كتاب فيزياء المستحيل للمؤلف ميتشيو كاكو
بقلم الاستاذ محمد إبراهيم: سأتحدث معكم اليوم عن تجربتي مع قراءة كتاب ميتشيو كاكو الشهير فيزياء المستحيل بعد ان طرحته بالترجمة العربية مجلة عالم المعرفة العريقة
انتهيت فى 3 ساعات ليلا قبل امتحان مادة الادب من الكتاب وهو كتاب جيد إلى حد كبير وتقييمي له بشكل عام اربع نجوم وسيفقد الخمسة نجوم بسبب افراطه فى الاعتقادات الشخصية فى بعض الجزئيات التي ابتعد بها عن الاصول العلمية. دعني اولا لاني كما الاحظ ساكون اول من يكتب مراجعة من العرب على الكتاب بعد ترجمته وطرحه من مجلة عالم المعرفة اني اعرف به اولا
من هو ميتشيو كاكو؟
هو عالم الفيزياء الامريكي الشهير والمختص بالفيزياء النظرية، ولد في 24 يناير 1947، بسان خوسيه، كاليفورنيا من والدين يابانيين مهاجرين إلى الولايات المتحدة ولقد كان انجازه الاول الذي جعله يدخل نادي العباقرة هو انه قد أقدم على جمع (وهو طالب في الثانوية) 22 ميلا من أسلاك النحاس، وأربعمائة رطل من المحولات الكهربائية القديمة، وسط ساحة مدرسته، ليصمم جهاز تسارع جزيئات البيتاترون، بقوة 2.3 مليون الكترون فولت، حتى ينتج حقلاً مغناطيسياً يعادل عشرين ألف ضعف للجاذبية الأرضية. وكان هدفه من كل هذا هو توليد أشعة (جاما) ليستطيع خلق مضاد المادة، والذي يعد حتى اليوم من المهمات شبه المستحيلة. وبسبب انجاز هذا المشروع فقد حصل على منحة دراسية في جامعة هارفارد.
تخرج في جامعة هارفارد عام 1968 وكان الاول على صف الفيزياء في الجامعة، عمل في مختبر بيركلي للإشعاع، وحصل على دكتوراه في الفلسفة عام 1972، وفي عام 1973 عمل محاضراً في جامعة برنستون، وحالياً استاذ كرسي “هنري سيمات ” للفيزياء النظرية في سيتي كوليج بنيويورك وقد مارس التدريس مدة 25 عاماً.
كاكو من أبرز العلماء الذين يحاورون ويبسطون العلوم لفئة القراء العاديين من غير المختصين كما انه يهتم كثيراً بموضوع المستقبليات. وهو واضع نظرية مجال الاوتار (String field theory) التي تعد فرعاً من نظرية الاوتار الفائقة.
كما انه أحد العاملين على إكمال عمل اينشتاين في توحيد القوى الاربعة (الجاذبية، الكهرومغناطيسية، النووية القوية والنووية الضعيفة) في الكون تحت ظل نظرية موحدة.
ومما قاله في هذا الصدد: “أتذكر اليوم الذي توفي فيه العالم ألبرت اينشتاين، حينها قرأت تعليقاً صحفياً عن نظريته التي لم تكتمل، نظرية توحد جميع قوانين الفيزياء في نظرية فريدة. فحلمت منذ ذلك اليوم باكتشاف هذه النظرية، وفعلا ساعدني هذا الحلم لاكتشاف نظرية الأوتار الفيزيائية.”
الكتاب:
بدأ ميتشيو بمقدمة جميلة وهو مدخل جيد لما يريد توضيحه فى الكتاب فكان موفقا جدا فى اختيار كلماته وافكاره فى المقدمة التي مهدت بشكل رائع للفصول التالية فى الكتاب ودعونا نلاحظ ان تقسيمه للمستحيلات الي 3 فصول كان شيئا فى منتهي الروعة لانه سهل على الجميع ملاحظة الفروقات فى امكانية التحقق وقد ساهم ذلك فى ايصال الكثير من الامور التي طرحها الكاتب الي عقول غير المتخصصين
واقتبس من المقدمة ما أشرت اليه فى كلماتي السابقة
لذلك ففي هذا الكتاب قمت بتقسيم الأشياء “المستحيلة” إلى ثلاث طبقات. الأولى هي ما أسميته مستحيلات الفئة الأولى. وهي التكنولوجيا المستحيلة اليوم ولكنها لا تناقض القوانين المعروفة لعلم الطبيعة. ولذلك فقد تكون ممكنة في هذا القرن، أو ربما القرن القادم، على الأكثر. وهي تتضمن الانتقال الآني ومحركات المادة المضادة وأشكالا معينة من التخاطر عن بعد وكذلك التحريك عن بعد والاختفاء.
الطبقة الثانية هي ما اصطلحت على تسميته مستحيلات الفئة الثانية. وهي التكنولوجيا التي تقف عند أقصى حدود فهمنا للعالم الفيزيائي. إذا كانت تلك الطبقة ممكنة أساسا، فمن الممكن أن نحققها في مستقبل يمتد إلى آلاف أو ملايين السنوات. وهي تتضمن آلات الزمن والسفر عبر اختصار الفراغ hyperspace travel وأيضا السفر عبر الثقوب الدودية wormholes
الطبقة الأخيرة هي ما أسميته بمستحيلات الفئة الثالثة. وهي التكنولوجيا التي تناقض القوانين الفيزيائية المعروفة. ومن المدهش أن التكنولوجيات المستحيلة قليلة جدا. وإذا تحولت ذات يوم إلى نطاق الإمكانية، فذلك يعني تحولا جوهريا في فهمنا لعلم الطبيعة. “
مراجعة شخصية للكتاب:
يمثل هذا الكتاب بحثاً في بعض المواضيع التي تنتمي في الوقت الحاضر الى خانة الخيال العلمي، كاكو يحاول ان يخبرنا عن الفرق بين الممكن والمستحيل، فليس كل ما يدرج تحت اسم الخيال العلمي من قبيل المستحيل الذي لا يمكن التفكير في احتمالية حصوله.
الخيال العلمي جذب الكثير من العلماء الى مجال دراسة خبايا الكون، كأدوين هابل وكارل ساغان، وسنأخذ أدوين هابل كنموذج، هذا “الفلكي العظيم كان مفتونا بأعمال جول فيرن (من أبرز المساهمين في ادب الخيال العلمي). وكنتيجة لقراءة أعمال فيرن، هجر هابل مستقبلا واعدا في مجال المحاماة وخيب آمال والده، وبدأ العمل في مجال العلم. ليصبح في النهاية أعظم فلكيي القرن العشرين.”
يتساءل كاكو: “هل من الممكن أن يأتي اليوم الذي نستطيع فيه السير عبر الجدران؟ أن نبني سفن فضاء تنتقل بسرعة أعلى من سرعة الضوء؟ أن نقرأ ما يدور في عقول الآخرين؟ أن نحرك الأجسام بطاقة عقولنا؟ أن ننقل أجسادنا بطريقة لحظية عبر الفضاء؟”
كل هذه الاسئلة قد يتم الاجابة عنها بكلمة “مستحيل” من قبل الكثير من الناس، ولكن لكاكو رأيٌ اخر. فهو يقول: “تعلمت كفيزيائي أن “المستحيل” مصطلح نسبي”
ولتوضيح وجهة نظره يقوم بطرح عدة امثلة من بينها ما اعتقده الفيزيائي كالفـن من أن الآلات الأثـقل من الهواء كالطائرات من المستحيل أن تطير. لكن ماذا يخبرنا الواقع الان؟
كما أن كيمياء القرن التاسع عشر أكدت عدم وجود حجر الفلاسفة واستحالة تحويل الرصاص إلى ذهب، اما اليوم فهذا الامر ممكن (نظرياً) بفضل وجود المحطمات الذرية، وبهذا نجد ان ما كان يعتبر مستحيلاً أصبح حقيقة ومسلّمة علمية في وقتنا الحالي.
دراسة تاريخ العلم توضح لنا حقيقة ان المستحيلات تتغير، الافكار والأشياء تتحول وتتطور بحسب عمق فهمنا الفيزيائي للعالم حولنا، فعلى قدر ما نملكه من رصيد علمي نستطيع ان نخفف ونحد قدر الامكان من هذه المستحيلات. وكلما اكتشف او اخترع العلماء اموراً جديدة كلما تغير مفهوم المستحيل في اذهاننا.
يقسّم كاكو المستحيلات بالنسبة للتقنية الى ثلاثة اقسام:
1 ـ مستحيلات الفئة الاولى: وهي المستحيلات التقنية الحالية التي لا تتعارض مع القوانين الفيزيائية وغير ممكنة الحدوث بسبب ضعف امكانياتنا، ولكنها ستغدو من الممكنات في نهاية هذا القرن او في القرن القادم، وكمثال عليها، امكانية الانتقال عن بعد، وقد تم تحقيقها على المستوى الذري فقط.
2 ـ مستحيلات الفئة الثانية: وهي المستحيلات التقنية التي تقف عند أقصى حدود فهمنا للعالم الفيزيائي ولا يمكن ان تظهر الى حيز الواقع الا بعد آلاف او ملايين السنين مثل آلة السفر بالزمن.
3 ـ مستحيلات الفئة الثالثة: وهي المستحيلات التقنية التي تتعارض مع القوانين الفيزيائية المعروفة، وان اصبحت من الممكنات فستحدث تغييراً جذرياً في فهمنا للعالم حولنا، ومثال على هذا النوع، آلات الحركة الابدية، وهي آلة خيالية يفترض فيها ان تعمل الى الابد.
ولان الفرق الجذري بين المستحيل والممكن معدوم فيجب علينا ان ننظر الى المستحيل والممكن من خلال اللحظة الآنية التي نعيشها … فما هو مستحيل اليوم سيغدو ممكننا غداً، وما هو ممكن اليوم كان مستحيلاً فيما مضى، هذا من جهة اما من جهة اخرى، فان المستحيل بالنسبة لحضارتنا وقدراتنا الحالية قد يكون ممكناً بالنسبة الى حضارة موجودة في غير مجرتنا وتكون اكثر تطوراً منا بآلاف او ملايين السنين، وهذا يعني ان هناك مقياسا عاموديا يتعلق بدرجة التطور الخاص بحضارة معينة، ومقياسا افقيا يتعلق بنسب التطور لدى الحضارات المتعددة في الكون.
وفي النهاية نضع تساؤلات كاكو كخاتمة للمقال:
“في حياتي القصيرة وجدت كثيرا من المستحيلات تتحول لحقائق علمية. ويبقى السؤال: هل من المستحيل أن ننتقل يوما ما من كوكب لآخر؟ وقد يبدو ذلك مستحيلا اليوم، فهل سيصبح ممكنا بعد عدة قرون؟ ولنفترض بأن هناك حضارة فضائية متطورة بملايين السنين عن حضارتنا، هل من الممكن أن تملك تقنيات تبدو مستحيلة في عالمنا؟
مدونة أ. محمد إبراهيم