فكرة عمل الأمواج فوق الصوتية ultrasound في الطب
نسمع كثيرا عن استخدام الامواج فوق الصوتية في تصوير الجنين في رحم الام وهو في مراحل تكوينه وفي مرات أخرى نسمع عن استخدام الامواج فوق الصوتية في تفتيت الحصى دون إجراء العمليات الجراحية كما تستخدم الامواج فوق الصوتية في قياس سرعة تدفق الدم في الاوردة للاطمئنان على سلامة القلب. وتعد استخدامات الامواج فوق الصوتية في مجال الطب من الاساسيات التقنية للتشخيص دون اجراء العمليات الجراحية.
وفي هذه المقالة العلمية سنحاول القاء الضوء على الأمواج الفوق صوتية وكيف تعمل الأجهزة الطبية المستخدمة في التشخيص المعتمدة على الأمواج فوق الصوتية.
نبذة تاريخية لتطور اجهزة الامواج فوق الصوتية الالتراساوند
بدأت اول الابحاث في الموجات الصوتية منذ عام 1822 عندما سعى عالم الفيزياء (دانيل كولادين) السويسري الأصل لحساب سرعة الصوت عن طريق جرسه المائي في مياه بحيرة (جنيفا). والتي ادت لوضع ( نظرية الصوت ) في عام 1877 بجهود العالم ( لورد ريليه ) والتي شرحت الأساسيات الفيزيائية لموجات الصوت وانتقاله وارتداده. وتوالت الأبحاث تباعاً حتى كان تصميم أول نظام رادار صوتي والمعروف باسم (Sonar) في الولايات المتحدة عام 1914 لأغراض الملاحة البحرية ولتحديد أماكن المارينز الألماني في الحرب العالمية الأولى. ولم توظف الموجات فوق الصوتية لخدمة الأغراض الطبية حتى بداية الأربعينات على يد دكتور الأعصاب النمساوي (كارل ثيودو) والذي يعتبر أول طبيب استخدم الموجات فوق الصوتية في التشخيص الطبي وقد واجه في ذلك صعوبات بسبب امتصاص عظام الجمجمة لمعظم طاقة الموجات فوق الصوتية.
وبعد حصيلة جهود مكثفة للفيزيائيين والمهندسين الميكانيكيين والكهربائيين والبيولوجيين بالتعاون مع الأطباء ومبرمجي الكمبيوتر والباحثين ودعم الحكومات ابتدأ التشخيص بالموجات فوق الصوتية ليأخذ محله في عيادات الأعصاب والقلب والعيون ولتتطور الموجات من A-Mode محدودة الاستخدام الى B-Mode والتي سعى العالم (دوغلاس هوري) كفني أشعة لاستغلالها في التشخيص لقدرتها على اختراق الأنسجة بهدف الدراسة التشريحية لأعضاء الجسم في جامعة (كولورادو) في دنغر بالتعاون مع زميله أخصائي الكلى (جوزيف هوملس) والذي بدوره تبنى الأبحاث الطبية على هذا الصعيد وقام بتوجيهها وبتعاون العلماء والمهندسين (بيلز و بوساكوني) كان أول جهاز ألتراساوند ثنائي الأبعاد يعمل بنظام B-Mode عام 1951. وتوالت الأجهزة التي تعمل في هذا النظام الا أنها جميعا كانت كبيرة الحجم وعلى المريض أن ينغمس كليا أو جزئيا في الماء في وضعية السكون لفترة زمنية طويلة الأمر الذي جعله غير عملي ويستحيل وجوده في عيادات الاختصاص.
وفي أواخر عام 1955 بدأ العالم بتطوير هذه الأجهزة لتصبح أكثر حساسية وأقل حجما وأكثر سهولة في طريقة الفحص حتى توصلوا للذراع المعدني المتحرك والذي يوضع على المكان المخصص للفحص.
ومع الثمانينات حدثت ثورة حقيقية في عالم الموجات فوق الصوتية وهي ما يسمى ( Real time scanner ) أي التصوير الحي ( ثنائي الأبعادB-Mode ) والذي عن طريقه تم التعرف على حياة الجنين الفعلية, وحركاته, وتصرفاته, ونبضات القلب, والتنفس في رحم الأم. وكان أول جهاز فعال في هذا المجال عام 1985 في ألمانيا , وكانت الثمانينات هي ميدان التنافس للشركات المصنعة لأجهزة الالتراساوند لتقديم أدق الصور وأوضحها. وهكذا اتضحت معالم علم جديد في تخصص النسائية والتوليد ( تشخيص وسلامة الجنين) .
وبعد هذه المراحل العريقة في تاريخ الموجات فوق الصوتية وبعد ثورات العلم المتأججة على كل صعيد ومتطلبات العصر المتجددة غدت أجهزة الالتراساوند الثنائية الأبعاد غير مرضية- بالرغم من كل النجاح الذي حققته- وتوجه العلماء نحو البعد الثالث للحصول على صور حية مجسمة لما يحدث في جسم الانسان. وفي اليابان في جامعة طوكيو كان أول تقرير حول نظام الأبعاد الثلاثية ( الطول, العرض, العمق أو الارتفاع ) عام 1984 وأول محاولة ناجحة في الحصول على صورة جنين ثلاثية الأبعاد من صورة ثنائية الأبعاد عن طريق الكمبيوتر كانت عام 1986.
وبعد تطوير أجهزة التراساوند مستقلة ثلاثية الأبعاد كانت المشكلة في الفترة الزمنية التي يستغرقها التقاط كل مقطع حيث تتجاوز العشر دقائق وهو ما يستحيل معه العمل سواء للطبيب المعالج أو المريض وبالتالي يستحيل معه التسويق. ومع الجهود المكثفة والتطوير المستمر كان أول جهاز التراساوند ثلاثي الأبعاد يأخذ محلا تجاريا في الأسواق في عام 1989 في النمسا واستمر العالم وخصوصا في اليابان, والنمسا, وبريطانيا, وكندا وحتى الصين في دفع عجلة التطور هذه حتى بدأت الأبحاث حول رباعي الأبعاد في لندن عام 1996 عندما بزغت فكرة التصوير ثلاثي الأبعاد الحي وليكون للبعد الرابع وهو البعد الزمني, دوره في إعطاء صورة حقيقية حيّة بأسلوب عملي, وما كان ذلك ليكون لولا التطورات الهائلة في علم الكمبيوتر والسرعة الهائلة في إجراء العمليات الحاسوبية, ومن هنا كانت قصة البداية.
ماهي الامواج فوق الصوتية؟
الالتراساوند هي تكنولوجيا تستخدم الامواج فوق الصوتية في التصوير الطبي وتستخدم امواج صوتية ذات ترددات اكبر 20 كيلو هرتز اي اكبر من الترددات التي تسمعها اذن الانسان وتعتمد فكرة عمل تلك الاجهزة الطبية على الامواج الفوق صوتية التي تسقط على الجسم وتنعكس عنه مثل ما يقوم الخفاش الذي يطير في الليل مستعينا بالامواج الفوق صوتية التي يحدثها لتسقط على الاجسام امامه وتنعكس عنها ويسمعها فيحدد مساره دون الحاجة الى حاسة الابصار لليستدل على الطريق ولذلك يستطيع الطيران في الليل. كما تستخدم الحيتان في البحر الامواج فوق الصوتية وتستخدمها الغواصات البحرية كجهاز رادار يعمل في اعماق المحيطات لكشف العواصات المعادية. وتعتمد فكرة استخدام الامواج فوق الصوتية على الاحداث التالية:
- يرسل جهاز الامواج فوق الصوتية امواج صوتية بترددات صوتية عالية تتراوح بين 1 الى 5 ميجاهيرتز على صورة نبضات توجه الى جسم الانسان من خلال مجس خاص.
- تخترق الامواج فوق الصوتية جسم الانسان لتصطدم بالفواصل والحدود الموجودة بين مكونات الجسم المختلفة مثل السوائل الموجودة بين طبقات الجلد الحد بين طبقة الجلد والعظم.
- جزء من الأمواج فوق الصوتية تنعكس عن الحدود الفاصلة بين مكونات جسم الانسان وتعود الى المجس بينما تستمر باقي الامواج فوق الصوتية لتخترق طبقات اعمق في جسم الانسان لتصل إلى حدود فاصلة اخرى وتنعكس عنها وترتد إلى المجس.
- يلتقط المجس الامواج فوق الصوتية المنعكسة تباعاً عن طبقات جسم الانسان التي اخترقها ويغذي فيها جهاز الامواج فوق الصوتية.
- يقوم جهاز الامواج فوق الصوتية بحساب المسافة بين المجس وطبقة الجلد أو العضو الذي انعكست عنه الامواج الفوق صوتية مستخدما سرعة تلك الامواج في جسم الانسان والتي تبلغ 1540m/s ومستخدماً الزمن اللازم لعودة الموجات فوق الصوتية للمجس والتي تكون في في حدود الميكوثانية أي 10-6sec.
-
يظهر جهاز الامواج فوق الصوتية العلاقة بين المسافة وشدة الاشارة المنعكسة من جسم الانسان لتكون توزيع ثنائي الابعاد للمسافة والشدة والتي تعبر عن الصورة التي نشاهدها على جهاز الامواج فوق الصوتية والموضحة في الشكل التالي:
صورة امواج فوق صوتية لجنين في الاسبوع الثاني عشر ويظهر على اليمين الرأس ومن العنق وباقي الجسم الى اليسار.
في أي جلسة للتصوير باستخدام جهاز الأمواج فوق الصوتية فإن ملايين النبضات الصوتية التي ترسل للجسم وتستقبل مرة أخرى لتحلل وتحسب المسافة القادمة منها تلك الأمواج لتعطي الصورة التي نراها، كما ان تحريك المجس من مكان لأخر يمكن ان يعطي صور من منظور مختلف.
مكونات جهاز الأمواج فوق الصوتية
تتكون أجهزة الأمواج فوق الصوتية من الأجزاء الرئيسية التالية:
- المجس.
- وحدة التحكم المركزية.
- وحدة التحكم بالنبضات.
- شاشة العرض.
- لوحة المفاتيح والماوس.
- وحدة تخزين.
- طابعة.
المجس Transducer Probe
يعتبر المجس المستخدم في اجهزة الأمواج فوق الصوتية هو الجزء الرئيسي للجهاز. ووظيفة المجس تكمن في اصدار الأمواج الصوتية ورصد الصدى المرتد عن انعكاسها. ويمكن تشبيهه بالفم الذي يتحدث والاذن التي تسمع لجهاز الامواج فوق الصوتية. وتعتمد فكرة عمل المجس على ظاهرة فيزيائية مهمة هي البيزوالكترك piezoelectric effect والتي تعني ظاهرة الضغط لتوليد الكهرباء والتي اكتشفها العالم بير وكيوري Pierre and Jacques Curie في عام 1880. وهي عبارة عن بلورة كوارتز عند تطبيق تيار كهربائي على بلورة الكوارتز قإن البلورة يتغير شكلها بسرعة في صورة اهتزازات سريعة جداً تصر أمواج صوتية. والعكس يحدث عندما تصطدم أمواج صوتية تؤدي البلورة للاهتزاز فإن تيار كهربي يتولد عنها. وبهذا يمكن استخدام نفس بلورة الكوارتز لإصدار الأمواج فوق الصوتية واستقبالها، مع تزويد المجس بمادة تمتص الصوت حتى لا يحدث تشويش بين الصوت الصادر والصوت المنعكس. كذلك يزود المجس بعدسة صوتية acoustic lens لتركيز الأمواج الصوتية الصادرة من المجس.
جهاز امواج فوق صوتية ومعه عدة انواع من المجسات المستخدمة
يتم تصنيع هذه المجسات لتأخذ اشكالاً واحجاماً مختلفة لتستخدم حسب المنطقة المراد تصويرها بجهاز الأمواج فوق الصوتية وكل مجس يصدر تردد مختلف من الأمواج فوق الصوتية لتحدد العمق الذي يجب ان تخترقه هذه الأمواج داخل جسم الانسان للحصول على الصورة المطلوبة وبدقة عالية. ويمكن ان تحتوي المجسات على أكثر من بلورة كوارتز وكل بلورة كوارتز يجب ان يكون لها دائرتها الكهربية المنفصلة، ويستخدم هذا النوع من المجسات المزودة بأكثر من بلورة للتحكم في الفارق الزمني للأمواج الصوتية الصادرة عن كل بلورة والذي يساعد على تحريك الامواج الفوق صوتية داخل الجسم.
شكل يوضح أجزاء جاهز التصوير باستخدام الأمواج فوق الصوتية
وحدة التحكم المركزية Central Processing Unit (CPU)
وتمثل هذه الوحدة عقل الجهاز وهو عبارة عن جهاز كمبيوتر متصل بالمجس ويزوده بالطاقة الكهربية. وتقوم وحدة التحكم المركزية بارسال التيار الكهربي للمجس ليصدر الامواج الفوق صوتية وكذلك يستقبل النبضات الكهربية الناتجة من المجس عند استقبالها للامواج فوق الصوتية المرتدة عن اجزاء الجسم المراد تصويره. وتقوم وحدة المعالجة المركزية بكافة الحسابات التي تمكن من رسم العلاقة بين المسافة وشدة الاشعة المرتدة لتكوين الصورة على الشاشة.
وحدة التحكم بالنبضات Transducer Pulse Controls
وهي توفر الامكانية للطبيب الذي يشغل الجهاز أو الفني المختص بادخال قيمة التردد وزمن النبضات الصوتية الصادرة من المجس والتي يجب تحديدها مسبقا حسب العضو المراد تصويره. وكذلك تقوم هذه الوحدة بالتحكم بآلية المسح المستخدمة بواسطة الجهاز لاظهار الصورة.
الشاشة Display
وهي عبارة عن شاشة عرض عادية كالمستخدمة في الكمبيوتر والتي تظهر نتيجة الحسابات التي قامت بها وحدة المعالجة المركزية ويمكن ان تكون شاشة ابيض واسود او شاشة ملونة حسب نوع ومواصفات جهاز الامواج فوق الصوتية.
لوحة المفاتيح والماوس Keyboard/Cursor
وهي الادوات التي يستخدمها الطبيب او الفني المختص لتشغيل برنامج الاجهاز واجراء عمليات حفظ الصورة على ملف وعمل بعض القياسات لحساب الابعاد مستعينا بالصورة الظاهرة على الشاشة.
وحدة التخزين Disk Storage
وحدة التخزين تستخدم لحفظ الصور التي ظهرت على الاشاشة ووسائط التخزين هي نفسها المستخدمة في الكمبيوتر وتشمل الاقراص الصلبة hard disks أو الاقراص المرنة floppy disks أو الاقراص المدمجة CD او DVD. وتستخدم لعمل ارشيف طبي يحفظ لتتبع حالة المريض في مرات اخرى.
الطابعة Printers
وفي الاغلب طابعات كمبيوتر ولكن من النوع الحراري المعروف باسم الطابعات الحرارية
انواع اجهزة الامواج فوق الصوتية
الاجهزة التي تحدثنا عنها حتى الان هي اجهزة للتصوير ثنائي الابعاد ولكن هناك نوعان من الاجهزة التي تستخدم نفس التقنيات وهي اجهزة التصوير ثلاثية الابعاد واجهزة دبلر للامواج فوق الصوتية.
اجهزة التصوير ثلاثية الابعاد 3D Ultrasound Imaging
وتعتمد فكرة هذا الجهاز للحصول على صور مجسمة ثلاثية الابعاد لاعضاء الداخلية في جسم الانسان أو للجنين من خلال تمرير المجس فوق الجسم او ادارتة المجس حول الجسم لاخذ عدة صور ويقوم الكمبيوتر بتكوين الصور المجسمة منها.
صور ثلاثية الابعاد باستخدام التقنيات الحديثة للتصوير بالامواج فوق الصوتية.
أجهزة دبلر للامواج فوق الصوتية Doppler Ultrasound
وهي اجهزة تستخدم ظاهرة دبلر وفكرتها ان الامواج الفوق صوتية المنعكسة عن الاعضاء المتحركة يحدث تغيير في التردد بين الأمواج الفوق صوتية المرتدة والامواج الفوق صوتية الساقطة على الجسم. ومن فارق التردد بين الموجات المرتدة والصادرة يمكن حساب سرعة هذه الأعضاء بدقة مثل حساب سرعة تدفق الدم من القلب وإلي الاوعية الدموية والشرايين.
استخدام جهاز دبلر للامواج فوق الصوتية لقياس سرعة تدفق الدم خلال القلب
مخاطر استخدام الامواج فوق الصوتية
بالرغم من انه لم تسجل ايه حالات مرضية في كلا من الانسان أو الحيوان الذي تعرض لفحوصات بواسطة الامواج فوق الصوتية وان هذه الأجهزة ستبقى مستخدمة كأحد وسائل التشخيص بدون اجراء جراحة او استخدام مواد مشعة تحقن في المريض الا انه ينصح باستخدامها كلما دعت الضرورة فقط. وذلك تفاديا لتعريض أجزاء من جسم الانسان للطاقة الصوتية الناتجة عن الأمواج فوق الصوتية والتي تمتص بسهولة في الماء الموجود في الانسجة الحية مما يسبب ارتفاع موضعي في درجة الحرارة للمناطق المعرضة للأمواج فوق الصوتية.
التطورات والمستقبل
كلما تطورت اجهزة الكمبيوتر كلما تطورت اجهزة الامواج فوق الصوتية من ناحية السرعة والقدرة التخزينية للمعلومات. كما جاري العمل على تطوير التصوير ثلاثي الابعاد باستخدام الامواج فوق الصوتية وانتاج اجهزة صغيرة الحجم.
اما التطور الاغرب والمشوق هو تحويل الصور المأخوذة من جهاز الامواج فوق الصوتية وتغذيتها لخوذة يضعها الطبيب على رأسه لتبني مجسم وهمي للإنسان الذي يتم تصويره تمكن الطبيب من فحص الأجزاء الداخلية لجسم الانسان.