مقالات في الفيزياء

5 اسباب تهمك حول اكتشاف امواج الجاذبية

5 اسباب تهمك حول اكتشاف امواج الجاذبية

لقد كان الاعلان عن اكتشاف امواج الجاذبية لاول مرة يعد اكتشاف تاريخي وعقد له مؤتمرا علميا كبيرا واحتفل كل الفيزيائيين بهذا الحدث الهام. انشغلت معظم وسائل الاعلام العلمية والاعلامية بتغطية هذا الخبر من حيث الفكرة والهدف والتنفيذ. لكن لماذا كل هذه الضجة وكل هذا الاهتمام؟

 

اعلانات جوجل

[box type=”success” align=”aligncenter” class=”” width=””] (١) امواج الجاذبية هي طريقة اينشتين الجديدة لمراقبة الكون.[/box]

يدرس الفيزيائيون الكون من خلال الطيف الكهرومغناطيسية بدءا من اشعة اكس والاشعة فوق البنفسجية وحتى امواج الراديو والميكروويف. ان الانبعاث الصادر من الكون في مدى تردد هذه الاشعة المختلفة يوفر معلومات مختلفة وكل طيف من هذه الاشعة يعطي منظور مختلف للكون.

لتوضيح الامر اكثر دعنا نضرب هذا المثال، نحن نعرف انه هناك الملايين من النجوم المتمركزة في مجرتنا وتبعث ضوء بتردداته المختلفة لكن هناك الكثير من الغبار الكوني بالقرب من مركز المجرة والذي يعيق وصول الضوء المنبعث من النجوم. وحتى نتمكن من دراسة هذه النجوم المختبأة خلف الغبار فان على الفلكيين ان يستخدموا مراصد فلكية تعمل بالاشعة تحت الحمراء او تعمل في مدى امواج الراديو والتي تستطيع ان تعبر من خلال الغبار الكوني بسهولة بالمقارنة مع الاطوال الموجية الاخرى للضوء. كل هذه الاطوال الموجية توفر لنا في منظور مختلف للكون لكن في النهاية هي في حد ذاتها نفس الشيء لانها انواع مختلفة من الضوء او الاشعاع الكهرومغناطيسي والتي لها نفس السلوك.

ان امواج الجاذبية ظاهرة مختلفة تماما عن اي شيء في الطيف الكهرومغناطيسي. في العام ١٩١٥ افترض العالم اينشتين Albert Einstein طريقة مختلفة تماما للنظر في موضوع الجاذبية في نظرية اعطاها الاسم النظرية النسبية العامة. وبدلا من التفكير في الجاذبية على انها قوة تدفع وتسحب الكتل الكبيرة في اتجاهات مختلفة افترض اينشتين ان الجاذبية هي عبارة عن تحدب في احداثيات الزمكان. بمعنى ان كلا من المكان والزمان يتحدب وينحني حول الكتل الهائلة ومن ثم وصف سلوك مسار الاجسام الاخرى التي تمر بجوار هذا الانحناء.

قد تبدو هذه الفرضية ضربا من الجنون الا ان العلماء اكتشفوا العديد من الظواهر التي تؤكد فرضية اينشتين. على سبيل المثال ان الجاذبية العامة تخبرنا ان الزمن يتغير بنحو ابطأ للاجسام المتحركة حول كتل كبيرة وقد لاحظوا هذا الامر في حركة الاقمار الصناعية المستدمة في تحديد المواقع بتقنية GPS وهذه الظاهرة تعرف بالتأخير الزمني والتي نتجت عن تحدب الزمكان. بدون تعديل وضبط مقدار التأخير الزمني الصغير فان كل اقمار الاتصالات الصناعية سوف تضيع في الكون.

اعلانات جوجل

ونتيجة لاطار عمل النظرية النسبية العامة فانه للاجسام التي تتحرك بتسارع خلال هذا الفضاء المنحني فانها سوف تحدث تموجات تعرف باسم امواج الجاذبية gravitational waves. تنتشر امواج الجاذبية خلال الفضاء وتضغطه في اتجاه واحد وتمدده في الاتجاه الاخر.

ان الترددات الناتجة عن امواج الجاذبية هي في مدى ترددات التي يسمعها الانسان. يمكننا ان نسمع امواج الجاذبية! نعم وهذا بالفعل ما حدث.

نعم تطلب الامر ١٠٠ عام لرصد هذه الامواج! لماذا؟ ان هذه الأمواج صغيرة جدا وتصل لواحد على الف من قطر البروتون. لذا كان علينا ان ننتظر حدث مجلجل كبير مثل تصادم واندماج ثقبين اسودين. وتصميم اجهزة رصد دقيقة لتتمكن من رصدها.

 شرح وتبسيط وتوضيح لفكرة عمل جهاز الليجو الذي رصد هذه الامواج.

اعلانات جوجل

[box type=”success” align=”aligncenter” class=”” width=””](٢) ان الجهاز الذي استخدم في رصد امواج الجاذبية يعد ادق نظام قياس تم بناؤه حتى الان.[/box]

لرصد تشوهات صغيرة جدا في نسيج الزمكان استخدم الفيزيائيون مقياس الليزر للتداخل laser interferometry. حيث وجه شعاع ليزر في مسارين مختلفين ويرتد الشعاع ذهابا وايابا باستخدام مرآتين في نهاية كل مسار. والشعاعين المرتدين بعد ان يقوما بعدة ارتدادات ذهابا وايابا يسمح لهما بالوصول إلى الكاشف الذي يرصد انماط التداخل بين الشعاعين. اذا مرت امواج جاذبية على هذا الجهاز فان المسافة بين المرآتين سوف تتغير بدرجة ضئيلة جدا وهذا التغير في المسافة سوف ينعكس على احداث تغيرا في نمط التداخل على جهاز الكشف.

Virgo0

لا يقتصر الامر على كون ان الاشارة الحادثة عن امواج الجاذبية صغيرة جدا بل ان الامر اكثر صعوبة هو ان هناك كمية هائلة من الضجيج الذي يغمر الاشارة المراد رصدها. لزيادة حساسية اجهزة الرصد لاشارة امواج الجاذبية بالمقارنة مع الضجيج فان مسار كل شعاع ليزر يجب ان يكون طولا بقدر الامكان. يعرف هذا الجهاز باسم الليجو LIGO وهو اختصار لمرصد مقايس تداخل الليزر لرصد امواج الجاذبية (كيف يعمل مرصد الليجو) هذا المرصد الذي صنع لحظة تاريخية يبلغ طول كل ذراع ليزر فيه ٤ كيلومتر والكواشف تعمل في منطقة مفرغة تماما من الهواء حتى يتم عزلها عن اي تذبذبات تحدث على الارض قد تشوش على رصد امواج الجاذبية.

بما ان الامر ليس بهذه السهولة فقد يخطر على بالنا انه لربما ما تم رصده هو عبارة عن ضجيج وليست اشارة امواج الجاذبية! حتى يتحقق العلماء من قياساتهم فان مرصد الليجو عبارة عن مرصدين واحد في هانفورد وواشنطن والاخر في ليفنجستون ولويزيانا في امريكا. ويقومان برصد نفس الاشارة في مكانين مختلفين وهذا بالفعل ما حدث في ١٤ سبتمبر من العام ٢٠١٥ عندما تم رصد اول امواج للجاذبية في كلا المرصدين بفارق زمني في حدود مليثانية بين المرصدين مما يؤكد انها اشارة امواج الجاذبية.

اعلانات جوجل

 

[box type=”success” align=”aligncenter” class=”” width=””](٣) نعلم الان ان الثقوب السوداء يمكن ان تندمج ليتكون عنها ثقوب سوداء اكبر حجما.[/box]

كيب ثورن Kip Thorne
كيب ثورن Kip Thorne

وصف الفيزيائي النظري الشهير كيب ثورن Kip Thorne ان هذا الحدث الذي نتج عنه امواج الجاذبية بالاعصار العنيف في نسيج الزمان والمكان. منذ حوالي 1.3 مليار سنة مضت اي عندما بدأت الحياة على الارض اقترب ثقبين اسودين يدوران حول بعضهما البعض ومع اقترابهما اكثر فاكثر ازداد تسارعهما حتى وصلت سرعتهما لنصف سرعة الضوء تقريبا ومن ثم اندمجا معا ليصدر عنهما هزة عنيفة انتجت امواج جاذبية قوية.

بمقارنة شكل موجة الجاذبية التي تم رصدها مع موجة الجاذبية مع المحاكاة الحاسوبية التي اجريت باستخدام كمبيوتر فائق السرعة يمكن ان نعرف ان نقدر كتلة الثقبين الاسودين حيث ان احدهما بلغت كتلته ٢٩ مرة كتلة الشمس والاخر بلغت كتلته 36 مرة كتلة الشمس قد صدر عنهما طاقة في صورة امواج جاذبية وقد قدر ان زمن التصادم لم يتجاوز ٢٠ ملي ثانية! وهذه الطاقة تقدر بحوالي ٥٠ مرة اكبر من الطاقة التي صاحبت الانفجار العظيم لتضع كل النجوم في الكون.

قبل هذا الاكتشاف لم يكن الفلكيون متأكدون من هذا الاندماج بين الثقوب السوداء ممكن ان يحدث والان هذه التفاصيل التي صاحبت هذا الاكتشاف كان بمثابة الدليل الاكيد على حدوث اندماج للثقوب السوداء.

 

[box type=”success” align=”aligncenter” class=”” width=””](٤) مئات من العلماء اخذوا على عاتقهم مغامرة كبيرة لجعل هذا الرصد والاكتشاف ممكنا.[/box]

تنبأ اينشتين وجود امواج الجاذبية منذ ١٠٠ عام مضت لكن في ذلك الوقت لم يكون هناك اي احتمال لرصد اشارات ضعيفة إلى هذا الحد. في العام ١٩٩٢ اصبح مرصد الليجو LIGO اكبر استثمار قامت به مؤسسة العلوم الدولية على مر الزمن. هذا الاستثمار الكبير مخاطرة كبيرة حيث ان امواج الجاذبية كانت مجرد فرضية نظرية وان اشارتها الدالة على وجودها من المستحيل ان نرصدها بدون بناء اداة اكبر من اضخم اداة قياس معروفة على الارض. في الحقيقة منذ بدأ التشغيل الفعلي لمرصد الليجو LIGO في الفترة بين ٢٠٠٢ و٢٠١٠ ولم ينجح ابدا في رصد اي اشارة لامواج الجاذبية.
صورة جوية لمرصد الليجو LIGO
صورة جوية لمرصد الليجو LIGO
على اي حال عندما تم اجراء تحسينات جديدة على مرصد الليجو LIGO لزيادة مقدار حساسيته تمكن من رصد اشارة واضحة.

 

[box type=”success” align=”aligncenter” class=”” width=””](٥) باداة جديدة تستمع بها لصوت الكون فاننا على ابواب اكتشافات جديدة لم نكن نحلم بها من قبل.[/box]

يمكننا ان نقول ان الجزء الاكثر اثارة حول هذا الاكتشاف الجديد هو اننا في البداية! ان رصد موجة جاذبية بواسطة الليجو LIGO يجعلنا نتوقع رصد المزيد من امواج الجاذبية وبدون ان ننتظر فترة طويلة. كواشف الليجو ليست في اقصى درجات حساسياتها بعد وسوف تتطور اكثر لرصد ادق لامواج الجاذبية.

ان نجاح مشروع مرصد الليجو LIGO  سوف يشجع على تمويل مشاريع اخرى وفي الحقيقة وافق رئيس وزراء الهند على انشاء مرصد ليجو في الهند. كما شرعت اليابان في بناء مرصد واطلق عليه مسمى كاجرا KAGRA واخر في ايطاليا اطلق عليه اسم فيرجو VIRGO واخر يعمل في المانيا يسمى جيو ٦٠٠ او GEO600. باستخدام العديد من هذه المراصد سوف نصل في النهاية إلى اصل اشارات امواج الجاذبية.

مشروع الفضاء ليسا LISA اي انتينا الفضاء التي تعمل بتداخل الليزر the Laser Interferometer Space Antenna حصل على دعم مالي من وكالة الفضاء ناسا حتى ٢٠١١ وتولت الان ادارته وكالات اروبية سوف يرسل مرصد لامواج الجاذبية في يعمل في الفضاء. وهذا سوف يفتح امامنا امكانيات جديدة لرصد امواج الجاذبية لفترات زمنية تدوم اطول وقد تصل إلى بضعة دقائق وحتى ساعات بدلا من رصدها على اجزاء من الثانية.

the Laser Interferometer Space Antenna
the Laser Interferometer Space Antenna
تصدر امواج الجاذبية المتوقعة من ثقبين اسودين يدوران حول بعضهما البعض مثل التي تم رصدها في ١٥ سبتمبر ٢٠١٥ وكذلك تصدر ايضا من الانظمة الثنائية التي تحتوي على اجسام ذات كثافة عالية مثل النجوم النيوترونية neutron stars. وفي النهاية فان امواج الجاذبية تختلف اختلافا جوهريا عن الاشاعات الكهرومغناطيسية المعروفة لنا بشكل جيد. لذا فانه لا احد يعرف ماذا يمكن ان نكتشف عن اسرار الكون في المستقبل.

 

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى