كيف ترفع الأمواج الصوتية الأجسام Acoustic levitation
بالرغم من إننا نستمتع بالصوت من حولنا في هذا العالم إلا إننا لم نعره أي اهتمام على انه ظاهرة فيزيائية جديرة بالإعجاب والتقدير فالصوت المرتفع جدا مثل صوت الصادر عن مضخمات الصوت المرتفع قد يحدث ضجيج يتأثر به زجاج المنزل أو السيارة وكذلك الصوت الصادر عن أجهزة تفتيت الحصوة في الكلية الناتج عن جهاز الالتراساوند يعطينا انطباع ان الصوت قوة، وان الأجسام تهتز لموجات الصوت.
الفكرة في انه شيء حساس جدا مثل الصوت يكون قادرا على رفع الأشياء هي فكرة يمكن ان لا تصدقها عزيزي القارئ. ولكن هذه هي الحقيقة فالرفع الأجسام بواسطة الصوت هي ظاهرة فيزيائية تعرف علميا باسم acoustic levitation والتي تستخدم خواص الصوت التي تتولد في الأجسام الصلبة والسائلة والغازات الثقيلة وتجعلها تنساب في الفراغ. وهذه الظاهرة ممكن ان تحدث في الظروف العادية حيث يمكن ان نشاهد ارتفاع الأجسام بواسطة الصوت على سطح الأرض كما هو الحال في الفضاء.
وفي هذه المقالة من كيف تعمل الأشياء سوف نقوم بشرح ظاهرة رفع الأجسام بواسطة الصوت acoustic levitation وكيف تعمل؟ وما هي الشروط اللازم توفرها لرفع الأجسام بواسطة الصوت؟ وما هي تطبيقاتها العملية؟
الأمواج الصوتية قادرة على رفع أجسام صغيرة مثل قطرة سائلة
ولكي نستطيع فهم كيف تعمل هذه الظاهرة فانه نحتاج ان نتعلم بعض الأمور حول الجاذبية والهواء والصوت. في البداية الجاذبية هي قوة تجعل الأجسام تجذب بعضها البعض. وقد كان العالم نيوتن أول من قام باكتشاف قوة الجاذبية ووضع قانون الجذب العام والذي ينص على ان كل جسم في الكون يجذب باقي الأجسام. والأجسام الكبيرة تمتلك قوة جذب اكبر من الأجسام الصغيرة. وكلما قلت المسافة بين الأجسام كلما زادت قوة الجاذبية المتبادلة بينهم. فمثلا الكرة الأرضية جسم ضخم يمكنه بسهولة جذل الأجسام القريبة منه مثلنا نحن الأجسام التي نعيش عليها. وبالرغم من ان العلماء حتى يومنا هذا لم يستطيعوا تحديد سبب هذه القوة وما مصدرها ولكننا ندرك انها موجودة. أما بالنسبة للهواء فهو يتصرف مثل الموائع حيث ان الهواء مكون من أجسام دقيقة تتحرك بالنسبة لبعضها البعض. كما ان الهواء في الحقيقة يتحرك مثل الماء إلا ان الأجسام الدقيقة المكونة للهواء متباعدة أكثر بكثير منها في حالة الأجسام المكونة للماء.
أما بالنسبة للصوت فانه ينتقل من خلال الاهتزازات التي تحدث للوسط سواء كان غازاً أو سائلاً أو صلباً. ويقوم مصدر الصوت بإصدار الصوت عن طريق أحداث تغيرات سريعة في شكله، على سبيل المثال إذا قمت بضرب كرة فان الكرة تهتز في الهواء، حيث يتحرك احد جانبي الكرة للخارج في حين ان الوجه المقابل يتحرك للداخل مما يسبب تغيرات في الضغط في داخل الكرة يحدث تغير في شكلها وتقوم الكرة باسترجاع شكلها عن طريق الحركة في الاتجاه المعاكس وتستمر هذه الحركة الاهتزازية حتى يعود شكل الكرة إلى وضعه الطبيعي وهذه الاهتزازات تحدث تخلخل في الهواء المحيط بالكرة والذي ينتقل لنا كصوت له طول موجي يعتمد على اهتزاز الكرة.
الأمواج الصوتية تنتقل بانتقال جزئيات الوسط حيث تدفع بعضها البعض في شكل تضاغطات وتخلخلات، وبدون حركة الجزئيات لا ينتقل الصوت، وهذا يفسر عدم وجود صوت في الفراغ.
ظاهرة الرفع بواسطة الأمواج الصوتية acoustic levitation تستخدم الصوت المنتقل في الوسط مثل الهواء ليعادل قوة الجاذبية الأرضية فتجعل الجسم معلقا في الهواء بدون ان يمسك به احد. وفي الفضاء حيث لا توجد تنعدم الجاذبية فان هذه الظاهرة سوف تحافظ على الجسم معلقا بدون ان ينزلق في أي اتجاه.
هذه الظاهرة تعتمد على خصائص الأمواج الصوتية وبالأخص ذات الشدة العالية وفي الجزء التالي من المقال سوف نقوم بشرح فكرة رفع الأجسام بواسطة الصوت.
فيزياء رفع الأجسام بواسطة الصوت الأجزاء الأساسية المستخدمة في رفع الأجسام بواسطة الصوت هي:
(1) مصدر الصوت Transducer
(2) العاكس Reflector
حيث أن الترانسديوسر والعاكس عبارة عن سطحين مقعرين متقابلين يعملان على تركيز الصوت. تنتقل الأمواج الصوتية من الترانسديوسر في اتجاه العاكس وترتد عنه مرة أخرى إلى الترانسديوسر. هناك ثلاث خصائص متوفرة في الأمواج الصوتية الصادرة والمرتدة تعمل معا على جعلها قادرة على رفع الأجسام في الهواء بينهما.
الخاصية الأولى: الأمواج الصوتية هي أمواج طولية حيث يكون اتجاه انتشار الأمواج الصوتية في نفس اتجاه اهتزاز جزئيات الوسط.
الخاصية الثانية: الأمواج الصوتية المنعكسة تخضع لقانون الانعكاس والذي نص على ان زاوية السقوط تساوي زاوية الانعكاس. بمعنى ان الأمواج الصوتية ترتد عن السطح بنفس الزاوية التي تسقط عليه.
الخاصية الثالثة: عندما تنعكس الأمواج الصوتية عن السطح فإنها تتداخل مع الأمواج الساقطة على السطح ما يحدث تداخل بناء عندما تتقابل الانضغاطات المنعكسة مع الانضغاطات الساقطة على السطح. وهذه الظاهرة تسبب في تكون أمواج موقوفة standing waves بين السطحين.
الأمواج الموقوفة لها خصائص هامة حيث انها تتكون من عدد من العقد nodes في مناطق التخلخلات والبطون antinodes في مناطق التضاغطات. هذه العقد الموجود في الأمواج الموقوفة هي السر في رفع الأجسام بواسطة الأمواج الصوتية
الرفع بواسطة الأمواج الصوتية تستخدم الصوت في رفع الأجسام في الهواء
عن طريق ضبط المسافة بين العاكس والترانسديوسر بدقة فان الأمواج الصوتية بين السطحين تكون أمواج موقوفة. وعندما يكون اتجاه الموجة موازيا لقوة الجاذبية الأرضية فان جزء من الأمواج الموقوفة يكون لها ضغط للأسفل في حين ان جزء آخر له قوة ضغط للأعلى ولكن عند العقد فانه لا يكون هناك تأثير كبير للضغط.
في الفضاء حيث لا يكون هناك تأثير كبير للجاذبية على الأجسام فان الأجسام تتعلق في الفراغ عند العقد في حين انه على الأرض فان الأجسام تتعلق في الهواء أسفل العقد تماما حيث يكون الضغط الناتج عن الأمواج الموقوفة مساويا للقوة الجاذبية الأرضية وفي الاتجاه المعاكس.
هذا عرض فيديو لشخص قام بتثبيت مجموعة من القطع الخفيفة في أماكن محددة من الموجة الموقوفة بين الترانسديوسر والعاكس وذلك بناء على حسابات دقيقة قام بها وإلا لما استطاع إلا تثبيت قطعة واحدة منها.
لاحظ هنا كيف يقوم هذا الشخص بوضع عدد من الأجسام في الهواء عند كل عقدة من عقد الموجة الموقوفة بين سطح الترانسديوسر والعاكس.
الأجسام المرفوعة بالنسبة للأمواج الصوتية تختلف قليلا حسب شدة الجاذبية
وفي الحقيقة ليست كل الأمواج الصوتية قادرة على إحداث هذه الظاهرة فهناك شروط معينة يجب ان تتوفر في الأمواج الصوتية لتكون قادرة على إحداث ظاهرة رفع الأجسام.
فالصوت العادي لا يمتلك القوة الكافية لرفع الأجسام بالرغم من انه قادر على تحريكها ولكن الأمواج الصوتية اللازمة لظاهرة رفع الأجسام هي أمواج صوتية غير خطية nonlinear sound ذات شدة عالية تصل إلى 150 ديسيبل تستطيع ان تحدث تغيرات كبيرة في الوسط الموجودة فيه ومن الأمثلة على الأمواج الصوتية الغير خطية موجة الصدمة. ومن استخدامات الأمواج الصوتية الغير خطية تفتيت الحصوة في الكلية أو استخدامها في تكوين صورة لجنين في الرحم باستخدام جهاز الالتراساوند
وتعتبر ظاهرة رفع الأجسام بواسطة الأمواج الصوتية ظاهرة دقيقة حيث يجب مراعاة الكثير من المتغيرات منها ما يلي:
(1) ان تكون المسافة بين الترانسديوسر والعاكس عدد صحيح من أنصاف الطول الموجي للموجة الصوتية الصادرة عن الترانسديوسر.
(2) ان يكون الضغط أسفل العقدة في الأمواج الموقوفة كبيرا نسبيا ولهذا فان الجسم المرفوع في الهواء يجب ان تكون أبعاده في حدود نصف طول موجة الصوت. كما ان الجسم المرفوع يجب ان يكون ذو كثافة مناسبة ليتمكن الضغط المتولد في الموجة الموقوفة من رفعه.
(3) ان تكون شدة الموجة الصوتية اقل من قوة التوتر السطحي للجسم المرفوع إذا كانت قطرة سائلة معلقة في الهواء حتى لا تتفتت أو تتشتت.
الآن ندرك كم هي دقيقة هذه الظاهرة وإنها قادرة فقط على رفع الأجسام الخفيفة وقد يجعلك تقول هل من الممكن ان يكون لها تطبيقات عملية مفيدة، وهذا ما سوف نتطرق له في الجزء التالي من المقال.
هذه الظاهرة لها تطبيقات مفيدة سواء على سطح الأرض أو في الفضاء وهنا بعض من هذه التطبيقات:
(1) مصانع الأجهزة الالكترونية الدقيقة microchip في الأغلب تستعين بروبوت robot وتقدم ظاهرة رفع الأجسام بواسطة الأمواج الصوتية هنا دورا في رفع المواد المذابة بالتحكم بالأمواج الصوتية ووضعها بدقة على الشرائح الالكترونية بدقة متناهية.
(2) بعض المواد تكون شديدة التفاعل مع الحاوية التي تحتويها خصوصا أثناء عملية التحليل الكيميائي لها، ويمكن رفع هذه المواد باستخدام الأمواج الصوتية بدون ان تتلوث
بمادة الحاوية.
(3) الأبحاث الخاصة بالرغوة foam تعتبر الجاذبية بالنسبة لها مشكلة كبيرة لان الجاذبية تسبب في سحب الماء منها فتجف الرغوة. والباحثون يمكنهم إجراء أبحاثهم على الرغوة وهي مرفوعة بواسطة الأمواج الصوتية ليتم دراستها وكأنها في الفضاء بدون تأثير الجاذبية عليها.
والأبحاث تجرى على تطوير أنظمة أخرى للرفع بالأمواج الصوتية لمزيد من التطبيقات. ولكن في النهاية فإن هذه الظاهرة تبدو خلابة للناظر لها وخصوصا عندما تريه كيف تعلق قطرة من سائل وتمرر ورقة أسفلها أو ترفع كرة بلاستيكية في الهواء بدون ان تعلقها بشيء أكيد هذا هو سحر الفيزياء.
وهذا العرض لتجربة قام بها مجموعة من العلماء في معهد أبحاث وكالة ناسا لأبحاث الفضاء لظاهرة رفع جسم في الهواء ولربنا رأيت هذا المشهد من قبل وطلب منك تفسيره.
لمزيد من المعلومات هذه الروابط مفيدة