الدكتور مصطفى محمود وتاريخ مشهود

مجلة الفيزياء العصرية 7 فبراير، 2010

0 861 3 دقائق

غاب عنا في الثاني عشر من شهر ذي القعدة من العام الهجري المنصرم العالم الأديب الكاتب المفكر الطبيب والإنسان مصطفى كمال محمود حسين –رحمه الله-، ذلك الشاب الذي تربى على العلم ونهل من الثقافة منذ نعومة أظافرة، أبصر النور في السادس والعشرين من شهر ربيعٍ الثاني من العام الأربعين بعد الثلاث مئةٍ وألف من الهجرة النبوية الشريفة بمدينة شبين الكوم في محافظة المنوفية بدلتا مصر والتحق بالكُتَّاب، عاش في مدينة طنطا بجوار مسجد “السيد البدوي”. تعثر لمدة أربع سنوات بعد التحاقه بالتعليم النظامي بسبب مدرس اللغة العربية الذي مأن رحل حتى ضهرة على مصطفى الموهبة والتفوق وحب العلم.

تخرج متفوقاً من كلية الطب عام 1372 هجرية بتخصص أمراض صدرية بعد أن وقف الساعات الطوال أمام أجساد الموتى دون رهبة أو ملل حتى أطلق عليه لقب “المشرحجي”. أفتتن في الكتابة منذ أن كان طالباً حتى أحترفها وقامت مجلة روز اليوسف بنشر بعض القصص له.

اعلانات جوجل

أما عن حياته الأسرية فلم تكن مستقرة، حيث تزوج مرتين أنتهيتا بالطلاق بعد أن رزق من الأولى بأمل وأدهم. ومنذ تلك الأثناء قرر ألا يخوض تلك التجربة مجددا، وأن يتفرغ للكتابةوالعلم والتأمل.

أنشأ في عام 1399 هجرية مسجده في القاهرة بعد أن أشترى أرضه من عائد بيع أول كتبه “المستحيل”، ويتبع المسجد ثلاثة مراكز طبية ومستشفى تهتم بمعالجة الفقراء، ويضم أيضاً‏ أربعة ‏مراصد‏ ‏فلكية‏، ‏ومتحفا ‏للجيولوجيا‏. ‏ويضم‏ ‏المتحف‏ ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏الصخور‏ ‏الجرانيتية،‏ ‏والفراشات‏ ‏المحنطة‏ ‏بأشكالها‏ ‏المتنوعة‏ ‏وبعض ‏الكائنات‏ ‏البحرية‏، ولقد أطلق على المسجد أسم والده “محمود”.

ألف الدكتور مصطفى محمود 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى القصص والمسرحيات والحكايات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة وسهولة الطرح. كما قدم الدكتور مصطفى محمود 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير “العلموالإيمان” والذي عرض ولا يزال يعرض على العديد من القنوات التلفزيونية العربية، ولا زال الجميع حتى هذه اللحظة يتذكرون سهرة الإثنين الساعة التاسعة ومقدمة الناى الحزينة في البرنامج وافتتاحية مصطفى محمود (أهلا بكم)، حتى بعد ما تكالبت الأعداء لإيقاف البرنامج ورفعه عن خارطة البرامج التلفزيونية.

أتهم -رحمه الله- بأن أرائه متناقضة وأفكاره متضاربة بسبب شجاعته واعترافه أنهُ في مرحلة من مراحل حياته لم يكن على صواب.

اعلانات جوجل

استغرقت منه فترة أدراك وجود الله سبحانه وتعالى – حيث أنهُ لم ينفِ وجود الله بشكل مطلق ولكنه كان عاجزا عن إدراكه- ثلاثون عاماً من التفكير والتأمل بعد الغرق في الكتب. ثلاثون عاما أختتمها بأروع وأعمق ما كتب “حوار مع صديقي الملحد”، “رحلتي من الشك إلى الإيمان”، “التوراة”، “لغز الموت”، “لغز الحياة”، وغيرها من الكتب شديدة العمق في هذه المنطقة الشائكة وشديدة الوعورة.

كان صديقاً حميماً للرئيس الراحل السادات فقد قال للسادات عندما عرض عليه وزارة “أنا‏ ‏فشلت‏ ‏في‏ ‏إدارة‏ ‏أصغر‏ ‏مؤسسة‏ ‏وهي‏ الأسرة. فأنا مطلق لمرتين. فكيف بي أدير وزارة كاملة”، فقد قرر الرئيس السادات طباعة كتابة “الله والإنسان” بعد أن أمر الرئيس عبد الناصر بمحاكمة مصطفى محمود بناءً على طلب الأزهر.

أعتزل الكتابة وأنقطع عن الناس حتى أصابته جلطة عام 1424هجرية.

قال عنه الناقد الراحل جلال العشري، على الغلاف الخلفيّ لكتابه (مصطفى محمود شاهد على عصره) “الواقع أن مصطفى محمود، بتركيزه على خاصية الاستمرار الإنساني أو التواصل الحضاري، إنما يتجاوز تلك الصلة الضيقة التي تربطه بمجتمع واحد. وباعتقاده في بقاء الإنسان في التاريخ، إنما يتجاوز معنى الزمن، ويقهر كابوس الموت، ليغازل أحلام الخلود..”.

وقال عنه أيضاً الدكتور غازي القصيبي “أعجبتُ بكتابات هذا الرجل.. منذ أن كنتُ طالباً ناشئاً في الجامعة – وكان هو، ملء السمع والبصر.. كاتباً شهيراً يسطّر المقالات، ويدبّج الروايات، ويجيبُ على رسائل القراء..! وكان، منذ أن بدأ مسيرته الفكرية، باحثاً عن الحقيقة.. متلهّفاً إلى الوصول إليها..”.

اعلانات جوجل

قال عنه الدكتور زغلول نجار “وكما كان مصطفى محمود عنيداً في يساريته، كان عملاقاً في دفاعه عن قضية الإيمان بالله -تعالى- عن طريق التأمل في بديع خلقه”.

قالت أبنته أمل “بسيط جداً، يحمل قلب طفل يحلم بالعدالة الاجتماعية وإعلاء كلمة الأمة الإسلامية..”.

قامة جريدة الجزيرة في ملحقها الثقافي بعمل عدد خاص عن الراحل بعنوان “رحلة اليقين” تكريماً له. كان ذلك في 4/7/1429هـ ألتقت خلالها العديد من الشخصيات الأدبية والعلمية التي عاصرة الراحل.

من مؤلفاته

اعلانات جوجل