كيف سيصل مسبار باركر إلى الشمس؟
عند اقرب مسافة ووصول إلى الشمس سوف يقترب مسبار باركر الشمسي Parker Solar Probe إلى مسافة مقدارها 6.2 مليون كيلومتر تقريبا من الشمس، وعند وصولها إلى أقرب نقطة بينها وبين الشمس ستكون سرعتها قد تزايدت شديدا بسبب جاذبية الشمس ووصلت إلى نحو سرعة 700 ألف كم/ساعة
في الشهر الماضي تمكنت وكالة الفضاء ناسا بنجاح من إطلاق مسبار باركر الشمسي وهو أول مركبة فضائية سوف تلمس،بمعداتها الخاصة، المواد الشمسية بشكل مباشر في محيط الشمس. والمفارقة هنا وهو كيف يكون من الممكن الوصول إلى مصدر يشكل 99.8٪ من كتلة النظام الشمسي؟ ان الشمس هي أقوى مصدر جذبي في مدار يصل لمسافة عدة سنوات ضوئية، وكل شيء في المجموعة الشمسية بما فيها كوكب الأرض يدور حول الشمس.
ومع ذلك، لم يتم ارسال أي شيء على الإطلاق من الأرض، سواء كان ذلك بشكل طبيعي أو اصطناعي، ليصل إلى الشمس. وعليه فان مسبار باركر الشمسي Parker Solar Probe سيكون هو الاول في هذا المضمار. هناك تفسير بسيط لسبب عدم حدوث ذلك من قبل، ولماذا أخذ الكثير من التخطيط لجعله يحدث. السبب؟ قانون نيوتن الأول للحركة.
تعتبر رحلة مسبار باركر الشمسي Parker Solar Probe أول مهمة تقوم بها البشرية على الإطلاق للوصول إلى جزء من غلاف الشمس والذي يطلق عليه اسم كورونا corona.
وضع العالم نيوتن قوانين القوة في القرن السابع عشر والتي تنص إلى ما يلي:
الجسم الساكن يبقى ساكنا، والجسم المتحرك يبقى متحركا وبسرعة ثابتة، ما لم تؤثر عليه قوة خارجية.
لقد اعتدنا على تطبيق هذا القانون على الحركة في خط مستقيم. لكن قانون نيوتن، مثله مثل جميع قوانين الفيزياء، يجب أن يطبق في جميع الظروف. حتى إذا كانت الحركة الثابتة في مدار بيضاوي حول الشمس.
لحظة من فضلك، بالتأكيد سوف يتبادر إلى ذهنك ان الجاذبية هي قوة خارجية ولهذا فإن السرعة لا تكون ثابتة!
هذا بالفعل تفكير منطقي واعتراض معقول، إذا كانت الطريقة الوحيدة التي كان عليك أن تفكر فيها بخصوص الحركة بدلالة الحركة الخطية. الحركة في خط مستقيم هي أبسط أنواع الحركة، وهي التي في الأغلب ما نستخدمها كتطبيق مباشر على قوانين نيوتن. لكن هناك نوع آخر من الحركة وهي الحركة الزاوية أو الدورانية مثل حركة الأرض حول الشمس. وحيث ان مسبار باركر الشمسي مصمم لقياس العديد من خواص الشمس فانه يجب ان يكون اقرب ما يمكن من الشمس وهذا يعني تغير حركته الزاوية.
لم تكن الرياح الشمسية والهالة الشمسية “الكورونا” مفهومة بشكل جيد منذ زمن بعيد، لكن باستخدام مسبار باركر الشمسي سوف يقوم باختبار العديد من الأفكار والتحقق من صحتها وهذا لا يتم إلا بوجود المسبار في داخل منطقة الهالة الشمسية “الكورونا” نفسها.
عندما ننتقل من الحركة الخطية إلى الحركة الدورانية، علينا ايضا ان ننتقل من الزخم الخطي “linear momentum” إلى الزخم الزاوي “angular momentum”. حيث ان الزخم الخطي هو حاصل ضرب كتلة الجسم في سرعته، بينما الزخم الزاوي هو حاصل ضرب الزخم الخطي في المسافة المدارية لمسار الجسم. لاحظ أن اتجاه الحركة تكون دائما عمودية على الخط الذي ترسمه من الجسم (مثل الأرض) إلى الجسم الذي يدور حوله (مثل الشمس)، كما هو موضح في الشكل أدناه.
يمسح كوكب الأرض وكوكب المريخ في دورانه حول الشمس مساحات متساوية في ازمنة متساوية، وفقا لقانون كبلر الثاني، بسبب الحفاظ على الزخم الزاوي.
يخبرنا قانون نيوتن الأول، عن الحركة الخطية، أن الزخم يجب ان يكون محفوظ دائما، والطريقة الوحيدة لتغيير الزخم هي من خلال قوة خارجية. بالنسبة للحركات المدارية، فإن قانون نيوتن يخبرنا ان الزخم الزاوي يكون محفوظا ايضا، والطريقة الوحيدة لتغييره هي من خلال عزم ازدواج خارجي “torque” ، وهي القوة التي تعمل على تغيير الحركة الدورانية.
بالنسبة لأي شيء على الأرض، فانه يتحرك بسرعة تبلغ 30 كم/ثانية في مداره حول الشمس، ويكون هذا على مسافة تبلغ 150 مليون كيلومتر من شمس. كمية الزخم الزاوي التي يمتلكها هائلة جدا، وليس هناك طريقة سهلة للتخلص منها.
تتحرك الكواكب في مداراتها بثبات، بسبب الحفاظ على الزخم الزاوي. وبدون أي طريقة لكسب الزخم الزاوي أو خسارته، وبتالي يبقون في مداراتهم البيضاوية.
في الواقع هناك طريقتين يمكن من خلالها تغير الزخم الزاوي:
- الاعتماد على احتراق وقود، مما تسبب في حدوث التسارع.
- استخدام الجاذبية للحصول على تسارع أو تباطؤ بالنسبة للشمس.
يتطلب لعمل مسبار باركر الشمسي الوصول إلى مسافة 6 مليون كيلومتر من الشمس وذلك حتى يتمكن من قياس الهالة الشمسية “الكورونا”، وهي منطقة البلازما فائقة الحرارة وتكون مرئية بالنسبة لنا خلال فترات الكسوف الكلي للشمس.
لوصول المسبار إلى هذه المسافة من الشمس فإن عليه فقدان الكثير من الزخم الزاوي. ومن الجدير بالذكر ان مسبار باركر يعد اسرع جسم اطلقته البشرية حتى الآن، وذلك حتى يحقق الغرض المطلوب منه. بما ان منصة إطلاقه من الأرض فإنها سوف تمتلك منصة الإطلاق سرعة الأرض حول الشمس والتي تبلغ 30 كم/ثانية، أي ما يعادل 108،000 كيلومترا في الساعة. إن كمية الوقود التي يتعين علينا إنفاقها لإبطاء هذه السرعة الهائلة حتى يتسنى للمسبار ان يسقط في اقرب مدار حول الشمس هي كمية كبيرة ومكلفة.
عوضا عن ذلك، سوف نعتمد على دعم من الجاذبية لتغير مدار المسبار. وهذا يتم فقط من خلال إشراك جسم ثالث – مثل كوكب آخر – يمكننا بواسطته كسب أو فقدان الزخم الزاوي الضروري فيما يتعلق بنظام المسبار باركر والشمس.
مسار ماسنجر. الانطلاق من الأرض في المسار الدائري الأزرق، ثم المسار الأخضر ثم المسار الرصاصي وهكذا حتى اتخاذ مدارا فوق عطارد. تمثل الدوائر المخططة الأزرق، والأخضر والرصاصي أفلاك الأرض والزهرة وعطارد حول الشمس.
لقد تم فعل ذلك عدة مرات من قبل في محاولة الوصول إلى أماكن مختلفة في النظام الشمسي. ففي العام 2004 أطلقت المركبة الفضائية ماسنجر “Messenger”، من الأرض، ثم أعطت دفعة قوية بحرق صاروخ حمل المركبة ماسنجر إلى كوكب الزهرة، ثم إلى عطارد، ودخلت المركبة بعد ذلك مدارها حول كوكب عطارد في عام 2011.
سيتبع مسبار باركر الشمسي Parker Solar Probe منهجًا مشابهًا، باستخدام كوكب الزهرة كأداة جاذبية مساعدة حيث سوف يقوم بسبعة تحليقات حول كوكب الزهرة في مدة زمنية مقدارها سبعة سنوات من أجل إنشاء مدار بيضاوي يمكن أن يصل فيها إلى 6.1 مليون كيلومتر من الشمس. وستجري خلال تلك السنوات السبع الدراسات والأبحاث مع التركيز على الفترات التي يكون فيها المسبار أقرب ما يمكن من الشمس. من المتوقع أن تتسبب بيئة الإشعاع الشمسي القريبة في إحداث تأثيرات على شحن المركبات الفضائية وضرر الإشعاع في المواد والإلكترونيات، وانقطاع الاتصالات وبالتالي فإن المدار سيكون بيضاويًا للغاية مع قضاء وقت قصير بالقرب من الشمس.
يوضح هذا الفيديو مسار المسبار حول الشمس
يعد لمس الشمس أحد أهم الإنجازات العلمية التقنية الرائعة التي ستؤتي ثمارها في غضون سنوات قليلة قادمة. لقد كانت عملية الإطلاق ناجحة، وخلال السنوات السبعة القادمة سوف تساعد الجاذبية وبعض المناورات في الفضاء البعيد الاقتراب أكثر ما يمكن من الشمس.
بعد ستين سنة من الأفكار والنظريات، يستعد العلماء للإجابة على عدد كبير من الأسئلة العلمية المحيرة حول نجمنا الأقرب والنجوم بشكل عام. قد تكون هذه المركبة الفضائية محكوم عليها في نهاية المطاف بحرقها بسبب مرورها المتكرر عبر الكورونا الشمسية، ولكنها صُممت من أجل البقاء على الأقل ثلاث “لمسات” ناجحة للشمس.
ستكون هذه أول مرة نرسل فيها شيئًا من الأرض قريبًا جدًا من الشمس. وفقط بسبب خطة التحليق الرائعة، التي فيها سوف يفقد المسبار باركر ما يكفي من زخمه الزاوي، فإن هذه المهمة لديها فرصة كبيرة للنجاح.
هذا الموقع خاص بمسبار باركر وفيه كل المعلومات التقنية واخبار رحلته حول الشمس
موقع مسبار باركر الشمسي