النظرية النسبية

النظرية النسبية 6: نسبية الزمن التأخير الزمني

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

وصف حدث في النسبية

قبل البدء في مناقشة النتائج المترتبة عن النظرية النسبية الخاصة، يجب ان نوضح بعض المفاهيم الاساسية لكيفية قيام شخص (سنطلق عليه مراقب) برصد حدث ما في الفراغ.

المراقب هو شخص يمتلك آلات علمية دقيقة ليقوم برصد الحدث. وتحديد ابعاده المكانية Δx وابعاده الزمنية Δt .

اعلانات جوجل

الحدث هو أي شيء تحت الدراسة من قبل المراقب وللحدث بداية ونهاية. مثل سقوط كرة الى الارض، فبداية الحدث هو بدأ سقوط الكرة ونهاية الحدث هو وصول الكرة إلى الأرض. 

محاور الاسناد وهي الاحداثيات المعروفة (x,y,z) التي تحدد موقع الحدث بالنسبة للمراقب، ولكل مراقب محاور اسناد خاصة به.

فمثلا وانت جالس في الغرفة الآن فإنك تستخدم احد اركان الغرفة لتجعلها محاور اسناد لك تستخدمها في وصف الاحداث وتحديد موقعها. اما اذا كنت في سيارة تسير بسرعة v فإن محاور اسنادك تكون ثابتة بالنسبة لحدث ما في السيارة لأن بداية الحدث ونهايته لم تغير من الأبعاد المكانية، أما بالنسبة لشخص خارج السيارة فإن الحدث داخل السيارة يعتبر متحرك بالنسبة له لأن بداية الحدث ونهايته كانتا في مكانين مختلفين بالنسبة لذلك المراقب.

  

اعلانات جوجل

 مثال 

لنخذ على سبيل المثال حدث يتمثل في انفجار قنبلة على مكان ما على سطح الأرض هذا الحدث له ابعاد مكانية وابعاد زمنية تحدد بواسطة المراقب الذي يقوم برصد ذلك الحدث.

لنفرض أن هنالك مراقبين كان احدهما ثابت والاخر متحرك بسرعة v بالنسبة للحدث.  كلا المراقبين يمتلك آلات دقيقة لا تخطئ لرصد الحدث وذلك لتحديد الابعاد المكانية والزمنية للحدث. 

المراقب الثابت قام برصد الابعاد المكانية والزمنية للحدث لتحديد بداية الحدث (انفجار القنبلة) وتحديد نهاية الحدث (نهاية الانفجار). وبما أن هذا المراقب كان ثابتاً بالنسبة للحدث فإنه يقيس التغير في الابعاد المكانية على انها صفر لأنه لم يتحرك خلال الحدث اما بالنسبة للابعاد الزمنية فإنه يقيسها على أنها  Δt وهي الفترة الزمنية التي استغرقها الحدث.

أما بالنسبة للمرااقب المتحرك فكانت احداثياته (ابعاده) المكانية بالنسبة للحدث متغيرة بمقدار ‘Δx وكذلك يقيس الابعاد الزمنية على انها ‘Δt.

اعلانات جوجل

 

في المثال السابق قام مراقبين برصد الحدث (انفجار القنبلة) وكانت النتيجة أن كل منهما حدد الفترة الزمنية للحدث.  فكانت للمراقب الثابت Δt  وللمراقب المتحرك ‘Δt وفي حياتنا العادية تكون الفترة الزمنية المقاسة للحدث متساوية لكافة المراقبين، ولا يكون هناك فرق بين قياسات زمن الحدث عند المراقب الثابت أو عند المراقب المتحرك.

ولكن هذا لا يتفق مع آينشتين ولا نظريته النسبية حيث أنه يثبت أن الزمنيين المقاسين بواسطة المراقب الثابت والمتحرك يختلف وأن المراقب المتحرك يقيس زمن الحدث أكبر من المراقب الثابت، ولذلك يعتبر المراقب الثابت ان ساعات المراقب المتحرك تؤخر ولهذا اطلق عليها آينشتين التأخير الزمني Time dilation.

 

اعلانات جوجل

 نسبية الزمن (التأخير الزمني)

لتوضيح المقصود بالتأخير الزمني نستخدم التجربة التي استخدمها آينشتين لتوضيح الفكرة حيث أعتبر وجود نبضة ضوئية تنطلق من ارضية قطار يتحرك بسرعة v إلى لتسقط على مرآة مثبتة في سقف القطار على ارتفاع d وتنعكس لتعود على أرضية القطار.

بداية الحدث هو انطلاق النبضة الضوئية من أرضية القطار.

نهاية الحدث هو عودة النبضة الضوئية إلى ارضية القطار بعد انعكاسها على سطح المرآة.

افترض وجود مراقبين أحدهما داخل القطار ‘O وهو الثابت بالنسبة للحدث والآخر خارج القطار O وهو المتحرك بالنسبة للحدث. 

  قياسات المراقب الثابت ‘O

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

المراقب ‘O سوف يقيس الزمن اللازم للحدث على أنه المسافة المقطوعة مقسوما على سرعة الضوء. لاحظ هنا ان المراقب ‘O ثابت بالنسبة للحدث وذلك الاحداثيات المكانية له لم تتغير بين بداية الحدث ونهايته كما هو موضح في الشكل المقابل.

المسافة المقطوعة هي ضعف ارتفاع السقف 2d وتكون الفترة الزمنية للحدث بالنسبة للمراقب ‘O على النحو التالي:

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي       (1)

 قياسات المراقب المتحرك O

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي 

المراقب O يجري قياساته ولكن هو متحرك بالنسبة للحدث (أو أن الحدث متحرك بالنسبة له) حيث أن بداية الحدث ونهايته تحدثان في مكانين مختلفين بالنسبة للمراقب O كما في الشكل. فخلال الفترة الزمنية التي استغرقها الحدث يكون القطار قد تحرك إلى اليمين مسافة vΔt. حيث Δt زمن الحدث الذي يقيسه المراقب O.  يوضح الشكل المقابل مسار النبضة الضوئية بالنسبة للمراقب O. وهنا يكون مسار النبضة الضوئية أضول من مسارها بالنسبة للمراقب ‘O.

 

من الفرضية الثانية للنظرية النسبية تكون سرعة النبضة الضوئية ثابتة بالنسبة للمراقبين وتساوي سرعة الضوء c.  وحيث أن المسار الذي يسلكه الضوء بالنسبة للمراقب O أطول من المسار للمراقب ‘O فإن الزمن الذي يقيسة O يكون أكبر من الزمن الذي يقيسه ‘O. 

 

 العلاقة الرياضية بين قياسات المراقب ‘O والمراقب O

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

لنعتبر أن الخط الأصفر يحدد مسار الضوء كما يرصده المراقب ‘O والخط الاسود المتقطع هو المسار الذي يرصده المراقب O.  من المثلث الأيسر يمكن تطبيق نظرية فيثاغورس على النحو التالي: 

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي 

حيث d هو ارتفاع سقف القطار. وبحل المعادلة لايجاد الفترة الزمنية Δt

 نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي          (2)

ومن المعادلة  (1)

     نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

نحصل على العلاقة الرياضية بين القياسات الزمنية لكل مراقب.

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي       (3)

γ = (1 – v2/c2)-1/2

 ملاحظات

(1) حيث أن السرعة التي يسير بها القطار لا يمكن ان تصل إلى سرعة الضوء لذا يكون المقدار جاما γ  اكبر من الواحد.

γ > 1  (جاما)

     ولهذا تكون القياسات الزمنية لمراقب O أكبر من ‘O.

Δ’t > Δt

(2) في حالة السرعات العادية مثل سرعة سيارة او سرعة طائرة أو سرعة صاروخ فإن هذه السرعة تعتبر صغيرة جداً بالمقارنة بسرعة الضوء أي v<<c وهذا يجعل المقام في المعادلة (3) يساوي 1 وتكون هنا القياسات لكلا المراقبين متساوية، بمعنى آخر أن التأخير الزمني لا يمكن قياسه إلا في حالة السرعات التي تقارن بسرعة الضوء.

(3) نستنتج أن في حالة السرعات الكبيرة تكون ساعات المراقب المتحرك بالنسبة للحدث تقيس زمن اطول من ساعات المراقب الثابت بالنسبة للحدث.

(4) سوف نعتبر الزمن الحقيقي proper time لحدث ما هو الزمن الذي يقيسه المراقب الثابت بالنسبة للحدث.

التأخير الزمني في ساعة المراقب المتحرك بالنسبة للحدث لها تأثير على العديد من الظواهر الطبيعية مثل زمن التفاعلات الكيميائية والبيولوجية، فعلى سبيل المثال نبضات قلب الانسان في مركبة فضائية تسير بسرعة كبيرة قد تصل إلى 60% من سرعة الضوء يقيس نبضات قلبه طبيعية، بينما لمراقب على الارض يقيس نبضات قلب الشخص في المركبة الفضائية أقل من معدلها الطبيعي وذلك نتيجة للتأخير الزمني وكلما زادت سرعة المركبة الفضائية كلما قل معدل نبضات قلب الرجل في المركبة الفضائية بالنسبة المراقب الأرضي.

 ظاهرة علمية لم تفسر إلا من خلال التأخير الزمني

التأخير الزمني ظاهرة حقيقية وتم اختبار صحتها من خلال العديد من التجارب العملية. ونستشهد هنا بالتجربة التي جرت على جسيمات أولية تدعى ميونز muons (الجسيمات الأولية مثل الألكترون والبروتون والنيوترون والكوارك وجسيمات بيتا).

الميون هو جسيم غير مستقر (يتحول إلى الكترون بعد فترة زمنية محددة) من الجسيات الأولية يحمل شحنة تساوي شحنة الألكترون وكتلته تعادل 207 كتلة الألكترون. تنتج هذه الميونات في طبقات الغلاف الجوي العليا نتيجة لامتصاص الغلاف الجوي الأشعة الكونية. هذه الميونات لها عمر يساوي 2.2 ميكروثانية كما قيست في المختبر، أي أن المراقب (العالم في المختبر) الذي حدد زمن بقاء هذه الجسيمات كان ثابت بالنسبة لتلك الجسيمات.

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

فإذا علمنا أن هذه الجسيمات تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء ومن عمر بقائها يمكن حساب المسافة التي يمكن ان تقطعها في الغلاف الجوي باتجاه الكرة الارضية.  وهذه المسافة تقدر بـ 600 متر وهذه المسافة قصير جدا بالنسبة لسمك الغلاف الجوي ولا يمكن بالتالي من أن تصل هذه الجسيمات إلى سطح الأرض.

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

المراصد الأرضية رصدت وجود هذه الميونات على سطح الأرض.. السؤال الآن كيف وصلت هذه الميونات إلى سطح الأرض وهذا يعني أنها قطعت مسافة 4800 متر مما يتعارض مع كون عمرها 2.2 ميكروثانية.

ظاهرة التأخير الزمني لديها الحل في تفسير وصول هذه الجسيمات لسطح الأرض حيث أن الجسيمات تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء أي 0.99c فإن زمن بقائها يكون أطول بالنسبة للمراقب على الأرض وبالتعويض في معادلة التأخير الزمني (معادلة 3) يكون عمر الميونات بالنسبة للمراقب على الأرض 16 ميكروثانية. وهذا يفسر وصول تلك الميونات إلى سطح الأرض.

 

تجارب أخرى جرت على الميونات في العام 1976 في مختبرات CERN بجنيفا وذلك بتعجيل ميونات منتجة في المختبر إلى سرعات تصل إلى 99% من سرعة الضوء وتم قياس عمر بقاء هذه الميونات قبل أن تتحول إلى الكترونات وكانت نتائج القياسات منطبقة تماماً مع معادلة التأخير الزمني.

 نسبية اللحظة

لاحظنا في الموضوع السابق أن الزمن نسبي ويعتمد على محاور اسناد المراقب بالنسبة للحدث كما وان المراقب المتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء بالنسبة للحدث يجد أن الزمن المقاس يتباطئ عنه بالنسبة للمراقب الثابت بالنسبة للحدث.  وهذا يعود إلى الفرضية الثانية للنظرية النسبية في ثبات سرعة الضوء في كافة الأتجاهات.  في الموضوع الحالي سوف نتعرض إلى موضوع جديد وهو نسبية اللحظة أو الآنية.. فكثيرأ ما نقول أن حدثين ما قد حدثا في نفس اللحظة وهذا لا يختلف عليه اثنان كان يرصدا هذين الحدثين. ولكن آينشتين من خلال نظريته النسبية يبين لنا أن ذلك نسبياً أيضأ فحدثين آنيين بالنسبة لمراقب (الفارق الزمني بينهما صفر) قد يكون غير ذلك بالنسبة لمراقب متحرك. ولتوضيح ذلك نأخذ المثال التالي:

مثال

لنفترض قطار طويل جدا يبلغ طوله (5400000 كيلومتر) يسير في خط مستقيم بسرعة منتظمة تبلغ (240000 كيلومتر في الثانية).  ولنفترض ان مصباحاً ضوئيا اوقد في منتصف القطار في اللحظة الزمنية التي تقابل فيها المراقب ‘O داخل القطار والمراقب O على الرصيف. ولنفترض أنه يوجد باب الكتروني في مقدمة القطار وباب آخر في مؤخرة القطار يفتحا تقائيا عند وصول النبضة الضوئية.  ما الذي سيراه كلا من المراقب ‘O داخل القطار والمراقب O خارج القطار.

بما أن الضوء ينتشر في الفراغ بسرعة ثابتة وهي 300000 كيلومتر في الثانية لكل المراقبين مهما بلغت سرعتهم بالنسبة لبعضهم البعض أو بالنسبة للضوء.

بداية الحدث انطلاق الضوء من المصباح المثبت في وسط القطار.

نهاية الحدث وصول الضوء إلى باب القطار الأمامي والخلفي.

 

 وصف ما يراه المراقب الثابت ‘O

حيث أن المراقب ‘O هو المراقب الثابت بالنسبة للحدث لأن مكانه لم يتغير بين بداية الحدث ونهايه، لذا فإنه سيرى أن الباب عند مقدمة العربة سيفتح في نفس الوقت الذي يفتح فيه الباب عند مؤخرة العربة أي ان البابين يفتحا في نفس اللحظة بالنسبة للمراقب ‘O. ويقيس الفترة الزمنية لوصول النبضة الضوئية للباب الأمامي بقسمة نصف طول القطار على سرعة الضوء فتكون النتيجة تسعة ثواني وكذلك الحالة للزمن المقاس للنبضة الضوئية لتصل إلى الباب الخلفي. وبهذا يرى المراقب ‘O أن البابين يفتحا معا بعد 9 ثواني.

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

 قياسات المراقب المتحرك O 

المراقب O يرى الحدث بطريقة مختلفة فالضوء ينتشر بالنسبة له بسرعة ثابتة (300000 كيلومتر في الثانية) ولكن الباب الخلفي يقترب من الضوء في حين الباب الأمامي يبتعد عنه بسرعة القطار (240000 كيلومتر في الثانية).  ولهذا يرى المراقب O أن الباب الخلفي يفتح أولاً ثم بعد فترة زمنية يفتح الباب الأمامي دلالة على أن الضوء وصله.  وبالتالي لا يكون حكمه على الحدث أنه في نفس اللحظة.

المراقب O يقيس الزمن اللازم لوصول النبضة الضوئية للباب الخلفي =

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

ويقيس الزمن اللازم لوصول النبضة الضوئية للباب الأمامي =

نسبية الزمان :: التأخير الزمني والانكماش الطولي

إذا فسيبدو للمراقب O على الرصيف أن بابي القطار لم يفتحا في نفس اللحظة.  ففي البداية سيفتح الباب الخلفي للقطار بعد زمن 5 ثواني من انطلاق النبضة الضوئية بينما الباب الأمامي فلن يفتح إلا بعد مضي (5-45 =40) 40 ثانية.

وبهذا فإن الحدثين المماثلين، أي فتح بابي القطار الامامي والخلفي لمراقب يكونا في آن واحد. أما لمراقب آخر فإنهما يبدوان منفصلين بفترة زمنية.

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى