الكاتب: أ./ أحمد خشان

  • الفيزياء في حياتنا

    الفيزياء في حياتنا

    كوكبنا اللي اكرمنا الله بالعيش عليه وامرنا بتعميره مليان بالأحداث المثيرة لشغفنا واللي بتصير حولينا واللي بنشوفها أو بنقوم بها أو بنختبرها بانتظام … في بعض الأحيان فضولك بيخليك تطرح الأسئلة مثل شو اللي بيحصل، كيف بيصير هيك!، صديقي الإجابة على كل هذه الأسئلة اللي بتصير بحياتك كل يوم هي “الفيزياء” … ♡
    الفيزياء بتتحكم بحياتنا اليومية بطريقة أو بأخرى، والفيزياء تمتلك فروع في كل المجالات، الها مجالات في الطب وعلم الكيمياء والاحياء والجيولوجيا وتقريبا علم تقدر تقول بيتدخل في جميع العلوم الموجودة على هذا الكون …


    خليني اعطيك بعض الأمثلة لاثبتلك هالشيء ونبداها باول شيء بتقوم فيه كل ييوم وهوا إنك تصحى على صوت المنبه، هاد ايوه اللي بيصحيك كل يوم وبتضربو او بتوقفو عشان ترجع تنام تاني، هاد الصوت شيء م بتقدر تشوفو ولكن بتقدر تسمعو وبالتالي بينبهك، في الحقيقة علم الصوت هذا علم أساسي في الفيزياء وبتدرس الفيزياء اصل الصوت وكيف ينتشر وجميع خصائصه، وهالصوت بيعمل على مفهوم ميكانيكا الكم …

    تعبت من المنبه وهوا بيرن وصحيت غسلت وجهك واتوضيت وصليت وبدك تكوي قميصك عشان تروح لجامعتك او لشغلك، في الحقيقة المكواة اللي هتستخدمها هي آلة تستخدم مبادئ الفيزياء عشان تشتغل، والمبدأ للفيزياء المستخدم في المكواة البخارية هو “الحرارة”، الحرارة في الديناميكا الحرارية هي نوع من نقل الطاقة من مادة ساخنة الى مادة اقل برودة، هذا بخلاف مبدا تحويل الطاقة الكهربائية الى طاقة حرارية قبل لتكوي قميصك …

    استعديت للجامعة او للشغل ولبست حذائك أياً كان رحت بالسيارة او مشي، بالأخير هتمشي بعض الخطوات عشان لكن مسالتش نفسك هوا انتا ليش لو مشيت على الإسفلت بتحس بقوة بتحكمك بحيث م تتزحلق، لكن لو كانت تحتيك قشرة موز بتتزحلق بسرعة، هاد الشيء في الفيزياء يسمى معامل الخشونة (الإحتكاك) او المقاومة بين باطن حذائك والإسفلت، بالتالي كل مادة الها معامل خشونة بيختلف عن اي مادة تانية …

    وصلت بسلام والحمد لله متزحلقتش، قعدت ع مكتبك او كرسي الدراسة ومسكت قلمك(قلم حبر جاف)، بصراحة لولا مبدا الجاذبية مقدرتش تكتب لإنو لما تمسك قلمك عمودياً الجاذبية بتجبر الحبر إنو ينزل لرأس القلم عشان يقدر تكتب على الورقة …

    تعبت من الكتابة وبتحتاج وقت لترتاح شوي وتسمع شوية موسيقى، في الواقع السماعة اللي بتسمع فيها بيلعب علم المغناطيسية دور كبير في وصول الصوت بكل راحة لرأسك، المغناطيس الموجود في السماعة لما يتعرض لمصدر كهربائي بيخلق مجال كهرومغناطيسي بيتحول الى موجات صوتية في أذنك …


    اليوم الهواتف صارت مثل الاكسجين مبنقدرش نستغني عنها وصارت مع أغلب الناس ، ولكن هل تعلم انو الهواتف بتعمل على مبدا الطيف الكهرومغناطيسي وانماط متموجة من الكهرباء والمغناطيسية … !
    فرغت بطارية هاتفك وانتا بتتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، لكن بتعرف انو ايضا البطارية تعمل على احد مبادى الفيزياء ايضا وتسمى “بالسعات” اللي بتخزن الطاقة الكهربائية …


    واخيراً آخر الأمثلة وهوا لما تتمسك بمخالفة مرورية بتعرف كيف بيعرفو انو سرعتك زائدة او لاء طبعا بتعرف عن طريق الرادار، لكن بتعرف الرادار على أي مبدا بيشتغل، تعمل الرادارات على “تأثير دوبلر”، تاثير دوبلر بيعمل على مبدأ التغيير في درجة الصوت لما يتغير مصدر الصوت بالنسبة للمستمع بحيث تردد الموجة الصوتية بيتغير مع اقتراب مصدر الصوت او ابتعاده … 🙂

    ولكن عليك ان تعرف ان هذا جزء من حياتك أنت، ولكن ما بالك بالسماوات والكون والحيوانات، كل ما ذكرناه لا يساوي ذرة وليس قطرة في بحر الظلمات … فسبحان خالق ومدّبر كل شيء … ♡

  • تحربة الشق المزدوج

    تحربة الشق المزدوج

    لم تكن اكتشافات ميكانيكا الكم الحديثة الا بداية لصراع لم ينتهي حتى الآن، فمبدأ عدم اليقين قضى على شيء يسمى آلية حتمية!، وقضى شرودنجر على مبدا النقاط للجسيمات الذرية!، وأدخلت تلك الجسيمات في وصف رياضي تجريدي بحت يتمثل في الدالة إبساي، بعد هذا أتى ماكس بورن وقلب الموازين عندما أعلن أن مربع الدالة إبساي هو احتمال تواجد الجسيم في نقطة في الفضاء عند زمن محدد.

    كل هذا التسلسل في التطور في الفيزياء الحديثة ما هو الا إعادة لإحياء الجدل بين الفلاسفة والعلماء، جدل نستمتع به كثيراً لنرى به العالم من خلال هذه التفسيرات لترى ربما هذا العالم بصورة أعظم.

    في القدم كانت إكتشافات العلماء تطبخ في عقولهم وعلى أوراقهم ثم تقدم للعالم، لكن اليوم ومنذ وقت ليس ببعيد تطبخ افكار العلماء في المختبرات ثم تقدم للعالم وشتّان ما بين الإثنين!

    سأتناول لك أيها القارئ تجربة لربما الأشهر والأكثر جدلاً بين العلماء حول ماهية التفسير لها، لعلكم علمتم انها تجربة ذات الشقين، بعد ذلك سأُعرّج على أراء مدرستين تسيران في اتجاهين متعاكسين على الصعيد الفلسفي، الأولى مدرسة كوبنهاغن ويرأسها بور، والثانية المدرسة الواقعية ويرأسها أينشتاين، لا أعلم سيدي القارئ من تؤيد ومع من تميل أكثر وتشعر بأنه الأكثر وضوحاً ولكن صدّقني ستجد ضمور في كلا المدرستين في حد معين، لربما تشعر أن هناك شيء مفقود في كلا المدرستين هذا الشيء هو الذي يعطي طعم للفيزياء ويعطيك أنت عزيزي القارئ مزيداً من الجنون إلى حدٍ ما.

    تجربة ذات الشقين …

    تصور بأنك تقذف جسيمات كروية صغيرة بشكل متتالي على حاجز له شق واحد وخلف هذا الحاجز شاشة لرصد الكرات التي تعبر من هذا الشق من الطبيعي ان يتكون خط على شاشة الرصد كما في الشكل (5-1)، وإذا قمنا بفتح شق آخر سيظهر خطين على شاشة الرصد كما في الشكل (5-2).

    تحربة الشق المزدوج

    دعنا الآن نرجع الى حاجز الشق الواحد وسلّط موجات ضوئية بدلاً من الجسيمات الصغيرة في هذه الحالة كما هو معلوم سيتكون على الأطراف خطوط ضعيفة الشدة الضوئية وفي المنتصف خط وحيد الاكثر شدةكما في الشكل (5-3)، الآن سلط الضوء نفسه ولكن على شقين، ليس كالعادة ان يظهر خطان لأن هناك خاصية تجعل كل من الموجتين الضوئيتين تتحدان وهي التداخل (interference) حيث تقوم الموجتان من كل شق ببناء بعضهما ويسمى بالتداخل البنّاء (constructive interference) وفي مناطق أخرى على الشاشة تقوم الموجتان بهدم بعضهما البعض ويسمى بالتداخل الهدام
    (destructive interference) ويظهر الشكل الناتج بالابيض والاسود كما في الشكل (5-4).

    تحربة الشق المزدوج

    حتى الآن كل شيء معقول لكن الآن سنبدل الجسيمات بإلكترونات، أولاً في التجربة الأولى دعنا نطلق إلكترونات على شق واحد سيكون الناتج خط واحد على شاشة الرصد، لنقوم الآن باطلاق الالكترونات على الشقين لربما تتوقع ظهور خطين لكن في الحقيقة لا.. الذي يظهر هو نموذج التداخل والذي يظهر في الشكل (5-4)، في الحقيقة لا غرابة في ذلك اذا تذكرنا نظرية دي برولي التي تنص على أن الالكترونات ذو طبيعة مزدوجة، اي ان الالكترونات تتصرف كموجات ضوئية.

    دعنا نغير قليلا ونضعف قذف الالكترونات حتى يصل الى قذف الكترون تلو الآخر أي ان هناك فاصل بين الطلقة والاخرى، ماذا تتوقع بعد زمن كافي لمرور عدد كبير من الالكترونات المنفصلة عبر الشقين، الجواب ي قارئي هو نموذج التداخل مرة اخرى، اعلم ان هذا جنون ولكن اندهش فقط!

    عندما ارسلنا الالكترونات دفعة واحدة وجدنا نموذج التداخل، وعندما ارسلناهم بشكل متقطع وجدنا نفس الشكل! ما هذا الجنون؟ فلو ارسلنا مجموعة من الاشخاص بدلا من هذه الالكترونات لقلنا بانهم اتفقوا مع بعضهم على ان يظهروا بنفس الشكل لو ارسلناهم شخصا شخصا!، لكن هل الالكترونات تتفق فيما بينها لتعطي الشكل نفسه؟ هل تملك الالكترونات وعي واحساس لتشعر؟ يمكن ان اجراء التجربة بشكل آخر بحيث نرسل الالكترونات المفردة الى شق معين والآخر مغلق سيتكون الشكل ( 5-1)، ثم نفتح الشق الآخر من المفترض ان يتكون الشكل (5-2 ) ولكن كما قلنا سيتكون نموذج التداخل الشكل (5-4 ) وهنا تكمن مشكلة عدم الاستيعاب حيث انه كيف يمكن لجسيمات صغيرة تذهب الى شق معين ان تتأثر بفتح او اغلاق الشق الآخر.

    رغم غرابة التجربة فان الحس العام يقول لنا بان الالكترون المفرد يجب ان يمر من إحدى الشقين، اما الايمن او الايسر، اذا كان الامر كذلك فيمكننا معرفة الشق الذي سيمر به الالكترون وذلك بوضع كاشف يراقب كلا الشقين، لكن سؤال ما نوع هذا الكاشف؟ ماذا عساه ان يكون؟ في نهاية الامر لا بد من استخدام الضوء، ولكن حسب مبدا الشك فالضوء في النهاية عبارة عن فوتونات ستصطدم بإلكترونات وستتفاعل معها اي انه سيؤثر على كمية دفع الالكترون وموقعه، بالتالي ستتغير النتائج من الشكل (5-4 ) الى الشكل (5-2 ) اي ان ظاهرة التداخل تزول تماما اذا تمت مراقبة الالكترون!

    إذن كيف سنفسر الآن ظاهرة التداخل عندما نقوم بإرسال الالكترونات فرادى، إن الحس العام يقول لنا بأن الالكترون المفرد يجب ان يدخل من احدى الشقين، واذا دخل من إحدى الشقين يجب الا يتأثر بوجود او عدم وجود شق آخر والعكس صحيح!، لكن ما رأينا انه يتأثر بذلك، ان ظاهرة التداخل التي تحدثها الالكترونات المفردة يجب ألا تحدث إلا بوجود اقتران شيء ما بشيء آخر حتى لو اطلقناها مفردة، إذن لا يوجد لنا الا تفسير واحد وهو وجود موجة اقتران مع كل الكترون مفرد حيث يقوم الالكترون لدى وصوله الى الشقان بضربهما في وقت واحد بسبب طبيعته الموجية، لكن عندما يصل الشاشة فإنه يصل كجسيم لا موجة!

    لكن هذا التفسير مزعج بعض الشيء، وربما لانه ازعج فيزيائي نظري مميز اراد تفسير أكثر واقعية أو اكثر جمالا من التفسير السابق، لقد رأى من تحدي الحس العام بأنه يعطي نتائج اكثر واقعية من التفسير السابق، اذا قلنا ان الالكترون لا يمر عبر واحد من الشقين الأيمن أو الايسر فقط بل يمر عبر الشقين في آن واحد!، في الحقيقة كان اقتراح مميز من عالم مميز مرح يدعى فاينمان…

    تفسير فاينمان او مقاربة ميكانيكا الكم

    تحدى فاينمان الحس العام الذي يرى وجوب دخول الالكترون من إحدى الشقين وإدعى بدلا من ذلك أن الإلكترون يسلك كل المسارات الممكنة له في آن واحد، من لحظة خروجه من منبعه حتى وصوله الى شاشة الرصد، بذلك يستطيع الالكترون المرور من كلا الشقين في وقت واحد.

    إن كل مسار من هذه المسارات الممكنة للالكترون قرنها بعدد معين، ويكون متوسط هذه الاعداد مساويا لمربع تكامل دالة الموجة، لذلك كانت مقاربة فاينمان لميكانيكا الكم تعطي نفس النتائج التي تعطيها طريقة ميكانيكا الكم، اي طريقة إيجاد الدالة الموجية (إبساي) من معادلة شرودنجر ومن ثم تكامل تربيعها في مدى معين.

    فاينمان العظيم يدعو إلى ضرورة التخلي عن التفكير التقليدي في مثل التجارب، فمن الخطأ ان نفكر بأن الالكترون من لحظة صدوره من منبعه سوف يسلك مسار واحد محدد، بالتالي سوف يدخل من إحدى الشقين كما تطلق رصاصة لذلك يقول فاينمان في هذا الشأن

    (إن ما يحق لنا ان نتوقعه هو ان يؤدي فتح الثقب في كل الاحوال الى مزيد من الضوء القادم الى الكاشف، لكن هذا لا يحدث في الواقع، فمن الخطأ إذن ان نقول بأن الضوء يمر من هذا الطريق او ذاك، وما زال يفلت مني ان اقول جملا من قبيل أنه يمر من هنا او هناك، لكن من المهم ان تتذكروا انني بهذا القول اقصد وجوب جمع الأسهم).

    هناك طريقة رائعة موجودة في كتب هاوكينج يشرح فيها كيف يمكن للالكترون ان يسلك عدة مسارات في آن واحد، تخيل انك وضعت قطرة حبر على ورقة ثم بدأت هذه القطرة بالنزول ثم وضعت شق دائري صغير في الورقة بحيث تصطدم بها قطرة الحبر، ماذا يحدث للقطرة سوف تدور حول الشق من الجهتين اي كأنها سلكت مسارين في آن واحد، لكن هذا لا ينطبق اذا دحرجت كرة سلة او بيسبول!

    لماذا لا نرى عدة مسارات للكرة عندما يركلها اللاعب، طبعا السبب هو اهمال تأثيرات ميكانيكا الكم وثابت بلانك.

    على الرغم من النتائج المبهرة لمفارقة فاينمان الا ان تفسير التجربة ضل غامضاً جداً، إذ كيف لالكترون واحد سلوك مسارين مختلفين في وقت واحد؟ ثم لماذا يزول اثر التداخل عندما نضع كاشف لرصد الالكترون؟ فهل تطوي الطبيعة اسرارها كما يقول فاينمان بمقولته الشهيرة.

    (الطبيعة تدبرت امرها جيدا بحيث تمنعنا من معرقة طريق عملها، مثلا عندما نضع اجهزة لتتنبأ بالطريق الذي يختاره الفوتون نحصل على الجواب، لكن مفعولات التداخل تزول، واذا تخلينا عن معرفة طريق الفوتون فان مفعولات التداخل تعود الى الوجود!اليس هذا غريب جدا؟!).

    فهل الالكترون عندما يراقب يتصرف بشكل، وعندما لا يراقب يتصرف بشكل آخر؟ بهذه الطريقة يكون الالكترون معتمد على الراصد حتى يظهر على مشكل معين، وهذا ما تقوله مدرسة كوبنهاجن بقيادة الزعيم بور واطلقوا على تفسيرهم بانهيار الدالة الموجية (collapse of wave function).

    تفسير مدرسة كوبنهاجن (او انهيار الدالة الموجية)

    اعتمدت مدرسة كوبنهاجن على تفسير انهيار الدالة الموجية لتفسير سلوك الالكترون الغريب، تفسير المدرسة يقول بان الدالة الموجية ابساي تكون قبل عملية الرصد عبارة عن تركيب superposition من مختلف الحالات وعندما يتفاعل الراصد مع التجربة تنهار جميع الحالات ما عدا حالة واحدة وهي التي يرصدها الراصد، بمعنى آخر لا توجد الدالة الموجية ابساي على حالة معينة قبل عملية القياس.

    لتفسير سلوك الالكترون الغريب اعتمدت مدرسة كوبنهاجن على خمس مبادئ رئيسية وهي:

    ١- اي نظام في المستوى الذري يوصف بالدالة الموجية ابساي.

    ٢- طبيعة النظام في المستوى الذري قائمة بالكامل على الإحصاء والاحتمالات.

    ٣- ينص مبدا الشك على عدم معرفة جميع خصائص النظام في آن واحد وحتى لو عرفنا معلومات عن متغير معين فانه يكون بشكل احتمالي.

    ٤- ينص مبدا التتام على الطبيعة المزدوجة للجسيمات، فالجسيم الذري إما ان يظهر بشكل جسيم او موجة، لكن لا يمكن ان يظهر على الهيئتين في آن واحد.

    ٥- ينص مبدا المقابلة على وجود تطابق عام بين تنبؤات ميكانيكا الكم والميكانيكا الكلاسيكية في الحالات التي توصف بأعداد كمية كبيرة، أي ان الميكانيكا الكلاسيكية هي حالة خاصة من ميكانيكا الكم.

    بناءً على ذلك نستطيع تفسير تجربة ذات الشقين كالتالي: عندما يصدر الالكترون من منبعه نستطيع تصوره وقد خرج على شكل موجة وعندما يدخل من كلا الشقين يتداخل مع نفسه واذا تداخلات كل الالكترونات المفردة مع نفسها ينتح الشكل (5-4 )، لكن إذا قمنا بوضع كاشف عند الفتحتين فإن الفوتون سوف يصدم الالكترون مما يؤدي إلى تغيير حالته الاولى وهي الموجية الى حالته الثانية وهي الجسيمية فيقوم الالكترون بضرب الشاشة كجسيم وبالتالي يظهر الشكل (5-2 ).

    إن ملخص ما تقوله لنا مدرسة كوبنهاجن هو عدم وجود حالة معينة للالكترون قبل عملية القياس، فالقياس هو كل شيء في التجربة فلو تخيلنا ان لدينا صندوق فيه الكترون (نظام) ويوصف هذا النظام بالدالة إبساي، فان هذا الالكترون لا تكون لديه إبساي محددة قبل عملية القياس وبالتالي ليس له قوة دفع ولا موقع او طاقة او اي متغير قبل عملية القياس، بل كل ما يمكن تصوره هو حالة تمازج من الدالة ابساي، ويزول هذا التمازج فقط عند عملية القياس او المشاهدة.

    لكن في الحقيقة يدخلنا تفسير كوبنهاجن في مشاكل عديدة فلسفيا، في حال كانت هناك علاقة بين الراصد والمرصود سوف يدخلنا ذلك في مشكلة علاقة الوعي بالوجود، حيث ان الواقع لا ينشئ الا عندما نستحضره بأذهاننا، على الرغم من عدم صلاحية ذلك على الاجسام الكبيرة حيث نهمل التأثيرات الكمومية الا انها ليست سوى الكترونات وبروتونات وكواركات.

  • من أنت وإلى أين تتجه

    من أنت وإلى أين تتجه

    مثل الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة كمثل من يقف أمام غابة واسعة شعبها كثيرة، ومتاهاتها متعددة، وهو بحب استطلاعه يريد أن يمر خلالها ليتطلع إلى ما فيها فيختار طريقا يحسبه ممهدا علّه يصل إلى قلب الحقيقة، وهو يسجل كل شيء يلاحظه من حوله، ويجمع ما تشاء مخيلته المعلومات الخفية عليه.

    ويسير الإنسان ويسير لكن سيره لن يطول، فلقد تشعب الطريق امامه إلى متاهات ذات شعب، ولكن اي منها يوصله إلى نهاية الطريق.

    ويهديه عقله إلى طريق وفيه يسير ومع كل خطوة مع خطواته المتحمسة تواجهه أحداث لم يشهدها من قبل، فيجمع المعلومات ويسجلها حتى يستثقل عقله من كثرة ما جمع، لكن لا بد للطريق من نهاية! هذا هو ظنه!

    فيخيب ظنه، فتتشعب الطريق إلى عدة شعب، فيختار شعبة ويسير فيها متأملا ومتسائلا! هل من نهاية؟ هل من منفذ فتكثر أسئلته كالمطارق تطرق رأسه المثقل بالتساؤلات، وكلما توصل إلى إجابة وجد أسئلة تتفرع من هذه الإجابة، فتصبح الإجابة هذه منبع لعدد اخر من التساؤلات، ولو ان علامة استفهام نضجت لتفتحت وأعطتنا إجابات واضحة وصريحة قد تشبع جوعنا الفكري، وقد توقد شعلة وسط ظلام، فالمعرفة سنبلة في كل سنبلة مائة حبة، وهكذا يسير العلماء بأفكارهم وتساؤلاتهم التي لا تنتهي وليس لها حدود.

    المعرفة يا صاحبي جنة العقل ولكن العقل لا يريد ان يبرح في جنته حتى لو كان فيها شقاؤه، فهل يجد الكنز المفقود يوما ما؟

    عليه أن يبحث ويبحث في ذرات، موجات، في خلايا ومخلوقات، في فضاء وسماوات، ما اعظمك يا إنسان، لا ضير أن يفاخر الله بك في السماوات إذا استخدم عقله واستغله فيما يرضي ربه.

    الكل غارق فيما يبحث … ^.^

    دعنا نتساءل من أين اتيت انت وجاء كل ما حولك من ارض وسماوات وكيف نشأ؟

    أنت مثلاً (فُلان الفلاني) تسكن الكوكب وتدور انت وهو ونجومك وقمرك حول مركز مجرة تسكنها بلايين النجوم وهذه المجرة تسير في كونها ومعها بلايين المجرات وكُلٌ يتحرك ويدور.

    وزنك…شكلك…غناك…فقرك…مركزك…أملاكك، كل هذا لا يهمنا، لكن اهتمامنا ان نتوصل الى سر الكون فيك، او ربما في ذرة تبنيك، أن نتحقق من حقيقتك التي جئت بها منذ زمان في عمر هذا الكون.

    أنت نظام مادي متفاعل على درجة كبيرة من التعقيد والاتقان، ومن هذا النظام تنطلق طاقات كبيرة، ومن وراء هذا النظام اعضاء، والاعضاء انسجة والانسجة من خلايا والخلايا من جزيئات (سكريات، بروتينات) والجزيئات من ذرات والذرات من جسيمات والجسيمات من… من… من ماذا؟

    من موجات او طاقات قد تجسدت على هيئة جسيمات وهكذا …

    لكن من اين جاءت الموجات والطاقات؟

    جاءت من الذرات والجسيمات والمادة؟

    ومن أين جاءت الذرات والجسيمات؟

    جاءت من الموجات او الطاقات التي تجسدت كما سبقنا.

    مثل السؤال الفلسفي أيهما اسبق البيضة ام الدجاجة، فمن أين جاءت الدجاجة من البيضة، ومن اين جاءت البيضة من الدجاجة.

    وقد تسألني كثيرا من أين جاء الكل (الجسيمات والمادة والطاقة والبيض والدجاج والارض والسموات وكل مخلوقات الكون).

    لنقل كل من عند الله وترتاح وتريحك الاجابة، لكنها لا تريح العلماء، اذن فليذهبوا الى الجحيم ونذهب نحن الى جنات الخلد، هكذا ربما يتراءى لنا ان نقول، فتردف وتسال هذا جهالة واثم مبين، ولمثل هذا نرد بالقول بأبسط إجابة ” قل سيروا في الأرض، فانظروا كيف بدأ الخلق” فكلما ازددنا علما ازددنا شعوراً بما كنا نجهل.

    في الوقت الذي يقول فيه بعض الناس أنه يعرف وهو لا يعرف نجد العلماء يقولون بصريح العبارة نحن لا نعرف وما أكثر الذين لا يعرفون!

    تزداد اسئلتنا عن الطبيعة فكلما، وصلنا الى طرف خيط مدّت لنا طيف آخر وقطعت خيطها الاول لنترك خيطها الاول ونحاول الوصول الى طرف خيطها الجديد، فالجسميات الذرية التي تبدو لنا أحيانا على هيئة مادية وأحيانا موجية، فهل هي مادة ام موجات؟ ما زالت تحمل الصفتين فنحن لا نستطيع ان نجزم بانها احد الخيارين فهي الاثنين معاً مع احترام العامل المؤثر. فكأنما يشبه احد العلماء بأنه روح بلا جسد السبت والاحد والاثنين وجسد بلا روح الثلاثاء والاربعاء والخميس، والجمعة مثلما تشاء.

    باختصار كل تائه فيما يبحث في سماء ام في ذرة ام في حياة.

  • الذرة تجيب وتنكر المصادفة

    الذرة تجيب وتنكر المصادفة

    الذرة تجيب وتنكر المصادفة

    بعض الأسئلة للتفكير بعمق لتصل إلى وجود الله…

    لكن كيف تكون النظام؟ لا يمكن أن تكون الجسيمات المبعثرة في كل مكان بعد الانفجار العظيم قد كونت الذرة بشكل مفاجئ ثم تكونت هكذا فتحولت الذرات الى مادة. من المستحيل أن نفسر هذا النظام بالمصادفة طبعا، كل شيء تراه ولا تراه يتكون من ذرات تدور بحركة مرورية معقدة للغاية!

    إذن من الذي يستطيع أن يدير حركة المرور بين الذرات؟ هل هو أنت؟ وإذا كنت تعتقد أن جسمك مكون من الذرات وحدها، فأي ذرة تدير الذرات الأخرى؟ تدير ماذا؟ هل ذرات دماغك هي التي تتحكم في الذرات الأخرى؟ إذا افترضنا ذلك كيف تتخذ قرارها وعلى أي اساس؟

    كيف تتعاون وتتواصل هذه الذرات؟ لماذا لا تعترض بعض من هذه الذرات من بين تريليونات الذرات على القرار المتخذ؟!

    بعد التفكير في هذه الاسئلة مستحيل أن نقول عن ذرات الدماغ كلها هي المسؤولة عن الإدارة.

    هل يصح أن نعتقد بأن ذرة من بين تريليونات الذرات هي المسؤولة عن الإدارة وأن الذرات الأخرى تابعة لها؟

    نتيجة اعتقادنا هذا سوف تتبادر بعض الأسئلة أيضاً، أي واحدة منهم ومن انتخب هذه الذرة؟ في أي مكان توجد تحديدا؟ ماذا يميز هذه الذرة عن باقي الذرات؟

    لماذا تطيعها بقية الذرات دون أية شروط؟ هذه الذرة تتكون من جسيمات اخرى أصغر بكثير منها كيف تجمعت وتحت أي ظروف وأي إحساس ليتم تحديد هذه الذرة المسؤولة عن الإدارة.

    وعندما نتأمل حجم الذرة وعدد الذرات الموجودة في الكون، يستحيل علينا ان نلاحظ التوازن الكبير بينها، ومن الواضح أن القوى الاساسية في هذا الكون خلقت بطريقة خاصة لتضع توازن هذا الكون وليس على سبيل المصادفة! كل الحسابات العلمية والعملية تضع صفرا لاحتمال توازن الكون مصادفةً!.

    “وسِع ربّي كلّ شيءٍ علماْ أفلا تتذكرون”

    إذا ادعاء أن ذرة واحدة تدير دماغنا هوا ادعاء باطل لا محالة، فكيف يمكن للذرات التي لا حصر لها في الكون أن تستمر بالوجود في تناغم كامل، في حين أن البشر والحيوانات والنباتات والأرض والهواء والماء والأجسام والكواكب والفضاء وكل شيء يتكون من الذرات؟

    أي من الذرات التي لا حصر لها هي المديرة لهذا الكون التي هي من الأساس مكونة من جسيمات أخرى؟

    إذن ادعاء أن الكون يدير نفسه وإنكار وجود الله باطل.

    للتهكم …

    “بعد الانفجار العظيم ظهرت الذرات بطريقة ما واحتوت على قوى متوازنة بدقة عالية، وفي حين بعض الذرات كوّنت الكون بما فيها الأرض، وفي البداية كوّنت بعض الذرات اليابسة، ثم قررت بعد ذلك أن تكون الكائنات الحية وحوّلت هذه الذرات نفسها الى خلايا معقدة، ثم أنتجت نسخاً مشابهة عن طريق الانقسام المنصف، ثم بعد ذلك تتحدث وتسمع، وبعد ذلك تحولت الى أساتذة جامعيين يشاهدون أنفسهم تحت المجهر! ويقولون في الأخير أنهم نشأوا بالمصادفة، وتكونت بعض الذرات لتكون مهندسين، وتجمعت ذرات الكربون والمغنيسيوم والفوسفور والبوتاسيوم والحديد لتشكل بدلا من كتل مظلمة أدمغة تتميز بقدر غير عادي من التعقيد، وبدات الادمغة ترى بالـ 3d، وكوّنت أيضا بعض الذرات الكوميديين وضحكت من النّكات التي يقولونها، وقامت أيضا بتأليف الموسيقى وتمتعت بالاستماع إليها “!

    دعونّا نفنّد أن ما قلناه غير صحيح، اجلب أحد دعاة الإلحاد والتطور وضع برميلاً أمامه ويضع جميع الذرات المكوّنة للحياة وليضيف ما يظن بأنه يجعل الذرات تتحد بطريقة ما واجعله ينتظر!، فلينتظر مليون سنة إذا اقتضت الضرورة، بالإيعاز لابنه وابن ابنه حتى المليون سنة، هل سينتج هذا البرميل أستاذ جامعي، كائن حي، فراشات، أسماك، بعوضة!

    طبعا لا وألف لا، ولو اجتمعت ملايين المادة العضوية فإنها لن تكتسب خصائص الكائن الحيّ أبدا!.

    وإذا كانت أرضنا والغلاف الجوي بأكمله وكل شيء حي مكوّنا من الذرات فما الذي يمنع هذه الذرات للدخول في تفاعلات نووية مثل التي حصلت في هيروشيما وناجازاكي في أي وقت وأي مكان؟!

    لقد خلقت النيوترونات بطريقة تجعلها معرضة لانحلال بيتا عندما تكون طليقة وبسبب هذا التفتت لا تهيم اية نيوترونات بحرية في الطبيعة لذلك ينبغي استخدام طرق اصطناعية للحصول على النيوترونات المستخدمة في المفاعلات النووية، ويوضح ذلك أن الله خالق الكون بأكمله، خلق كل شيء بمقاييس دقيقة، ذلك لأنه لو لم تتحلل النيوترونات وهي في حالتها الحرة، لما كانت الأرض سوى جرم سماوي كروي غير مأهول تحدث فيه تفاعلات نووية لا نهاية لها، لقد خلق الله هذه الذرة وخلق الطاقة الكامنة فيها ويبقيها بشكل خارق للعادة!

    فكّر معي…

    فكّر قليلاً، الإنسان المكون من ترتيب من الذرات يولد ويتغذى الذرات وينمو أيضا من الذرات ثم يقرأ كتب مكوّنة من الذرات في جامعة مكوّنة من الذرات ويحصل على شهادة مكوّنة من الذرات مكتوب عليها “فيزيائي” ومع ذلك يحرك لسانه للنطق بأن الكون والذرات خلقت وتجمعت مصادفة، لو كان صحيحا فمن أين استمد الذكاء والتفكير في قول هذا القول؟!

    لقد خلق الله في كل مكان ما يمكن ان تراه وما لا يمكن ان تراه بإبداع فني لا حدود له ومنّ علينا بنعم لا تحصى ولا تعد سواء عرفناها ام لم نعرفها بعد!

    ولا يمكن إنكار أن التقدم والتطور العلميين لا بد ان يقودا كل من يستخدم حكمته وضميره إلى الايمان بوجود الله، وكلما تعلم الإنسان المزيد من أمثلة الخلق من حوله أدرك بشكل أفضل أن الله محيط به من كل مكان، وكلما ألمّ المؤمن بالظواهر التي لا حصر لها ازداد علمه وازداد إكباره لعلم الله، هذا الإكبار يجعل المؤمن يدرك قوة الله اللانهائية ويخافه حقّ الخوف وسيفهم الإنسان أن حياته إلى نهاية.

    خاتمة…

    ونختم بمقولة شهيرة لأحد أعظم العلماء في التاريخ على الإطلاق: “لا يمكن أن ينشأ هذا النظام فاتن الجمال المؤلف من الشمس والكواكب والمذنبات إلا نتيجة تخطيط وسلطان كيان حكيم مقتدر، ويسيطر هذا الكيان بسلطانه على كل شيء، ليس بوصفه روح العالم، ولكن بوصفه رب كل شيء، ويطلق على هذا الكيان الله (حاكم الكون)”.

  • حوار بور وآينشتاين

    حوار بور وآينشتاين

    حوار بور وآينشتاين

    هنا أقدم لكم في هذا المقال نوع جديد من سرد وفهم آراء العلماء وأفكارهم حول ميكانيكا الكم ولنتخيل سوياً أن رجلين عظيمين يجلسان على طاولة واحدة ونحن جمهورهم. لنبدأ ونستمع هذا الحوار بين العظيمين بور وآينشتاين، حيث يفتتح بور هذا الحوار عن طريق السؤال التالي:

    بور: إذا أردنا أن نحدد موقع إلكترون في ذرة ما في مداره فماذا نفعل؟

    آينشتاين: نسلط عليه ضوء بطول موجي معين.

    بور: هل سيكون الطول الموجي طويل أم قصير؟

    آينشتاين: أعلم بم تفكر، وليكن طويلاً.

    بور: إذن تريد التضحية بمعرفة موقع الإلكترون.

    آينشتاين: هذا متوقع منك، فلنستخدم طول موجي قصير.

    بور: ستعرف الموقع ولكن ستضحي بالزخم.

    آينشتاين: بقليل من الابتسامة إذن فأنت تستند على مبدأ صديقك هايزنبرج ولكن يا صديقي هذا لا يروق لي كثيراً، اعتقد أن فيه نقص ما؟، ألا تعتقد بأن هناك طريقة ما تستطيع فيها تحديد كل من موقع وزخم الالكترون في آن واحد؟

    بور: واثقاً، لا اعتقد ذلك، فعندما تسلط طول موجي طويل على الإلكترون تنتظم موجة الالكترون من جديد في بعد الطول الموجي للضوء المسلط، وعندما نستخدم طول موجي قصير أي ان الزخم للالكترون كبير وبالتالي نفقد معلومية زخمه.
    يصمت بور ليأخذ نفساً ثم يتابع، ربما تكون الطبيعة بهذا الشكل سخيفة ولا معقولة ابداً لكن ماذا نفعل؟، إنها ذات وجهين موجي جسيمي، حيث يظهر احد الوجهؤن إذا توفرت الظروف اللازمة لذلك، انهما وجهان لعملة واحدة تظهر إحداهما في غياب الأخرى.

    حوار بور وآينشتاينآينشتاين: ومن يحدد تلك الشروط صديقي.

    بور: الراصد.

    آينشتاين: إنك كمن يقول بأن الالكترون ليس له موقع محدد قبل عملية القياس.

    بور: تماماً

    آينشتاين: وهل تعتقد أن ذلك يوافق الحس العام والجمهور الذي يستمع إلينا؟

    بور: ومن قال لك بأنني أهتم بالحس العام وما سيقوله العلماء والجمهور، كل ما يهمني إيجاد معادلات رياضية تعطي نتائج تتفق بالأخير مع التجارب، ولا أعتقد بأن معادلاتنا هي شيء مقدس وثابت كوني، إنها قابلة للتغيير على مر الأزمنة، إن جميع الخصائص المتغيرة للنظام في العالم الذري ليست على حالة محددة قبل عملية الرصد، وحتى لو افترضنا جدلا بأنها توجد على حالة محددة قبل عميلة الرصد، فإنك لن تستطيع وبأي طريقة كانت بأن تعرف تلك الحتلة دون أن تغيرها.

    آينشتاين: وماذ عن الخصائص الثابتة كالكتلة والشحنة وكمية الدوران المغزلي؟

    بور: كما قلت لك، إنني لا اهتم بما نقول نحن عن الطبيعة، فكما نطلق عليها نحن خصائص ثابتة، نستطيع تصورها ثابتة، قبل عملية الرصد، إنه تصورنا نحن وهذا ما يهمني.

    آينشتاين: إذن كيف تعيش في عالم لا تؤمن به بوجود قوانين السببية والحتمية؟ وأننا كمراقبين فيه نؤثر فيه.

    بور: إن ما أقوله ينطبق على عالم الكم فقط، لكن بالنسبة لعالمنا المرئي فإن الطبيعة تعلم كيف تتدبر أمرها جيداً، حتى نؤمن بالسببية والحتمية وعدم تأثيرنا فيهما.

    آينشتاين: وفي عالم الكم؟

    بور: عندها لن يكون إلا قانون واحد!، وهو عدم وجود أي قانون!

    آينشتاين: لا تدعنا نسبق الأحداث كثيراً، إن أهم ركيزة بالنسبة لكم والتي تبنون فلسفتكم عليها هو مبدأ الشك، أود أن اقول لك أنا وبودولسكي وروزن قد كتبنا نشرة تبرهن أن الخصائص المتغيرة للجسيمات الذرية لها كميات متغيرة محددة قبل عملية الرصد، وهذا يبرهن أن مبدأ عدم اليقين فيه نقص ما، إننا نصر على أن أي تجربة من شأنها أن تتناقض مع مبدأي الحتمية والسببية، إنما يكون جهلاً في حقيقة الأمور من ناحيتنا!، إنني أؤمن بوجود عوامل خفية ليست موجودة في معادلات ميكانيكا الكم، وإذا ما أحطنا بشكل كامل بسير هذه العوامل، سنحصل بالتأكيد على للصورة الكاملة للعالم القائم على الحتمية والسببية.

    بور: ستكون أول اعمالي القادمة رؤية عملكم.

    يقف الإثنان ويمسكا أيدي بعضهما وبحرارة، ونصفق لهما نحن كإثنين نقشا إسمهما بالذهب في علم الفيزياء.

  • العبقري الفذ هايزنبرج

    العبقري الفذ هايزنبرج

    العبقري الفذ هايزنبرج

    لي الشرف أن اعترف بتعلمي التفاؤل من سمرفيلد والفيزياء الحقّة من بور “هايزنبرج” نعم يا سادة العظيم زميل العظيم تحت إشراف ثلاث عظماء.

    إنه هايزنبرج زميل باولي وتحت اشراف الأساتذة ماكس بورن وسومرفيلد ونيلز بور!

    ما هذه العظمة التي حظي بها هذا العبقري؟

    توصل هذا العبقري إلى ألمع فكرة عبقرية حظيت بها ميكانيكا الكم ونظرية الذرة. تلك الفكرة التي اعتبرت فتحاً عظيما في هذين المجالين. هذه الفكرة تعتبر حجر الزاوية في شهرة وحياة هذا الفيزيائي.

    إذاً فما الفكرة التي حوّلت مسار كل من هايزنبرج وماذا قدمت لميكانيكا الكم. الفكرة التي قدمها هذا العبقري هي مبدأ الشك!

    إذا فما هو مبدأ الشك!

    ينص هذا القانون على أنه لا يمكن معرفة موقع جسيم ما وتحديد إزاحته بنفس الدقة المطلوبة في نفس الوقت، أي أن الإمعان في دقة قياس هذا الموقع، لابد وأن يؤثر سلباً على دقة قياس العزم وبالعكس!

    العبقري الفذ هايزنبرجولعلك تعلم بأشهر فكاهة تخص مبدا الشك حيث تصور هذه الفكاهة شرطي مرور يوقف سيارة هايزنبرج ليحرر له مخالفة تجاوز السرعة المقررة على الطريق السريع فيبادر الشرطي بسؤاله هل تعلم مقدار السرعة التي كنت تقود بها سيارتك؟ فيجيب هايزنبرج بدهشة لا!، ولكني أعلم بالضبط أين أقف الآن

    آمن العلماء قبل اكتشاف هذا المبدأ إمكانية زيادة دقة قياس أي وحدة فيزيائية بمجرد زيادة كفاءة قياس الآلة التي يقيسون بها وأن اي قصور ما هو إلا قصور قابل للإصلاح، لكن عندما ظهر مبدأ الشك أثبت بما لا يقبل الشك أنه حتى لو استطعنا صنع الة قياس خيالية فإننا سنصطدم بحقيقة استحالة قياس موقع وعزم جسيم في آن واحد وبدقة متناهية!

    حيث أن ضرب قيمتي الشك للحدين الموقع والعزم لا بد ان تساوي او تفوق القيمة الحقيقية (وهي نصف ثابت ببلانك المعدل وتساوي تقريبا 10 مرفوعة للاس سالب 35 جول.ثانية).

    هذا المبدأ لا يظهر في حياتنا لأننا لا نرى الذرات ولا نحاول قياسها بأعيننا وإنما تظهر في الفئات الذرية ودون الذرية.

    مثال لتقريب مبدأ الشك لك عزيزي القارئ..

    دعنا نأخذ حبة فاصولياء عادية ونحاول قياسها بمسطرة عادية لربما نحصل على قطر معين وليكن 8 ملم، ولكن لا أشك باتفاقك معي او عدمه بالنظر الى لمحدودية دقة مسطرتك التي استخدمتها، لربما تحصل على قياس أدق باستخدام مسطرة ادق وافضل وليكن 8.5 او 7.5، الآن اذا تصورنا حدود ما يمكننا عمله ضمن تجربة القياس هذه، فسوف تتفق معي على أنه اذا قمنا بالقياس مئة قياس مختلف كل القياسات ستتمحور حول معدل قياسي واحد والقيام برسم مخطط بياني لكافة القراءات خلال هذه المئة قياس، وسنجد حتماً انه يتمحور هذا المخطط حول القيمة الاولى وهي 8، وهذه النتائج وتذبذبها حول قيمة معينة ما هي الا مثال واضح على مبدا الشك في القياس.

    استطاع العبقري هايزنبرج وبفضل عبقريته في الرياضيات حصوله على الدكتوراه وفي حصوله قصة غريبة حيث اخذ هذه الدرجة في بحثه التي لم يتجاوز 59 ورقة تحت عنوان (حول الاستقرار والدوران في جريان الموائع).

    هذا البحث كان يحلل التحديات التي واجهها العلماء في فهم طبيعة تحول جريانها من الحالة المنتظمة والمسمات الى حالة الدوران رياضيا. ثم بعد ذلك قدم هايزنبرج المع فكرة في مجال الكم ونظرية الذرة.

    ربما لم نتمكن من ملاحظة دوران الالكترونات ولا رؤية المدارات اصلا وربما لن نستطيع ذلك للأبد!

    لكن العبقرية الفذة لهايزنبرج تفتقت عن فكرة ابتكار الكم من دون الحاجة لرؤيتهما، واعتمد في ذلك على الضوء الممتص والمنبعث من الذرات المعرضة لهذا الضوء !، في عام 1925 قدم هايزنبرج ورقة لاستاذه ماكس بورن تحتوي الحل والاشتقاق النظري لأكبر معضلة في تاريخ الفيزياء آنذاك (تصرف الذرة ودوران الالكترونات).

    ميكانيكا المصفوفات

    استطاع هايزنبرج بورقته التي نشرها له استاذه بورن من ابتكار طريقة عن فحوى ميكانيكا الكم بادلالة المصفوفات وذلك باعتماد مجموعات احتمالية متكونة من كموم كدية بقيم معينة واستخدام تلك الحدود لإنشاء نوع جديد من الجبر الذي سمي بالجبر غير الكمي والذي لا يعترف بمساواة قيمة (A×B) لقيمة .(B×A)

    استمرت ابداعات الرائع من نشر بحث مبتكر بمشاركة استاذه بورن احتوى على التفسير الرياضي لمفهوم ميكانيكا المصفوفات والاحداث التي امكن اكتشافها في تصرف الذرة، فبهذا المفهوم يكتسب كل عنصر من عناصر المصفوفة معنى مقابل لمجموعة من الاحتمالات الممكنة لحالة او لحالات بعينها او فيما بينها .

    بعد ذلك تمكن هايزنبرج من استخدام استنباطه (ميكانيكا المصفوفات) في تفسير طيف ذرة الهيليوم ونجح في ذلك نجاحاً باهرا.

    هايزنبرج قاهر زميله باولي

    لم تأتِ الحلول التي قدمها هايزنبرج (ميكانيكا المصفوفات) الا بالمشقة والحزن على زميله باولي، حيث تطلب ذلك على التنازل عن فكرة المدارات الجاذبة والواضحة حول النواة وأوشك على البكاء وقتها حيث قال واصفاً حزنه.

    لم لا نُشبّه الالكترون بدورانه حول نواة الذرة بالقمر الذي يدور بمدار ثابت حول الأرض، فإذا كانت الطبيعة قد خلقت لكل كرة مدار يمكن لجسم آخر تابع له ان يدور فيها حولها ، فلم جاء هايزنبرج وحرم ذراتنا الجميلة من هذه الميزة وأصر على وجودها لدى كل ما هو قابل للمراقبة وحسب ، ولكن على كل حال فان ما حدث قد حدث وقد اثبت علمياً، لذلك فاني اعتبره اكبر من طاقتي على التحمل وإني لا اتمنى الموت بهذه اللحظة ولا أني سمعت بذلك قط !”.

    جمال هايزنبرج

    وسوف أختم لكم في هذا المقال عن جمال هذا الفيزيائي الرائع حيث قالت زوجته في كتابها المعروف بالإفصاح عن المكنون.

    في ذات ليلة مقمرة حالمة أخذني زوجي للتمتع بنزهة جميلة على سفوح أحد جبال مدينتنا، لم اتفاجأ ومنذ البداية بتشرب كامل كيانه وفكره بنظرته الوليدة ونظريته الجديدة للمادة والذرة، فلقد كانت ثقته بما توصل اليه عظيماً وايمانه بمستقبلها يشع كهالة براقة لا يمكن تجاهلها من حوله!، قضينا الأمسية بسعادة بالغة، هو يضم يدي بيده وانا اراه يحاول جهده لتفسيرها وتقريبها لذهني مبينا معجزة التناظر في بناء الكون وشارحاً لي دقته وتناغم مكوناته متمنياً من صميم قلبه أن يُمكنني من رؤية جمال البساطة في معمار الوجود بعينيه التي يراه بها، محاولا جهده إشراكي في شرب كأس الحقيقة والانتشاء بها بنفس الروعة التي أدركها بفكره واستوعبها بذهنه الثاقب.

    أحببته منذ تلك اللحظة كما لم احبه من قبل وذابت مشاعري في همسات مشاعره، الحق والحق يقال … لقد كانت ليلة من ليالي العمر! لقد كانت ليلة لا تنسى.

  • القوى المسيطرة على الكون ومعضلة عدم الإرتباط

    القوى المسيطرة على الكون ومعضلة عدم الإرتباط

    القوى المسيطرة على الكون ومعضلة عدم الإرتباط

    نعرف بشكل مطلق أن هناك أربع قوى تسيطر على هذا الكون وهي قوى الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة والقوة النووية الشديدة. طبعا يمكننا القول أن أي قوة أخرى غير هذه القوى الأربعة ما هي إلا نتاج وتفسير لأحد هذه القوى الأربعة. لكن لماذا هذه القوى لا تكون نتاج قوة واحدة موحدة متماسكة؟ هذا ما شغل العلماء خلال القرون الماضية والحالية.

    سنعرج على كل من هذه القوى للتوضيح ثم سنرى كيف حاول العلماء الإلمام بهذه القوى بقوة واحدة وكيف كان من الصعوبة أن تتفق نظريتان هما لُب الفيزياء في العصر الحالي.

    لنأخذ أولاً قوى الجاذبية التي تجعلك تمشي ولا تطير والتي تحفظ الكواكب والارض في مداراتها وتمنع النجوم من الانفجار، هذه القوة التي جعلت تفاحة نيوتن تسقط لتنتج قوانين نيوتن للجذب العام هي التي تقود المجرات بصمت في اندفاعها عبر الكون!

    لعل الضوء هو من اكثر تجليات القوى الكهرومغناطيسية، فعندما تضطرب الذرة تصبح حركة الالكترونات غير منتظمة مما يجعل الالكترونات تطلق الضوء واشكال اخرى من الاشعاع (أشعة سينية، ورادار، وموجات ميكروية)، اضافة لذلك تماسك الذرة حيث الالكترونات السالبة الشحنة حول النواة موجبة الشحنة.

    تدرجنا الآن للقوة الثالثة وهي القوة التي تولد طاقة تتعدى طاقة متفجرات كيميائية كالديناميت التي تحكمها القوة الكهرومغناطيسية وتمنع كميات هائلة من الطاقة النووية من انفجار نووي مروع قد يدمر هذه الارض من ذرة واحدة فقط!، بالاضافة لذلك كله فإن سبب اضاءة النجوم ووجود الشمس ونشاطها وبالتالي الحياة على أرضنا ستصبح مستحيلة لو انطفأت شمسنا.

    لو كانت القوة الشديدة هي القوة الوحيدة في النواة لتحولت معظم النوى الى الاستقرار، لكن ما نعرفه أن نواة كنواة اليورانيوم التي تضم 92 بروتون تستصبح نشطة إشعاعياً (اندماج وانشطار)، اذا النوى في الاصل غير مستقرة وتتجه للتحلل لذلك لا بد من وجود قوة رابعة ولكن هذه المرة بدرجة أقل قوة لتتحكم بالنشاط الإشعاعي وتكون مسؤولة عن تحلل النوى الثقيلة الا وهي القوة الضعيفة (النووية).

    يستحيل تصور الحياة بدون هذه القوى الأربعة، فبدونها تتحلل الذرات في أجسادنا وبدونها تنطفئ الشمس وتفقد النجوم وقودها لذلك مفهوم القوى الاربعة موجود قديماً، لكن ما استجد هو أن هناك فكرة تقول أن هذه القوى الأربعة ما هي الا تفسير لقوة واحدة على هذا الكون!

    مثال لتوضيح كيف لجسم أن يكون في أشكال عدة وبالتالي امكانية اندماج قوى؟!

    لنأخذ كوب ماء ونسخنه حتى يغلي ويتحول الماء لبخار، يمكن للماء أن يتحول لبخار أي لغاز ! لكنه يبقى ماء
    لنجمد الآن كوب آخر من نفس الصنبور الذي أخذت منه الماء لتسخينه، سيصبح ثلجاً، لكنه يبقى ماء، المركب نفسه ولكن ما حدث هو فقط تحول الى شكل جديد ولكن بظروف محددة.

    على نحو مماثل تبين للعلماء امكانية دمج الكهرباء والمغناطيسية بقوة واحدة، الا ان العلماء وجدو انهم يستطيعون دمج القوة الضعيفة مع هذه القوة حيث حاز على اثر هذا الدمج كل من (واينبرغ وغلاشو وعبد السلام) جائزة نوبل حيث بينوا الؤة دمج القوة الكهرمغنطيسية والضعيفة في قوة واحدة سميت بالكهروضعيفة.

    ويعتقد العلماء ان نظرية قد تجمع الثلاث قوى، وتسمى بالنظرية الموحدة الكبيرة (GUT) توحد الكهروضعيفة والشديدة. اما القوة الأكثر مراوغة للفيزيائيين فهي الجاذبية ، فعلى الرغم من نجاح الكم في توحيد الثلاث قوى إلا أنه فشل في ضم الجاذبية الى تلك القوى لتصبح قوة واحدة مسيطرة في هذا الكون!

    ارتباط مفقود!

    إرتباط مفقود

    بينما تقتصر ميكانيكا الكم على عالم الصغائر كالذرات والجزيئات والبروتونات والنيوترونات، تحكم النسبية فيزياء العالم الكبير كالنجوم والمجرات.

    في الواقع محاولة دمج هاتين النظريتين شكلت تحدياً لاعظم عقول القرون الاخيرة، حتى أينشتاين نفسه صاحب النظرية النسبية امضى عقوده الثلاث الأخيرة دون جدوى باحث عن نظرية توحد الضوء والجاذبية.

    كل نظرية كان لها نجاحاتها، فنظرية الكم فسرت اليات عمل كل الاشياء بدءاً بالترانزستور وحتى الليزر، خلاف عن تفسير اسرار الذرة، لكن وقعت على وجهها عندما حاولت وصف الجاذبية!

    أيضا النسبية كان لها نجاح باهر بالمقياس الكوني أولها تفسير الإنفجار العظيم واخرها الثقب الأسود، لكنها وقفت عاجزة عن تفسير سلوك الذرات!

    ألا ترى ذلك شيء من الجنون! عندما ترى أن نظريتان تنجحان في كل شيء الا أنها عندما تصل الى الذي وصلت اليه النظرية الأخرى تسقط وتقف! ظهر الأمر محيراً فعلا وكأن اليد اليمنى تعمل بشكل مستقل عن اليسرى!

    لكن من وجهة نظر شخصية لا أرى ذلك معقولاً، هناك قطعة من الأحجية مفقودة، أو أن هناك شيء غاب عن العلماء، أو سنحتاج لقرون لظهور من يدمج هذه القوى ودمج هاتين النظريتين.

  • ماذا قدّمت ميكانيكا الكم للفيزياء والعالم

    ماذا قدّمت ميكانيكا الكم للفيزياء والعالم

    الترانزستور وميكانيكا الكم

    تحيط بنا فضائل ميكانيكا الكم من كل جانب فلولاه لاستحالت جملة من المخترعات، كالتلفزيون والراديو والليزر والحاسوب والخ.

    معادلة شرودينغر تفسر على سبيل المثال ظاهرة مألوفة لكنها بقيت محيرة لمدة طويلة الا وهي ظاهرة الموصلية او الناقلية (conductivity)، أدى كل ذلك إلى اختراع الترانزستور الذي لولاه لما كانت الالكترونيات المعاصرة وتكنولوجيا الحواسيب ممكنة والذي يدين بوجوده إلى ظاهرة كمومية بحتة.

    تنتظم الذرات في المعادن مثلاً وفق ترتيب معين في تشكيل بلوري، تتنبأ معادلة شرودينغر بأن الالكترونات الخارجية في ذرات المعادن ذات ارتباط ضعيف بالنواة، وان ما يحصل في واقع الامر انها تسبح بحرية عبر التشكيل البلوري.

    يستطيع اي حقل كهربائي مهما كان صغيراً دفع هذه الالكترونات ضمن هذا التشكيل مما يولد تيار كهربائي، الالكترونات في حالة المواد البلاستيكية اكثر التصاقاً بذراتها، لذا تعدم وجود الكترونات حرة بمقدورها خلق تيار كهربائي وهذا ما يجعل المعادن توصل الكهرباء.

    تفسر الكم وحود صنف آخر من المواد وهي المواد شبه الموصلة او شبه ناقلة (semiconductor)، وهي مواد تتصرف كنواقل في بعض الاحيان وكعوازل في أحيان اخرى، ويمكن استخدام هذه المواد كمضخمات تستطيع التحكم بجريان التيار الكهربائي (كذراع صنبور الماء الذي يتحكم في تغيير تدفق الماء) كذلك الترانزستور الذي يتحكم في تدفق التيار الكهربائي، هكذا يتدخل الترانزستور اليوم بحركة التيار الكهربائي في كل الأدوات المعاصرة كأجهزة التلفاز والراديو والحواسيب وغيرها، واقتسم ثلاث فيزيائيين جائزة نوبل لاختراعهم الترانزستور عام 1956 وهم: جون باردين، وليام شوكلي، ووالتر براتين.

    الليزر وميكانيكا الكم

    انبثق عن ميكانيكا الكم اختراع آخر وهو الليزر الذي بدأ يغير كل أساليب ادارتنا للاقتصاد والصناعة. تفسر الكم قبل كل شيء سبب اضاءة مصابيح النيون والمصابيح الفلورية، ففي النيون مثلاً ينبثق تيار كهربائي داخل انبوب من الغاز مزوداً ذرات الغاز بطاقة عالية ودافعاً الكتروناتها الى مدارات طاقة اعلى، ثم تجنح الالكترونات من ذرات الغاز الذي اصبحت مثارة الى العودة الى مستويات الطاقة الدنيا، وعندما تحقق الالكترونات عودتها في النهاية الى هذه المستويات تطلق طاقة وضوء، نتحسس هذه الطاقة الفائضة من مصابيح النيون التي تنير مدننا. تعود الذرات الى حالتها الاولى في المصابيح الكهربائية على نحو عشوائي.

    والواقع ان كل ضوء من حولنا بما فيها الشمس وهو ضوء عشوائي او إشعاع غير متناسق ولكن ما هو الا مزيج غير منتظم مجنون من الاشعاعات المختلفة التردد والطور.

    لكن بعض الفيزيائيين أمثال شارلز تاونز استخدموا ميكانيك الكم للتنبؤ بأن الذرات المثارة يمكن أن تدفع في بعض الاحيان إلى المستويات الدنيا في ايقاع موحد!، هذا نوع جديد من الاشعاع لم نلحظ وجوده في الطبيعة وسمي هذا الإشعاع بالإشعاع المتماسك (coherent).

    على الرغم من أن عمل تاونز كان منصباً على الموجات الميكروية (microwaves) والذي نال بسببه جائزة نوبل عام 1964، إلا أن العلماء سرعان ما تبينوا ان هذه النظريات قابلة للتطبيق في حالة الضوء أيضا.

    وعلى الرغم من أن مدافع الخيال العلمي الاشعاعية التي تستطيع شطر الصواريخ النووية لا زالت بعيدة المنال، الا أن أشعة الليزر المستخدمة الآن تستطيع قطع المعادن في المصانع وحمل قنوات الاتصال واجراء العمليات الجراحية، هذا الى جانب اختراعات الليزر التي تتدفق الينا كل يوم.

    مثلاً يستخدم الاطباء ليزراً دقيقاً لارسال الطاقة الضوئية عبر اسلاك زجاجية بالغة النعومة لحرق الرواسب الدهنية في الأوعية الدموية للأناس المعرضين لأزمات قلبية، أيضاً تغير أقراص الليزر اساليب التسجيل القديمة، ايضا قراءة اسعار الحاجيات والكثير الكثير!

    ولعل أعظم التطبيقات لليزر وأكثرها دهشة ستكون في اختراع التلفزيون الثلاثي الأبعاد، حيث تطبع الآن وتوزع بطاقات مجسمة يظهر فيها طير ثلاثي الأبعاد، ولا نستبعد ان تستبدل شاشات التلفزيون المعاصر المستوية بشاشات كروية! نستطيع أن نتابع أشخاص يتحركون في أبعاد ثلاثة، ومن المحتمل أن يعايش ابناؤنا واحفادنا هذا التلفاز في مكاتبهم وبيوتهم كأحد نواتج ميكانيكا الكم.

    فضائل أخرى لميكانيكا الكم

    إضافة للترانزستور والليزر تدين مئات أخرى من الاختراعات بوجودها لميكانيكا الكم نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر!

    المجاهر الإلكترونية

    تستخدم هذه المجاهر الخصائص الموجية للإلكترون لتكبير الأجسام من حجم الفيروسات كي تصبح ممكنة المشاهدة.

    الكشف عن الحمض النووي منقوص الاكسجين

    حيث تطبق في هذا السياق ظاهرة الحيود للاشعة السينية وتقنيات اخرى بهدف تقرير البنى التحتية للجزيئات العضوية.

    آلات الإندماج

    ستوظف هذه الآلات التفاعلات الجارية في باطن الشمس لإنتاج كميات هائلة من الطاقة على الأرض، على الرغم من وجود عدة مشاكل في تصنيع هذه الآلات، لكن لا نستبعد ان تعطينا هذه الالات كميات خيالية من الطاقة في يومٍ ما.

    خاتمة

    لعل من غير حياتنا وتطور هذا العالم واكتشاف عوالم جديدة هو هذه النظرية (ميكانيكا الكم)، فهي من دون أدنى شك أدت الى تغيير جذري في قواعد الطب والصناعة والاقتصاد.

    أما أكبر مفارقة وقد تكون مستغرباً من ذلك هو أن هذه الميكانيكا التي تبدو لك حاسمة وحتمية في تطبيقاتها تقوم في الأساس على الريبة والإحتمال ومفاهيم فلسفية قد لا تبدو مألوفة.

    تعتبر هذه الميكانيكا قنبلة في عالم الفيزياء وذهول هذه الميكانيكا يكمن في نتائجها المذهلة فقد صرّح بور بقوله المشهور “إن من لم تذهله ميكانيكا الكم هو ذاك الذي استعصى عليه فهمها”

  • ميلاد الكم على يدّ بلانك

    ميلاد الكم على يدّ بلانك

    ميلاد الكم على يدّ بلانك

    أتعرف لماذا لا نتمكن نحن بنو البشر من حل الألغاز النهائية في الكون؟ السبب بسيط وهو أننا أنفسنا في النهاية نمثل جزء من ذلك الكون، وبالتالي نحن جزء من اللغز والمعضلة التي نحاول حلها، نحن ببساطة لا نملك لا القوة ولا الحق لافتراض وجود ولا حتى بقاء فضلا عن سرمدية ما إكتشفناه من قوانين بلانك وهو وجودنا في الكون والغموض الذي يلفنا فيه.

    نبذة عن العالم بلانك

     ميلاد الكم على يدّ بلانك ولد بلانك الفيزيائي الالماني وهو الذي وضع أول لمسات نظرية الكم بوضعه لقانون إشعاع الأجسام السوداء في مدينة كييل شمال ألمانيا.

    بلانك الذي كان ناجحا في دراسته الاولية كان بارعاً أيضاً في شيء آخر وهو عزف البيانو، حيث كان له حس نغمي متميز وبرع بعزف مقطوعات شوبرت وبرامز.

    دخل بلانك جامعة ميونيخ وسرعان ما أُعجب بالفيزياء والرياضيات ونما ولعه بهما، كان محباً للنقاش كثير الأسئلة طموحاً في تفكيره وتطلعاته حتى حاوره أحد أساتذته يوما بأن حقل الفيزياء حينذاك أوشك على التمام ولا جديد يُكتشف بعد نيوتن وكبلر فلقد اوشكت قوانينهما على الكمال ولا أحد يتوقع المعجزات في تغيير هذا الكيان الرياضي المتماسك البديع.

    من هُنا بدأت نقطة انطلاق بلانك واصراره على تعلُّم الفيزياء والرياضيات وعشقه الفطري لهما لم يمنعه من كبح جماح طموحه نخو التغيير والأفضل حبه للفيزياء والرياضيات جعله يصف نفسه في كتابه الشهير سيرتي العلمية واوراق اخرى حيث قال: في داخلي حدس يؤمن بأن التفكير المنطقي البشري لا بد وأن يتطابق مع مجمل الظواهر والاحداث التي نستلمها ونستشعرها من العالم حولنا والتي نعيش وتؤثر فينا ولهذا أنا على يقين بإمكانية هذا المنطق على أن يفتح لعقولنا الدرب لفهم ميكانيكية هذا الكون من حولنا.

    استمر بلانك بجامعته وقابل واستمع الى الاستاذ الشهير كرشهوف ووصفه بالمحاضر الممل!

    وواضب على دراسة بحوث كلوزيس في الديناميكا الحرارية وفُتن بها لدرجة أنه أخذ الدكتوراة ببحث حول القانون الثاني للنظرية الميكانيكية في الحرارة. وعين استاذً فوق العادة في جامعة برلين .

    ميلاد الكم 

    ولدت النظرية الكمومية عام 1900 عندما أربكت الفيزيائيين ظاهرة عرفت “بإشعاع الجسم الأسود” كان الفيزيائيون غير قادرين مثلاً على تفسير لماذا يحمّر القضيب الفولاذي اذا تم تسخينه إلى درجات حرارة عالية ثم يتوهج وينقلب إلى الأبيض، ولماذا تحمر الحمم البركانية وتتوهج لدى اندفاعها من بركان ثائر.

    لم تستطيع النظريات القائمة في ذلك الوقت على تفسير والتنبؤ بلوني التوهج الأحمر والأبيض، تلك النظريات كانت ترى في الضوء ظاهرة موجية يمكنها الإهتزاز بأي تردد، لا بل إن التنبؤات انطوت على ضرورة انطلاق طاقة اشعاعية لا نهائية عند الترددات العالية، الأمر الذي كان مستحيلاً، وعرفت هذه المشكلة بكارثة فوق البنفسجية اي الترددات العالية، وجد بلانك حلاً لهذه المشكلة “الكارثة” عندما كان استاذا في جامعة برلين حيث كانت تجرى أدق التجارب في حقل اختبار الجسم الأسود حينما اطلعه صديقه روبنز عن اخر مكتشفات الحقل، بعد هذا تبين لماكس بلانك انه يستطيع صياغة معادلة باستخدام حيلة رياضية بسيطة تفسير معلومات روبنز، وفي غمرة ابتهاجه، أرسل بلانك لروبنز بطاقة بريدية يخبره فيها بنبأ اكتشافه.

    عندما قدّم التفسير لجمعية برلين للفيزياء بمحتوى إنجازه كان بالغ التواضع غير متأكد بما يترتب على نظريته، تضمنت أفكاره على أن الإشعاع لم يكن موجي الطبيعة بشكل كلي كما كان الفيزيائيون يعتقدون، بل هو انتقال الطاقة في مجموعات “رزمات” منفصلة ومحددة، لقد عمد بلانك إلى توظيف هذه الرزم وأسماها “الكمات quanta”، ولأول مرة لتفسير تصرف الطيف للإشعاع من خلال تطبيق وموالفة المنحنيات التي توصل إليها مع البيانات التي وجدت بالتجربة وسرعان ما تمكن من اشتقاق قانونه بطريقة علمية لا يرقى إليها الشك بتطبيقه لبعض التحوير على حسابات الطاقة لكل طول موجي مؤثر في الفراغات التي سبق لكارثة رايلي وجينز دراستها.

    عبقرية بلانك تلخصت بافتراض ان يكون هذا القصور في الترددات العالية يكمن في الجدران الداخلية للاجسام السوداء على شكل كمّات بقيم رقمية صحيحة (nhf) حيث n رقم صحيح كمي وf قيمة الكمة الناتجة عن المذبذب وh ثابت بلانك. وتكمن عبقريته ايضا في ان هذه المذبذبات تبعث الطاقة وتمتصها على شكل كمّات ايضا.

    أثمرت جهود بلانك الى منصة استلامه لجائزة نوبل في عام 1918 ايضا تمكن من حساب قيم ثابت بلانك h وهو ثابت استعمل لتوصيف مقادر الكمّة في نظرية الكم واول استعمال له كان كثابت تناسب بين طاقة الفوتون ومقدار ذبذبته كموجة وتسمى معادلة ربط الطاقة بالذبذبة بمعادلة بلانك-اينشتاين.

    وثابت بولتزمان k ثابت فيزيائي مسؤول عن ربط علاقة الطاقة مع الحرارة ويساوي حاصل قسمة ثابت الغاز R على عدد افوجادرو NA.

    اما اليوم فيحتفل الفيزيائيون في كافة أنحاء العالم بميلاد فيزياء الكم وذلك بالرابع عشر كانون الاول 1900.

    لقد مثلت نظريته وافكاره في حينها رأس قمة جبل الجليد الذي يخفي الجبل الأعظم من حجمه وتحت الاعماق بعيدا عن النظر قيمته.

    بدء عصر جديد

    وقد دعي لتفسير ذلك أمام الملأ عندما نال جائزة نوبل، وجاء في خطابه أمام لجنة الجائزة: “لعل من المفارقة أن أضعكم سادتي الأفاضل أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول أن يكون موضوع الكم الذي أسوقه إليكم ضرباً من الخيال وشطحة من شطحات الزمن وعندها سنرمي كل هذه النظرية في سلة الوهم أو أن أستمر بعملي وأستخدم هذه النظرية في اشتقاق قوانين الاشعاع باعتبارها حقيقة، وإذا ما صحت الفرضية الثانية فمن واجبي أن انبهكم إلى أن هذا المفهوم لا بد وان يلعب دورا في الفيزياء، وهنا أحذركم أيها السادة بأن كل ما عرفناه من فيزياء قبل اليوم ومنذ ان فتحنا اعيننا على افكار نيوتن والتي حتمت علينا مبدأ الاستمرارية والمسببات سينهار! وكما سأشهدكم أن هذه الفكرة ستحدث زلزالاً هائلاً واختم بالاعتذار منكم لعدم سماحي لكم للاختيار فاليوم هو الفيصل لقبول مبدأ التقطع في الزمن والامواج والوجود بالقول أن التجارب حسمت موضوع الاختيار للاحتمال الثاني والى الابد”.

    تأكيد من طرف غير متوقع

    لف الغموض معادلات بلانك حتى جاء اينشتاين وأثبت أنه بالامكان إزالة الغبار عن عبقرية بلانك، حيث قدم اينشتاين لنموذج علمي لانتقال وانبعاث وامتصاص الضوء وإعادة توصيفه على شكل وحدات محددة اسماها الفوتونات من خلال الظاهرة الكهروضوئية التي استخدم فيها ثابت بلانك، فلو كان الضوء جسيما يخضع لقانون بلانك لوجب ان تقتلع الالكترونات من ذرات السطح المعدني مولدة الكهرباء.

    ميلاد الكم على يدّ بلانك

    لم يمض وقت طويل حتى نال اينشتاين جائزة نوبل على ظاهرته 1921 وبذلك اول من ادرك بأهمية وضرورة التمسك بنظرية الكم.

    حيث اننا ننعم من خلال هذه الظاهرة الكمومية بالعديد من التطبيقات حيث لولا هذه الظاهرة لم يكن التلفزيون موجوداً، وتستخدم الات التصوير التلفزيونية الاثر المذكورة لتسجيل الصورة على سطح معدني، يدخل الضوء من عدسة الة التصوير ليصدم السطح المعدني ويكون انماطاً كهربائية معينة تتحول فيما بعد لامواج تلفزيونية في بيتنا.

    كان بلانك اول فيزيائي ساند وساعد اينشتاين في نظريته النسبية، حيث كثيراً ما كانوا يشاهدون اينشتاين وبلانك يعزفان الموسيقى الكلاسيكية بلانك خلف البيانو واينشتاين خلف الكمان.

    خاتمة

    تمنح قوانين الطبيعة دورا محددا لحدود ومفاهيم معينة ولكننا لا نعرف حقيقة هذه الحدود ولا أصلها، كل ما استطعنا معرفته عن تركيبها وإلى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقالة أنها عبارة عن حقول كمومية تمتاز بالدقة الكاملة والبساطة لأنها تحكم بالتماثل وتمتاز به أيضا، لكن هذه الحقول ليست من الأشياء التي نستطيع ادراكها بسهولة فلربما لا يكون لدينا خلفية عنها وكل مفاهيمنا الحالية عن الوقت والتركيب والطاقة والمادة سوف تعجز عند مستوى ً نحن لا ندركه، ولكننا بالمقابل تمكنّا من خلال هذه الحقول الكمومية من لمس الحقيقة المقبولة مع أنها غير كاملة.

  • حديث الفلك .. المادة المظلمة

    حديث الفلك .. المادة المظلمة

    حديث الفلك .. المادة المظلمة

    لقد تحدثت في مقالين قبل هذا المقال عن المادة المضادة وما تأثيرها وكيف تؤثر وكيف نشأت وماذا نشأ عنها من نظريات! لكن في هذا المقال سنتحدث عن مادة أخرى ولكن مادة قد تكون أشبه بالسحر … إنها “المادة المظلمة” (Dark Matter).

    لماذا يتكتل الكون في مجرات؟ لماذا توجد هذه المجرات في فراغات وعناقيد مجرية فائقة؟

    تبدو هذه كأحجية الصور المقطوعة ناقصة أحد الأجزاء لكي يكتمل النموذج بشكل كامل وهذا النموذج سوف يلاحقنا للأبد حتى نجد هذا الجزء الذي يؤدي أحجية الكون.

    في الثلاثنيات من القرن العشرين أدرك العلماء تصرف غريب لحركة المجرات … هذه الحركة دفعت العلماء للتنبوء بوجود مادة غير مرئية داخل هذه المجرات وفي الكون كله، ومع تطور نظرية الإنفجار وتوسع الكون وتمدده بشكل هائل والسرعة التي تتحرك بها المجرات حيث وجودوا أن المجرات تتحرك بسرعة أكبر مما هو محسوب نظريا حيث انه من المفترض كلما ابتعدت المجرة عن المركز يجب ان تنخفض سرعتها ولكن وجودوا عكس ذلك تماماً! هذه الأشياء دلّت علماء الفلك الى ان هناك مادة أكبر من المادة المنظورة!

    من أين جائت التسمية

    مع تطور العلم ومقدرته على قياس مدى إمكانيته لإنحراف الضوء القادم من المجرات بتأثير (gravity of mass) بحسب ما تقرره النسبية العامة، هذا أكد وجود كمية من المادة في الكون اكبر مما هو موجود او مقدر له أن يكون، هذه المؤشرات دفعت علماء الفلك والفيزياء على القول أن هناك كمية كبيرة من المادة تحف التراكيب الكونية والعناقيد المجرية وسميت هذه المادة بالمادة المظلمة (او الطاقة المظلمة حيث أن المادة والطاقة وجهين لعملة واحدة أي انها مادة مدمجة مع طاقتها) وسميت بالمظلمة أو المعتمة لانها لا تتفاعل مع الضوء او الإشعاعات الكونية ولا تتأثر إلا بالجاذبية الكتلية فقط.

    وسميت بالمظلمة لهذا الأمر لا لأن لونها أسود ولكن لأنها شيء مبهم يشبه ظلام اللامعرفة عن شيء.

    ما الذي دفع العلماء لإفتراض وجود المادة المظلمة؟

    ان غموض الكون وحركته وتكونه منذ بداية الخلق شكّل معضلة للعلماء منذ عديد الأزمنة حتى يومنا هذا، هذه المادة حبل تعلّق به معظم الفيزيائيين وإستدلوا عليها ، حيث انها فيما يبدو لها دور في تشكيل المجرات.

    النموذج الكوني السائد اليوم يقوم على فرضية ان الكون يتكون من مادة وطاقة حيث قلنا أنهما وجهان لعملة واحدة، حيث يتكون من مادة باريونية (مرئية) بنسبة تقريبية تصل 4.9% والباقي يتقسم على الطاقة والمادة المظلمة بنسبة 26.5% للمادة المظلمة و68.6% للطاقة المظلمة.

    هناك دوافع ترجح تكونها من جسميات ثقيلة قليلة التفاعل هذه الدوافع بناءً على وجود الطاقة والمادة منذ بداية الإنفجار العظيم، فعندما كان الكون في مراحل نشوئته الأولى عند درجات حرارة عالية كانت المادة المظلمة تنشأ من أزواج من الجسيمات والجسيمات المضادة كأي جسيمات أخرى تنشأ، فلما انخفضت درجة حرارة الكون بسبب توسعه قلّ تشكيل الجسيمات والجسيمات والجسيمات المضادة ثم توقفت، بينما بقيت عملية الإفناء موجودة، يفترض العلماء أن جسيمات المادة المظلمة بقي ثابتاً بعد هذه العملية.

    إذا كانت مادة .. فهل تتكون من جسيمات وهل هي معروفة بالنسبة لنا؟

    وضع العلماء بعد بحوثاتهم ودراستهم لهذه المادة بعض الجسيمات المكوّنة لهذه المادة ومن هذه الجسيمات:

    • نيوترينوهات: لأنها جسيمات ضعيفة بل قد لا تتفاعل مع بقية الجسيمات، ولكن وجدوا في الأخير ان كميتها في الكون لا تكفي لسد كثافة المادة حيث أن سقف كتلة النيوترينو أقل من 2ev.

    • نيوترينوهات عقيمة: أول من أقر بوجود هذه الجسيمات واقترح أن تكون جسيمات مكونة للمادة المظلمة هو وودرو، حيث لا يوجد أي مشكلها من تمثيلها للمادة المظلمة الساخنة أو الباردة ما زالها لا تتفاعل إلا من خلال المجال الجاذبي.

    • الأكسيونات: جسيمات ليس لها spin وتفاعلها مع المادة ضعيف جداً إقترح وجودها وكوين لحل مشكلة حفظ التماثل والشحنة في القوى النووية الشديدة.

    وهناك جسيمات فائقة التناظر (Weakly Interacting particles ) جسيمات ضعيفة التفاعل وهي :

    • نيوترالينوا : هذا الجسيم أُفترض ليكون الأشهر لتمثيل المادة المظلمة حيث أنه حالة مستقرة بين الهجزينو والفوتينو (فوق تناظري للفوتون).

    • الهيجزينو: جسيم فيرميوني اثقل من الهيجز لكن التجارب النظرية لم تثبت وجوده.

    كل هذه الجسيمات ربما تتألف المادة المظلمة منها لكن العلماء لم يجدوا ما يؤكد ذلك، حيث فشل المصادم الهايدروني بالكشف عنها ومن أشهر التجارب تجربة (LUX )التي بائت بالفشل بوجود مثل هذه الجسيمات.

    إذاً كل ما هو موجود في الأعلى ما هي إلا تصورات للعلماء وبحوثات قاموا بها لتبيين تركيب هذه المادة وتكوينها حتى يتمكنوا من تفسيرها.

    هل سمعت بالفوتونات المظلمة؟!

    في 2009 انتقل اقترح باحثون أن المادة المظلمة عبارة عن فوتونات مظلمة، تنبع الفكرة من وجود مجال مغناطيسي كهربائي (كهرومغناطيسي) يتفاعل مع المادة المظلمة التي يفترض أنها مؤلفة من شحنات موجبة وسالبة.

    هذه النظرية دُحضت لأنها تفتح فيزياء جديدة خارج المعقول مما يجعلها صعبة القبول مما جعلها غير مناسبة لتفسير المادة المظلمة.

    كلمة أخيرة

    المادة المظلمة تحتل اليوم ومنذ القرن الماضي على مكانة كبيرة في الوسط الفيزيائي حيث يكتشفها قد يؤدي إلى إكتشاف صرح فيزيائي جديد قابل لدحض الكثير من النظريات التي نعتبرها في المقام الأول في علم الفيزياء ولكن تكللت هذه النظرية بكثير من الإعتراضات، من أحد هذه الإعتراضات أنه كيف لكتلة غير مرئية أن توجد بكميات هائلة في هذا الكون وتتمتع بخصائص جاذبية عالية وتستمر في البقاء دون أن تهوي في قلب المجرات، حيث أنه لا بد من وجود قوة تمنعها من السقوط في قلب المجرة.

    إذا بين التأييد والمعارضة من يأتي بالقول الفصل ويفصل هذه النظرية؟ إن هذه النظرية لهي مجال واسع لكثير من الكوزمولوجيين والفيزيائيين لفتح عقولهم على نظريات جديدة قد تساعد على فهم نشأة الكون وحتى ربما تجمع القوى الأربعة في قوة واحدة!