مقالات في الفيزياء

النظرية النسبية العامة لاينشتين Einstein’s Theory of General Relativity

النظرية النسبية العامة لاينشتين

النظرية النسبية العامة لاينشتين

Einstein’s Theory of General Relativity

اعلانات جوجل

بعد وقت قصير من قيام أينشتين بنشر النظرية النسبية الخاصة في عام 1905، بدأ التفكير في كيفية دمج الجاذبية مع النسبية في إطار جديد. في عام 1907، بدأ في تجربة فكرية بسيطة تشمل مراقبة السقوط الحر واستمر البحث لمدة ثماني سنوات للوصول إلى نظرية نسبية للجاذبية. بعد العديد من الطرق الالتفافية والبدايات الخاطئة، بلغ عمله ذروته في نهاية العام 1915 حيث عرض في الأكاديمية البروسية للعلوم ما يعرف الآن باسم معادلات أينشتاين للمجال. هذه المعادلات تحدد تأثير هندسة المكان والزمن على أي مادة، وتشكل هذه المعادلات جوهر نظرية أينشتاين في النسبية العامة.

النظرية النسبية العامة لاينشتينالنظرية النسبية العامة هي نظرية وضعها العالم ألبرت أينشتاين نشرها عام 1916، وهي تعميم للنظرية النسبية الخاصة والتي غيرت مفهوم النسبية في قياس الكميات الفيزيائية ليصبح نظاما معتمدا على أربعة أبعاد يكون الزمن البعد الرابع فيها، وبالتالي لم يعد من الدقة بمكان الحديث عن الكميات الفيزيائية بإهمال البعد الزمني النسبي والذي تمثله السرعة. لقد أضافت النظرية النسبية العامة فكرة تحدب الفراغ بوجود المادة، وهو الأمر الذي يعني أن الخطوط المستقيمة تتشوه او تتحدب تحت تأثير الكتلة، وفد تم التحقق من النظرية النسبية العامة عندما تحقق تنبؤ أينشتاين بالتباعد الظاهري لنجمين في فترة كسوف الشمس وذلك يعود إلى تحدب مسار الضوء القادم من النجمين بسبب مرورهما بالقرب من الشمس ذات الكتلة الهائلة نسبيا وبالتالي انحرف خط سير الضوء القادم من النجمين.
تفسر لنا النظرية النسبية العامة الجاذبية بطرقة تختلف تماما عن تفسير نيوتن لها، حيث ان اينشتين من خلال نظريته النسبية العامة اعتبر الجاذبية على انها تشوه deformation في الزمان والمكان تحدثه الكتلة في جوارها، على هذا الأساس يمكننا تفسير دوران جسم حول الأرض بأنه سير للجسم بشكل مستقيم على الخط المحيطي “الجيوديزي” للزمان والمكان المحيط بالأرض، تماما كما يسير الانسان بشكل مستقيم على الارض على طول الخط الجيوديزي لها. وعلى هذا الاساس فان وجود المادة هو ما يحدد هندسة الزمان والمكان.
حتى هذه اللحظة نحن كنا نتجنب الإجابة المباشرة على اللغز الغريب وهو ان الكتلة تمتلك خاصيتين مختلفتين وهما: خاصية التجاذب بين الكتل وخاصية القصور التي تمثل مقاومة الجسم للتسارع. للتميز بين هاتين الخاصيتين سوف نستخدم الرمزين g وi لنكتب المعادلتين التاليتين:

Screen Shot 2015-06-25 at 3.49.00 AM

لماذا؟ تبدو الكتلة على انها تشتمل على مفهومين مختلفين وهما: قوة التجاذب التبادلية بين كتلتين وقوة المقاومة او الممانعة لكتلة متسارعة. هذا السؤال الذي حير نيوتن والكثير من الفيزيائيين الاخرين للعديد من السنوات قد تمت الإجابة عنه بواسطة اينشتين في العام 1916 عندما نشر نظريته في الجاذبية والتي تعرف بالنظرية النسبية العامة general theory of relativity. ولكون هذه النظرية تحتوي على الكثير من الرياضيات المعقدة فاننا سوف نقدم بعض التلميحات حول اناقتها وجمالها.
اننا 
نميز في الفيزياء بين محاور اسناد قصورية ومحاور اسناد غير قصورية، حيث يمكن لأي جسم أن يحافظ على حركته المنتظمة في محاور الاسناد القصورية ما لم يخضع لقوة ما أو يتأثر بجسم آخر ضمن نفس محاور الاسناد، في حين تكتسب الأجسام في محاور الاسناد غير القصورية تسارعا ناجما عن حركة النظم نفسه وتسارعه وليس نتيجة تأثير جسم داخلي ضمن النظام. تتم تفسير مقاومة هذا التسارع بقوى افتراضية ندعوها قوى القصور inertial forces.
في حالة الحركة المستقيمة للنظام القصوري او قوى قصورية طاردة في حالة الحركة الدورانية للنظام القصوري.هذه القوى تعتبر قوى افتراضية غير فيزيائية في الميكانيك الكلاسيكي النيوتني لكن في النسبية العامة ليس هناك مجالا لمثل هذا التمييز حسب مبدأ التكافؤ، ولتوضيح هذا الامر دعنا نضرب هذا المثال التخيلي الذي طرحه اينشتين لتفسير فكرته.
من وجهة نظر اينشتين فان السلوك المزدوج للكتلة كان دليلا قويا ورابطا أساسيا بين السلوكين. لقد بين انه لا توجد تجربة ميكانيكية (مثل سقوط جسم) يمكن ان تميز بين الحالتين الموضحتين في الشكلين 1 (a) و(b). في الشكل 1 (a) يقف شخص في مصعد على سطح كوكب ويشعر بانه مضغوطا ناحية الأرضية بسبب قوة الجاذبية. اذا ترك حقيبته الممسك بها فانه سيلاحظ انها تتحرك ناحية الأرضية بتسارع g=-gj. اما في الشكل 1 (b) يكون الان الشخص في المصعد ولكنه يتسارع إلى الأعلى في الفراغ بـ a=+gj. يشعر الشخص بانه مضغوطا في اتجاه الأرضية بنفس القوة التي في الشكل 1 (a). اذا قام بترك حقيبته الممسك بها بيده فانه سيلاحظ انها تتحرك نحو الأرضية بتسارع مقداره g، وهو يساوي تماما الحالة الأولى. في كل حالة فان الجسم الذي تركه المراقب يتعرض إلى تسارع مقداره g نحو الأسفل بالنسبة لأرضية المصعد. في الشكل 1 (a) يكون الشخص في حالة سكون في محور اسناد قصوري في مجال الجاذبية الأرضية الناتج عن الكوكب. في الشكل 1 (b) يكون الشخص في محور اسناد غير قصوري يتسارع في فراغ عديم الجاذبية. لقد ادعى اينشتين ان هاتين الحالتين متكافئتين تماما.

اعلانات جوجل

النظرية النسبية العامة لاينشتين
الشكل 1 (a) مراقب في حالة سكون في مصعد في مجال جذبي منتظم يعطى بـ g=-gj في اتجاه الأسفل. (b) المراقب في منطقة انعدام للجاذبية، لكن المصعد يتحرك للأعلى بتسارع a=+gj. طبقا لأينشتين فان محور الاسناد في (a) و(b) متكافئين في كل شيء. لا توجد تجربة يمكن ان تميز أي فرق بين محوري الاسناد. (c) يشاهد مراقب شعاع من الضوء في مصعد متسارع. (d) يتوقع اينشتين سلوك شعاع ضوئي في مجال جذبي.

اخذ اينشتين هذه الفكرة لمدى ابعد من ذلك وافترض انه لا توجد تجربة ميكانيكية او غيرها يمكن ان تميز بين هاتين الحالتين. هذا يشمل كل ظاهرة (ليس فقط الميكانيكية) لها نتائج مدهشة. على سبيل المثال افترض نبضة ضوئية انطلقت بشكل افقي عبر مصعد كما هو موضح في الشكل 1 (c)، بحيث ان المصعد كان يتسارع إلى الأعلى في الفراغ. من وجهة نظر المراقب في محور اسناد قصوري خارج المصعد فان الضوء سوف يتحرك في مسار مستقيم بينما تتسارع أرضية المصعد إلى الأعلى. اما طبقا لمراقب في المصعد فان المسار المقذوف للنبضة الضوئية سوف ينحني إلى الأسفل بالنسبة لارضية المصعد (والمراقب) التي تتسارع نحو الأعلى. لهذا فانه بالاعتماد على التساوي بين الجزئين (a) و(b) للشكل، افترض اينشتين ان شعاع الضوء يجب أيضا ان ينحني للاسفل بواسطة مجال الجاذبية كما هو موضح في الشكل 1 (d). وبالفعل أوضحت التجارب هذه الظاهرة وتحقق من هذا التأثير بالرغم من ان مقدار الانحناء كان صغيرا. لقد تم توجيه شعاع ليزر إلى الأفق ووجد انه ينحني عن مساره باقل من 1cm بعد ان يقطع مسافة مقدارها 6000 km. (لم يسبق لنيوتن ان توقع ان يكون هناك أي انحناء في نظريته للجاذبية).

فرضيتي اينشتين للنظرية النسبية العامة هما على النحو التالي:
كل قوانين الطبيعة لها نفس الشكل للمراقبين في أي محور اسناد سواء كانت متسارعة أو لا.
في جوار أي نقطة فان الجاذبية تكافئ أي محور اسناد متسارع في الفراغ عديم الجاذبية (مبدأ التكافؤ).

ان واحد من النتائج المبهرة التي تتوقعها النظرية النسبية العامة هو ان الزمن يتغير بالجاذبية. ان الساعة الموجودة في الجاذبية تعمل ابطأ من ساعة تعمل في انعدام الجاذبية. كما ان ترددات الاشعاع المنبعث من الذرات في وجود مجال جاذبية قوي ينزاح ناحية الأحمر لترددات اقل عندما يقارن مع نفس الانبعاث في وجود مجال ضعيف. لقد تم رصد هذا الانزياح ناحية الأحمر الجذبي في الخطوط الطيفية المنبعثة من النجوم الهائلة. كما انه قد تم التحقق أيضا من ذلك على الأرض بمقارنة ترددات اشعة جاما المنبعثة من انوية منفصلة عن بعضها البعض بمسافات رأسية تساوي 2m.
تقترح الفرضية الثانية ان المجال الجذبي يمكن ان يتحول عند أي نقطة اذا اخترنا محور اسناد متسارع مناسب، يسقط سقوطا حرا. لقد طور اينشتين طريقة مبتكرة لوصف التسارع اللازم لجعل مجال الجاذبية ينعدم. لقد حدد مفهوم تحدب المكان والزمان الذي يصف تأثير الجاذبية عند أي نقطة. في الواقع فان تحدب المكان والزمان قد استبدل بالكامل نظرية نيوتن للجاذبية. طبقا لاينشتين لا يوجد هناك أي شيء كالقوة الجاذبية. ان وجود الكتلة يتسبب في تحدب المكان والزمان بجوار الكتلة وهذا التحدب يفرضه مسار المكان والزمان الذي يتبعه كل الاجسام المتحركة بحرية.

General-Theory-of-Relativity-4

اعلانات جوجل

البقع الأربعة المضيئة هي عبارة عن صور لنفس المجرة التي قد انحرفت حول كتلة هائلة موضوعة بين المجرة والأرض. يعمل الجسم الهائل كعدسة تسبب في تركيز الاشعة المتباعة الصادرة عن المجرة وتجميعها على الأرض. جدير بالذكر انه اذا كان الجسم الهائل بين المجرة والارض له كتلة منتظمة التوزيع فاننا سوف نرصد حلقة دائرية بدلا من النقاط الأربعة.

كمثال على تأثيرات تحدب المكان والزمان تخيل مسافرين يتحركان على مسارين متوازيين يبعدان عن بعضهما البعض بضعة امتار على سطح الأرض ويحافظان على اتجاه الشمال على امتداد خطين من خطوط الطول. عندما يرصدان بعضهما البعض بالقرب من خط الاستواء فان كل واحد سوف يدعي ان مسارهما متوازيان تماما. ومع وصولهما الى القطب الشمالي فانهما يلاحظان انهما يتحركان بالقرب من بعضهما البعض ويتقابلان عند القطب الشمالي. لهذا فانهما يدعيان انهما يتحركان على مسارين متوازيين لكن يقتربان من بعضهما البعض، كما لو ان هناك قوة تجاذبية بينهما. يستنتج المسافرين هذه النتيجة بالاعتماد على خبرتهما اليومية للحركة على اسطح مستوية. من خلال هذا التمثيل التخيلي نستنتج انهما يتحركان على اسطح منحنية، وان الشكل الهندسي للاسطح المنحنية تسبب هذا التقارب وليست الجاذبية. بطريقة مشابهة فان النظرية النسبية العامة تستبدل دلالات القوى بحركة الاجسام خلال مكان وزمان منحني او محدب.

quote-when-forced-to-summarize-the-general-theory-of-relativity-in-one-sentence-time-and-space-and-albert-einstein-383106

واحدة من توقعات النظرية النسبية العامة هو ان اشعة الضوء عندما تمر بالقرب من الشمس يجب ان تنحرف في مكان وزمان منحني بسبب كتلة الشمس. لقد تم التحقق من هذا التوقع عندما رصد الفلكيون انحراف اشعة الضوء بجوار الشمس عندما حدث كسوف كلي للشمس والذي حدث مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى كما هو موضح في الشكل 2. عندما تم الإعلان عن هذا الاكتشاف اصبح اينشتين مشهورا عالميا.

اعلانات جوجل

النظرية النسبية العامة لاينشتين
الشكل 2 انحراف شعاع ضوئي مستقيم يمر بالقرب من الشمس. بسبب هذا التأثير فان الشمس او أي جسم اخر يمكن اعتباره عدسة جاذبية gravitational lens.

General-Theory-of-Relativity-5

اذا أصبح تركيز الكتلة كبيرا جدا كما هو متوقع عند استنزاف كل الوقود النووي لنجم هائل وينهار إلى حجم صغير جدا يعرف باسم الثقب الأسود black hole. فانه في هذه الحالة يكون تحدب المكان والزمان كبيرا جدا داخل مسافة محددة من مركز الثقب الأسود وعندها فان كل المادة والضوء ينحسر داخل الثقب الأسود.

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى