مقالاتمواضيع العدد ٩

نظرة الفيزياء للكون

نظرة الفيزياء للكون

نقدم في هذا المقال فكرةً مبسطةً عن المعنى الحقيقي لرؤية علم الفيزياء، بصفته علم الطبيعة، عن الصورة التي طالما ولا يزال يحلم الإنسان في سعيه محاولاً إدراكها، ألا وهي الكون. إن من أجمل الصور في هذا الكون هي الصورة التي يكونها علم الفيزياء والمتغيرة لوناً وفلسفة ونظرية وقانوناً مع استمرار تطور العقل البشري في هذه الحياة عن صورة الكون.  وحيث أن الكون روح ومادة إلا أن الفيزياء لا تتعامل إلا مع مادته، لذا فهو يرى المادةَ على أنها حفنة من الجسيمات الأساسية وان جميع الأجسام الحية منها والخامدة مخلوقة من مجاميع مرتبة من هذه الجسيمات. وهناك ثلاثة من هذه الجسيمات الأساسية المهمة بسبب كونها متواجدة في العديد من الظواهر الشائعة لدى الإنسان، وهو يحيى في هذه الطبيعة، ألا وهي الألكترونات والبروتونات والنيوترونات.  

ومع ذلك، فإن هنالك العديد من الجسيمات الأساسية الأخرى (كما يراها علم الفيزياء  بأنها كثيرة جداً!) غير أنها تملك عمراً قصيراً للبقاء ومع ذلك يستمر خلقها و فنائها مع عمر الوجود (فهي  التي تسمى بالجسيمات غير المستقره) وعلى ما يبدو فهي لا تساهم مباشرة في أغلب الظواهر التي نراها حولنا. بعض من هذه الجسيمات الحيوية هو جسيم البايون (pion) بسبب الدور الذي تلعبه في التفاعلات بين البروتونات والنيوترونات. إن البحوث حول الجسيمات الأساسية في المختبرات البحثية المتقدمة أصبحت مهمةً جداً في عالم اليوم للحصول على بعض الأفكار والتصور عن تركيبة الكون الذي نحن جزءً منه.

اعلانات جوجل

وباستخدام اللغة المبسطة، يمكننا القول بأن الجسيمات الثلاث أعلاه (الألكترونات قطرها أقل من 10-18م * والبروتونات والنيوترونات اللذين قطريهما 10-15م ) تتواجد في مجاميع معرفة تماماً تدعى الذرات (التي قطرها 10-10  م) حيث تتجمع البروتونات والنيوترونات في منطقة متمركزة في غاية الصغر تسمى النواه (قطرها 10– 14م)  وتسبح الألكترونات في مدارات محددة خارج تلك النواة مكونةً سحابة شحنية. ولكل من الجسيمات والنواة والذرة أبعادها المتناهية في الصغر (أنظر الشكل رقم 1).

الشكل (1) تركيب الذرة حيث الألكترونات والنيوترونات والبروتونات وأبعادها.

ولتقريب الصورة وجعلها أكثر وضوحاً نفترض بأن  قطر الألكترون بحدود عُشْر الملي متر (0،1 ملم) لكان قطر الذرة بحدود 10 كيلومتر في حين يصبح قطر النيوترون والبروتون بحدود 10 سم وقطر النواة متراً واحداً.  وبهذا يمكنك تصور الذرة من خلال المعالم المرئية. لقد تم تشخيص بحدود 104 قطعة ذرة مميزة لحد الآن مع وجود ما يقارب 1300 تشكيلة مختلفة من الذرات عائدة إلى ذراتها الأصلية (أي 104 ذرة) تدعى بالنظائر. ومن جهة أخرى فأن الذرات قادرة على التجمع مع بعضها البعض مكونةً مايسمى بالجزيئات، حيث الآلاف لحد الآن معروفة ومختلفة الأنواع. وعلى ما يبدو فأن عدداً كبيراً من الجزيئات المختلفة موجودة الآن في الطبيعة وذلك لأن مختبرات الكيمياء البحثية في الجامعات ومراكز البحوث مستمرة في اكتشافها يومياً جزيئة جديدة. مع إدراك أن بعض الجزيئات تشتمل على بعض الذرات مثل جزيئة حامض كلوريد الهيدروجين المتكونه من ذرتين ( أنظر في الشكل 2).  

الشكل (2) جزيئة حامض كلوريد الهيدروجين.

في حين جزيئات أخرى قد تمتلك ما هو أكثر بمئات الذرات، مثل البروتين الأنزيمات والحوامض الأمينية (DNA and RNA) المبين تركيب الأخير في الشكل (3). وأخيراً، فأن الجزيئات تعمل لتشكيل مجاميع متحدة مع بعضها مكونة الأجسام (أو مايعرف بالمواد الحجمية) لتظهر لنا على هيئة أجسام صلبة أو سائلة أو غازية أو حالة البلازما وهي الحالة التي تتألف من مزيج غازي فيه تركيز كل من الشحنات الموجبة والسالبة متساوية (جسيمات مشحونة) وأنها  (أي البلازما) تشكل نسبة مئوية عالية جداً من مادة الكون. بالرغم من أن هذا التصنيف لا يعد حاداً بهذا الصورة إذ فيه شيء من المرونة. 

اعلانات جوجل

الشكل (3) يمثل هذا الشكل صورة بعض الحوامض الأمينية مثل (DNA) والمتكون من العديد من الذرات والتركيب بشكل عام يمثل جزيئة من العديد من الذرات.

الشكل (4) التركيب البلوري لمادة نترات الكروم . لقد رتبت الذرات بصور هندسية منتظمه مكونة ذلك الإمتداد حول حجم كبير نسبياً مكوناً الأجسام.

إن من بين الأجسام المهمة والخاصة هي الأجسام الحية أو ما تدعى بالمواد الحية والمميزة بوجود مادة البروتوبلازما، حيث فيها تظهر الجزيئات على هيئة نمط منظم جداً وتُظْهِرْ خواصاً ووظائفاً على ما يبدو لا تتمتع بها النوع الآخر من المواد ألا وهي المادة الخامدة. فالجسم الإنساني والذي هو أكثر تطوراً عن بقية الأجسام الحية، يتألف من حوالي 2810 ذرة، أغلب هذه الذرات هي ذرات الكاربون والهيدروجين والأوكسجين والنايتروجين. 

بينما مجموعتنا الشمسية تُكَوِنْ تجمعاً للعديد من الأجسام الضخمة والتي تسمى بالكواكب، والتي تدور حول نجم، يدعى الشمس كما مبين في الشكل (4). أحد هذه الكواكب هو أرضنا التي نحيى عليها نحن البشر حيث تحتوي على ما يقارب 5110 ذرة. والشمس لوحدها تحتوي على ما يقارب 5710 من الذرات. والمجموعة الشمسية بدورها هي جزء صغير

الشكل (5) توضح صورة المجموعة الشمسية حيث تظهر الشمس والكواكب للمقارنة بين الكواكب نفسها والشمس.

من تجمع كبير للنجوم، حيث لكل نجم مجموعته الخاصه به، وبهذا التجمع من النجوم تتكون المجرة. ومجرتنا التي نحيى بها تدعى درب اللبانة، حيث تتألف من 1110 نجم أو 7010 ذرة ولها شكل يشابه القرص وبقطر يقارب 2110 م أو حوالي مائة ألف سنة ضوئية (100،000 سنة ضوئية) وكما مبينة في الشكل (5). والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء الذي سرعته المعروفة (300،000،000 م/ثانية) في زمن قدره 100،000 سنة أرضية. وأن أعظم سمك للمجرة هو 2010 م. هذا وأن معظم المجرات التي أكتشفت تشبه مجرتنا وأقربها إلينا تبعد بحدود مليوني سنة ضوئية أو 2×1022  م عن مجموعتنا الشمسية.

الشكل (6) أقرب مجرة لمجموعتنا الشمسية والتي تبع بحدود 2،500،000 سنة ضوئية أو ما يعادل 2،5 x 1022 م .

الشكل (7)  قد يبدون الكون على هذه الشاكلة والله أعلم بما نرى ونتوصل إليه.

هذا وأن الكون قد يحتوي على 2010 نجماً تتجمع على هيئة 1010 مجرة ويحتوي الكون على هذا الأساس 8010 ذرة في منطقة نصف قطرها بحدود 2610 م أو 1010 سنة ضوئية، أنظر الشكل (7).   

 وبعد كل ذلك تتولد في أذهاننا مجموعة من الأسئلة. لماذا وكيف ترتبط الألكترونات والنيوترونات والبروتونات مع بعضها مكونة الذرات؟ ولماذا وكيف ترتبط الذرات مع بعضها مكونة الجزيئات؟ ولماذا وكيف ترتبط الجزيئات مع بعضها لتكوين الأجسام ؟ وكيف يحدث تجمعات المادة نفسها في أحجام من أصغر جسيمات الغبار إلى الكواكب الضخمة، ومن البكتيريا إلى هذا المخلوق الرائع الذي يسمى الإنسان؟ لذا يمكن القول بأن الجسيمات في الذرة تتفاعل مع بعضها بطريقة ما مولدة ترتيباً مستقراً. وهكذا بالنسبة إلى الذرات لتكوين الجزيئات والجزيئات لتكوين الأجسام. والمادة بشكلها الحجمي ترينا كذلك بعض التفاعلات الواضحة مثل الجاذبية. تستطيع الفيزياء الإجابة على هذه الأسئلة الأساسية، من حيث المبدأ، من خلال تقديم فكرة التفاعلات. إن فكرة التفاعل ليست بالجديدة. و ليس من العدل إسقاط ما تم تأسيسه من مفاهيم قديمة. غير أن تطور المفاهيم واستخدام المصطلحات المناسبة لكل عصر وزمان فقد استعملت لتجميل الكون كنتيجة لسنين  البحث منذ 300 سنة قبل الميلاد. إن الغاية من العلم هي البحث عن مجموعة المبادء الأساسية والمبسطة حيث من خلالها تفهم جميع الحقائق المعروفة مع إيجاد وابتكار وتنبؤ الشيء الجديد. ولكون أن جميع المادة تتركب من نفس الوحدات الأساسية، فالصورة النهائية لجميع العلوم الطبيعية يجب أن تستند على القوانين المتحكمة بسلوك هذه الجسيمات الأولية. 

اعلانات جوجل

إن من أول أهداف الفيزياء هو أكتشاف التفاعلات المتغيرة للمادة: والرئيسي منها الجاذبية (قوى التجاذب بين الأجسام) والكهرومغناطيسية (قوى المجالات الكهربائية والمغناطيسية)  والتفاعلات النووية (تلك التفاعلات التي تحدث داخل نواة الذرة). وبناء على ذلك فأن الفيزياء تحاول أن تصيغ لهذه التفاعلات المختلفة علاقة كمية واحدة، غير أنها تكون بأمس الحاجة إلى طريقة رياضية تستوعب علاقة توحيد هذه التفاعلات. إن محاولات الفيزياء لصياغة قواعد عامة حول سلوك المادة وهي في وضعها الحجمي، هذا السلوك بالتأكيد ناتج عن هذه التفاعلات الأساسية. في حين، من الضروري، يتطلب وصف سلوك المادة داخل حجمها هو خضوعها الى الدراسة الإحصائية طالما تتألف من عدد كبير جداً من الجزيئات حيث تتمتع كل جزيئة بحركة منفردة عن بقية الجزيئات مما يصبح من المستحيل متابعتها (أي الجزيئة) تفصيلياً. 

وفي الختام فأن الفيزياء قادرة على أن تغطي مدى واسع وكبير،  نزولاً إلى 10-15  م وكتلة بحدود 10-31  كغم (وهذا يعود إلى جسيم منفرد مثل الألكترون)،  وصعوداً إلى طول مقداره 910  م وكتلة تقدر بحدود 1030  كغم (وهذا عائد إلى جسم في مجموعتنا الشمسية). رغم  أن القوانين المبدئية جميعها تطبق على جميع الأبعاد والكتل غير أن هناك بعض من أساليب وأنواع التقريب تعتمد على المدى الخاص لمقادير المشكلة الفيزيائية تحت الدراسة.

 * الرقم 10-18  تعني السالبية للأس على أن الرقم هو بمثابة جزء من واحد وعلى يمينه ثمانية عشر صفراً. أما الرقم  1810 فيعني العدد واحد وعلى يمينه ثمانية عشر صفراً وهكذا لبقية الأرقام، فالرقم الذي أسه سالباً هو أصغر بكثير من الذي أسه موجب.

المصادر:

اعلانات جوجل

1. Fundamental University of Physics Part I By M Alonso and E. J. Finn، 1968، Addison-Wesley Publishing Company.

2. Physics for Scientists and Engineers، 5th Edition، By R. Serway and  R. Beichner، 2000، Saunders College Publishing.  

د./ موفق كاظم عبد الرضا

بكلوريوس علوم فيزياء / كلية العلوم/ جامعة بغداد 1974. ماجستير فيزياء/ كلية العلوم/ جامعة بغداد 1977. دكتوراه الهندسة الألكترونية / جامعة شفيلد / المملكة المتحدة 1984.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى