مقالاتمواضيع العدد ٢٠

سلسلة الفيزياء والحياة: هل النجوم كاذبة؟

سلسلة الفيزياء والحياة: هل النجوم كاذبة؟

للكاتبة: أ./ مريم عبدالله أبو تيلخ

رحاّلة مسلمة أجوب الزمان والمكان لأصل لغايتي الأبدية “رضا الله”

اعلانات جوجل

بكالوريوس فيزياء – معيدة بقسم الفيزياء في الجامعة الاسلامية بغزة

…………..

في ليلةٍ قمريةٍ هادئة تنتشر هالة ضوء القمر في مساحةٍ واسعةٍ من السماء ترمي بضوئها منعكساً على الأرض، تتبعها ليلةٌ أخرى يسرق قلبك منظر السماء المتلألئة بالنجوم المتناثرة هنا وهناك تستمتع بتأملها وتسحبك معها إلى عالم الشعور وما بعده.

لكن.. هل جربنا أن نسبرَ غور هذا الضوء ونقرأ أسراره؟ هل حاولنا النظر إلى ما بعد ما نرى؟ هل أزلنا القشور عن الصورة لنرى الحقيقة المختبئة خلفها؟ هل صادقنا الطبيعة ومكوناتها؟ نحنُ وهذا الكون الفسيح كلنا مخلوقاتٌ لله عز وجل، لكنّ الله ميزنا بالعقل فهل استخدمناه بكل جديةٍ ومسئولية للتعرف على أنفسنا وعلى الآفاق من حولنا؟

اعلانات جوجل

نعود ونسأل.. هل النجوم كاذبة؟

أم أن الضوء يتأخر ولم يفلح بإيصال الرسالة في وقتها المناسب؟ أم أن عيونَنَا البشرية لا ترى إلا لذلك المدى وفي ذلك الامتداد؟ هل حقاً هي هناك أم تخدعنا؟ كالسائرِ الظمآن في الصحراء يلمح الماء من بعيدٍ يركض ويلهث حتى إذا ادّاركه فإذا به سراب؟ هل النجوم سراب؟ أم أنها كالحياة تتزين لنا بلمعانها لتجعلنا نركض خلفها بكل قوة ثم لا نستطيع الوصول أو الحصول عليها؟

تلك النجوم تبدو لنا متلألئة براقة جميلة هل تلك حقيقتها أم أنها أفرانٌ مستعرة تغلي بالغازات في أعماقها؟ هل هي مثل الإنسان العملاق الشامخ الذي يرسم البسمة على وجهه وفي أعماقه البراكين تغلي؟ هل حقاً هي هناك؟ حية أم ميتة؟ موجودة أم مندثرة؟

هل تلك اللوحة الفنية وما نراه فيها وهمٌ وكذب؟ أم أن تلك النجوم ما هي إلا رسالة زمنية ولدت في عهد الأجداد والآن وصلت إلينا؟ ما الذي تخبئه خلف لمعانها؟ هل تراها تخبئ لنا خوفاً أم رهبة أم لم تحمل لنا إلا عشقا؟

ألم تَدُر تلك التساؤلات في أخلادِكم وأنتم تتأملون ضوء القمر الفضي وإيقاع النجوم الهادئ ؟، إلى أين نغوص في تأملاتنا معها ؟،إلى أين يا نجوم السماء؟ إلى أين؟

اعلانات جوجل

النجوم عبارة عن كرة من الغازات متماسكة بفعل الجاذبية، على الرغم من أنها كرة من الغازات إلا أنها ليست هشة وليس من السهل التغلب عليها، وهنا تستوقفنا الأفكار بكل ألمٍ ومرارة على الرغم من أن النجوم غازات إلا أن تماسكها أقوي من تماسك أمتنا، هل كانت قوة الجاذبية في غازاتها أقوي من كل عوامل التوحد في صفوف أمتنا قاطبة؟ هل بلغنا ذلك المبلغ من الهوان والرخص؟ أن تكون غازات معروفة بضعف القوى بين جزيئاتها أقوي من كل عوامل الوحدة التي نملكها، فالدين واحد واللغة واحدة والجرح واحد والعدو واحد ورغم ذلك كان تجاذب الغازات أقوي من تجاذبنا لبعضنا البعض، هي وقفة للتأمل أحبتي ولمراجعة الذات.

سلسلة الفيزياء والحياة: هل النجوم كاذبة؟

النجوم هائلةُ الكتلة عظيمة الحجم، فلا يغرنَك منها تلك النقطة الصغيرة المضيئة في السماء، فما ذلك اللمعان إلا انعكاساً لعظم الحرارة الهائلة داخلها، فالنجم يقضي حياته كلها في صراعٍ مستمر متواصل ضد قوى الجاذبية التي تحاول سحبه للداخل والتسبب في انهياره بينما يحاول هو مقاومتها من خلال الضغط المرتفع داخل غازاته والذي يتولد من الحرارة الشديدة في قلب نواته، ويبقي الضغط يصارع قوي الجاذبية فالجاذبية تسحب النجم للداخل والضغط يحاول دفع النجم للخارج ويستمر الصراع بكل قوة حتى يصل إلي حالة الاتزان الهيدروستاتيكي (hydrostatic equilibrium) تلك الحالة التي يحصل بها توازن بين قوة الجاذبية التي تسحب النجم للداخل وبين قوة الضغط التي تحاول دفعه للخارج، وطالما استمرت حالة التوازن تلك نستطيع القول أن النجم بخير.

سلسلة الفيزياء والحياة: هل النجوم كاذبة؟

اعلانات جوجل

إذن هو مخلوقٌ مثلنا يصارع لأجل البقاء، يحاول التغلب على صعوبات الحياة التي تواجهه ليكون وليثبت نفسه ويخبرنا أنه موجود، حتى وإنْ وصلتنا رسالتُه بعد فنائه واندثاره، يهمس لنا بضوئه اللامع أنّه تحمل الحرارة الهائلة في أعماقه ليُولّد منها وسيلة (قوة الضغط) لمواجهة صعوبات حياته (قوة الجاذبية) التي تدفعه بكل شراسة ٍنحو الانهيار، ولكنه يقاومها ببسالةٍ  صبر وتحدى وسَجَلَ بصمة حياته في تلك السجادة الممتدة فوق رؤوسنا وأنّه ها هنا ينبض بالحياة، يشجعنا على أنْ نواجه مصاعب الحياة ومشاقها بصلابةٍ وحسن إدارة وصبرٍ لا نهائي الحدود، بذلك الضوء الذي يُرسله لنا يضع فيه كل إنجازاته وأحلامه التي حققها، يخبرنا عن نفسه، يكشف لنا ضوئه الكثير من صفاته الكيمائية والفيزيائية، سَجَلَ فيه درجة حرارته ودرجة لمعانه، حجمه ومتوسط كثافته وتركيبه الكيمائي وموقعه منا لحظة رؤيتنا لذلك الشعاع، يحدِثُنا ضوئه عن دورانه حول محوره، عن سرعته وقربه أو بعده منا، إنه يعكس لنا الزمن بمسافة.

لكن حقاً لو أنّا ذهبنا نركض وراء النجوم، سنصل لها سنجدها هناك أم أنها سرابٌ ووهم؟ كيف لهذا الجمال أن يكون سراباً، تستوقفنا هنا الآية القرآنية العظيمة “لا أقسم بمواقع النجوم وإنه قسمٌ لو تعلمون عظيم” الواقعة (75_ 76)، إنَ الله عظيم والعظيم لا يقسم إلا بعظيم ثم لماذا أقسم عز وجل بمواقع النجوم ولم يُقسم بالنجوم ذاتها على الرغم من عظمة أمر النجوم؟ سنتطرق للآية من جانبٍ علميٍ بحت.

سلسلة الفيزياء والحياة: هل النجوم كاذبة؟

النجوم تشع موجات كهرومغناطيسية على هيئة ضوء مرئي وضوء غير مرئي بجميع موجاته، الضوء المرئي الذي نراه تبلغ سرعته 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، فإذا أردنا حساب المسافة التي يقطعها الضوء في سنة نجد أنها9.5  مليار كيلومتر أطلق عليها العلماء مسمى “السنة الضوئية” والتي تعتبر وحدة قياس المسافة بين الأرض والنجوم.

وعلى ذلك فإن الضوء الذي نراه للنجوم حالياً هو ضوء لنفس النجم لكنْ في زمنٍ سابق، فمثلاً لو أنّ نجماً ما يبعد عن الأرض مسافة 40 سنة ضوئية فهذا يعني أنّه يستغرق 40 سنة حتى يصل للأرض فإذا انهار ذلك النجم فجأة أو انفجر لن نعرف عن ذلك إلا بعد مرور 40 عام، وقد يكون ذلك الضوء الذي تراه حالياً ضوء لنجم انفجر (مات) فعلاً ولكننا لا نعرف، لذلك فإن الأشعة الضوئية الصادرة عن النجوم لا تدل على مواقع النجوم الحالية إنما مواقعها مسبقاً.

يقول الدكتور زغلول النجار في ذلك: “مواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة وبسرعات جريها ودورانها وبالأبعاد الفاصلة بينها وبقوي الجاذبية الرابطة بينها، وهنا القسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلي سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي إحدى حقائق الكون المبهرة والتي مؤداها أنه نظراً للأبعاد التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا فإن الإنسان على هذه الأرض لا يرى النجوم أبداً لكنه يرى مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها وفوق ذلك أن هذه المواقع كلها نسبية وليست مطلقة لأن الضوء كأي صورة من صور المادة والطاقة لا يستطيع أن يتحرك في صفحة السماء إلا في خطوط منحنية وعين الإنسان لا ترى إلا في خطوط مستقيمة وعلى ذلك فإن الناظر إلي النجم من فوق سطح الأرض يراه على استقامة آخر نقطة انحنى ضوؤه إليها، فيرى موقعاً وهمياً للنجم غير الموقع الذي انبثق منه ضوؤه، فنظراً لانحناء الضوء في صفحة السماء فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية، ليس هذا فقط بل إنّ الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة، والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلي اليوم الراهن ومن هنا كان القسم الرباني بمواقع النجوم وليس النجوم ذاتها” وهذا من الدلائل العظيمة على صدق نبوة سيدنا محمد و على إعجاز القرآن الكريم.

سلسلة الفيزياء والحياة: هل النجوم كاذبة؟

حينها نتساءل ولِمَ يصارع النجم لأجل البقاء؟ وما الهدف من حياته؟ يَشرُد بنا البصر إلى ذلك القمر المنير نوراً لا يؤذي مريضاً ولا يوقظ نائماً، نوراً يسرى معه الدفء والأنس، نوراً تفوح الراحة من كل شعاعٍ من أشعته لتسرى في أعماق الجسد البشري فيأخذ راحته منه ليزيل تعب النهار، لم يأتِ هذا النور للقمر إلا من انعكاس ضوء نجمٍ عليه ألا وهو الشمس، فالقمر في حقيقته جسمٌ معتم وسطحه موحش.

أليس ذلك هدفاً سامياً ليصارع النجم من أجله، ذلك النور الذي لا يصدر صوتاً كمواتير الكهرباء ولا يحتاج إلى أسلاكٍ وتمديداتٍ كهربية، ينير على الجميع الغني والفقير الحاكم والمحكوم الحر والسجين، إنّ النجوم تعلمنا أن نصبو لأهدافٍ عالية سامية ولا نبالي في سبيل تحقيقها حتى لو أفنينا العمر كله.

إنّ النجوم تذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث.. ” فقد تكون الكثير من النجوم تلاشت وماتت لكنّ ضوئها مازال ينير الدروب لكثيرٍ من المخلوقات، قد لا يدلنا الضوء على موقع نجمه الحالي لكنّه بكل تأكيد يدلنا على عظمة صبر وعطاء ذلك النجم، صبره على الحرارة الهائلة ليحيا ويضع بصمته في هذه الحياة وعلى عطاءه الخيّر الذي امتد إلى ما بعد فناءه وموته.

فكيف لنا أن نصف النجوم بأنها كاذبة؟ أهذا لأننا لم نعرف مكانها الحالي؟ كيف وهي لشدة إخلاصها وعطاءها استمر خيرها بعد فناءها؟ تلك النجوم تذكرنا بالعمالقة على مر العصور، أولئك الذين تركوا صفحاتِ عزٍ مشرِفَة ذكرها التاريخ بكل فخر، هم غادرونا ولكنّ سيرتهم مازالت تفوح شموخاً في أرجاء الزمان والمكان، أليس ابن الخطابِ نجماً؟ أليس صلاح الدين نجماً؟ أليس العز بن عبد السلام نجماً؟ أليس الخوارزمي نجماً؟ والكثير الكثير من نجوم أمتنا، فنت جسداً ومازالت تحيا في الأجيال روحاً ومازال صداها يصدح في الآفاق.

تعود بي الذاكرة لطفلةٍ صغيرةٍ في الجوار، تبلغ من العمر سبعاً أجابت سؤالاً طُرح عليها في الصف أجابته بدقةٍ بالغة وسرعةٍ مدهشة فألصقت معلمتها على ياقة زيها المدرسي نجمةً جميلة، ثم عادت الطفلة للمنزل راكضةً بفرحة هاتفةً: أمي أمي، تحسست أمها خدها في حنان وطبعت عليه قبلة قائلة بهمس:

كوني نجمةً يا ابنتي، كوني نجمةً يا ابنتي …  وأنتم كونوا نجوماً أحبتي.

المراجع:

موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة http://www.eajaz.org/

موقع ناسا بالعربي https://nasainarabic.net/main

موقع إدارة علوم الفلك والفضاء ـ النادي العلمي الكويت http://astronomy.ksclub.org/index.php

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى