هل الكون يتمدد؟
تخيل لو استيقظت يومًا ورأيت أن كل شيء حولك يتمدد! حيطان غرفتك تبتعد عنك، خرجت إلى الخارج، فاندهشت عند رؤيتك ل الأشجار والبنايات تبتعد عنك، تنظر إلى السماء، ترى أن النجوم والمجرات تبتعد عن الأرض، تخيل أن كل هذا يتمدد؟لكن عزيزي القارئ، دعنا نضع بدل كلمة “تخيل” كلمة “هل تعلم”، فهل تعلم أن كل شيء في الكون يتمدد؟ بل أن الكون نفسه يتمدد!
عزيزي القارئ، في هذا المقال سنذهب معًا في رحلة شيقة وممتعة لنتعرف عن حدود الكون في أوسع ظاهرة يتخيلها العقل البشري. تمدد الكون، جاهزون؟ هيّا بنا!
في لحظة تأمل، خرجت لتشاهد السماء في إحدى الليالي الصافية، تطلق بصرك للأعلى لترى المجرات التي تتملئ بالنجوم، حيث يحتوي الكون على ٢ تريلون مجرة على الأقل، ولكن إذا أمعنت النظر عبر التلسكوب، وقمت بقياس المسافة والسرعة مثل صديقنا العالِم هابل ستجد هذه المجرات تتباعد عنك!
خطر في ذهنك الآن كيف صديقنا هابل وجد أن المجرات تتباعد عنه؟
دّعني أخبرك بقصة مثيرة ستدهشك فعلًا!
صديقنا العالِم هابل في العقد الثاني من القرن العشرين، كان يدرس المجرات ويحلل الضوء الذي يصلنا منها، فوجد بالتحليل الطيفي أن هناك إزاحة نحو الجهة الحمراء من الطيف، مما يعني أن لا بدّ من أن هذه المجرات تبتعدُ عنّا!
ولكن ما هي الإزاحة الحمراء هذه؟
لا تقلق يا عزيزي، أنت هُنا معنا سنروي حيرتك وفضولك كله! هذه ظاهرة دوبلر اكتشفت عام 1842 من قبل الفيزيائي والرياضي النمساوي “كريستيان أندرياس دوبلر”، اكتشفها في الصوت من خلال ملاحظاته أن مصدر الصوت الذي يقترب منّا، ترتفع وتيرة الصوت التي تصل إلى الأذن، على حين أن مصدر الصوت المبتعد عنّا تنخفض وتيرة الصوت، وهُنا عندما نقول وتيرة الصوت لا نقصد الشدة بل نقصد الصفير.
لنبسط المفهوم أكثر: تخيل لو وقفت بالقرب من سكة قطار سريع، يتجه نحوك ويطلق صفارته باستمرار، فتجد أن تردد الصوت يتغير، أي يزداد التردد والصفير كلما كان القطار يقترب منك بسرعة أكبر، ولكن عندما يغادرك القطار تجد أن وتيرة الصفير تقل.
ستسأل نفسك الآن ما علاقة كل هذا بالضوء؟ عزيزي القارئ الفضولي، نفس الظاهرة تنطبق على الضوء، الضوء القادم من النجوم إلينا، حين يتزايد تردده سينزاح في الطيف إلى الجهة الزرقاء، لكن إذا قل تردد الضوء سيتجه نحو الجهة الحمراء من الطيف أي يزداد طوله الموجي
هذه الظاهرة استثمرها العالِم ادوين هابل، وعرف من خلال ملاحظته أن الانحراف في الطيف يحصل نحو الجهة الحمراء، هذا يعني أن الطول الموجي ل الضوء يتزايد وتردد الضوء يتناقص، وتناقص تردد الضوء معناه/ أن الجسم الذي يصدر الضوء يبتعد عنّا، وهكذا عرّف هابل أن المجرات تتباعد عنا، وهكذا استنتج أن الكون يتمدد!
الفكرة الغريبة ليس ب تمدد الكون نفسه، بل أن هذا الكون يتمدد بتسارع (أي أنه كلما كانت المجرة أبعد، كانت سرعة ابتعادها عنّا أكبر)
لنوضح الأمر ببساطة أكثر: تخيل معي أن هناك مجرتين
المجرة الأولى تبتعد عنّا 1 مليون كيلو متر
المجرة الثانية تبتعد عنّا 2 مليون كيلو متر
بعد فترة من الزمن
أصبحت المجرة الأولى على بعد 2 مليون كيلو متر،والمجرة الثانية على بعد 4 مليون كيلو متر،لاحظ أن كلما يمر الزمن، المسافة تتضاعف، أي المجرات تتسارع،
لكن كيف هذه المجرات تتسارع؟
في الحقيقة، أن المجرات نفسها لا تتسارع، ولكن ما يحدث هو أن الفضاء بين تلك المجرات هو الذي يتمدد.
تخيل أن هناك بالون صغير ونرسم عليه نقاط بجانب بعض وهذا النقاط تمثل المجرات كما موضح في الصورة، ونبدأ بنفخ البالون، نلاحظ أن عند زيادة الحجم تتباعد النقاط عن بعضها البعض، ولكن تلاحظ أن النقاط لا تتحرك من مكانها ، كل ما في الأمر أن البالون هو الذي يتمدد،هذه فكرة تمدد الكون، المجرات لا تتباعد عن المجرات الأخرى لأنها تتحرك، بل لأن هناك فضاء جديد يوجد بين كل منها.
اكتشاف أن الكون يتمدد هو إحدى الثوراث الفكرية العظيمة في القرن العشرين، ونتيجة تمدد الكون.
أكثر نتائج علم الكونيات غرابة! سننهي رحلتنا بسؤال لك يا عزيزي القارئ وأعطي نفسك وقت للتفكير والتخيل، هل يمكن للكون أن ينكمش بدلًا من أن يتمدد؟ ستعلم إجابة هذا السؤال في مقالاتنا القادمة، كون بالقرب!