كيف تم قياس امواج الجاذبية بواسطة مرصد الليجو LIGO
اندهش العالم منذ ٥٥ عاما مع اكتشاف اول ليزر في العام ١٩٦٠ والذي وضع اساسه النظري العالم اينشتين في ١٩١٧ وبعد مرور ٤٣ سنة توصل العلماء إلى اول شعاع ليزر. وها نحن اليوم نندهش مرة اخرى بعد مرور ١٠٠ عام لفرضية وضعها اينشتين وتحققت عمليا بتجربة عملية اجتاحت نتائجها ارجاء الكرة الارضية.
افترض العالم البرت اينشيتن في نظريته النسبية العامة بان اي جسم يمتلك كتلة يحدث تغيرا في شكل الزمكان وعند تسارع هذه الاجسام فانها تحدث اهتزازات في الزمكان تسمى بامواج الجاذبية gravitiational waves. ومن هنا فان اينشتين يفسر الجاذبية بشكل مختلف تماما عن ما توصل له العالم نيوتن وان الجاذبية اصلها الكتلة الا ان اينشيتن اخذ منحى اخر وقال في نظريته ان كتلة الجسم تحدث تغير في نسيج الزمكان وتغير نسيج الزمكان يتسبب في حركة هذه الكتل.
منذ يومين في الحادي عشر من فبراير من العام ٢٠١٦ تمكن العلماء اخيرا من التحقق من صحة هذه النظرية التي كانت على المحك وكانت التجربة غاية في الاهمية والدقة لانها كانت ستؤدي في إلى نتائج مبهرة سواء اثبتت صحة النظرية النسبية او عدمها الا ان التجربة جاءت لتؤكد وجود امواج الجاذبية وان النظرية النسبية العامة صحيحة. هذا اعطى النظرية النسبية وصاحبها بعدا جديدا انه بعد مرور ١٠٠ عام من فرضيته يتمكن العلماء من اثبات صحتها.
الحدث في حد ذاته كبيرا وربما يعتبر الاكثر اهمية في القرن الواحد والعشرين وقد تناولته كافة وسائل الاعلام الغربية والعربية لتغطي جوانب عديدة حول موضوع امواج الجاذبية والحدث العلمي الكبير.
لعل الجميع يتسائل في استغراب لماذا تطلب الامر ١٠٠ عام للتحقق من صحة النظرية؟ وما هي هذه التجربة؟ وكيف تعمل؟ وما هي فائدة امواج الجاذبية؟ ولماذا كل هذه الضجة حول هذا الحدث. من هنا سوف اقوم بعرض سلسلة من المقالات لتجيب على كل استفسار بشكل مبسط وسابدأ في توضيح تجربة رصد موجة الجاذبية.
ساحوال في هذا الموضوع ان اوضح بشكل مبسط وسهل الاجابة على هذه الاسئلة والاستفسارات بعيد عن الدخول في مفاهيم النظرية النسبية واسسها ومفاهيمها.
مقدمة
تعمل امواج الجاذبية على تغير المسافات بين الجسيمات التي تتحرك بحرية في مسارات دائرية في الفراغ الفسيح. يوضح الشكل ادناه موجة تتحرك عموديا بالنسبة لمستوى الشاشة في اتجاهك. الحركة التي نشاهدها في الشكل مكبرة للتوضيح حيث انه في الواقع تتسبب امواج الجاذبية في حدوث فرق طفيف في المسافات الشاهقة لا تتعدى جزء من قطر ذرة الهيدروجين للمسافة بين الأرض والشمس.
اذا للاستدلال على وجود امواج الجاذبية يجب ان نصمم تجربة ترصد بدقة هذه التغيرات الدقيقة في المسافات الكونية! بالتأكيد انه لامر غاية في الخطورة والدقة الا ان الفيزياء لا تعرف المستحيل.
كيف يمكن رصد تغير دقيقا إلى هذا الحد؟
تخيل لو انك قمت باستبدال النقطة السوداء في منتصف الشكل السابق بكاشف واستبدلت النقطة الحمراء على اقصى اليمين بمصدر ليزر. الان سوف ترى نبضات من الضوء تخرج من مصدر الليزر في اتجاه الكاشف، والشكل ادناه يوضح كيف سوف تنطلق نبضات الليزر في اتجاه الكاشف في غياب اي امواج جاذبية.
في كل مرة تصل فيها نبضات الليزر الكاشف يعطي ضوء اصفر اللون. ترسل النبضات بشلك منتظم وبتتحرك بنفس السرعة وبالتالي فهي تصل إلى الكاشف خلال فترات زمنية متساوية.
الان اذا تخيلنا مرور موجة جاذبية خلال هذا النظام وسوف نفترض انها قادمة من الشاشة في اتجاهك. ماذا سوف يحدث؟ سوف تتسبب موجة الجاذبية في تغير المسافات. لنفترض ان الكاشف يبقى ثابتا مكانه وان التغير في المسافة سوف يحدث للمصدر الضوئي فقط. ان هذا سوف يجعل المسافة بين النبضات تتغير وكذلك المسافة بين الكاشف والمصدر الضوئي سوف تتغير ايضا كما هو موضح في الشكل ادناه وكل هذه التغيرات تحدث بسبب موجة الجاذبية.
نلاحظ ان ومضات الضوء الاصفر لم تعد منتظمة حيث انها في بعض الاحيان تنبض بسرعة وفي احيان اخرى تكون ابطأ قليلا. هذا هو بسبب امواج الجاذبية وهذا ما كان يطمح العلماء في رصده للتحقق من موجة الجاذبية.
هذا هو توضيح لفكرة التجربة التي اجريت لرصد موجة الجاذبية في مرصد الـ LIGO ولمعرفة تفاصيل التجربة وكيف اجريت تابع في الجزء التالي
التجهيزات العلمية لتجربة مرصد الليجو LIGO
مرصد ليجو LIGO هو اختصار لـ Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory والتي تعني مرصد موجة الجاذبية باستخدام تداخل الليزر. وتتكون التجربة من مرآتين ومستقبل او كاشف ضوئي مع استخدام موزع ضوئي beamsplitter للحصول على شعاعين ضوء من مصدر واحد (ربما تتذكر تجربة ميكلسون مرولي للتداخل وكيف ان نتائجها ادت إلى اثبات عدم وجود الاثير).
ينطلق ضوء الليزر إلى الكاشف من مصدر الليزر LS مرورا في الموزع الضوئي B والذي يقوم بارسال نصف الضوء إلى المرآة M1 والنصف الاخر إلى المرآة M2. ينعكس الضوء الساقط على المرآتين ويعود إلى الموزع الضوئي B. لذا فان الضوء القادم من المرآة M1 أو المرآة M2 ينقسم مرة أخرى حيث يتجه نصفه إلى الكاشف LD والنصف الاخر يعود إلى المصدر الضوئي LS. ولتبسيط التجربة سوف نهمل نصف الضوء العائد إلى المصدر الضوئي، بحيث ان الضوء الذي يصل إلى الموزع الضوئي B من المرآتين M1 أو M2 يتجه نحو الكاشف LD.
تعرف هذه التجهيزات في الفيزياء باسم مقياس ميكلسون للتداخل Michelson Interferometer وسوف نوضح الان لماذا هذه التجهيزات مناسبة لقياس ورصد امواج الجاذبية.
نبضات ضوء الليزر في كاشف موجة الجاذبية
الشكل التالي يوضح التجهيزات العملية عندما ننظر إليها من الأعلى.
تبدأ التجربة بانبعاث نبضات ضوء الليزر وللتوضيح اكثر سوف نجعل نبضات ضوئية باللون الاحمر تمثل الضوء الذي ينبعث في اتجاه الذراع الافقي للتجربة وباللون الاخضر للضوء المنبعث في اتجاه الذراع الرأسي للتجربة.
تبدأ نبضات الليزر رحلتها من مصدر الليزر إلى اليسار وتصل إلى الموزع الضوئي. يرسل الموزع الضوئي نبضات الليزر الخضراء إلى الأعلى ويسمح الموزع الضوئي للنبضات باللون الاحمر من المرور في اتجاه المرآة إلى اليمين. تعود نبضات الليزر باللونين الاخضر والاحمر إلى الموزع الضوئي بعد انعكاسها عن المرآتين. يتم توجيه النبضات المنعكسة إلى الكاشف الضوئي في الاسفل.
في هذه التجربة كان الذراع الافقي اطول قليلا من الذراع الرأسي. لذا فان نبضات الليزر الحمراء تقطع مسافة اطول قليلا. لهذا فهي تصل إلى الكاشف الضوئي متأخرة قليلا ونشاهد في الشكل اعلاه تتابع وصول النبضات الخضراء والحمراء بمسافات متساوية بينهما. هذا الامر مهم وسنكتشف ذلك بعد قليل.
في الشكل التالي شريط تسجيل لزمن وصول النبضات الحمراء والخضراء إلى الكاشف الضوئي. لاحظ المسافات المتساوية بين النبضات الخضراء والحمراء.
لنحضر الان موجة الجاذبية إلى التجربة!
لنفترض موجة جاذبية تنتشر من الشاشة في اتجاهك ماذا ستكون النتيجة:
تحدث موجة الجاذبية تغير في المسافة بين المرآتين M1 وM2 بالنسبة للموزع الضوئي B (على افتراض ان المسافة بين الموزع الضوئي ومصدر الضوء لا تتغير وذلك لتبسيط التجربة).
انظر كيف اصبحت النبضات الضوئية تصل إلى الكاشف، في بعض الاحيان تكون المسافات بين النبضات الحمراء والخضراء متساوية تقريبا وفي بعض الاحيان تكون قريبة من بعضها البعض. ان هذا التغير يحدث بسبب موجة الجاذبية.
وهنا نشاهد شريط لتسجيل وصول النبضات الحمراء والخضراء إلى الكاشف الضوئي.
مرصد ليجو LIGO وماذا فعل؟
اما اذا كان تراكب الموجتين حدث عند تقابل قمة الموجة الحمراء مع قاع الموجة الخضراء كما في الشكل ادناه فان المحصلة هي اختفاء الموجة وهذا ما نسميه التراكب الهدام distructive interference.
والوصف الاخير للتراكب الهدام هو ما يحدث تماما في حالة غياب موجة الجاذبية حيث ان المسافات بين النبضات الحمراء والخضراء متساوية تماما وبالتالي يتم ضبط المرآتين بدقة عالية حتى نجعل قمة موجة تتقابل مع قاع الموجة الاخرى تلاشي الموجتين بعضهما البعض وعندها لا يرصد الكاشف الضوئي اي شيء ولا يعطي اي اشارة.
اما عندما تمر موجة الجاذبية على المرصد (التجربة) فانها تحدث تغير في احد المرآتين ويتغير عندها موضع القمة والقاع للموجيتن بشكل دوري مما ينتج عنها اشارة (موضحة باللون الازرق في الشكل ادناه) وذلك نتيجة تراكب موجتي النبضات الضوئية الحمراء والخضراء.
وهذا بالفعل ما تمكن العلماء من تسجيله في يوم اكتشاف موجة الجاذبية يوم الخميس في ١١ فبراير ٢٠١٦.
التجربة الفعلية التي اجريت في مرصد ليجو LIGO اعقد بالف مرة
بالفعل فالتجربة الفعلية اكثر بالف مرة تعقيدا مما شرحته اعلاه ولكن الفكرة تبقى هي الاعتماد على مقياس ميكلسون للتداخل. ولنلقي بعض الضوء على مرصد ليجو فهو مرصد مكون من مرصدين أرضيين أحدهما في هانفورد بولاية واشنطن، والآخر في ليفينغستون بولاية لويزيانا. وتبلغ طول الذراع وهي المسافة بين الفاصل الضوئي والمرآة ٤ كيلومتر. والتعقديات العملية تشتمل كيف يمكن تعليق المرآتين بطريقة يمكن لهما ان تتأثران بموجة الجاذبية كما لو انها جسيمات حرة الحركة في الفضاء؟ وكيف يمكن عزل المرصد الهائل عن الاهتزازات الارضية الناجمة عن حركة القطارات والسيارات؟ لهذا فاننا نتخيل ان المرصد عبارة عن الة معقدة جدا موزدة مئات دوائر التحكم ويحتوي على اكثر جهاز ليزر استقرارا في العالم.. الا انني حاولت ان ابسط الموضوع للقارئ العادي ولمن رغب في المزيد انصح بهذه المواقع.
صورة لداخل مرصد الليجو LIGO
مزيد من المقالات عن موجة الجاذبية
كيف تؤثر امواج الجاذبية على الفضاء