عالم الذرة البروفيسور منير نايفة .. يحول الخيال إلى حقيقة
“ماذا يمكن أن يحدث لو استطعنا التحكم في حركة الذرات وتغيير مواقعها وإعادة ترتيبها كما نشاء بدلا من تفجيرها؟” سؤال طرحه (ريتشارد فاينمان) عام 1959، ولم يتوقع فاينمان -أحد أعظم علماء الفيزياء في القرن العشرين- أن يتوصل أحد إلى إجابة على سؤاله إلا في المستقبل البعيد.
نسي فاينمان أنه يتحدث عن علماء الغرب فقط، وتجاهل أن الأرض العربية ولادة!، ولم لا؟ وهي من أنجبت شادية حبال وزويل والنشائي وغيرهم كثيرين، والآن يمسك علماؤنا بأعمدة حضارتهم حتى يبنوا ويعلوا البنيان ويبقى علماؤنا هم الأساس.
بعد أقل من عقدين من الزمان كان هناك إجابة على السؤال، ولكن على يد من؟ من أشعل فتيل تلك الثورة وأكملها ليؤسس فرعا جديدا في الكيمياء؟
إنه “منير حسن نايفة” أحد رواد علم تقنيات النانوتكنولوجي في العالم، نايفة ابن فلسطين الذي لم يدفعه الاحتلال إلى الاعتلال، وإنما دفعه إلى أن يخرج من مصباح العلم حاملا معه مفاجآت من عالم الخيال، فنايفة هو الذي حول خيال فاينمان إلى حقيقة ملموسة، مؤسسا بذلك لفرع جديد في علم الكيمياء هو «كيمياء الذرة المنفردة»، وحصل عن ذلك على 7 براءات اختراع.
مهد نايفة بأبحاثه النانوية لطفرة طبية سوف تسهم في علاج العديد من الأمراض التي وقف العلم عاجزا أمامها سنوات طويلة؛ ويتيح هذا الإنجاز بناء أجهزة ومعدات مجهرية لا يزيد حجمها على عدة ذرات بما يمكنها من الولوج في جسم الإنسان، والسير داخل الشرايين والوصول إلى أعضائه الداخلية، وتؤدي هذه المقدرة إلى بناء مركبات معقدة بنيوية مثل المستقبلات والإنزيمات والأجسام المضادة والهياكل الخلوية التي يكون تصنيعها مكلفا وصعبا باستعمال تقنيات الكيمياء الصناعية الحالية، بالإضافة إلى مستحضرات التجميل، وستمكن هذه التقنية كذلك من صناعة غرفة عملّيات كاملة في كبسولة (عبوة) صغيرة، يتمّ وضعها داخل جسم المريض لتقوم بتنفيذ برنامج العمليّة الذي برمجه الطبيب فيها حسب حالة المريض.
الطفرة لم تتوقف على مجال الطب فقط بل تتعدى ذلك لتشمل كل ميادين الحياة مثل الزراعة والغذاء والبيئة والالكترونيات، هذا فضلا عن تطبيقاتها العسكرية والأمنية والاستكشافية في الفضاء، والآن ظهرت منتجات رياضية تحتوي على مواد نانوية، وزجاج مطلي بمواد نانوية لتمنع تبللها أو التصاق الأوساخ عليها، ومرشحات للهواء، وحبيبات نانوية مطهرة، ويمكن استنتاج تلك القفزة التي سيحققها ذلك العلم من خلال المقارنة بـ”المايكروتكنولوجي” التي أنتجت أجهزة الكمبيوتر والترانزيستور وكل المعدات الإلكترونية الحالية، وفى هذا الإطار يشير الكتاب السنوي الصادر عن الموسوعة البريطانية «بريتانيكا» إلى أن تقنية نايفة سوف تزيد من كفاءة أداء الآلات ما بين 100 مليون و10 آلاف مليون مرة على الطرق التقليدية.
عمل نايفة في الفترة من عام 1977 وحتى عام 1979 باحثا فيزيائيا مختبر أوك ريدج القومي الأميركي Oak Ridge National Laboratory، وفيه قام وزملاؤه عام 1976 بالكشف عن الذرات المنفردة ومعالجتها في الحالة الذرية مقارنة بالسطوح، وبمعنى أدق قاموا بترجمة خيال فاينمان إلى واقع ملموس من خلال رصد ذرة منفردة من بين عشرة بلايين مليار ذرة والتعرف على هويتها، وكان ذلك يحدث لأول مرة في تاريخ العلم.
التحق نايفة عام 1979 “بجامعة آلينوى” في أربانا ـ شامبين، وهو نفس العام الذي شهد حصوله على “جائزة البحث التصنيعي” في الولايات المتحدة، أمدت الجامعة نايفة بالمال والإدارة والتخطيط ليؤسس شركة (النانوسليكون) NanoSi Technologies من أجل إيصال هذه التقنيات إلى القطاع الصناعي والتجاري في التطبيقات الالكترونية والضوئية والطبية وغيرها.
في التسعينيات تحدثت كبريات المجلات العلمية المتخصصة ووكالات الأنباء العالمية عن العالِم الذي رسم صورة لقلب داخله حرف «P» باستخدام الذرات المفردة في الإشارة إلى فلسطين، كأصغر حرف في تاريخ الخط وبعرض خمسة بالمليون من المليمتر، اختيرت لوحة نايفة العاطفية كصورة لغلاف لمجلة «نيوساينتست»New Scientist وهي أشهر مجلة علمية في بريطانيا، في عددها الصادر بتاريخ 7 مارس (آذار) 1992.
لم تمنع هجرة نايفة عن الاهتمام بالبحث العلمي في الوطن العربي، فقدم زبدة أفكاره بين يدي المراكز البحثية العربية ليساهم في دفعها إلى التقدم وملاحقة التطورات العلمية في العالم، ويظهر ذلك من خلال نشاطاته وزيارته المتكررة ومساهمته في فتح مجالات التعاون بين “جامعة آلينوي” ومختلف مراكز البحث العلمي العربية، وفى هذا الإطار يسهم نايفة مع “زين حسن يماني” المبتعث من “جامعة الملك فهد” السعودية إلى “جامعة آلينوي”، ومعهما الدكتورة “ليلى أبو حسان”، والدكتور “عبد الجواد أبو الهيجاء” من “الجامعة الأردنية”، والدكتور “سامي محمود”، والدكتور “نهاد يوسف” من “جامعة اليرموك” الأردنية في بحث علمي على خام “الزيوليت” الطبيعي الذي يوجد بوفرة في البيئة العربية، لإنتاج وتطوير أسلاك ومفاتيح ذرية تستخدم في تشغيل آلات القرن الحادي والعشرين.
ويرأس الدكتور نايفة شبكة العلماء والتكنولوجيين العرب في الخارج، وهو أحد التجمعات الشهيرة للعلماء المهاجرين، التي أنشئت عام 1992 عقب أول اجتماع لها في العاصمة الأردنية عمان، وتقوم الشبكة بدور هام في حصر الكفاءات العربية في المجالات العلمية المختلفة، وفتح المجال أمام حدوث تعاون وتنفيذ برامج ومشاريع علمية، من شأنها أن ترتقي ببلداننا العربية، كما أنه عضو بمجلس إدارة المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا بالشارقة التي أسست عام 2000، وهي مؤسسة تهتم بوضع المشاريع العلمية المشتركة التي تسهم في حل المشكلات التي تعاني منها منطقتنا العربية، بالإضافة إلى التنسيق بين علماء الداخل والخارج، وتعد محاولة لتشكيل قوة ضغط علمية تحث الحكومة العربية على ضرورة دعم البحث العلمي تجري في الوقت الحاضر أبحاث تعاونية مشتركة في حقل نانوتكنولوجيا السليكون بين “جامعة الينوي” و”جامعة الملك سعود” في الرياض، وهناك بعض الأبحاث الميدانية في المملكة على الفلترات النانونية المستخدمة في تحلية المياه.
حصل نايفة على مائة جائزة في أبحاث صناعية، وأصدر العديد من المؤلفات العلمية، ونشر ما يزيد على130 مقالا وبحثا علميا، وشارك مع آخرين في إعداد وتأليف العديد من الكتب عن علوم الليزر والكهربية والمغناطيسية. كما وردت الإشارة إلى اسم نايفة في العديد من موسوعات العلماء والمشاهير، وكان من أبرزها موسوعة “بريتنيكا” الشهيرة، وموسوعة “ماجروهيل”، وقائمة رجال ونساء العلم الأمريكيين، وموسوعة ” Who’s Who in America”، وقائمة “Who’s Who in Technology Today”، وقائمة “Who’s Who in Engineering “، وكذلك المعجم الدولي للسيرة الذاتية، وقائمة رجال الإنجازات.
ولد “نايفة” في ديسمبر عام 1945 بقرية الشويكة بطولكرم في فلسطين، وأكمل دراسته الابتدائية ثم غادر بلاده متجها إلى الأردن لاستكمال دراسته الثانوية، وبعدها إلى لبنان للحصول على درجة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1968، حصل على درجة الماجستير في الفيزياء عام 1970، ثم نال بعدها منحة مقدمة من جامعة ستانفورد الأمريكية للحصول على الدكتوراه.
ونايفة هو الأخ الثالث بين أربعة أبناء لتاجر زيت الزيتون حسن نايفة وزوجته خضرة، جميعهم تفوقوا في مجالات العلوم المختلفة، “علي” الابن الأكبر أستاذ للهندسة الميكانيكية بجامعة فرجينيا، و”عدنان” أيضا يعمل أستاذا للهندسة الميكانيكية والطيران في جامعة سينسيناتي بأوهاويو، أما “تيسير” فيعمل أستاذا للهندسة الصناعية في جامعة كليفلاند.