الروح من منظار علمي الجزء الثاني
لقد تطرقت سابقا في إحدى مقالاتي عن موضوع الروح وعلاقتها بالمعلومات، وأحببت اليوم ان أتطرق إليه بصورة أعمق، ولحسن الحظ قبل أسابيع قليلة حصلت والحمد لله على كتاب أسمه Minds and computer , Introduction to artificial intelligence طبعة 2007 وهو من جامعة أيدن بيرغ Edinburgh ، للمؤلف مات كارتر ، بريطاني الجنسية، تطرق السيد كارتر إلى موضوع الروح وعلاقتها بالجسد بدرجة ثارت اهتمامي وأحببت ان أضيف بعض من توجهاته في كتابي الذي انوي نشره في المستقبل القريب انشاء الله.انا قلت سابقا ان الروح هي حامل للمعلومات ولكن السيد كارتر من وجهة نظره يعتبرها الفكر بحد ذاته Minds أي انه يعتبر الروح والمعلومات هي كيان واحد وهذا أنا أخالفه تماما.
برأيي، الروح هي نموذج يحمل المتغيرات (المعلومات، البيانات أو المعرفة)، وان المعلومات هي من عالمنا الدنيوي وتخضع لقانون الفيزياء اما الروح فأنها لا تخضع لقانون الفيزياء وهذا دليلي على انفصالهما. ولكي اصف كيف ان الروح هي جزء مفصول عن المعلومات (وانا اكتب كلمة معلومات هي اختصار للدلالة على البيانات او المعلومات او المعرفة) وذلك أن الجسد وبالذات الدماغ هو وسيلة لتشفير المعلومات وبالتالي تستخدم هذه المعلومات المشفرة كحلقة وصل بين العالم الفيزيائي والعالم اللافيزيائي. وطبعا هذا سأثبته عمليا حين توفر الجهاز EEG المؤتمت أي مربوط بجهاز رقمي وهذا الجهاز يقوم بقراءة الموجات الدماغية و بسبب وضعنا بالعراق لم يتوفر الا الجهاز التقليدي والذي يُخرِج مخرجات على شكل مخططات مطبوعة على ورق وهذا لا يفيد توجهي بالوقت الحاضر.ربما العديد سمع سابقا بالعلاقة الديكارتية Cartesian Relationship،وهي علاقة بين مركبين او أكثر، وتتصف هذه العلاقة بوجود قانون مشترك يصف آلية المركب مع بقية المركبات.والآن لنعرف، أن الجسد والروح هما مركبين، يوجد هناك ثنائية ديكارتية بين الروح والجسد وهذه الثنائية تؤلف أربع علاقات.العلاقة الديكارتية الأولى: الجسد متركب داخل الروح.
العلاقة الديكارتية الثانية: الروح متركبة داخل الجسد.
العلاقة الديكارتية الثالثة: الجسد له تأثير سببي على الروح.
العلاقة الديكارتية الرابعة: الروح لها تأثير سببي على الجسد. طبعا هذه العلاقات واضحة وللمزيد أوضحها أكثر للقارئ ، العلاقة الأولى هو ان الجسد مبني داخل الروح، العلاقة الثانية هو ان الروح مبنية داخل الجسد، العلاقة الثالثة ان الجسد عندما يقوم بفعاليات (إعمال فيزيائية) فأن هذه الفعاليات ستصبح مسببات لحدوث فعاليات في الروح (إعمال لا فيزيائية) بمعنى أخر ان الجسد يقوم بعمل تؤثر سلبا أو إيجابا على الروح. اما العلاقة الرابعة فأنه عندما تروم روح شخص ما الى شيء من العالم الفيزيائي، لأن الروح ونتيجة ارتباطها مع الجسد ستوعز إلى الجسد (باستخدام المعلومات المحمولة) بالقيام فيزيائيا لتؤدي العمل المطلوب (وفي هذه الفقرة سأتطرق الى إثبات كلامي حول فصل الروح عن كيان المعلومات).السيد كارتر يؤكد بأن هناك فرضيات لا تدعم فرضية وجود عالم لا فيزيائي (أي عالم الروح).
فرضية الرفض الأولى: اعتمادا نظريات السيد ويليام، وهو فيلسوف وعالم منطق في القرن الرابع عشر، وان المقولة البارزة في نظرياته وهي انه يقول:“لا توسع وجودك الى ما وراء الأشياء الغير ضرورية”Don’t expand your ontology beyond necessityأي بمعنى واضح انه يرفض التفكير أصلاً بمناقشة وجود عالم بعد عالم الفيزياء أي لا وجود لعالم الميتافيزيقيا. وانا بصراحة، هذا الفيلسوف رغم مؤلفاته المتقنة، ولكن انا أجده كان يعيش في فترة تطرف ديني في غاية الخطورة ولشدة خوفه من التطرف الديني الذي كان يسود أجواء أوربا في حينها، كانت مجاميع ترفض وربما تصفي جسديا من يذكر هكذا مواضيع التي كانت ترفضها الكنائس في حينها، وكما كنا نذكر ماذا حل بالمسكين عندما قال ان الأرض كروية وهذا كان يخالف أهواء رجال الدين في الكنائس في حينها. وبذلك انا أعذر السيد ويليام لما قاله ولا اعتبر رأيه كنقطة رفض لفكرتي كما فعلها السيد كارتر.
فرضية الرفض الثانية: كما نعرف بأن العلوم وجميع تكنولوجيا العلوم تعتمد على فكرة الديناميكا الحرارية thermodynamics أي ان الفيزياء هي عالم مغلق بحيث لكل سبب فيزيائي هو نتيجة سبب فيزيائي اخر causal effects. وهذه الفكرة ترفض العلاقة الديكارتية الرابعة، حيث ان الروح لها تأثير مسبب على الجسد والروح هي عالم لا فيزيائي وأصبح تغيير لوضع الجسد (الكيان الفيزيائي) نتيجة تأثير الروح (الكيان اللافيزيائي) وهذا يخالف قانون الديناميكا الحرارية. أنا استغل الفرضية الثانية في إثبات وتأييد صحة فكرتي تماما حول انفصال الروح عن الفكر او المعلومات، أي ان الروح تبقى كما هي أي حامل للمعلومات والأفكار، الروح كيان لامادي تقوم بلبس المعلومات بشكلها القريب من الشكل الطيفي وتبقى هذه المعلومات والأفكار متشبثة بالكيان الروحي حتى بعد انفصالهما (انفصال الروح عن الجسد)، لأن كما نعرف بان الجسد هو عنصر بيولوجي تستخدمه الروح كوسيلة للتخاطب مع العالم الفيزيائي باستخدام الوسيلة الوسطية وهي المعلومات. وبذلك فأن قانون الديناميكا الحرارية بقي كما هو بدون ان يتجاوز عليه اي احد، الجسد أصبح يستلم التأثيرات من المعلومات المحمولة بالروح نفسها وليس من الروح بحد ذاتها.وفقاً لرأيي الديني فان الروح لها القابلية على حمل المعلومات الطيبة والمعلومات الخبيثة، وأن الروح في بداية ارتباطها بالكيان الفيزيائي (الجسد) الخلق الدنيوي فأن الروح تكون خالية تماما من المعلومات المتعلقة بتلك القوانين، وبذلك تكون الروح أسيرة تماما للجسد، كما نلاحظ الطفل عند الولادة ينساق وراء غرائزه الجسدية من دون استشارة المعلومات لأنه خالي من المعلومات، وعند استشعاره بالمحيط الفيزيائي،وأن رب العالمين سبحانه وتعالى أعطاه قانون سماوي مفصل وهو الدين ، وهو مخير في ان يقبل الشر أم الخير.ان الله سبحانه وتعالى يريد من البشر ان تكون أجسادهم تحت التصرف التام للروح وذلك وفق استنتاجات القوانين المحملة مع المعلومات ضمن الروح، لأن ما يميز روح البشر عن بقية المخلوقات هي قابلية الروح للحمل الفكر والمعلومات والاستنتاج أي روح تختلف تماما عن بقية أرواح الكائنات الأخرى وهذا ما وصفه اله تعالى بان عرض على كل المخلوقات حمل الأمانة ولكنهم أبو إلا الإنسان فان قبل بها. يا سبحان الله من ظلمنا واستبدادنا وعتينا واستكبارنا. وإنشاء الله أكمل في المقال التالي… هذا في حال وفقني الله سبحانه وتعالى.
أخوكم دكتور ضياء العزاوي