مقالات في الفيزياء

رحلة إلى اعماق الشمس

تدين الحياه على الأرض للشمس لما تمدها به من ضوء.  الضوء الذى يملأعلينا الوجود وتنعم هذه الحياه بأهم عناصر مقوماتها للاستمرار.  بالفعل إنها ظاهرة جديرة بالإهتمام، فلقد عبدها القدماء، ولفتت نظر الفلاسفة لما فيها من تألق وتوهج دائم.  شمسنا عبارة عن نجم كسائر النجوم التى نراها فى سماءنا ليلا فإنها تبدوا أكثر سطوعا وذلك لقربها عن الارض (150 مليون كم).

أنه من السهل دراسة السطح الخارجى للشمس المضئ (photo sphere) وذلك بتحليل الضوء الذى يصلنا منها ولكن لمعرفة التركيب الداخلى لها فإنه الأمر الأكثر صعوبة.  قبل أقل من مائة سنة كان لا أحد يعرف كيف تبقى الشمس حارة ومن أين تستمد كل تلك الطاقة أو ماهو تركيب الشمس ولكن قبل حوالى (50سنة) أصبح من الواضح أن التفاعلات النووية هى المصدر الأساسى لنيران الشمس.  فى منتصف القرن التاسع عشر بدأ الجيلوجيون فى تفهم الأرض وعمرها والحياة عليها، ولكن الذى جعل الارض تعمر الملايين من السنين هى الشمس التى كانت وظلت تمدها بالضوء بثبات.

حتى القرن التاسع عشر لم يكن هناك مصدر معروف للطاقة يمكنه من الإبقاء على الشمس لمدة طويلة فلو كانت مكونة من الفحم ويحيط بها جو من الأكسجين لفقدت طاقتها خلال عدد قليل من عشرات الالاف السنين.

اعلانات جوجل

وكانت هناك تفسيرات أخرى لحل لغز طاقة الشمس ولكن لم يكتب النجاح فى الإبقاء على الشمس حارة إلا إلى عدد قليل من ملايين السنين.  فلقد كانت حرارة الشمس تمثل تحدى كبير لكل قوانين الطبيعة التى كان متعارف عليها حينئذ.  ولكن إكتشاف النشاط الاشعاعى لبعض المواد سنة 1891 والنظرية النسبية الخاصة التى وضعها العالم الكبير أينشتاين التى بين فيها أن الكتلة والطاقة هما وجهان لعمله واحدة بعلاقة المشهورة   E=mc2  (الكتلة m سرعة الضوء c).  وحيث أن سرعة الضوء هى مقدار كبير جدا فإن حاصل ضرب مربع هذا المقدار فى مقدار صغير من الكتلة ينتج مقدارا كبيرا جدا من الطاقة فإذا كانت تلك الوسيلة التى تستمد بها الشمس الطاقة إذا كيف تتحول الكتلة إلى طاقة؟ وإلى متى سوف تستمر هذه العملية؟

للإجابة على هذه التساؤلات سوف نبدأ فى تحليل المعلومات التى لدينا كتلة الشمس هى 2×1030 كجم وكمية الطاقة المنطلقة عن سطح الشمس هى 3.7×1026 وات وأن كل كيلوجرام من المادة يعطى  2×104 وات فقط.  فعلى ذلك أن الشمس تفقد كل ثانية حوالى 4 مليون طن من مادتها فمنذ تكون المجموعة الشمسية أى حوالى 4 مليار سنة فقدت الشمس تقريبا 1/5000 من وزنها الكلى.  أذا الطاقة النووية الناتجة عن تحول الكتلة إلى طاقة قادرة بالتأكيد على حل مشكلة الطاقة المتولدة فى الشمس لمدة زمنية طويلة حتى سنة 1930 ظلت المحاولات لمعرفة أى نوع من التفاعلات النووية التى جرت فى قلب الشمس وتبعا لذلك تبقيها ساخنة وكانت جميع تلك المحاولات تعطى تصورا خاطئا عى تكوين الشمس ولكن كان للفيزيائيين القول الفصل، بأن الطاقة المنبعثة من الشمس متولدة نتيجة الاندماج النووى وهذا الجزء هو الذى يتحول إلى الطاقة.  ولكن فرصة الاندماج النووى لا تتوفر ظروفها أو شروط حدوثها إلا فى مركز الشمس حيث هناك الكثافة تساوى 12 ضعف كثافة الرصاص وتصل درجة الحرارة إلى 15 مليون درجة مئوية وتتصرف الذرات فى قلب الشمس تصرف الغازات تماما.

إن التفاعل النووى الرئيسى الذى يولد الطاقة داخل الشمس هو تصادم بروتون _ بروتون (p-p) وتبدأ تلك السلسلة من التفاعلات عندما يصطدم بروتون (H) مع بروتون آخر تصادم مباشر ينتج عن ذلك نواة الديوترون (2D) وينتج عن هذه العملية بوزترون e+ ونيترينو.

من الممكن أن ينضم بروتون آخر إلى الديوترون (tunneling effect) وتصبح النواة نواة (الهيليوم3-).  اخيرا نواتين من الهيليوم3- تتصادم وينتج نواة مستقرة من الهيليوم 4 وينتج عن هذا التفاعل -2 بروتون.  إذا النتيجة النهائية لهذه العملية هى تحول أربعة بروتونات (H) إلى جسيم   الفا،  ولكن كمية الطاقة التى انبعث من هذا التفاعل صغيرة نسبيا.  ولكن إذا اشتركت كمية كبيرة من المادة (الهيدروجين) فى عمليات مماثلة، فإنه من الممكن أن تكون هناك كمية من الطاقة مناسبة ومتوافقة مع حساباتنا للطاقة المنبعثة من النجم تحت الظروف الحرجة التى تكلمنا عنها من درجات حرارة عالية وضغط هائل وكثافة عالية فإن تصادم بروتون ببروتون آخر ليولد ديتيرون يجب أن يتم بتصادم مباشر وأن تكون سرعة البروتون أضعاف سرعته العادية ولهذا فإن فى المتوسط سوف يأخذ البروتون 14 مليار سنة لكى يجد له شريك قادر على مشاركته فى عمل واحد ديوترون (2D)   البعض من البروتونات يكون لها زمن اكثر من ذلك وبعضها يكون لها زمن اقل.  

عمر شمسنا حتى الآن حوالى 4.5 مليار سنة وذلك يفسر لماذا معظم مخزونها من الهيدروجين متواجد فلقد استنفزت الشمس حوالى 4% من مخزونها من الهيدروجين، أى أنها حولت 0.7% من وزنها إلى الطاقة.

 

كيف تتدفق الطاقة من قلب الشمس؟!! 

يمكن تصور تركيب الشمس عبارة عن عدة طبقات أولها قلب الشمس أو نواة الشمس التى تتم فيها التفاعلات النووية التى تنتج الطاقة وهى تمتد حوالى ربع المسافة من المركز إلى السطح وتمثل حوالى 1.5% من حجم الشمس 50% من كتلة الشمس وفيها تكون الذرات عارية من الالكترونات (حالة البلازما) ودرجة الحرارة 15 مليون درجة مئوية والضغط الداخلى حوالى 300 مليار الضغط الجوى على الأرض تحت هذه الظروف القاسية تنطلق الفوتونات من قلب الشمس ولكن فرصتها قليلة فى الهروب بسرعة لأنها ما تلبث أن تتصادم مع جسيم مشحون الذى يقوم بامتصاصها ثم إعادة إشعاعها ثانية،  ولكن هذه العملية تتم بعشوائية مطلقة والنتيجة أن الإشعاعات تترك بصورة شاذة وتأخذ مسار خط متعرج (zig-zag) التى تعرف بالخطوات العشوائية وكل خطوة تحدد بضع سنيمترات فى المتوسط، لذلك على مدى 1 سنتيمتر يوجد إختلاف بسيط فى درجة حرارة هذا الجزء من الشمس وتسمى هذه المنطقة “بمنطقة الاشعاعات” (radiation zone) ولكن هذا التدرج يعطى إيحاء واضح أن كمية الاشعاعات الخارجية أو المتجهة إلى السطح أكثر من كمية  الاشعاعات الداخلة إلى المركز.  إذا انتقلت سحابة الالكترونات من المركز إلى سطح الشمس فإن ذلك لن يستغرق معها سوى 2.5 ثانية ولكن فى الحقيقة تأخذ فترة زمنية أكثر من ذلك بكثير فقد تصل تلك الفترة إلى 10 مليون سنة حتى تتسنى لها الفرصة للوصول إلى السطح.  خلال هذه الفترة الزمنية الفوتونات طبعا تترك  بسرعة الضوء ولكنها تسير على شكل خط متعرج طوله 10 مليون سنة ضوئية.  فإن ما يحدث على سطح الشمس هو عبارة عن الصورة التى حدثت قبل 10 مليون سنة فى قلب الشمس.

منطقة الاشعاعات

منطقة الاشعاعات تمتد حوالى مليون كم من مركز الشمس وكلما اتجهنا إلى أعلى تصبح البلازما أبرد وأقل كثافة.  وفى منتصف الطريق من المركز إلى السطح تصبح الكثافة تقريبا مساوية إلى كثافة الماء،  وفى ثلث الطريق من المركز إلى السطح تنخفض الكثافة إلى أن تصبح مساوية إلى كثافة الهواء الذى نتنفسه على سطح الأرض، وعند الحافة الخارجية لمنطقة الاشعاعات حيث درجة الحرارة 4500000 درجة مئوية فقط وكثافة مادة الشمس 1% من كثافة الماء.  تحت هذه الظروف تستطيع الأنوية أن تلتقط بعض الالكترونات ويؤدى هذا الارتباط إلى إنطلاق فوتون لكل حالة إرتباط منطقة العمل الحرارى convection zone، فبعد أن تطلق الذرات فوتوناتها فإنها تتحول من الحالة المثارة إلى الحالة المستقرة لها أو بمعنى آخر فإنها تبرد لفقدها الطاقة مما يؤدى إلى إندفاعها إلى أسفل وترتفع بدلا منها ذرات فى الحلة المثارة فهذه العملية تؤدى إلى ظهور منطقة الحد الحرارى وهذه الطبقة تمثل 15% من نصف قطر الشمس أى أنها تمتد حوالى 150000 كم من السطح المرئى إلى الداخل  الطبقة العليا من منطقة العمل الحرارى تمثل سطح الشمس الخارجى المشرق ودرجة حرارة هذا الجزء 5800 درجة مئوية والضغط الجوى للشمس هناك يساوى 1/6 الضغط الجوى على الأرض والكثافة تنخفض إلى أقل من واحد على مليون من كثافة الماء  تحت هذه الظروف لا شئ يمنع الذرات من بعثها للفوتونات فى جميع الاتجاهات فى الفضاء الخارجى فكل الضوء الذى نراه من الشمس ينبعث من هذه االمنطقة التى تمثل 15% من نصف قطر الشمس.  

البقع الشمسية

حتى الآن نحن إعتبرنا أن الشمس جسم كروى منتظم الشكل ولكن الضوء المستقبل عن طريق المراصد الفلكية تدل بوضوح على وجود عدم إنتظام بالشكل لايمكن تجاهله وهى البقع الشمسية وهى عبارة عن مناطق مظلمة 1% من المساحة السطحية للشمس وغالبا ما تكون عدة بقع تترك على سطح الشمس وكل بقعة عبارة عن مجال مغناطيسي قوى يمتد من داخل الشمس إلى خارجها ونشاط هذه البقع ودورة حياتها لها أثر كبير على المناخ الجوى للأرض.

المراجع

Path way to the universe       

New Scientist  March 1993

Physics World October 1993

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى