مقالاتمواضيع العدد ٨

نشأة الكون والمسرع الهيدروني

نشأة الكون والمسرع الهيدروني

من أين جاءت فكرة الانفجار العظيم بدأت نظرية نشوء الكون عندما استنبط الفيزيائي بول ديراك معادلته الشهيرة والتي تنبأت بالجسيمات المضادة وعلى هذا الاختراع بنيت واحدة من أقوى النظريات العلمية لنشوء الكون إلا أنها كغيرها من النظريات لم تكن تخلو من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة وإلى بعض الدلائل التجريبية التي تثبت صحتها، ومن هذه التساؤلات أن المادة والمادة المضادة كان من المفترض أن يفني كل منهما الآخر في دفقات من الشعاع الصرف وأن تترك. لنا كوناً مليئاً بالإشعاع لكن ما حدث هو عكس ذلك تماماً / كون مليء بالمجرات والكواكب .فما الذي حدث؟

كيف استطاعت المادة الحفاظ على نفسها ؟

اعلانات جوجل

لتفسير الكون الذي نراه اليوم هناك أفضلية للاعتقاد أن المادة لم تتوازن إلا دقيقة واحدة ليتحقق بعدها زيادة طفيفة في الجسيمات المادية بحيث يقابل كل 30مليون من جسيمات المادة المضادة 30مليون وواحد من جسيمات المادة . إلا أن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا مصادفة كيف يمكن للكون أن يبدأ حياته بمثل هذه الحالة من اللا توازن.

كان الفيزيائي الروسي اندريه ساخاروف أول من بدأ بحل هذا اللغز سنة 1967 وبين أنه يمكن للمادة أن تتفوق على المادة المضادة عند تحقق ثلاثة شروط :

  • وفق ساخاروف فإنه لا يمكن لأي قانون انحفاظ أن يمنع التفاعلات التي تغير عملياً التوازن بين الجسيمات والجسيمات المضادة.
  • أشار ساخاروف على أن القوانين التي نعرفها تنطبق على المادة وأن قوانين المادة المضادة مختلفة قليلاً عما نعرفه واستند في برهان صحة فرضيته على تجارب أجريت وأثبتت أن القوة المعروفة جيداً بدورها في التفكك الإشعاعي لا تؤثر على الكوراكات ومضادات الكوراكات بشكل متساوي.
  • أشار ساخاروف أنه كانت هناك حقبة في تاريخ الكون المبكر كانت التفاعلات تجري بين مختلف الجسيمات والجسيمات المضادة وكان الإشعاع البلازمي يحدث بنسب مختلفة وهذا لا يحدث إلا إذا كانت هناك حالة من عدم التوازن الحراري.

وبدون هذه الشروط لن يتمكن الكون من التطور من حالته البدائية (التي تحوي كميات متساوية من المادة والمادة المضادة) إلى حالته النهائية (اللا متوازنة).

بعض النماذج المقترحة لتفسير حالة عدم التوازن:

اعلانات جوجل

1- النماذج المعيارية: تفترض هذه النظرية أنه عندما كان عمر الكون هو 10-62ثانية كانت الجسيمات وتأثراتها مختلفة عما هي عليه اليوم فكل الجسيمات كانت بدون كتلة وكانت تأثراتها ضعيفة جداً ومع تمدد الكون وتبرده أصبحت لهذه الجسيمات كتلة وأصبحت أقل نشاطاً.

نشأة الكون والمسرع الهيدروني
المسرعات عبارة عن أجهزة عملاقة تستطيع تسريع الجسيمات قبل اصطدامها يبعضها البعض

المسرعات عبارة عن أجهزة عملاقة تستطيع تسريع الجسيمات قبل اصطدامها يبعضها البعض

بدأت هذه الحالة الأبرد كفقاعة صغيرة تمددت بسرعة وحينما حدث ذلك أفسدت الفقاعة حالة التوازن الحراري للكون وتأثر كل من الجسيمات والجسيمات المضادة بهذه التغيرات وانتهى بعض هذه الجسيمات إلى داخل الفقاعة (الكواركات) وغادر القسم الآخر خارجها (الكواركات المضادة).

وتفترض هذه النظرية أن حجم الفقاعة اليوم هو بحجم الكون وبما أننا نعيش بداخلها فإننا نرى الفيض في الكوراكات كشيء تسيطر فيه المادة على المادة المضادة. إلا أن النموذج العياري بالرغم من التعبير الجميل الذي قدمه فإنه يفتقر إلى الإثباتات الرياضية.

نموذج التناظر الفائق:هذا النموذج كان يحتوي على العديد من الجسيمات غير المعروفة حتى الآن والتي لا تطالها التجربة المخبرية. وعلى الرغم من أن النظريون يقبلون على العناصر الفائق فإننا لم نجد أي دليل عملي يثبت صحة افتراضاتهم باستثناء بعض التجارب التي لا ترتقي لمستوى المطلوب منها.

اعلانات جوجل

من هذه التجارب تجربة قام بها فريق من الفيزيائيين من ايطاليا وفرنسا وسويسرا بهدف تحليل الميزونات (mesons) التي تولدت في تجربتين في مسرع التيغاترون في مختبر فيرمي، حيث تتألف من كوارك مضاد (قاع) bottomومن كوارك (غريب) strang. ويدعى التعاون المذكور أنهم عندما يضمون كل نتائج الميزونات “”bsإلى بعضها البعض فإنهم يجدون انحرافاً شديداً قد يكون دليلاً على تأثر جديد خارج النموذج المعياري.

هذا الانحراف يفعل في الكواركات أكثر مما يفعل في الكواركات المضادة وهذا يمكن أن يكون سبباً في فائض الكواركات في كوننا.

إلا أن هذه التجربة لا تكفي للقول أن المجموعة المذكورة قدمت برهاناً قوياً على حالة عدم التوازن ( وهنا تزداد حاجتنا للحصول على بعض الجسيمات فوق التناظرية لتقديم البرهان وهذا ما يسعى العلماء للحصول عليه باستخدام المصادم الهيدروني الكبير (LHC).

نموذج مولد الليبتونات: في أوساط الثمانينيات بين الفيزيائيين ماساكتا فوكوجيتا .وتوتوموياناجيتا أنه يمكن أن يكون اللاتوازن بين المادة والمادة المضادة قد تم بواسطة مولدات الليبتونات وإذا كان ذلك صحيحاً فإننا ندين بوجودنا إلى  النترينوهات، إذ أثبتت دراسات أجريت مؤخراً أن النترينوهات ليست عديمة الكتلة وإنما هي تمتلك كتلة بالفعل وإن كانت صغيرة جداً.

اعلانات جوجل

ونعرف دور النترينوهات في اللاتوازن بأن نفرض نوع جديد من النترينوهات يدعى ( النترينو المنفرد ) ومثل جميع الجسيمات الأساسية هذه الجسيمات كانت تتوافر بكثرة في الكون المبكر جداً.

ووفق سيناريو مولد الليبتونات تنتقل النترينوهات الأحادي عبر الكون إلى أن تتفكك إلى نترينوهات ونترينوهات مضادة وهذا التفكك يتم بشكل لا متوازن وهذا يتفق مع شروط ساخاروف.

ثم وفق شروط الحرارة العالية والضغط بالإمكان حدوث تفاعل يحول النترينوهات إلى بروتونات (protons) والالكترونات.

 إلا أنه من غير الممكن إيجاد النترينوهات الأحادية في المخبر وقياس تفككها ومن المحتمل أن تكون ثقيلة وأن تكون تأثراتها ضعيفة جداً إلا أنه يمكننا اختيار ما إذا كنت الفكرة صحيحة على الأقل.

 

ما هي المسرعات وما هو مبدأ عملها؟

تم اختراع أول مسرع عام 1929. ونظراً لنجاح التجارب الأولى لزم الأمر طاقة أعلى.

أن عالم الجسيمات هو أصغر من عالم الذرة وللدخول إلى هذا العالم الصغير جداً يلزمنا طاقة عالية وهذه الطاقة يمكن الحصول عليها من المسرعات. فكرة المسرع هي إكساب جسيم ما (الإلكترون، بروتون) سرعة هائلة ثم حمله على التصادم مع جسم آخر من النوع نفسه أو من نو مختلف بهدف تحطيم هذه الجسيمات إلى جسيمات أصغر بغية معرفة مما تتكون.

يمكن تشبيه ذلك بأنه لدينا كرة كبيرة تتألف من مزيج من الحصى والحديد والثلج ولمعرفة مكونات الكرة يجب علينا فصل مكوناتها عن بعضها وذلك بتفتيت الكرة إلى أجزاء صغيرة، وهذا هو السبب الذي يدعو العلماء إلى استخدام طاقة هائلة لتحطيم الجسيمات لعلم يجدون مم تتكون وعلى هذا كلما كان طاقة المسرع أكبر استطاع أن يقدم لنا صورة أقرب لتلك التي كانت عند نشوء الكون.

كيف تعمل المسرعات؟

يتألف المسرع من تجويف مفرغ محاط بعدد متتال من مضخات تفريغ ومغناطيس ومصدر لموجات راديوية وأجهزة جهد عالي ودوائر الكترونية وفي جوف الأنابيب تتحرك الجسيمات بسرعة هائلة باستخدام المجال الكهربائي والمجال المغناطيسي للإبقاء على مسار محدد للجسيمات.

لتقريب آلية عمل المسرعات أكثر تصور أنك ربطت كرة صغيرة بحبل وحاولت إدارة هذه الكرة بشكل دائري ففي كل دورة تزداد سرعة الكرة المشدودة إلى الحبل وكلما ازدادت عدد الدورات ازدادت سرعة الكرة إلى أن تفلت الكرة عند سرعة معينة.

المبدأ نفسه تدور الجسيمات في المسرعات إلى أن تصل إلى طاقة معينة عندئذ توجه للتصادم مع بعضها البعض.

مسرع سيرن CERN:

سيرن مأخوذ من الأحرف الأولى لعبارة المجلس الأوروبي للأبحاث النووية (European council for nuclear re search). تأسست سيرن سنة 1954 بالتعاون بين دول أوروبية في تلك السنة ويبلغ حالياً عدد الدول الأوروبية الأعضاء حوالي 20 دولة في بداية الثمانينيات صمم العلماء نفق دائري ضخم لدراسة التصادم بين الإلكترون والبوزيترون (مضاد الإلكترون) وتم بالفعل عمل هذا النفق ولسنوات تمت الدراسة ولكن الجديد أن النفق نفسه سيستعمل لدراسة التصادم ولكن بين البروتونات هذه المرة.

يتم تسريع البروتونات بأن يلف كل بروتون أكثر من 11000 مرة في الثانية الواحدة في دائرة كبيرة يبلغ محيطها 27 كيلو متر وقطر الأنبوب الذي تتحرك فيه البروتونات يبلغ 6 سنتمترات وهذا الأنبوب يبلغ على عمق حوالي (50 – 175)م

آلية عمل سيرن:

للتحكم في مسار الجسيمات يتم استخدام 7000 مغناطيس فوق العادي والغرض منها تركيز حزمة الجسيمات للحصول على التصادم المطلوب داخل المسرع ويتم تبريد هذه المغنطيسات إلى درجة -271 سلسيوس والغرض من التبريد الحصول على التوصيل فوق العادي للتيار الكهربائي، أي توصيل التيار من دون مقاومة للحصول على مجال مغناطيسي كبير جداً إن قوة المجال المغناطيسي العادي 2 من تسلا (وحدة المجال المغناطيسي) بينما عند التبريد 8 تسلا وها يوفر طاقة كبيرة أي أنه لولا استخدام التبريد لاحتجنا إلى نفق يصل طوله حوالي 120 كيلو بدلا من 27 كيلو متر.

لتبريد المغناطيس المفروض توفر غاز الهليوم للوصول إلى قرب الصفر المطلق ويبلغ عدد الجسيمات التي يتم تبريدها إلى درجة التوصيل الفائق حوالي 1232 مغناطيس وهي من النوعية ثنائية القطبية، إن عملية التبريد تتم على مرحليتين:

  • التبريد إلى الدرجة -193 درجة استخدام النتروجين السائل (أرخص من الهليوم).
  • تم استخدام الهليوم للوصول إلى التبريد المطلوب.

لإعطاء فكرة عن حجم هذه المغانط لك أن تتخيل أن حجم مغناطيس واحد منها بحجم منزل!.

أما عند نقطة التصادم يتم وضع مجسمات ضخمة تقوم بتسجيل الجسيمات الجديدة الناتجة من التصادم بالإضافة إلى الكمبيوترات الضخمة لإجراء الحسابات والتحليلات المعقدة والتعامل مع الكم الهائل من البيانات فالمجسات المستخدمة يبلغ عددها أربع مجسات وكل مجس تم إنتاجه من فريق عمل مختلف.

من المقرر أن يعمل في المسرع حوالي ( 6500) عالم من 80 دولة حوالي نصف عدد المتخصصين في العالم وأن يعطينا بيانات تبلغ حوالي 7 أضعاف كل المعلومات المتوافرة في مكتبات الجامعات الأمريكية.

ماذا نريد من المسرع الهيدروني؟

يقول العلماء أن سيرن تعتبر أفضل أمل لفحص النظريات لفيزياء جديدة تؤدي لمعرفة أصل الكون وكيف تعمل بل إن بعضهم يقول أنه الأمل الوحيد في ذلك. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن مشروع سيرن يمثل منجزات هذه الحضارة وشبهها بالأهرام بالنسبة للحضارات القديمة.  وأيا كانت النتائج التي سيقدمها لنا المسرع اللهيدروني فان الكون لا يمكن أن يبوح لنا بجميع أسراره؟

المراجع:

  • مجلة عالم الذرة (مجلة تصدر عن هيئة الطاقة الذرية السورية)
  • مجلة العربي الكويتية
  • كتاب تاريخ الفيزياء (من مقررات جامعة تشرين)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى