مقالاتمواضيع العدد ١٠

الفاصل بين الغريب والمألوف

الفاصل بين الغريب والمألوف

قد تندهش لو أُخبرت أن أحدهم تنبأ بالصعود على القمر قبل حدوث ذلك فعليا بعشرات السنين ،قد تملؤك الحيرة لو علمت ان الأخر قد وضع رسومات للطائرة الهليكوبتر والمدافع قبل اختراعها بمئات السنين. قد تتساءل ما بال هؤلاء القوم؟! وكيف يستطيعون فعل هذا!؟ كيف يفكرون في هذا قبل حدوثة…والإجابة سهلة……أسهل مما تتخيل.

هل صادفت في يوم – أو بالأحرى صادفتك –  فكرة غريبة غير مألوفة بعيدة عن الواقع بعد السماء عن الأرض؟! هل جال ببالك خاطرة قد يحتقرك الناس لو سمعوا ان عقلت سمح لك بالتفكير فيها؟ بالتأكيد ستكون إجابتك نعم فالإنسان دائم الحلم.. وهناك في حياة كل واحد منا لحظات يخرج بها عن واقعه وحياته المليئة بالمشكلات والالتزامات ليهيم في ملكوت السماوات وبحار الأرض بعقله، يركب سفينة خياله ويذهب للقمر ومن ثم إلى الشمس ثم يعود ليغوص داخل جسده ويتجول في أحشاءه… يتخيل ماذا يحدث في داخله من تفاعلات وموت للخلايا وولادة أخرى…. يحاول فهم ظاهرة ما حيرت العلماء….. أو يتنبأ بما سيكون عليه المستقبل.

اعلانات جوجل

وليس بالضرورة أن يكون هذا هو تفكير كل شخص، فكل منا له صحاري فكره التي يتجول فيها كما يبغي… لا يحد خياله حد.. فهو خيال ….مجرد خيال. ولكن سرعان ما يعود الإنسان لواقعه ويصطدم بمشكلات حياته التي تدفن كل هذه الأفكار وليس هذا فحسب بل يساعدها- أي المشكلات- الشخص نفسه في دفن تلك الأفكار بل ويحتقر عقله الذي أوصله لهذه الدرجة من الخيالية والبعد عن الواقع والحياة…. هذا هو الفرق بين المبدعين والخاملين…. العباقرة ومحتقري الذات.

يقول دكتور مصطفى محمود في كتاب لغز الموت: “العرف والتقاليد والأفكار الجاهزة تطمس الأشياء المبتكرة فينا وتطمس الذات العميقة التي تحتوي على سرنا وحقيقتنا، ونمضي في زحام الناس وقد لبسنا لهم نفسا مستعارة من العادات والتقاليد لتعجبهم”.

فهناك بعض المجتمعات تتمسك بالأفكار التقليدية والموروثة حتى بالنسبة للآراء العلمية – وإن خفت حدة هذا التشبث في عصرنا الحالي بسبب انتشار التعليم بشكل ملاحظ في العالم ولأن العلم يثبت في كل يوم من الأيام عدم صحة ثبوت المبادئ والمتوارثات العلمية منها خاصة- ما يثني الشخص عن أي محاولة لتطبيق أو على الأقل اعتناق فكرة تخالف المألوف، فهذا جاليليو قد حوكم بسبب قوله أن الأرض هي التي تدور حول الشمس والذي يتناقض مع رأي الكنيسة في ذلك الوقت، (ذكرها الكاتب أنيس منصور في كتابه أعجب الرحلات في التاريخ) وها هو أحد رجال الدين – عند اختراع القطار عام 1830- يقول “إن هذا القطار ضد الدين …. الناس قد أصابهم الغرور…. لأن القطار لم يرد في الكتاب المقدس ومعنى ذلك أن الإنسان يعرف أكثر مما يعرفه الأنبياء”. فليس معني أن فكرتي ليست مألوفة أن تكون مستحيلة التحقق، فهناك مئات بل لا أبالغ إن قلت الأف الأفكار التي كانت مستحيلة- في نظر المجتمع والعرف والمألوف- والتي بعد ذلك غيرت وجه العلم تغييرا جذريا وألغت العديد من المفاهيم الفيزيائية والرياضية والتي كانت بمثابة الثوابت التي لا يمكن الخوض أو مجرد التفكير في الخوض فيها.

فها هو أينشتين بنظريته النسبية التي قلبت القوانين الفيزيائية رأسا على عقب وأثبتت خطأ الكثير منها ، فهنالك بعض النتائج التي أفرزتها النسبية لم يستسيغها- أو لم تسمح لهم عقولهم باستساغتها- العلماء والأشخاص العاديين حتى وقتنا هذا فمثلا هناك مبدأ تباطؤ الزمن ففي النسبية يتباطأ الزمن كلما اقترب الفرق في السرعات بين الأجسام إلى سرعة الضوء حتى إذا وصل إلى سرعة الضوء فإنه يتوقف تماما ، فلو افترضنا أن هناك توأمان كانا في سن العشرين انطلق أحدهما إلى كوكب ما بسرعة قريبة من سرعة الضوء ، فعندما يصل إلى الكوكب ويعود مرة أخرى للأرض فإن عمره مثلا سيكون 33 سنة بينما سيجد أن توأمه قد أصبح عمره 60 سنة (هذا الفارق في العمر يعتمد على مدى قرب هذه المركبة من سرعة الضوء).!… اسأل نفسك…هل تصدق هذا الكلام أو بمعنى اخر “هذا الهذيان”؟

اعلانات جوجل

ببساطة…إذا لم تصدق – وأنا أعذرك- فهذا هو قيد العادات والأفكار والقوالب الجاهزة للتفكير والاستنباط ..ستتساءل ..كيف يمكن لهذا أن يحدث ؟!ما هذه الهراءات؟!….. ولكن المفاجأة أن هذا الكلام صحيح مائة في المائة بل قد أثبت بالمعادلات الرياضية والبراهين التي لا يتسع المقام لذكرها.

هنا يكمن لب الموضوع …هنا المفارقة….هل تعرف كيف بدأت هذه النظرية في عقل أينشتين؟.. كان أينشتين يركب قطارا يمر من أمام برج به ساعة عندما انطلق القطار نظر أينشتين إلى الساعة وقال لنفسه ماذا لو تحرك القطار بسرعة الضوء . ببساطة ستبدو الساعة كأنها واقفة لان شعاع الضوء الذي ينقل الصورة عندما سيسقط على الساعة وينعكس على عينه سيكون القطار   قد تحرك مسافة لن يستطيع الشعاع أن يلحق به وستظل صورة الساعة ثابتة بالنسبة له…. بهذه الفكرة البسيطة ولدت نظرية قلبت مفاهيم الفيزياء.

سئل أينشتين عن سر عبقريته فقال إنه يطرح الأسئلة التي يطرحها الأطفال فقط… كيف لو تسابقنا مع الضوء مثلا؟ تحرر أينشتين من قيد المألوف وحاول الوصول لما لم يصل إليه من سبقه فبفضل فكرة طفولية وأتته في لحظة تجلي وصل إلى مرتبه من العلم قلما يصل إليها عالم.. مثله مثل نيوتن الذي لم يأكل التفاحة التي سقطت عليه بل سئل نفسه لماذا تسقط لأسفل ولا تذهب لأعلى….ومنها اكتشف الجاذبية الأرضية؟!

الخلاصة هنا أن الفرق بينك وبين أينشتين – إلى جانب الموهبة الفطرية –  هو عدم التقيد بقالب معين ملزم من الفكر يجبرنا على دفن أفكارنا بحجة أن المجتمع لن يقبلها كونها فكرة غير مألوفة أو مجنونة أو غير قابلة للمثول على أرض الواقع. من هنا جاءت حتمية تحرر الأفكار من هذه القيود لنستطيع مواكبة العالم من حولنا ومجابهة أعدائنا بهذا السلاح الذي لابد له من ذخيرة…العلم. فاكسر قيود أفكارك وحطم أغلال خواطرك. أطلق أفكارك في عنان السماء وبواطن الأرض… فتش في مكنونات عقلك…..ابتكر وجرب واخطأ …

اعلانات جوجل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى