علماء

جابر بن حيان: سيرة ومسيرة

هو العالم المسلم رائد علم الكيمياء (جابر بن حيان بن عبد الله القحطاني الأزدي) الذي ينتهي نسبه إلى عرب اليمن، والده هو حيان بن عبد الله الذي ولد في مدينة طرطوس الواقعة شمال مدينة أنطاكية بسوريا والذي كان يحترف مهنة العطارة.

حياة الأسرة ورحيل الوالد

عاش حيان في رحاب الدولة الإسلامية ممارسا لمهنة العطارة، ونعم في جنباتها بالأمن والأمان زمن الدولة الأموية ، حتى ولى الخلافة عمر بن عبدالعزيز، والذى في عهده انتشر العدل وعمّ الأمن وازدهرت الحياة ، وهنا قرر حيان قرارا غريبا بالرحيل إلى مدينة طوس الواقعة في الشمال الشرقي لبلاد فارس (إيران) ، وذلك لتوقعه أن بنى أمية لن يتركوا الخليفة الراشد الذى أخذ ضيعاتهم وأموالهم التي انتهبوها من أصحابها ، ولن يغفروا له رده المظالم إلى أهلها وإلى بيت مال المسلمين، وما أعجب فطنة الوالد فقد جاءته الأخبار في طوس بعد رحيله إليها بمقتل عمر بن عبدالعزيز مسموما وتولى يزيد الثاني الخلافة من بعده.

 جابر بن حيان: سيرة ومسيرة

اعلانات جوجل

مولد جابر وطفولته

في عام 102 هـ ولد جابر بن حيان في مدينة طوس، وهو نفس العام الذي مات فيه عمر بن عبد العزيز، لينشأ هذا الغلام المتوقد الذكاء في كنف والده ودكان عطارته ليستقي من علم والده بالأعشاب والنباتات والأحجار والمعادن.

نصائح حيان لولده جابر

لما رأى حيان من ولده الذكاء المتوقد والفطنة العالية لم يتوانى في تعليمه وتوجيهه ، وكان من نصائحه له أن أول الطريق لطلب العلم مداومة السؤال ، كما أنه وجه طاقات هذا الغلام نحو دراسة علوم الطبيعيات والرياضيات ، ودله على أن أصول هذين العلمين في بلاد اليونان ومصر القديمة والإسكندرية وهو الذى شجعه أن ينصرف إلى طلب العلم دون غيره من أمور السياسة والحرب قائلا: العالم أمة وحده يا ولدى ، والعلماء هم ورثة الأنبياء في كل عصر ومصر، ووصاه أن يرحل عن طوس لطلب العلم الذى ينشده ، ومن هنا كانت مسيرة جابر ورحيله إلى مدينة الكوفة .

 جابر بن حيان: سيرة ومسيرة

جابر بن حيان في الكوفة

عاش جابر في مدينة الكوفة يرفل في نعمة سابغة وفضل واسع بشارع باب الشام والذي عرف فيما بعد باسم درب الذهب، وكانت الكوفة مدينة طيبة الهواء اشتهرت بأنها حاضرة العلم والأدب، وفيها عرفت مدارس الفكر واللغة، وكانت فرس الرهان لمدينة البصرة العامرة.

الملهمون في حياة جابر

كان الملهم الأول لجابر بن حيان هو والده، الذي دله على بداية الخيط ووجهه لعلم نادر في تلك الحقبة، ثم الإمام جعفر الصادق، والذي كان يحبه جابر وأسرته، ويعرفون له القدر والمنزلة، كونه من آل البيت، وهو الذي أعجب بذكاء جابر ودله على دراسة كتاب القراطيس، وهو الكتاب المعنى بعلوم الطب والكيمياء عند اليونان والمصريين القدماء، وكان للإمام نسخة من الكتاب أهداها لجابر ليعكف على دراستها.

وصايا الإمام جعفر لجابر

وكانت من وصايا الإمام لجابر: ألا يقصر في حق إخوانه، وبأن يتخذ له تلاميذ لأن علم الكيمياء يعتمد على التطبيق لا النظرية، مع سبر أغوار هؤلاء التلاميذ سبره لاكتشاف معادنه وأحجاره فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة، ووصاه بالرحيل في طلب العلم، وأن يبتعد عن السلطان ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ووصاه بترميز تجاربه وألا يكون ممنّ أساء العمل بالعلم فكل مسؤول أمام ربه.

 جابر بن حيان: سيرة ومسيرة

أسرة جابر بن حيان

كان له أم رحلت معه من طوس إلى الكوفة، ونزل جابر على رغبتها في الزواج بفتاة كوفيّة تسمى ذهب، والتي أنجبت له ثلاثة من البنين هم: عبد الله، وموسى، وإسماعيل.

المعمل الأول لجابر

قام جابر ببناء معمله الأول في الكوفة، والذي كان فرنا له باب بأسفله بيت للنار، وفيه كانت تجارب جابر الأولى التي تحلى فيها بالصبر والتؤدة ليحكم على تجارب السابقين مسجلا كل خطوة في عمله ومشاهداته ونتائجه، ولم تكن الإمكانيات عائقا أمام هذا الذهن الوقاد فكلما احتاج إلى آلة أو جهاز قام بتصميمه ثم ذهب به إلى حداد لينفذ هذا التصميم أو التعديل ومن هنا كان اختراعه لميزان الهواء لأول مرة.

 جابر بن حيان: سيرة ومسيرة

 

الاكتشافات العلمية لجابر بن حيان

1- اكتشف جابر الماء الملكِي لأول مرة على أثر محاولته بوضع خاتم من الذهب في وعاء وضع فيه أحماض من بينها حمض النيتريك وحمض الهيدروكلوريك، فإذا به يكتشف ماء يذيب الذهب، وسماه الماء الملكِي أي الذي يملكه، وعلى أثر ذلك عرف ماء الذهب الذي نستخدمه الآن في الصناعات والفنون وطلاء الأوراق والأخشاب.

2- كان لجابر الفضل في وضع تصنيف الفلزات واللافلزات قبل أن تعرفه الحضارة الأوروبية بنحو ألف عام، نجحت تجارب جابر أيضا في التوصل إلى أن المعادن والأحجار تتكون في باطن الأرض لاتحاد الكبريت والزئبق والأملاح مخالفا نظرية أرسطو الذي ردها للماء والبخار، واستطاع جابر بتجاربه إنتاج حجر سماه الزنجفر والمعروف حاليا ب كبريتيد الزئبق والذي يثبت صحة اعتقاده وخطأ أرسطو، كما وضع جابر ما يسمى بالثقل النوعي للأشياء وهذا يعني أن الأشياء قد تتساوي في حجومها ولكنها لا تتساوى في أوزانها.

3- كان من نظريات جابر نظرية (الفلوجستين) والتي تنص على أن الفلزات والمواد القابل للاحتراق إنما تتكون من أصول زئبقية أو كبريتية أو ملحية وهذه النظرية لم تعرفها أوروبا إلا بعد وفاته ب ألف عام.

4- وضح نظرية الإتحاد الكيميائي موضحا أن التفاعل الكيميائي لا يحدث إلا باتحاد العناصر المتفاعلة، وهذه النظرية لم يعرفها دالتون إلا بعد وفاته بألف عام.

5- توصل جابر لاختلاف درجات غليان السوائل، وعلى أساسها تمكن من الفصل بينهم مستخدما نظريات التبخير والتقطير

اعلانات جوجل

6- كان أول منّ حضّر حجر الكي أو جهنم (نترات الفضة) لكي الجروح والعضلات الفاسدة

7- تمكن من صنع مداد يضيء من صدأ (بيريت الحديد) لكتابة المخطوطات الثمينة والتي يمكنها الإضاءة في ميادين الحروب في الليالي المظلمة

8- حضّر جابر طلاء يقي الثياب من البلل وطلاء يقي الحديد من الصدأ وآخر يقي الأخشاب من الاحتراق، وكانت هذه الطلاءات بداية لعلم البوليمرات الحديثة

9- اكتشف جابر الورق المضاد للاحتراق ليكتب عليه الوثائق الثمينة والرسائل المهمة

اعلانات جوجل

10- اكتشف جابر ماء الفضة أيضا وعنصر البوتاس وملح النشادر وحامض الكبريتيك وسلفيد الزئبق وأكسيد الزرنيخ وكربونات الرصاص وعنصر الأنتيمون ومحلول السليماني وعنصر الصوديوم ويوديد الزئبق وزيت الزاج النقي، كما اكتشف قبلهم حامض النيتريك والهيدروكلوريك

11- أوجد جابر طرائق لصباغة الملابس ودباغة الجلود واستخدم أكسيد المغنيسيوم في صناعة الزجاج

12- سبق بأبحاثه الجميع وإليه يرجع السبق في علم التكليس وإرجاع المعادن إلى أصلها بوسطة الأكسجين

13- ابتكر جابر آلة لمعرفة الوزن النوعي للمعادن والأحجار والسوائل والأجسام التي تذوب في الماء

14- وضع جابر أساسا لعلم السموم وبيّن كيف تُدفع مضارها

15- دوّن العديد من الكتب الكبيرة والكتيبات والأبحاث الصغيرة والتي بلغت عدد أهمها أربعة وخمسين مؤلفا، وكتب مائة واثنتا عشرة مقالة، وسبعون مقالا لمذهبه في الكيمياء ومائة وأربعون مقالا في علم الموازين، وتنوعت مؤلفاته بين الطبيعة والفلك والفلسفة والتاريخ والتصوف والرياضيات.

 جابر بن حيان: سيرة ومسيرة

نصائح جابر لطلاب العلم

كان من وصايا جابر بن حيان لطالب العلم أن يكون مجربا، فمنّ كان مجربا كان عالما حقا، ثم ينصحه بأن يعرف سبب قيامه بالتجربة التي يجريها، مع التوصية بالتفرغ في طلب العلم وملازمة الصبر، وألا يعطي علمه إلا لمنّ يستحقه، فالعلم لا يحمله الإنسان إلا على قدر طاقته وإلا أحرقه، والإناء إن وُضع فيه أكثر من سعته فاض على جوانبه وانسكب.

 جابر بن حيان: سيرة ومسيرة

وفاة جابر

توفى جابر في طوس بعدما رحل إليها عندما خشي على نفسه زمن الصراع بين هارون الرشيد ووزرائه من البرامكة، وعاش بها حتى بلغ ستا وتسعين عاما، تاركا خلفه إرثا عظيما استحق به أن يلقب (المؤسس الأول للكيمياء) حاظيا بشهرة بلغت الآفاق بعدما ترجمت مؤلفاته في الغرب، وكتب عنه العرب ودوائر المعارف الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية بعد اجتماع الدنيا على براعته ونبوغه وثبات أقدامه في علم الكيمياء، رحم الله غربته وتقبل سعيه وبارك جهده وألحقنا به على خير في جنات النعيم.

 جابر بن حيان: سيرة ومسيرة

م./ محمود بكر أبو خميس

باحث دكتوراة بجامعة وسط الصين الزراعية – الصين مدرس مساعد بقسم الهندسة الزراعية - جامعة دمياط – مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى