قصة نجاحمقالاتمواضيع العدد ٢٣

أن تكون عظيماً – الجزء الثاني

أن تكون عظيماً - الجزء الثاني

عدنا من جديد في الجزء الثاني من أن تكون عظيماً، سلسلة المقالات التي نسرد فيها سيرة عظماء مروا على البشرية وتركوا أثراً لا يمكن نسيانه، في مقالنا السابق تحدثنا عن سيدنا محمد أعظم إنسان وطأت قدماه الأرض، والذي لا يمكن أن أمر على سيرة العظماء دون ذكر أعظمهم والصلاة عليه، فمهما بلغ الإنسان من العظمة فهم أقل عظمة وشأناً ومنزلة من رسولنا العظيم (ص).

في هذا المقال سنتحدث عن عظماء صالوا وجالوا وحققوا إنجازات لا بأس بها، وأصبحوا أيقونات في بلادهم، فجميعهم بلا استثناء ضحوا من أجل ما يريدونه وفي النهاية حصدوا ما زرعوه، ودخلوا التاريخ الإنساني من أوسع أبوابه.

اعلانات جوجل

دعونا الان نرتحل إلى حياة كل شخص منهم، ونرى كم ضحوا من أجل أن يصنعوا أنفسهم ليتذكرهم العالم أجمع بعد رحليهم.

محمد علي .. البطل والإنسان

“أنا أكره كل لحظة في التدريبات، لكن أقول لنفسي كل مرة عاني الآن وعش بطلاً بقية حياتك”

أسطورة الملاكمة محمد علي أو كما يحب البعض وصفه بأعظم من أرتدى قفازات الملاكمة.

اعلانات جوجل

ولد محمد علي في ولاية كنتاكي في أمريكا باسم كاسيوس ماركوس كلاي، وقام بتغيير اسمه بعد إسلامه إلى محمد علي، في أحد الأيام ذهب محمد علي على متن دراجته لحضور مسابقة للكلاب وبعد انتهاء العرض تفاجأ بأن داراجته سرقت، فذهب صاحب ال 12 عاماً إلى مركز الشرطة وقال للشرطي “سأنهال على من سرق دراجتي بالضرب المبرح”، فرد الشرطي “ولكن عليك أن تتعلم القتال” .. ومن هنا بدأت حكاية محمد علي مع الملاكمة، وبدأ بالتدريب تحت قيادة الشرطي نفسه الذي كان مدرباً للملاكمة.

محمد علي خاض 61 نزال، انتصر في 56، و37 منهم كانوا بالضربة القاضية المعروفة لدى محمد علي، حصد الميدالية الذهبية الأولمبية و3 مرات بطل للعالم في الوزن الثقيل، أرقام مرعبة لإنسان اكتشف موهبته منذ الصغر وقرر المضي قدماً في طريقاً كان مجهولاً في البداية، ذلك الطريق الذي لم يكن خالياً من العقبات والهزائم، فقد خسر محمد علي نزال القرن أمام جو فريزر ومنحه القدر نزال أخر للثأر من فريزر، وبالفعل انتصر محمد علي، ولا ننسى حرمانه من اللعب 3 سنوات بعد رفضه الالتحاق في حرب فيتنام مع الجيش الأمريكي.

أما عن إسلامه .. فقد دافع بكل ما يملك عن الإسلام والمسلمين، ودافع عن حقوق السود من العنصرية في ذلك الوقت.

فهناك من أحبه وهناك من كرهه بسبب دينه وأراءه السياسية، لكن اتفقوا جميعاً على أنه أعظم من ارتدى قفازات الملاكمة، وكُرم أكثر من مرة ونال شرف إشعال شعلة الأولمبياد.

رحل عن الدنيا عام 2016 بعد صراع مع المرض دام 30 عاماً، وعندما سُأل عن المرض قال إنه إبتلاء من الله، وأنا راضي وصبور.

اعلانات جوجل

“إن لم تتشجع على خوض المخاطرة في حياتك، فإنك لن تحقق شيء”

الملك بيليه .. ملك كرة القدم

في البرازيل .. كرة القدم ديانة وليست كأي لعبة، الشعب البرازيلي يتنفس كرة قدم، فليس من الغريب أن تجد لاعباً أصبح بطلاً قومياً في البرازيل، ومن هنا نحط الرحال عند أعظم من لمست قدماه كرة القدم .. إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو (الملك بيليه كما هو معروف).

ولد بيليه لأسرى معدومة تماماً ولم يجد شيئاً ليقضي وقته سوى لعب كرة القدم مع أصدقائه في الشارع حافي القدمين.

اعلانات جوجل

وكأي برازيلي فإنا جينات السامبا مزروعة داخل عروقه، أسلوب الجينجا الذي أتبعه كل لاعبين البرازيل من قبل وفشلوا بتحقيق أي شيء لبلادهم من خلاله.

اكتشفت موهبة بيليه من خلال كشاف لنادي سانتوس كان يبحث عن المواهب البرازيلية في قرى البرازيل الفقيرة، فشاهد بيليه وهو يلعب فأعجب به، وقام بضمه لنادي سانتوس.

موعده مع القدر كان عندما استدعى للمنتخب البرازيلي وهو في عمر 17 عاماً (أصغر من يشارك في كأس العالم)، بسبب  إصابة جميع مهاجمين المنتخب البرازيلي .. فوجد صاحب ال 17 عاماً نفسه يحمل أمال شعب بأسره على كتفيه، سجل بيليه في تلك النسخة وحصد النجمة الأولى للبرازيل، وعاد محملاً على الأكتاف بطلاً لكأس العالم، ليكتب اسمه في تاريخ البرازيل.

بيليه حقق كل ما يمكن تحقيقه في عالم كرة القدم، فهو أول لاعب في التاريخ يحصد كأس العالم 3 مرات، وسجل أكثر من 1000 هدف (أي ميسي ورونالدو مجتمعين)، وبعد الاعتزال أصبح سفيراً للبلاد.

بيليه ما وصل إليه لم يكن مصادفتاً بل كانت نتيجة الجهد الذي بذله في التدريب، والإنسان الذي يعرف ما يريد حتماً سيصل، بيليه لم يحصل على الكرة الذهبية والسبب أنذاك أن الكرة الذهبية لا تعطى للاعبين خارج أوروبا، ولكن في عام 2013 كرمه رئيس الفيفا بلاتر، وقدم له الكرة الذهبية وقال إنها تعادل 7 كرات ذهبية.

أطلق عليه محبي كرة القدم لقب الملك بيليه لما حققه من إنجازات على الصعيد الكروي، فالسؤال هو نفسه ماذا لو أن بيليه لم يقرر استثمار موهبته ؟ ماذا كان حل في المنتخب والشعب البرازيلي ؟

إسحاق نيوتن .. بداية علم الفيزياء

دعونا نعود قليلاً بالزمن .. تحديداً إلى القرن السادس عشر، إلى ذلك الزمن الذي ولد فيه إسحاق نيوتن الفقير والمعدم، كان كل ما يملكه في حياته هو حبه وعشقه للفيزياء.

أسس نيوتن علم التفاضل والتكامل، ووضع قوانين الحركة الثلاثة، واكتشف الجاذبية، وكان قد كتب أعظم كتاب في تاريخ العلم ألا وهو الأصول الرياضية للفسلفة الطبيعية والذي كان اللبنة الأساسية للفيزياء والرياضيات.

كان نيوتن مستشفى من الأمراض النفسية، لم يتزوج أبداً، وكان رجل دين وعلم، حتى أنه كتب في الدين أكثر مما كتبه في العلم.

بالمقارنة بين فترتنا الحالية (فترة كورونا)، وفترة نيوتن الذهبية سنجد تشابه كبير، وذلك يعود لانتشار الطاعون في ذلك الوقت، مما أدى إلى ترك نيوتن لكامبريدج والدخول إلى حجر صحي حقيقي بعد هروبه إلى مزرعة عائلته .. في المزرعة اكتشف نيوتن الجاذبية .. في المزرعة استكمل نيوتن عمله على معادلات ديكارت .. في المزرعة اخترع نيوتن التفاضل والتكامل .. في المزرعة اكتشف نيوتن قانون الجذب العام !!!

فماذا كان سوف يحصل لو ترك نيوتن عمله على أبحاثه وجلس مستريحاً في المزرعة مثل ما يفعل أغلبنا في فترة الحجر الصحي ؟

روبرت هوك ونيوتن، هم من اكتشفوا الجاذبية بالأساس وليس نيوتن وحده، لكن الفرق بين هذا وهذا .. هوك لم يجتهد ويتعب ويبحث عن الجاذبية وأكتفى بالقول أن هناك جاذبية، أما على النقيض تماماً نيوتن قال أن هناك جاذبية وعمل وبحث واجتهد وأنتج لنا قوانينه المشهورة والمعرفة .. فبين هذا وهذا الأول همشه التاريخ لأنه تراخى .. أما التاني ذكره التاريخ لأنه استمر.

بالرغم عن كل ما حصل لنيوتن وجنونه ومشاكله ومرضه النفسي الذي أفقده الشعور بالحياة .. إلا أنه غير وجه العلم .. بل كانت نظرياته اللبنة الأساسية لبزوغ فجر الفيزياء.

فماذا كان سيحصل لو لم يفعل نيوتن ما فعله؟

تشي جيفارا .. أو الدراجة النارية

“أنا لا أريد أشياء عظيمة في الحياة .. أنا أريد أشياء تجعل الحياة عظيمة”

تخيل عزيزي القارىء أن رحلة بالدراجة النارية كانت كفيلة بتغيير وجه أمريكا الجانوبية بالكامل، نعم هذا صحيح تماماً إنها دراجة تشي جيفارا الثوري الأممي .. الذي أصبح أيقونة للثورة في العالم، فأصبحت صورته الشهيرة أيقونة للنضال والتحرر من الاستبداد والطغيان.

رحلة جيفارا القصيرة في الحياة، كان كفيلة بتغيير وجه أمريكا الجنوبية للأبد وكانت سبباً في تحرر الكثير من الشعوب من الطغيان والاستبداد، بدأت هذه الرحلة عند الشاب تشي طالب الطب في السنة الأخيرة، في هذه السنة قرر تشي ركوب دراجته النارية والقيام برحلة طويلة عابراً حدود البلدان منتلقاً من بلده الأم الأرجنتين وزار معظم بلاد أمريكيا اللاتينية.

ومن هنا تغير مسار الشاب الصغير بعد رؤية كمية الظلم والاستبداد والمعاناة والفقر في هذه البلدان، فقرر ترك الطب نهائياً، وخوض تجربة جديدة في حياته ألا وهي الدفاع عن الفقراء والمستضعفين في البلدان المعدومة.

بعدها التقى بالأخوين كاسترو (فيديل وراؤول) وكانت الشرارة الأولى في الثورة التي اشتعلت في كوبا ضد حكم باتييستا التابع للولايات المتحدة الأمريكية، وانتقلت شرارتها إلى البدان المجاورة وأهمها فينزويلا التي قاد ثورتها شاب آخر يدعى هوغو تشافيز.

بعد إسقاط حكم باتيستا، حكم فيديل كاسترو البلاد وقام بتعيين جيفارا وزيراً للمالية، لكن بعد أسبوع بعت تشي رسالة إلى رفيق دربه كاسترو وكان مفادها .. عزيزي فيديل ابعت رسالتي هذه لأقدم استقالتي لأن تشي مكانه ليس في السلطة بل بين الفقراء يدافع عنهم.

“ما يؤلم الإنسان أن يموت على يد من يدافع عنهم” –  تشي جيفارا

ترك جيفارا السلطة وحارب في عدة بلدان ولكن المقاتلين خذلوه جميعاً، فصعب جداً أن تحارب من أجل شعب لا يريد أن يتحرر، حتى جاء الدور على بوليفيا والتي قام الثوار نفسهم بتسليمه للقوات الأمريكية، والمشكلة الأكبر أن من أطلق النار على جيفارا هو عسكري بوليفي !!

بالرغم من الخيانة الأخيرة لتشي جيفارا، لكن أصبح أيقونة للثوار في جميع أنحاء العالم، وكذلك صورته الشهيرة تجدها في كل مكان كان يعاني من الاستبداد والظلم أو ما زال يعاني .. تشي أصبح صرخة في وجه الظلم، فماذا كان سوف يحصل لو لم يقود تشي تلك الداراجة النارية ؟ هل أصبح عظيماً ورمزاً للثوار في جميع أنحاء الأرض ؟

غابريل غارسيا ماركيز .. ما يهم هو الخيال

“أحبك لا لذاتك بل لما أكون عليه عندما أكون بقربك”

الكاتب الذي أرسل برقية للعالم أجمع قال فيها نحن هنا على الخريطة الأدبية للعالم، لن تنسونا أبداً بعد قرائتكم لما نكتب .. هكذا كان الحال الأدبي في أمريكيا اللاتينية غير معروف ولا يقرأ عالمياً، حتى جاء ماركيز وقال للعالم ها نحن هنا.

ما يميز أدب ماركيز عن غيره من الأدباء، هو المزيج الرائع بين الواقع والخيال .. فتجده يستمد خيوط رواياته من الواقع ثم يمزجها بخيوط أخرى من مخيلته، فينتج لنا مزيج رائع من الأدب، صنف فيما بعد وسمي بأدب “الواقعية السحرية”، وكان مؤلفه وبطله هو ماركيز.

الحب في زمن الكوليرا .. رواية استمد حكايتها من حكاية والديه ومعاناتهم، فكتب عن شابين أحبا بعضهم مثل والديه واستكمل الحكاية من تأليفه، واضعاً الأحداث والنهايات التي تخيلها في عقله.

مائة عام من العزلة .. الرواية التي ضحت زوجة ماركيز بخاتم زواجهما من أجل شراء الآلة الكاتبة، وكان رهانها على زوجها ماركيز في محله، بحيث اعتزل ماركيز العالم 18 شهر، وأصدر الراوية .. تخيل أن ماركيز وزجته ضحوا بكل شيء يمكلونه من أجل كتابة رواية من خيال ماركيز وفي النهاية كانت المكافئة .. شهرة منقطعة النظير .. تغيير الأدب اللاتيني للأبد .. والأهم من هذا كله نوبل في الأدب.

لم يكن ماركيز في عزلة عن العالم، لكن عند سؤاله عن سبب العزلة لمدة 18 شهر، قال كنت أخاف أن أفقد بعض خيوط الرواية التي تخيلتها في عقلي وكانت النتيجة نوبل !!

في خطابه عند حصوله على جائزة نوبل قال “العزلة هي ما يحصل عليه الإنسان عندما يحاول تفسير واقعه ونمط حياته”.

“لقد فقدت كولمبيا أعظم كولمبي في التاريخ” – الرئيس الكولمبي في جنازة ماركيز

فالسؤال الذي يطرح نفسه .. ماذا كان حصل لو يضحوا الزوجان ماركيز بكل ما يمكلون من أجل رواية من خيال الزوج ؟ هل كنا سنعرف أدب الواقعية السحرية ؟ هل كان سيتغير تاريخ أمريكا اللاتينية للأبد ؟

العمل ثم العمل ثم العمل

عزيزي القارىء أنا لم أسرد عليك سيرة العظماء إلا لشيء واحد، هو أنهم جميعاً قاتلوا وعملوا حتى وصلوا .. حتى سيد الخلق العظيم محمد (ص) حارب وعانى حتى أوصل رسالته للعالم أجمعين.

“العبقرية والعظمة لا تورث .. بل تكتسب”

إذا كنت تريد أن تكون عظيماً ومؤثراً في هذه الأرض عليك العمل، والنظر إلى النجوم وليس إلى قدميك، لا تضع أهداف صغيرة .. بل ضع أهدافاً عظيمة وخطوات صغيرة.

فالإنجاز هو الصبر والمثابرة خطوة بخطوة .. وتأكد تماماً إذا لم يكن الأساس قوياً فالبناء سيقع لا محالة .. ضع أهدافاً عظيمة وخطوات صغيرة يا صديقي.

حسني حاتم ابوشباك تخصص فيزياء – جامعة الازهر – غزة

https://www.facebook.com/hatemthaerr

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى