مقالات

القرن العشرون .. هل تبقى أحد يريد أن يكون عظيماً؟

في البداية هذا المقال لا يتناول حياة ومسيرة أي أحد من العظماء في القرن العشرين، بل أنا هنا لأتحدث عن مشكلة عظيمة بدأت في القرن الحالي، سنتانولها ونضعها تحت المجهر في هذا المقال.
ماذا لو سألت في البداية لماذا لم يعد هناك عظماء ؟ لماذا لم أحد يريد أن يكون اينتشتاين أو نيوتن أو جوبز أو جيفارا أو شرودنجر أو بلانك أو فايمنان أو بور أو عرفات أو ياسين أو المجيد أو كويلو أو ماسك أو خان أو تشرشل أو ستالين أو هتلر أو غاندي أو تسلا أو تشافيز أو كاسترو أو بيل أو كوري ؟
لماذا لم يعد أحد يريد الصعود على القمر أو السفر إلى المريخ أو اكتشاف شسمنا العزيزة أو اختراع شيء يفيد البشرية أو ابتكار نظرية تعيد نظرتنا لشيء ما أو تصحيح معتقد سائد أو إطلاق قمر صناعي بغرض مفيد أو إنشاء مستعمرة على المريخ أو اكتشاف الكواكب أو العمل في المختبر ليل نهار أو قراءة كتاب أو كتابة رواية أو لعب كرة قدم ممتعة أو اكتشاف علاج لمرض ما أو إشعال ثورة في بلد ما أو اكتشاف عنصر كيميائي جديد أو عقد اجتماع علمي أو خوض معركة من أجل نظرية ما أو التشكيك في المسلمات؟
جميع هذه الأسئلة هي محور المشكلة الأساسية، لماذا لم يعد هناك عظماء؟

العلم أصبح تجارة

اعلانات جوجل

منذ مائة عام لم يأتي رجل في العلوم يحدث ثورة علمية، منذ قدوم اينشتاين والنظرية النسبية، وحتى شرودنجر وجماعة الكم، من بعد وفاة اينشتاين .. والعلم كأنه انسان غرقت سفينته الخشبية ويتشبت في قطع من الخشب من بقايا السفينة الغارقة ينتظر النجدة من أحدهم، حتى لم يستطع الصمود أكثر أمام ضربات الموج (التكنولوجيا) وغرق العلم في بحر من الظلمات.
نظم تعليمية كانت من الأصل شحيحة لا يوجد فيها شيء مفيد، كل شيء عبارة عن مسلمات لا أحد يجرأ على المساس بها حتى جاء الشاب البرت اينشتاين، وتمرد على النظام التعليمي بأسره وجاء بالنظرية النسبية وغير الكثير من مسلمات نيوتن والفيزياء والعلم عموماً، وبعدها جاء جماعة النظرية الكمية وضربوا ضربتهم الأخيرة في العلم، ومن بعدها ماذا ؟ لا يوجد ثورة علمية حقيقة فعلية، والاسوأ من ذلك أن كل اكتشافاتنا العلمية مثل الثقب الأسود وأمواج الجاذبية وغيرها هي نتائج لنظرية عازف الكمان العجوز اينشتاين.
حتى أن كيب ثورن الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء، عمل 40 سنة على أمواج الجاذبية وفي النهاية نجح في رصدها مع فريقه البحثي، لماذا ؟ لأنه آمن منذ البداية بفكرة اينشتاين وأنه سيحصل على النتائج عاجلاً أم أجلاً.
أما في قرننا الحالي تغيرت قواعد اللعبة قليلاً، وبما أن النظام التعليمي متهالك أساساً منذ قرن، لكن ما تغير اليوم أن لا أحد يجرأ التمرد على هذا النظام، بحيث النظام التعليمي يقتصر على السمع والطاقة روبوتات بشرية لا أكثر ولا أقل، ومن يحاول الخروج من صف الروبوتات يعاقب ويهمش، لأنه خطر على المنظومة بأكملها.
وعند تخرجك من الجامعة كل ما يهم هو الاقتصاد، بحيث لا يهم جودة الأبحاث التي تنشر، المهم عدد الأبحاث .. كلها تدور في نفس المجال ولا تغيير حقيقي أو تقدم حقيقي.
ما يهم طالب العلوم في وقتنا الحالي التقدم في الدراسات العليا بأي بحث فأنه لا يهم جودة البحث من الأساس، ما يهم هو الحصول على شهادة الدراسات العليا والعمل في الجامعة مدرساً لبقية الحياة ونشر عدد كبير من الأبحاث غير مهم جودتها أو مضمونها، ما يهم هو العدد لا غير، لأن ذلك سيأتي بمنفعة اقتصادية للجامعة والباحث.
العلم تحول لوظيفة وليس إبداع، لأن الباحث الصغير والجديد ينشر الكثير من الأبحاث دون جدوى، ويستمر في البحث عن ممول لأبحاثه ووظفية في أحد المؤسسات أو الجامعات، وبذلك الباحث لم يقضي الوقت الكافي للعمل على أبحاثه وجنى ثمار البحث حتى قبل أن ينضج .. وبذلك من البديهي أن تقل جودة البحث، حتى ربما يكون مشابهاً لبحث أخر ولكن يسير في اتجاه أخر ولكن في النهاية البحثين يصبان في نفس النقطة ونفس النتائج.
إذاً النظام التعليمي والمدارس والجامعات والأبحاث تحولت من الإفادة للبشرية إلى التجارة بالعلم، ومع صعود الثورة التكنولوجية طغت التكنولوجيا على كل شيء حتى العلم نفسه رغم أنهما مرتبطين ارتباط وثيق، لكن التكنولوجيا عززت التجارة بالعلم، وطغت على العقول .. وأصبح الطالب يفضل العمل في مجال التكنولوجيا وليس العلم لأنه تجارة رابحة بكل تأكيد.
دعونا نعود لاينشتاين قليلاً، لاحق اينشتاين الضوء لمدة ثمان سنوات حتى ابتسمت له الحياة وفي عام 1905 ضرب ضربته، لتعلن الحياة ميلاد عظيم جديد في تاريخنا البشري، ما يميز الشاب اينشتاين الباحث الجديد عن الباحث الجديد في عصرنا الحالي هو الوقت، لأن الوقت كفيل بإخراج ورقة بحثية يسمع صداها في الشرق والغرب.
وهنا سنعيد صياغة السؤال بشكل أدق .. هل بقي أحد يريد أن يصبح اينشتاين ؟

الأدب غرق أيضاً

“اقرأ الكتب إذا أردت أن تعيش أكثر من حياة”.
سبيلك لعيش أكثر من حياة هو قراءة الكتب، والتنقل بين الحضارات والعقول على مدى تاريخنا البشري، فكل عقل مؤثر أخرج لنا على الأقل كتاب واحد أو ورقة بحثية واحدة.
الكتب سبيل للتعرف على تلك العقول العظيمة، وتناول خبراتهم، والكتب هي وسيلة البشرية منذ الأزل لنقل العلوم والمعارف من جيل لجيل، فلا أحد يمكنه إنكار ذلك، في القرون الماضية كان الكتاب هو ضرورة من ضروريات الحياة مثلها مثل الانترنت في وقتنا الحالي، لن تجد عظمياً واحد لا يقرأ، لن تجد أحد غير في حياة الناس لا يقرأ حتى لو كتاب واحد طوال حياته.
وهنا سأذكر قصة قصيرة عن الطفل إيلون ماسك الذي قرأ موسوعة كاملة في صغره، والتي أثرت عليه شخصياً وغيرت نظرته للعالم .. ولو تلك الموسوعة لم نرى صورايخ يعاد استخدامها ولا سيارات تسلا الكهربائية، فالكتاب هو خير صديق للإنسان لأنك ستتعلم كيف تفكر ولا تتنفس أوكسجين الكوكب بدون فائدة على البشرية والكوكب.
بعيداً عن الكتب العلمية هناك كتب أدبية، فالأدب هو الفن بحد ذاته، وللأدب أنواع كثيرة ولكن ما يهمني الان هو الرواية.
الرواية غرقت أيضاً في قرننا الحالي، أصبح الأدباء يكتبون من أجل جني الأرباح فلا يهم جودة الرواية المكتوبة ولا يهم إذا كانت أخلاقية أم لا .. المهم هو الشهرة والمال، وغير ذلك غير مهم.
كما قال الأديب الراحل أحمد خالد توفيق الكتابة هي علاج لاضطراباتي النفسية والعقلية، فأنا أعالج الخوف بالكتابة والأمراض بالكتابة، أكتب لأجل أنا أرتاح وأفيد الشباب، أكتب لأنقل لهم خبرتي في الحياة .. أكتب ليس لأجل الشهرة والمال، كما فعل باولو كويلو و ج.ك رولينج كانوا يكتبوا للخروج من معاناتهم وإفادة الآخرين بتجاربهم في الحياة.
هناك أمثلة كثيرة لهبوط الأدب عموماً سواء من ناحية الجودة أو الأخلاق، وأمثلة كثيرة لأدباء يكتبون بجودة كبيرة ولا يلقون شعبية .. وأدباء يكتبون الهراء وتجدهم على وشك الحصول على جائزة نوبل في الأدب والبوكر وغيرها من الجوائز.
غرق الأدب أيضاً ليواسي العلم في بحر الظلمات، ولنعيد صياغة السؤال مرة أخرى .. هل تبقى أحد يريد أن يكتب من أجل الإفادة ؟

الثورة غرقت أيضاً

اعلانات جوجل

لنقوم بعمل مقارنة بين الثورات في القرن العشرين والقرن الحالي.
في بلادنا العربية قامت العديد من الثورات أهمها الثورة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات وأحمد ياسين، فالأول اسمع صدى الثورة لأخر رجل في الكرة الأرضية حاملاً بندقيته في يده ومرتدياً كوفيته على رأسه، والاخر رجل مقعد غير مفهوم الإنسان العاجز لدى الناس، وثار ضد الاحتلال الصهيوني وأسس لحركة إسلامية قوية .. فعرفات بعد استشهاده تشتت الشعب الفلسطيني بأكلمه، وأصبح هناك الانقسام، وتخلت حركته عن مبادىء الثورة التي أسسها بنفسه وهمها الأول أصبح المال.
وياسين بعد استشهاده قاد حركته مجموعة من اللصوص إن صح التعبير همهم الأول هو المال أيضاً .. فالشعب بين هذه الجهة وهذه الجهة انقسم وضاعت القضية الفلسطينية بلا عودة ، فهل يأتي أحمد مثل ياسر عرفات وأحمد ياسين يعيد تجميع شتات الشعب الفلسطيني ؟
الثورة العراقية بقيادة المهيب صدام حسين المجيد، حكم العراق على مدى 30 عام وخاض الكثير من الحروب أهمها حرب إيران .. والتي استمرت لمدة ثمان سنوات، وانتصر فيها، وأعاد قوة العرب والمسلمين، وأسمع صدى انتصاره العالم بأسره .. ثم خاض حرب الخليج، واحتل الكويت .. وبعد كل هذا تآمر عليه العرب نفسهم (الذي أعاد لهم مجدهم) مع الاحتلال الأمريكي، وأعدموا المهيب .. وبعد استشهاده سقطت العراق أيضاً بأيدي إيران وقسمت وانهار العراق العظيم، ولم يأتي رئيس بعد صدام حسين يحكم كما حكم صدام، لذلك تباكى عليه العرب قبل العراقيين حتى.
الثورة المصرية وصعود جمال عبد الناصر إلى السلطة، رغم خوضه ثلاث حروب انتهت بهزيمته لكنه أعاد لمصر بعضاً من أمجادها، وبعد وفاته ومنظر جنازته المهيب وحب الناس له، تمنى المصريون أن يأتي زعيم مصري مثل جمال .. حتى جاء محمد مرسي الذي بقي سنة واحدة وأسقطه الجيش الذي اعتمد عليه بالأساس، واليوم لا أحد يعرف من يحكم مصر ولا أحد يعرف إلى أين تذهب مصر اقتصادياً، الواضح حتى الان أن مصر في انهيار تام من كل نواحي الحياة.
الثورة الكوبية .. ثورة تشي جيفارا وفيديل كاسترو، أتعلمون كيف لشاب أن يترك دراسة الطب في السنة الأخيرة، ويذهب للثورة ضد الطواغيت، إنه تشي جيفارا الذي أصبح أيقونة للثورة .. المنتصر للفقراء في جميع أنحاء العالم، لماذا الثورة الكوبية نجحت؟ لأن من حكم بعد رحيل جيفارا هو رفيق الدرب كاسترو الذي حاولت أمريكا اغتياله بألف طريقة وجميعها فشلت .. أتعلمون معنى أن يتنازل إنسان عن وزارة المالية، ويقول أنا مكاني بين الفقراء .. بين الثوار.
الثورة الجنوب أفريقيا والهندية .. بقيادة نيلسون مانديلا وغاندي، الأول سجن لمدة عشرون عام من أجل فكرة وحققها وحرر شعبه من العبودية، وأعاد جنوب أقريقيا إلى الخريطة العالمية، وغاندي قام بثورة الملح وأعاد الهند لمكانتها بين الأمم.
وسنعيد أيضاً صياغة السؤال .. هل تبقى أحد يريد أن يقوم بثورة من أجل شعبه ؟

القرن الحادي والعشرين

أعتذر لأني أطلت كثيراً في هذا المقال، ربما هناك جوانب أخرى أريد الحديث عنها لكنها كلها تصب في نفس النقطة لا أحد يريد التغيير .. حتى في كرة القدم كانت أمتع في الزمن الماضي، أما الان أصبحت لعبة اقتصاد وليست كرة قدم.
القرن الحادي والعشرين .. القرن الذي تغيرت فيه قواعد اللعبة فالمال هو الذي يحكم والبشر عبارة عن روبوتات، الكل يتصارع من أجل الحصول على وظيفة ولا أحد يريد التغيير .. التكنولوجيا قتلت المجتمع العلمي .. أصبح العالم مخيفاً ومرعباً لأن هناك مجموعة من الذين يمتلكون المال يديرون العالم من شرقه لغربه ولا أحد يأبه لشيء.
فيبقى السؤال هل تبقى أحد يريد أن يكون عظيماً ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى