في هذه المقالة.
يتم بعد ذلك احتضان النسيج / العضو المطبوع بيولوجيًا في مفاعل حيوي، والذي يحفز البيئة التي يعيش فيها النسيج / العضو بشكل طبيعي. بعد مرور فترة من الزمن في المفاعل الحيوي، يمكن استخدام العضو في عمليات الزرع أو في البحوث العلمية. في الواقع تعتمد خطوة الاحتضان هذه على مدى تعقيد النسيج أو العضو وفي الأغلب لا تكون مطلوبة.
أذن وأنف مطبوعان بيولوجيًا
طرق الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد
هناك ثلاث طرق للطباعة الحيوية:
- المحاكاة الحيوية Biomimicry: في هذه الطريقة، يتم طباعة الجزء المراد تكراره حيويًا حول هيكل مؤقت يسمى السقالة. تكمن الفكرة هنا في أنه يمكن طباعة جزء معين من الجسم بمحاكاة الجزء الأصلي. تتطلب الأنسجة التي يتم طبعها بيولوجيًا باستخدام طريقة المحاكاة مفاعلًا حيويًا للوصول إلى مرحلة النضج الكامل.
- التجميع الذاتي المستقل Autonomous self-assembly: في هذه الطريقة، يحدث نمو للأعضاء الجنينية، متبوعًا بتكاثر الأنسجة. الفكرة هنا هي أنه إذا كانت العناصر الجنينية الصحيحة موجودة، فإن التطور الطبيعي سيتبع، دون الحاجة إلى سقالة. ستنظم الخلايا والهياكل الداعمة ذاتيًا وتتفاعل مع بعضها البعض لتشكيل الجزء النهائي من الجسم. تم طباعة أول وعاء دموي بيولوجي باستخدام هذه الطريقة.
- الأنسجة المصغرة Mini tissues: هذه الطريقة هي مزيج من النوعين السابقين. هذه “الأنسجة المصغرة” هي الوحدات الهيكلية للأنسجة، وتضاف هذه الأنسجة المصغرة إلى الحبر الحيوي وتُطبع.
تحتوي الأنسجة المصغرة على ما بين 500 و10000 خلية مزروعة في ظل ظروف محددة تسمح لها بالعيش والالتصاق ببعضها البعض. هذه الخلايا المستنبتة تشكل الحبر الحيوي. تتم طباعة العديد من طبقات الأنسجة المصغرة معًا، ومن ثم تبدأ في عملية التجمع الذاتي داخل العضو المستهدف.
ثلاث تقنيات للطباعة الحيوية
(1) الطباعة الحيوية نافثة الحبر Inkjet bioprinting
(2) الطباعة الحيوية باستخدام الليزر Laser-assisted bioprinting
(3) الطباعة الحيوية بواسطة البثق الدقيق Microextrusion bioprinting
ثلاث طابعات بيولوجية مختلفة وطريقة عملها.
الطابعات الحيوية النافثة للحبر هي أكثر أنواع الطابعات البيولوجية شيوعًا. إنها تعمل بطريقة مشابهة جدًا لطابعات نفث الحبر ثنائية الأبعاد التقليدية، حيث يتم طرد الأحجام المرغوبة من الحبر الحيوي bioink إلى نقاط محددة مسبقًا على ركيزة الطباعة (شريحة تماثل ورقة الطباعة). هذا النوع من الطابعات يعتبر الارخص من حيث التكلفة بالمقارنة مع الأنواع الأخرى وتقتصر فقط على الأحبار الحيوية ذات اللزوجة المنخفضة فقط.
غالبًا ما تستخدم الطابعات الحيوية النافثة للحبر الحرارة (200-300 درجة مئوية) لإنتاج دفعات من الضغط تدفع الحبر الحيوي خارج فوهة الطابعة في شكل قطرات دقيق. نوع آخر من الطابعات الحيوية النافثة للحبر ينتج نبضات باستخدام ضغط ناتج عن مادة كهروانضغاطية piezoelectric.
بعض العناصر الكهروانضغاطية المستخدمة في نفث الحبر، مثل البلورات أو السيراميك، تنضغط وتنحني عند تطبيق شحنة كهربائية عليها، يعمل هذا الضغط او الانحناء على إخراج الحبر الحيوي بكمية دقيقة وتطبيقه على الركيزة.
تستخدم طابعة الليزر شريطًا معدنيًا مغطى بمواد بيولوجية، يعمل الليزر على تحريك الخلايا من المحلول إلى السطح بدرجة عالية من الدقة.
تعتمد وظيفة الليزر في هذه الطريقة على تبخير المواد البيولوجية الموجودة على الشريط المعدني، والتي تتدفق بعد ذلك في شكل قطيرات تصل إلى الركيزة. تدعم هذه المستقبلة الخلايا وتسمح لها بالنمو.
هذه الطريقة لا تتطلب فتحات صغيرة مثل الطباعة النافثة للحبر؛ لذا فإنه يمكن استخدام مواد عالية اللزوجة، وبالتالي تسمح الطباعة بالليزر بطباعة مواد عالية الدقة. ومع ذلك، يمكن أن تسبب الحرارة الناتجة عن الليزر تلف الخلايا المراد طباعتها. وأيضًا، من الصعب رفع مستوى هذه التقنية لطباعة هياكل بسرعة أكبر.
تقوم الطابعات الحيوية ثلاثية الأبعاد بواسطة البثق الدقيق Microextrusion بطباعة المواد البيولوجية على شكل حبيبات صغيرة تتسطح على السطح نتيجة لتعرضها لضغط عالي. بهذه الطريقة، تطبع طبقات متتالية، بحيث تعمل كل طبقة كقاعدة للطبقة التي تليها، حتى يتم إنشاء هيكل ثلاثي الأبعاد في النهاية.
الا ان الضغط المرتفع المستخدم يمكن ان يتسبب في تلف الخلايا. وبالتالي هذه التقنية لن تكون متقنة مثل التقنيات الأخرى.
تفضل المؤسسات الأكاديمية الطابعات الحيوية التي تستخدم البثق الدقيق Microextrusion لأن هذه الطابعات هي الأكثر اقتصادا
استنتاج
أحدثت الطباعة الحيوية ثورة في قطاع الرعاية الصحية. يمكن الآن زراعة عينات خلايا المريض لإنشاء حبر حيوي لكل مريض يمكن استخدامه بعد ذلك لطباعة الأنسجة والأعضاء ثلاثية الأبعاد. نظرًا لأن هذه الخلايا مأخوذة من المريض الذي يستقبل العضو، فإن فرص رفض زرع الأعضاء منخفضة جدًا.
يمكن أيضًا استخدام الأعضاء المطبوعة بيولوجيًا لأغراض اختبار العقاقير، وبالتالي تقليل استخدام التجارب على الحيوانات.
تعد الطباعة الحيوية Bioprinting طريقة اقتصادية ودقيقة وسهلة نسبيًا لتصنيع الأنسجة / الأعضاء التي تحل بفعالية مشكلة نقص الأعضاء المانحة والتغلب على مقاومة الجسم للعضو الجديد.
استخدم الباحثون الطباعة الحيوية لإدخال خلايا تساعد في إصلاح القلب بعد نوبة قلبية، وأيضًا في وضع خلايا في الجلد المصاب والغضاريف. واستُخدمت الطباعة الحيوية لصنع صمامات القلب لاستخدامها للمرضى الذين يعانون من أمراض قلبية، وكذلك في بناء أنسجة العظام والعضلات والمساعدة في إصلاح الأعصاب.
وبالرغم من أننا بحاجة إلى المزيد من البحوث والتجارب لتحديد طريقة الحصول على نتائج سريرية أفضل، أظهرت الأبحاث أن الطباعة الحيوية يمكن استخدامها في تجديد الأنسجة أثناء الجراحة وبعد الإصابات. وفي المستقبل، يمكن أن تتيح الطباعة الحيوية إنشاء أعضاء كاملة مثل الكبد والقلب من الصفر واستخدامها في عمليات زرع الأعضاء.