مبادئ فيزيائية

كيف تعمل الطبيعة الازدواجية “موجة-جسيم”: هل الإلكترون جسيم أم موجة؟

Wave-Particle Duality

بقي الاعتقاد أنَّ الضوء هو أمواج تنطلق عبر الزمكان مثلما تنتشر الموجات عند رمي حجر في الماء حتى عام 1905، عندما أثبت أينشتاين أنَّ الضوء يتصرف مثل الجسيمات أيضًا. كان ذلك اكتشافًا مذهلًا، إذ حلَّ أينشتاين أخيرًا مشكلة فيزيائية عويصة تتعلق بكيفية تأثير الضوء الساقط على معدن في تحرير الإلكترونات من سطحه، وهي تُعرف باسم الظاهرة الكهرضوئية. لقد أدرك أنها لن تكون ممكنة إلا إذا كان الضوء لا يتصرف مثل الأمواج، ولكن مثل الجسيمات، أي مثل حزم منفصلة من الفوتونات، كما أسماها. سيضرب جسيم الضوء (الفوتون) الإلكترونات في المعدن بالطريقة نفسها التي تصطدم بها الكرة البيضاء كرة رقم 8 في لعبة البلياردو. على الرغم من هذا التصور الجديد للضوء والذي كان محيِّـرًا للعلماء مثل ظاهرة السفر عبر الزمن، حاز أينشتاين جائزة نوبل عن هذا الاكتشاف، وهو شرح المفعول الكهرضوئي.

Wave-Particle Duality

لقد حيرت الطبيعة المزدوجة للضوء الفيزيائيين منذ اكتشاف أينشتاين لها.

اعلانات جوجل

مع هذا الاكتشاف، أطلق أينشتاين الشرارة الأولية لما يسمى الآن بازدواجية الموجة والجسيم. يسلك الضوء سلوك مزدوج – فهو يتصرف كموجة عندما يتدفق ضوء الشمعة حول جسم يعيق مسارها فيحيد عن مساره مثل الأمواج تماما، ولكنه يتصرف أيضًا كجسيم عندما ينعكس على سطح مرآة. ومع ذلك، هل هو مجرد ضوء موهوب بهذه الشخصية المتقلبة؟ والسؤال الان هل الجسيمات المادية لها نفس الطبيعة أيضا أي انها خاصية موجية بالإضافة إلى طبيعتها الجسيمية؟ كانت هذه هي الأسئلة التي طرحها لويس دي برولي Louis de Broglie في رسالة الدكتوراه الخاصة به في العام 1924. ماذا استنتج؟ نعم، المادة تتصرف مثل الأمواج.

تجربة الشق المزدوج

أحدثت أطروحة دي برولي ثورة في الفيزياء الحديثة. ألهمت ازدواجية الجسيمات المادية العلماء لإنشاء فرع جديد تمامًا للفيزياء الذرية الحديثة يسمى الميكانيكا الموجية “wave mechanics“، وهو مجال يشكل جذور ميكانيكا الكمومي. هل هذا يعني أن الجسيمات المادية تحيد وتنحرف عن مسارها اذا ما قابلت شقًّا مثلما تفعل أمواج الماء! من الناحية العملية،نعم يمكن حصول هذا. تأمل التجربة البارعة التي أثبتت فرضية دي برولي. فقد أجرى دافيسون “Davisson” وغارنر “Garner” تجربة تاريخية أظهرت أنه عند إطلاق إلكترونات باتجاه شقين، يكون نمط التداخل المتولد على شاشة فلورية موضوعة ورائمها هو نفسه الذي يُظهره شعاع الضوء، ونمط التداخل المرصود هو خاصة أساسية وجوهرية للطبيعة الموجية. عندما يمر الضوء أحادي اللون (ضوء ذو طول موجي مفرد مثل ضوء الليزر) عبر شقين تتحد بعض أمواجه في ”تداخل بنَّاء“ بينما تلغي أخرى بعضها الآخر في ”تداخل هدَّام“ لتشكِّل نمط تداخل من المناطق المضيئة والمناطق المعتمة على شاشة الرصد.

Wave-Particle Duality

تجربة الشق المزدوج

اعلانات جوجل

ومع ذلك، إذا كنت سترسل عدة كرات تنس عبر الشقين، فإن كل كرة تنس ستمر ببساطة من خلال أي منهما، وبالتالي تشكل على الشاشة شريطين فقط من كرات التنس. هذا ما تتوقعه بشكل حدسي لسلوك الجسيمات المادية مثل الإلكترونات. ولكن هذا ليس هو الحال. أظهر دافيسون وغارنر أنه عندما ترسل إلكترونات عبر الشقين، فإنها تضيء الشاشة ليس فقط باستخدام على شكل شريطين مضيئين، ولكن بنمط ممتد من المناطق المضيئة والمعتمة حيث تعبر المناطق المضيئة عن وصول الالكترونات إلى تلك المناطق ولا يمكن ان يكون هذا الامر الا إذا سلك الالكترونين عند الشق سلوك الموجات!

فرضية لويس دي برولي

تخيل المفاجأة التي احدثتها تجربة الشق المزدوج. انه أمر غير متوقع على الاطلاق، لكنه صحيح. أثبتت التجارب اللاحقة باستمرار فرضية دي بروي المنافية للمنطق. من الغريب أن المادة تمتلك طولًا موجيًا. وجد De Broglie أن هذا الطول الموجي “λ” هو نسبة h / p، حيث “h” هو ثابت بلانك، والذي له قيمة تساوي 6.626×10-34 j.s، ​​بينما ‘p’ هو كمية حركة الجسيم.

Wave-Particle Duality

لقد توصل دي برولي لهذه العلاقة من خلال مساواة طاقات النظامين غير المتماثلين والتي افترض دي برولي انهما متماثلتين، وهما طاقة الضوء pc وطاقة الفوتون hf. حيث ان سرعة الضوء c، c = f λ، والتي تعطي العلاقة: p λ = h أو λ = h / p.

الآن، نظرًا لكون الفرضية صحيحة بالنسبة للإلكترون، فهي صحيحة أيضًا لأي شيء يتكون من الإلكترونات – وهو في الأساس كل شيء. دعونا نفكر في كرة سلة برتقالية اللون. السبب في أن كرة السلة لا تتأرجح وتحيد حول الأشياء هو أن الطول الموجي المرتبط بها متناهي الصغر. أدخل القيم في المعادلة وشاهد بنفسك مدى صغر الطول الموجي (افترض ان كتلة كرة السلة 1 كيلوجرام وسرعتها تساوي 2.5 متر في الثانية)، وهذا بغض النظر عن حجمها أو مدى سرعتها، لا يمكنها أن تقارن بالكمية الموجودة في البسط وهو ثابت بلانك h والذي له قيمة صغيرة جدا لا يظهر تأثيرها إلى في الجسيمات الذرية. يقدر الطول الموجي لكرة السلة واحدة في مقياس الطبيعة المزدوجة في حدود 10-34 متر وهو طول موجي صغير جدا جدا. (قارن هذا الطول الموجي مع طول موجة اشعة اكس والذي في حدود 10-10 متر).

اعلانات جوجل

Wave-Particle Duality

حساب طول موجة دي برولي المصاحبة لكرة سلة كتلتها 1 كيلوجرام.

لا يمكن إجراء تجربة الشق المزدوج إلا إذا كان الطول الموجي للموجة مشابهًا لعرض الشقوق. إذا كنت تريد تكرار نتيجة دافيسون وغارنر على كرة سلة، فستحتاج إلى شقوق بعرض 10-34 متر. التكنولوجيا الحالية لا تسمح بذلك. ومع ذلك، يقدر الطول الموجي للإلكترون بمقدار 10-11 متر. هذا يرجع إلى صغر ​​كتلة الإلكترون وسرعته الكبيرة. تسمح التكنولوجيا الحالية بتطوير شقوق (فتحات) بهذا الاتساع.

في الأساس، تمتلك كرة السلة طولًا موجيًا، لكنها أصغر من أن تُدرك. ليست مجرد كرة سلة، ولكن أنت وأنا وكل شيء في الكون بأسره يُظهر طبيعة مزدوجة (موجة-جسيم).

اعلانات جوجل

السر يكمن في ميكانيكا الكم

في البداية، كنت، مثل أي شخص آخر، في حيرة من أمري. لقد عززت كل سنوات الدراسة هذه في تفسير السلوك المزدوج للإلكترون. كيف يمكن أن تتدفق الإلكترونات الصلبة حول الشقوق وتحيد وترسم نمط تداخل؟ هل ينفصلون قبل أن يدخلوا ويتحدوا بعد خروجهم؟ هل لهذا الامر معنى علمي؟

لقد شكك المشككون في ان نمط التداخل للإلكترونات ناتج عن كثرة عدد الالكترونات وان التصادمات التي تحدث بينها هي المسؤولة عن نمط التداخل. ولقطع الشك باليقين، أجري العلماء تجاربهم عن طريق تقليل عدد الالكترونات لحد الكترون واحد فقط، وكانت المفاجأة ان نمط التداخل لا يزال يظهر بنفس الشكل. مما يعني ان عدد الالكترونات ليس له تأثير وان الكترون واحد يتداخل مع نفسه. هذا يعني ان الالكترون يعبر من الشقين في نفس اللحظة!

Wave-Particle Duality

النتائج التي توصلوا إليها تناقض بشكل صارخ تصورهم المسبق ان الالكترون جسيم. حسنًا، سأتخلى عن آرائي الأثريّة، لكن كيف أتخيل موجة الالكترون! ما هو الشيء الذي يتموج؟ الامر أسهل بالنسبة للفوتون فالذي تموج هو المجال الكهرومغناطيسي. ان هذا التناقض، في اثبات الطبيعة الموجية للإلكترون وعدم القدرة على فهم طبيعة موجة الإلكترون بالمعنى التقليدي للموجات، يزعجنا بشدة. لحسن الحظ، يمكن للمرء أن يجد حلول تخيلية وان يفترض ان الذي يتموج ليست أمواج تقليدية كما التي نجدها في بركة الماء، ولكنها بالأحرى موجات “احتمالية”. بينما يمكن للمرء تحديد موقع الحجر الذي يسبب التموج، لا يمكن قول الشيء نفسه عن الإلكترون.

بالنسبة لموجة احتمالية، تعني انه لا يمكن تحديد موقع الحجر بدقة وانه قد يتواجد في عدة مناطق باحتمالية تتناسب مع شدة اهداب التداخل المضيئة في نمط التداخل. لا يمكن للمرء أن يقول صراحة أنه “هنا” أو “هناك”. ما يمكن للمرء أن يقوله هو أن الحجر أكثر “احتمالا” أن يوجد هنا أو هناك. وبطريقة ما، فهي “في كل مكان”، وموقعها “موزع”. من خلال فكرة موجات الاحتمالية يعني أن الإلكترون يمر عبر كلا الشقين في نفس الوقت!

Wave-Particle Duality

ما يمكن للمرء أن يقوله هو أن الحجر أكثر “احتمالا” أن يوجد هنا أو هناك. وبطريقة ما، فهي “في كل مكان”، وموقعه “موزع في الفراغ”.

كان الفيزيائيون حازمون ومصرون على رؤية هذا “التوزيع” بأعينهم. قاموا بزرع أجهزة كشف دقيقة من شأنها مراقبة الإلكترون أثناء مروره عبر الشق. ما لاحظوه أذهلهم. الآن بعد أن لاحظوا كل إلكترون يمر، ظهرت الصورة على شاشة الرصد تماما كما هو متوقع لاي جسيم يمر عبر فتحة ولا أثر لنمط التداخل! يتكون النمط الناتج ببساطة من شريطين عموديين مليئين بالإلكترونات. في هذه المرحلة، رفع الجميع أيديهم في حالة من العجز ومن المحتمل أن يصيحوا، “لقد سئمنا”.

ما حدث هو أن التدخل في الالكترون ورصد سلوكه عند الشق أي اننا قمنا بتحديد موقعه بدقة. تصرف الالكترون كأنه جسيم له مكان محدد في الفراغ وتصرف الالكترون بطبيعته الجسيمية وهذا ما يحدث في عالم ميكانيكا الكم! والالغاز المحيرة التي تأتي معه مثل مبدأ عدم اليقين لهيزنبرغ والنفق الكمومي وقطة شرودنجر المؤسفة.

كيف لي ان أوضح هذا التصرف المزدوج للإلكترون دعني اشبه الامر بالاستماع إلى أغنية. عندما تركز على الكلمات فإنك ستفقد النغمة الموسيقية. بينما، عندما تكون عازمًا على التركيز على النغمة الموسيقية ستفقد الكلمات. لا يمكن التركيز على كليهما معا وغالبا ما نتوصل إلى حل وسط مناسب للاستماع إلى الكلمات والنغمة ككل.

Wave-Particle Duality

في التجارب التي لا تحتوي على هذه الكواشف الدقيقة، نحن غير متأكدين تمامًا من الموقع الدقيق للإلكترون ونحن على يقين تام من طاقته وبالتالي كمية حركته. في عالم ميكانيكا الكم، تقابل كمية الحركة التوزيع أو الأطوال الموجية أو الموجات، بينما يقابل تحديد الموقع بالدقة الجسيمات. وبالتالي فإن معرفة كمية الحركة تجعل الإلكترون يتصرف مثل الموجة. بينما في التجارب مع الكواشف، نحن على يقين تام من موقع الإلكترون وغير متأكدين من كمية حركته ويظهر لنا كجسيم. هذا الفعل من الملاحظة والرصد يجبر الالكترون على التصرف مثل الجسيم. التغييرات في طبيعتها، كما ذكر، لا رجوع فيها. القطة حية وميتة حتى تفتح الصندوق لترى ذلك بنفسك.

باختصار، يكون الإلكترون جسيمًا وموجة حتى نقيس أيًا من خصائصه المحددة – كمية الحركة او الموضع. بمجرد قياس أي منهما، يتم تحديد طبيعته بشكل دائم.

فاز دي برولي De Broglie بجائزة نوبل لاكتشافه العميق هذا، والذي أصبح موضع إثارة علمية وموضوع نقاش في مؤامرات الخيال العلمي. في العالم الحقيقي، يمثل اكتشاف دي برولي تهديدًا خطيرًا لقانون مور Moore’s law، الذي ينص على أن الترانزستورات المزروعة في ركيزة من أشباه الموصلات يجب أن تتضاعف كل عام. في الوقت الحالي، في نطاق نانومتر، ستصبح الأسلاك في النهاية قابلة للمقارنة مع حجم الإلكترونات، مما يسمح للتأثيرات الكمومية الجوهرية بالتلاعب في تشغيلها. يتساءل المهندسون عن مدى صغر حجم الأسلاك قبل أن تتدفق الإلكترونات حول الجهاز كالأمواج مثلما تفعل الشقوق حولها.

ومع ذلك، مهدت الطبيعة الموجية للإلكترونات الطريق أيضًا لتطوير المجاهر الإلكترونية. هذه المجاهر لا تضيء العينات بالضوء، بل بالأحرى بواسطة الإلكترونات. ثم يتم تكبير موجات الإلكترونات بواسطة مغناطيس قوي، تمامًا كما يتم تكبير موجات الضوء بواسطة العدسات. يمكنهم تحقيق تكبير يصل إلى 10000000 مرة. وقد سمح ذلك لعلماء الأحياء الدقيقة والكيميائيين بدراسة الجزيئات بتفاصيل مذهلة. مرة أخرى، تفسيرنا التقليدي للأمواج مشوش، ولكن كما يدعي نيل دي جراس تايسون Neil deGrasse Tyson: “الكون غير ملزم بان يكون منطقيا بالنسبة لك.”

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى