النظرية الديناميكية الكمية اللونية ونظرية الأوتار
ماذا نعنى بالضبط بكلمة جسيم أولي؟ أي ما هو الجسيم الأولي؟ وهل توجد جسيمات غير أولية؟ لعل ابسط إجابة لهذا السؤال هي أن الجسيم الأولي هو عبارة عن جسيم صغير جداً وبسيط جداً لدرجة انه من المستحيل تقسيمه إلى نصفين. إذن من هنا نفهم أن هناك جسيمات غير أولية (جسيمات مركبة) وهي تلك التي تتكون من جسيمات اصغر وابسط منها.
مسلسل البحث عن الجسيمات الأولية
لقد اكتشف الفيزيائيون في وقت ما أن المادة تتكون من جزئيات.لذا تم اعتبار الجزئيات جسيمات أولية. ثم وجد أن الجزئيات بدورها تتكون من ذرات. فتم اعتبار الجزئيات كجسيمات مركبة لأنها تتكون من وحدات أصغر وابسط وهي الذرات. لذا اعُتبرت الذرات جسيمات أولية. ثم سرعان ما تم تفتيت الذرة ووجد أنها تتكون من نواة موجبة الشحنة وإلكترونات سالبة تدو حول النواة. واكتشف أيضاً أن النواة نفسها تتكون من جسيمات صغيرة وهي البروتونات والنيوترونات وهي تسمى نُويدات (النُويدة تصغير لكلمة نواة وتعنى إما البروتون أو نيوترون) وهكذا تم التخلي عن مفهوم الذرة كجسيم أولي واعُتبرت الالكترونات والنويدات عبارة عن جسيمات أولية.
ولكن وجد لاحقاً أن النُويدة بدورها تتكون من جسيمات أصغر وأبسط منها، وأُطلق على هذه الجسيمات اسم كواركات. ولهذا السبب نحن الآن نعتبر الإلكترونات والكواركات جسيمات أولية.
هل يا تُرى سوف يأتي يوم نستطيع فيه أن نقسم الكوارك أو الإلكترون إلى جسيمات أصغر وابسط؟ وهل سوف يستمر هذا المسلسل من التقسيمات إلى الأبد؟
كيف نستطيع أن نُحدد ما إذا كان الجسيم (أ) أوليا أم لا؟
لعل ابسط اقتراح هو أن نقوم بجعل جسيمين من الجسيمات (أ) يتصادمانبقوة هائلة، بالتالي إذا كانت الجسيمات (أ) جسيمات غير أولية (جسيمات مركبة) فإنهاسوف تتهشم وتنقسم إلى شظايا صغيرة أي إلى جسيمات أخرى اصغر وابسط (جسيمات أولية)
أماإذا كانت الجسيمات (أ) جسيمات أولية فإنها لن تتهشم وتنقسم إلى شظايا أخرى. ولكن نتيجة لشدة التصادم فسوف تتكون طاقة كبيرة جداً وهذه الطاقة سوف تكون كافية لخلق جسيمات وجسيمات مضادة أي على سبيل المثال لو جعلنا إلكترونين يتصادمان فانه نتيجة لشدة التصادم سوف تنشأ طاقة هائلة وهذه الطاقة تخلق أزواجاً من الجسيمات والجسيمات المضادة مثل كواركات وكواركات مضادة وربما تتكون نويدات أو حتى ذرات. هكذا إذن نتيجة لهذا التصادم سوف يتكون حساءٌ من الجسيمات الأولية وغير الأولية، مما يجعل مهمة تحليل نتيجة التجربةأمراً صعباً ومُعقداً جداً.
لذا سوف نبحث عن طريقة أخرى نستطيعمن خلالها أن نبين ما إذا كان الجسيم أوليا أم مركباً.
والطريقة الأخرى لمعرفة ما إذا كان جسم مايتكون من أجزاء أصغر منه أم لا. هي أن نقوم بتدوير (لف أو برم) ذلك الجسم حول محورهفمثلاً لو كانت لدينا كرة قدم وقمنا بتدويرها حول محورها بسرعة زاوية كبيرة.
وفي كل مرة تقوم فيها بزيادة سرعة الدوران سوف تزداد كمية الحركةالزاوية للكرة وهكذا سوف تكتسب الكرة طاقة وإذا قمنا برسم العلاقة بين الطاقة وكمية الحركة الزاوية فإننا سوف نحصل على المنحنى البياني التالي:
ومن خلال هذا الرسم نرى أن هنالك نقطة يتوقف عندها المنحنى. أي أننا لن نستطيع بعدها الاستمرار في زيادة كمية الحركة الزاوية والطاقة. والسؤال هنا هو لماذا يتوقف المنحنى عند تلك النقطة؟
بالطبع نتيجة للدوران فان قوى الطرد المركزيسوف تزداد وتنبعج الكرة إلى أن نصل إلى مرحله تتمزق فيها الكرة إلى أجزاء صغيرة.
هكذا وبنفس هذا المنطلق لو كانت لدينا نقطة مادية فإننا عندما نقوم بتدويرها. ولكن مهلاً توقف. كيف نستطيع تدوير نقطة حول محورها؟ أي هل للنقطة محور أصلاً؟بالطبع لا، ليس للنقطة محور وبالتالي لا يوجد معنىً لتدوير النقطة ولهذا فان الجسيم الأولي لايمكن تدويره.
وهكذا فان إمكانية أو عدم إمكانيةالتدوير (اللف أو البرم) تُحدد ما إذا كان الجسيم أوليا أم لا. وذلك لان الجسيمالمركب يتكون من جسيمات أخرى صغيرة وهذه الجسيمات يمكن أن تدور بالنسبة لبعضها البعض. أما الجسيم الأولي فلا يتكون من جسيمات أخرى وبالتالي لا توجد حركة نسبية تسمح بالدوران.
الآن دعنا نقوم بتدوير نواة ذرة حول محورها. ولما كانت النواة صغيرةً جداً فهي تخضع لقوانين ميكانيكا الكم وبالتالي لن نستطيع زيادة كمية الحركة الزاوية والطاقة بصورة مستمرة لان هناك مستويات طاقة (وكمية حركة زاوية) محددة مسموح بها لذلك فإننا عندما نرسم العلاقة بين كمية الحركة الزاوية والطاقة يكون لدينا منحنى متقطع بالصورة التالية:
وهكذا إذا استثنينا تقطُع كمية الحركة الزاوية والطاقة فانه لا يوجد فرق بين المنحنى الذي يمثل دوران كرة القدم حول محورها والمنحنى الذي يمثل دوران النواة حول محورها. مما يعنى أن النواة ( شأنها شأن كرة القدم) ليست جسيماً أوليا بل جسيم مُركب يتكون من جسيمات أخرى صغيرة نستطيع أن نجعلها تدور بالنسبة لبعضها البعض إلى أن تصل إلى مرحلة تتمزق فيها النواة (نتيجة لقوة الطرد المركزي) إلى جسيمات صغيرة وهذه الجسيمات الصغيرة تسمى بالنويدات (بروتونات أو نيوترونات).
البروتونات والنيوترونات هي جسيمات متشابه إلى حد كبير جداً فكلاهما يوجد في نواة الذرة وتقريباً لهما نفس الكتلة ونفس طبيعة التفاعل ولكن هنالك فارقٌ وحيد وهو أن شحنة البروتون موجبة، بينما شحنةُ النيوترون متعادلةٌ كهربياً.ونسبة لهذا التشابه أطلقعليهما نفس الاسم وهو النُويدة حيث أن البروتون عبارة عن نُويدة موجبة أما النيوترون فهو نُويدة متعادلة كهربياً.
كما قلنا سابقاً كان الاعتقاد السائد هو أن النُويدات عبارة عن جسيمات أولية (مثل الالكترونات) أي أنها جسيمات لا يمكن تقسيمها إلى جسيمات أصغر وابسط، ولكن اتضح فيما بعد أن النُويدات لها تركيب داخلي مُعقد.
وتماماً مثل كرة القدم أو نواة الذرة فإننا نستطيع أن نجعل النُويدة تدور حول محورها، وقبل أكثر من 40 عاماً عندما تم رسم العلاقة بين كمية الحركة الزاوية وطاقة النويدة كانت النتيجة مدهشةً في بساطتها وهي تقريباً عبارةٌ عن علاقة خط مستقيم ولكن المدهش جداً هو أن الخط لا يتوقف عند نقطة مُعينة كما حدث في حالة كرة القدم ونواة الذرة.
إذن هناك ملاحظتان على هذا الرسم البياني:
أولاً: نسبةً لإمكانية تدوير النُويدة حول محورها فان النُويدة ليست جسيماً أوليا بل جسيم مركب يتكون من جسيمات أخرى اصغر وابسطمنها.
ثانياُ: هناكشفرة في هذا الرسم البياني يحب حلها، وهي طالما أن النُويدة جسيماً مركباً فانه يجبأن نصل إلى مرحلة تتمزق بعدها النويدة إلى جسيمات أخرى، ويقف المنحى عند تلك المرحلة ولكن المدهش حقاً هو أننا نستطيع أن نستمر في زيادة كمية الحركة الزاوية والطاقة إلى الأبد دون أن تتمزق النُويدة. بمعنى آخر فالنُويدة عبارةٌ جسيم مُركب ولكن من المستحيل تقسيمه إلى مكوناته الأساسية.
وبطبيعة الحال فانه ونتيجة لقوة الطرد المركزي فان النُويدة تنبعج (ولكنها لن تنشطر مهما حاولنا) وانبعاجها ليس كانبعاج كرة القدم أو نواة الذرة فيثلاث إبعاد بل هو انبعاج في بُعد واحد.
ومن خلال نصف قرن من إجراء التجارب علىالنُويدات والهادرونات بشكل عام وجد أنها تتكون من خيوط مطاطية وهذه الخيوط يمكنأن نمطها أو أن نجعلها تهتز بإثارتها أي بإضافة طاقة. وهكذا فان النُويدات والهادرونات تتكون من أشياء خيطية مطاطية تشبه العلكة ولكنها لا تنقطع مهما قمنابمطها. ولهذا السبب فان فاينمان قد أطلق عليها اسم البارتونات partons إشارةً لكونهاجزء part من النُويدة. ولكن هوموري جلمان أول من أطلق عليها اسم الكواركات والغلوونات Gluons (لاصق أو صمغ) والغلوون هو الشيء المطاطي الذي يشكل الشكل الوتري الذي يمنع الكواركات من أن تتطاير بعيداً عند تدويرها.
الكواركات
هناك أنواع مختلفة من الشايمثل الشاي الأحمر والشاي الأصفر والشاي الأخضر والشاي الأسود …الخ وهناك أيضا نكهات مختلفة للشاي فمثلاً هناك شاي بنكهة القرنفل أو النعناع أو الحبان …الخ مننكهات التوابل العربية المشهورة.
نعم…. الكواركات تشبه الشاي إلى حد ما فمثلاً الكواركات لها ثلاثة ألوان هي أحمر Red وأخضر Green وأزرق Blue وهذا هو سر التسمية ” الديناميكا اللونية “Chromo dynamics وهى كلمة مشتقة من الكلمة Khroma وتعنى اللون باللغة اليونانية. ولكن مهلاً هل يعقل أن يكون للكوارك لون؟ أي هل للكوارك سطحاً يعكس طولاً موجياً للضوء فنرىلوناً معيناً؟ بالطبع لا، هذه الألوان هي فقطمسميات للتفريق بين اعدد كمية معينة تحملها الكواركات تسمى بالشحنات اللونية.
نقطة التشابه الثانية بين الكواركات والشاي هيأن الكواركات أيضا لها نكهات Flavors مختلفة وبالتحديد هناك 6 نكهات (مثل القرنفلوالنعناع والحبان) وهذه النكهات تسمى:
- عُلوي up ويختصر بـ u
- سُفلي down ويختصر بـ d
- ساحر charm ويختصر بـ c
- غريب strange ويختصر بـ s
- قمي top ويختصر بـ t
- قعري bottom ويختصر بـ b
وكما نعلم فان لكل جسيم في الطبيعة جسيم مُضاد، لذا فان هناك نكهات مُضادة وهي:
- كوارك علوي u وكوارك علوي مُضاد
- كوارك سفلى d وكوارك سفلي مُضاد
- مثل كوارك ساحر c وكوارك ساحر مُضاد
- مثل كوارك غريب s وكوارك غريب مُضاد
- مثل كوارك قمي s وكوارك قمي مُضاد
- مثل كوارك قعري b وكوارك قعري مُضاد
بقى أن نقول الكواركات هي عبارة عن فيرميونات، ولفها المغزلي يساوى 1/2 . ولها شحنات كهربية كسرية من مقدارشحنة الإلكترون. وشحنة الكواركاتu وc وt تساوى2/3 من مقدار شُحنة الإلكترون. أما شحنة الكواركاتd وs وb تساوى 3/1- من مقدار شحنة الإلكترون. وبالطبع فان الجسيمات المُضادة لهاشحنات ولف مغزلي مُضاد (إشارة معاكسة) لذا اترك للقارئ مهمة استنتاج الشحنات واللفالمغزلي للكواركات المُضادة.