علماءمواضيع العدد ٦

حوار مع العالم جوزيف لويس كونت دي لاغرانج

حوار مع العالم جوزيف لويس كونت دي لاغرانج

ضيفنا لهذه الحلقة صاحب جنسية هي خليط بين الفرنسية والإيطالية.. وهو من أسرة عريقة ذات أصول نبيلة. وهذا لم يمنعه من أن يكون عالما مرموقا كذلك.  رحبوا معي بالعالم الإيطالي ـ الفرنسي.(جوزيف لويس) كونت دي لاغرانج.

نيوتن: أهلا وسهلا بك معنا ضيفي الكريم.

اعلانات جوجل

لاغرانج: أهلا.

نيوتن: اعتدنا دائما أن نبدأ الحديث بذكر نبذة عن طفولة كل ضيف من ضيوفنا، فكيف كانت طفولة حضرتك؟ وأين ولدت؟

لاغرانج:ولدت في مدينة تورينو الايطالية، من أسرة ثرية لها كما تفضلت سابقا أصول ايطالية نبيلة، وكان والدي هو أمين خزينة ملك سردينيا، لكن سرعان ما فقدت أسرتي ثروتها بعد أن استثمرتها في المضاربة.

نيوتن: وهل أثر هذا عليك؟

لاغرانج: أكيد، فقد اعتمدت بعد ذلك على مواردي الخاصة لإكمال دروسي في المدرسة.

نيوتن: ما هي المواضيع التي كانت تثير اهتمامك في فترة الدراسة هذه؟

لاغرانج: لم تكون ميولي علمية وقتها، على العكس كنت مهتما بالشعراء الكلاسيكيين اليونانيين والرومانيين من أمثال هوميروس وفيرجيل.

نيوتن: جميل، ومتى اكتشفت ميولك الرياضية إذن؟

لاغرانج: كانت البداية عندما قرأت مصادفة إحدى مذكرات إدموند هالي، فرحت أقرأ كل بحث رياضي استطعت الحصول عليه بعد ذلك.

نيوتن: وبعدها؟

لاغرانج: لم ألبث أن تمكنت من الموضوع، حتى أنني أصبحت معلماً للرياضيات في مدرسة المدفعية الملكية في تورينو.

نيوتن: كم كان عمر آنئذ؟

لاغرانج: كان عمري 19 عاماً.

نيوتن: لقد بلغ تحكمك في الرياضيات من الإكتمال حدا نزع انتباه أكثر الاساتذة القدماء تشككا.

لاغرانج:نعم،رغم طريقة حديثي غير المؤثرة.

نيوتن: وكسبت أيضا احترام زملائك بشخصيتك غير المتعالية، وحماستك للرياضيات.

اعلانات جوجل

لاغرانج: أشكرك، في الحقيقة كانت مجموعة العلماء هذه هم الأعضاء الأوائل في أكاديمية علوم تورينو.

نيوتن: لكن الفضل الأكبر في تأسيسها يعود إليك ضيفي الكريم.

علمت أن موهبتك العظمى كانت تظهر جلية اثناء قيامك ببحوثك في الرياضيات، فبمجرد ان تمسك القلم بيدك، تتبدل هيأتك.. بل إن كتباتك من البداية كانت الأناقة بذاتها…فلا استغرب اهتمام الرياضيين الأوروبيين، عل تحدثنا قليلا عن ذلك؟

لاغرانج: أشكر إطراءك، كان ما لفت انتباه الرياضيين الأوروبيين في بادئ الأمر هو حلي لما يسمى بـ”مسألة المحيطات المتساوية ” وكانت قد حيرت العلماء لما يقرب من نصف قرن.

اعلانات جوجل

فأرسلت حلها إلى لأولر، وكان آنذاك أشهر رياضيي أوروبا، وكان قد وصل إلى نتيجة مماثلة كذلك.

وقد تخلى بكل دماثة عن كامل حق الإكتشاف لي.

نيوتن: هل توضح لنا كيفية التوصل إلى هذا الحل؟ وما الذي فعلته بعد ذلك؟

لاغرانج: ابتكر أولر لحل هذه المسألة نوعا من الحساب يسمى “حساب المتغيرات”، وقد أصبح تطوير هذا النوع من الحساب هو مركز اهتمامي، وقد كان ذو أهمية بالغة بالنسبة إلى مفهوم الاقتصاد في الطبيعة ومنه مبدأ الفعل الأصغري.

نيوتن: كان لجهودك في هذا ثمارها بالتأكيد ضيفي العزيز. فلقد أثر مبدأ الأصغريات هذا في اعمال هاملتون ومكسويل وآلبرت آينشتاين،، ومازال وثيق الصلة بكل مجالات الفيزياء الحديثة.

لقد أصبحتُ من أشد المعجبين بشخصيتك ضيفي العزيز، فقد كنت بالإضافة لكونك أحد كبار الرياضيين في اوروبا ـ وبخلاف لابلاس ـ تعترف بإسهام الآخرين بصورة لبقة، كما وكنت قادرا على اكتشاف أدنى خطأ في أعمالهم بما في ذلك أخطاء ارتكبتها أنا نفسي!!

لذا فلا أستغرب أبدا اعتراف جميع معاصريك بمهارتك دون تحفظ. حدثنا الآن عن الجائزة التي تلقيتها من أكاديمية علوم باريس؟

لاغرانج: أنت تمدحني كثيرا، أشكر لك ذلك مرة أخرى.

بالنسبة لتلك الجائزة، كان ذلك في عام 1764عن مقالتي “في تمايل القمر، أي الاهتزاز الظاهري الذي يسبب تغيرات طفيفة في وضع ملامح القمر في الوجه الذي يقابل به الأرض“، فقد ساعد ابتكاري للمعادلة التي تحمل اسمي في حل هذه المسألة،وبناءً عليه تلقيت تلك الجائزة.

نيوتن: رائع حقا، وماذا عن الجائزة الأخرى؟

لاغرانج: كان هذا عقب عامين من الجائزة الأولى، ومن الأكاديمية نفسها ولكنها كانت هذه المرة عن مقالاتي في نظرية حركة أقمار المشتري.

نيوتن: ولم ينته وابل الجوائز عند هذا الحد، فكلمنا عن البقية.

لاغرانج: في العقد التالي نلت ثلاث جوائز أخرى على مقالاتي في الرياضيات.

نيوتن: في هذا العقد وفي عام 1776 حدث وأن لبيت دعوة من فريدريك الأكبر في برلين، والذي عبر عن رغبته (في أن يكون أعظم رياضي في أوروبا، في بلاط أعظم ملك فيها).

لاغرانج: صحيح، وقد كان أن عينت بعدها في المركز الذي تخلى عنه أولر في الاكاديمية، وذلك بعد توصية من أولر نفسه ومن الرياضي الفرنسي ج. دالامْبير.

نيوتن: لم يغير تعيينك في البلاط كثيرا من شخصيتك غير المتعالية، بل لقد ثابرت أكثر على نظام دراستك الأكاديمية المنهكة، وكان لهذا تأثيره عليك كما علمت.

لاغرانج:معك حق، فقد اصبت نتيجة افتقاري للراحة بعدد من الأمراض، فوجه لي فريدريك نفسه نصيحة عن حاجتي لأن أخفف من برنامج عملي المضني، وفد استجبت لنصيحته بالفعل، فغيرت عاداتي وصرت أضع كل ليلة برنامجا لما يجب على أن أقراه في اليوم التالي، دون أن أزيد على ما أخصص أبدا.

نيوتن: أمضيت في بروسيا وقت طويلا، كان لك انجازاتك فيها.

لاغرانج: أمضيت فيها 20 عاماً، كتبتت فيها عددا كبيرا من البحوث الرياضية البارزة والتي جمعتها بعد ذلك في كتابي”الميكانيك التحليلي“.

نيوتن: وبعد ذلك؟

لاغرانج: غادرت بروسيا بعد وفاة فريدريك تلبية لدعوة لويس السادس عشر إلى باريس.

نيوتن: وما الذي حدث معك هناك؟

لاغرانج: على الرغم من أنهم قد أعطوني شقة للسكن وعددا من المكافآت، فقد ظلت سنتاي الأولى في فرنسا مجدبتين، لأن ولعي بالرياضيات فارقني ظاهريا حال وصولي، فكنت أبدو لأصدقائي شاردا غير مبالٍ.

وقد تكون السنوات العديدة من جهودي المستمرة في الرياضيات قد أرهقت عقلي.

نيوتن: لكن ذلك لم يكن سيئا لهذه الدرجة، فنتيجة لذلك اهتممت بأمور أخرى.

لاغرانج: هذا صحيح، كان لما مر معي في ذلك الوقت أثره في التفاتي إلى موضوعات أخرى تتضمن الميتافيزياء والفلسفة والكيمياء، لكني في ذات الوقت لم ابد اهتماما كبيرا حين نشر كتابي “الميكانيك التحليلي“، حتى أنني لم أفتح نسخة الطبعة الأولى إلا بعد عامين!

نيوتن: ننتقل الآن إلى الفترة التي اندلعت فيها الثورة الفرنسية، لابد كان لهذا الحدث تأثيره على حياتك.

لاغرانج: ليس تماما، لم يكن لاندلاع الثورة أثرا مباشرا علي، إلا ان عددا من أصدقائي هجروا البلاد، وبقيت أُعامل معاملة حسنة من الحكومة في تلك الفترة المضطربة، ومع ذلك فقد دفعني قطع رأس الكيميائي الشهير لافوازييه إلى التساؤل إن أصبحت أيامي معدودة أنا أيضا.

نيوتن: نعم،،كانت نهاية مأساوية لذلك العالم العظيم. أكمل ضيفي العزيز رجاء، وعذرا على المقاطعة.

لاغرانج: لا عليك، في النهاية بقيت في باريس رغم الخطر المحدق بي، وسخرت ما لدي من طاقة للجمعية التي كانت قد جمعت من أجل إصلاح النظام المتري، وقد أصبحت تسميات النقود والأوزان مبنية منذ ذلك الحين حصراً على مضاعفات العدد عشرة.

نيوتن: ومتى عدت إلى بحوثك في الرياضيات؟

لاغرانج: كان ذلك في عام 1791 حيث تخلصت من شرودي العقلي عن الرياضيات العزيزة، وبدأت أنتج من جديد عدداً من البحوث في موضوعات ومسائل مختلفة.

نيوتن: وهكذا ضيفي الرائع نصل معا لختام هذه الحلقة، وبقي أن أقول إنك لم تترك مجالا في الرياضيات تقريبا في سنوات عمرك المديدة إلا وأسهمت فيه إسهاما نادر المثال، وقلما أن نجد بين العلماء من يجاريك في أصالة كتاباتك وعظمتها أو حتى في كمية الإنتاج الصرف، غير ما أوحت به أعمالك العظيمة لمن جاء بعدك من رياضيين بارزين.

بقي أن نعلم ان الموت قد وافاك في العاشر من ابريل عام 1813.وكالعادة.. اشكر باسمكم جميعا ضيفنا المميز لهذا اليوم، الرياضي الشهير صاحب الإنجازات الكثيرة والمذهلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى