سؤال وجواب

كيف تمكن إراتوستينس من حساب محيط الارض منذ 240 سنة قبل الميلاد

كيف تمكن إراتوستينس من حساب محيط الارض منذ 240 سنة قبل الميلاد

الكثير من المعلومات التي نجدها على الانترنت تتعلق بالعلوم الحديثة ومن النادر احيانا ان نقرأ اشياء عن الماضي القديم. لقد كنا قبل عصر الانترنت نبحث عن المعلومات التي نريد في الكتب والمراجع المتوفرة في المكتبات وقبل الكتب كان نقل العلم يتم بشكل شفوي من شخص لاخر. وقد يخطر على بالنا سؤال كيف كان بالامكان لاي شخص ان يتوقع ويحسب محيط الارض بدقة بدون استخدام الكمبيوتر.

 

اعلانات جوجل

المشكلة

علم الفلك قديما كان مجال للدهشة والحيرة استخدم فيه علماء ذلك الوقت ادوات بسيطة للرصد والمراقبة ولم تكن تتوفر لديهم الاجهزة المعقدة والدقيقة. وحتى لو امتلكوا اجهزة تمكنهم من فهم الغاز الكون في ذلك الوقت فان الوسط والمجتمع والدين عارض افكارهم ورفض حساباتهم. ان فكرة كروية الارض عل ىسبيل المثال قد ذكرها الفيلسوف اليوناني فيثاغورس Pythagoras في القرن السادس قبل الميلاد الا انه سخر منه ولم يتبناها احد واستمر الاعتقاد بان الارض مسطحة! قدم ارسطو دليلا على الشكل الكروي للارض على اسس تجريبية في 330 قبل الميلاد لاحظ البطء الشديد في التطور والتقدم العلمي في ذلك الوقت.

ان المشكلة الكامنة في تحديد محيط الارض هو ان الامر لم يكن ذو اهمية اذا استمر الاعتقاد بان الارض مسطحة، ولكن تدريجيا بمجرد اقتنع الناس بكروية الارض احتاجوا ان يعرفوا بالضبط حجم الارض التي يعيشون عليها.

 

اعلانات جوجل

 

 

الرجل المناسب لهذه المهمة

Eratosthene.01إراتوستينس Eratosthenes الذي ولد في ليبيا في 276 قبل الميلاد وانتقل بعد ذلك إلى الاسكندرية ليصبح رئيسا لامناء مكتبة الاسكندرية معينا ً من قبل بطليموس الثالث، ويروى انه كان صديقا مقربا من ارخميدس. اشتهر إراتوستينس ببراعته في علم الرياضيات. كما انه اول من اسس علم الجغرافيا ورسم خريطة مفصلة للعالم بناءً على المعلومات التي توفرت لديه في تلك الحقبة. لقد كانت طريقته في تحديد حجم الارض تطبيق ذكي لهندسة بسيطة لمشكلة معقدة وصعبة جدا في ذلك الوقت. وبالرغم من قيامه ببعض الافتراضات الا ان حساباته اعطت قيم دقيقة. كما ان المدهش اكثر هو ان الحسابات التي قام بها لم تستغرق منه الكثير من الوقت.

 

اعلانات جوجل

الطريقة

علم ارسطو ان الشمس تكون عمودية على مدينة اسوان شمال مصر وذلك بعد قراءته في كتاب عن أن القضبان العمودية لمعبد في جنوب أسوان لا تلقي ظلالاً وذلك في ظهيرة يوم 21 يونيو وأن ظلال المعبد تقصر شيئاً فشيئاً كلما اقترب الوقت من منتصف النهار إلى أن تختفي نهائياً عند منتصف النهار. وكعالم دفعه شغفه للقيام بتجربة لمعرفة فيما إذا كانت القضبان العمودية في الإسكندرية تلقي ظلالاً في الوقت والتاريخ ذاته اي 21 يونيو، واكتشف أنها تلقي ظلالاً خلافاً لما هو عليه الأمر في أسوان.

وقد قادته هذه التجربة إلى استنتاج كروية الأرض، فلو كانت الأرض مسطحة فإن أشعة الشمس سوف تجعل الأعمدة في أسوان والإسكندرية تلقي الظلال ذاتها وإن اختلاف الظلال لا يمكن تفسيره إلا بكون الأرض محدبة بحيث تصنع أشعة الشمس زاوية مختلفة مع الأعمدة الموجودة في أسوان عن تلك الموجودة في الإسكندرية.

استنتج إراتوستينس ايضا أن الزاوية بين أسوان والإسكندرية مقدارها 7.2 درجة على امتداد سطح الأرض (أي إذا رسمنا خطاً مستقيماً من الإسكندرية إلى مركز الأرض وآخر من أسوان إلى مركز الأرض فإن الزاوية بين الخطين مقدارها 7.2 درجة) وهي تشكل نحو جزء من خمسين من محيط الأرض المساوي 360 درجة.

اعلانات جوجل

كيف تمكن إراتوستينس العالم المصري من حساب محيط الارض منذ 240 سنة قبل الميلاد

لقد قام إراتوستينس بقياس الزاوية بطريقة الهندسة البسيطة حيث قام بقياس طول عصا ووضعها عمودية على الارض في الاسكندرية. وقام بقياس الظل عندما كانت الشمس عمودية تماما على اسوان. ومن معرفة طول الظل وطول العصا الحقيقي حسب زاوية ميلان الشمس باستخدام قوانين المثلثات المعروفة.

كيف تمكن إراتوستينس من حساب محيط الارض منذ 240 سنة قبل الميلاد

كما عرف إيراتوستينس أن المسافة بين أسوان والإسكندرية مقدارها 800 كيلومتر بقيامه بتكليف رجلاً لمهمة قياس المسافة بالخطوات التي يمشيها بين المدينتين.


— اذا لدينا الان المسافة بين الاسكندرية واسوان وهي 800 كيلومتر. والزاويا بينهم بالنسبة لمركز الارض وهي 7.2 درجة.

— الزاوية الكلية للدائرة هي 360 درجة.

— المحيط الكلي للارض يكون مساويا لحاصل قسمة 360/7.2 مضروبا في المسافة بين المدينتين 800 كيلومتر.

ينتج من هذه الحسابات ان محيط الارض يبلغ 40,000 كيلو متر. والعلم الحديث اعطى قيم اكبر من تلك بمقدار 66 كيلومتر فقط اي بنسبة خطأ صغيرة جدا. وهذا بالفعل امرا مدهشا وانجازا ملحوظا قبل 2200 سنة.


لو فكرنا في سبب الاختلاف الطفيف في حسابات إيراتوستينس عن القيمة المعروفة حاليا لوجدنا ان الامر يرتبط بالافتراضات التي افترضها للتبسيط. افترض إيراتوستينس ان اشعة الشمس تصل المدينتين (اسوان والاسكندرية)  متوازية على اساس ان الشمس تقع بعيدا جدا عن الارض. المسافة بين اسوان والاسكندرية صغيرة جدا اذا ما قورنت بمحيط الارضـ وبالتالي يمكن التعامل مع هذه المسافة على انها مسطحة وهو في واقع الامر هي قوس في دائرة كبيرة.

من الجدير ذكره هنا ان البحار كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus درس حسابات إيراتوستينس حول حجم الارض ولكن بدلا من ان يصدق ما جاء فيها كان اكثر ميلا للاعتقاد بان محيط الارض اصغر بكثير من ذلك وذلك حسب توقعات الفلكي الايطالي توسكنيل Toscanelli الذي جاء بمحيط الارض اصغر بحوالي 33% مما ورد في حسابات إيراتوستينس. هذا شجع كورستوفر كولومبوس بان يقوم بالابحار ولو كان قد صدق حسابات إيراتوستينس لعرف ان الارض التي وصل لها هي العالم الجديد امريكا وليس اسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى