مقالاتمواضيع العدد ٦

أسرع شيء في الوجود

أسرع شيء في الوجود

ليست الطائرة أو الريح أو الرصاصة المنطلقة أو الموجات الصوتية بأسرع شيء في الوجود.  إن أسرع شيء في الوجود هو الضوء.  يسير الضوء بسرعة 300،186 ميل في الثانية. إنها سرعة كبيرة جداً إلى درجة يصعب معها تخيلها. وإليك ما ذكره كاتب يسمى فلويدل دارو: تصور طائراً يطير بسرعة الضوء وأن هناك صياداً ماهراً بوسعه إصابة الطائر في جناحه. فإذا كان الطائر على ارتفاع 16 قدماً من سطح الأرض، وهو الارتفاع الذي يسقط الجسم من على ارتفاعه إلى الأرض في الثانية الأولى، بفعل جاذبية الأرض، فإن الطائر في هذه المدة ثانية واحدة، يكون قد دار حول الكرة الأرضية عند خط الاستواء سبع مرات ونصف مرة قبل أن يصل إلى الأرض.

لقد قيست سرعة الضوء الجبارة عدة مرات بوساطة عدد من العلماء. وكانت النتائج دائماً تؤدي إلى 300،186 كيلومتر في الثانية. مائة وستة وثمانين ألفاً وثلاث مائة كيلومتر في الثانية. إنه رقم عليك أن تتذكره عن ظهر قلب، وليس في هذا الكتاب أرقام كثيرة لتحفظها، ولكن هذا الرقم بالذات من أهم الأرقام.ولا يسري الضوء في الهواء بسرعة كالتي يسري بها في الفراغ. كما أن الضوء يسير بسرعة أقل في الزجاج والماء   ويؤدي بنا هذا إلى سر غامض حول الضوء، فالضوء يسير ــــ على ما نعتقد ــــ في موجات. ولكن كيف تكون هناك أمواج في الفراغ.  وعلى هذا، إذا لم يكن هناك سوى فراغ بين النجوم، فكيف يمكن للضوء أن يسير في هذا الفراغ؟ ومع هذا فإن الضوء يسير في الفراغ.

اعلانات جوجل

هل تذكر أننا تعرضنا لنفس المشكلة عندما تعرضنا لدراسة الإشعاع الحراري؟ وعلى أي حال، ما هو الضوء؟ ويجرنا هذا إلى مشكلة أو لغز آخر متعلق بالضوء. لقد ظهرت بين عهد جاليليو والعهد الحاضر نظريتان عن ماهية الضوء.

لقد اعتقد البعض أن الضوء ما هو إلا حركة تموجية بينما اعتقد آخرون أن الضوء يتركب من ملايين الجزيئات الصغيرة التي تنبعث مندفعة من مصادر الضوء. أي أجسام دقيقة تقذفها الشمس والنجوم والمصابيح والنيران.  ولقد انقسم العلماء إلى فريقين يؤكد كل فريق منهما رأياً من هذين الرأيين.  وحتى عهد قريب انحاز الناس لنظرية التموجات الضوئية، إذ كانت أقرب إلى الصواب، واستطاعت أن تفسر تجاربهم المختلفة في الضوء.  ولكن بعض التجارب التي أجريت بعد ذلك لم يكن تفسيرها بوساطة نظرية التموجات  بل أمكن إثباتها فقط بوساطة تكوين الضوء من جزيئات دقيقة.  من هذا بدأ الاعتقاد يسود بصحة النظريتين. فيمكننا أن نعتقد أن الضوء يتركب من تموجات، كما أنه يتركب من حزم من الجزيئات المندفعة بسرعة 300،186 كيلومتر في الثانية.

والغريب في الموضوع هو أن هاتين النظريتين لا تتفقان إطلاقاً، فكيف يمكن بأي حال من الأحوال أن نفترض صحة كلتيهما ؟ لا أحد يعرف.  وحقيقة أخرى عجيبة عن الضوء وهي علاقته بالكهرباء. فعندما تزداد سرعة التيار الكهربي أو تبطئ تنبعث تموجات غير مرئية لا يمكن أن ترى كأشباح القصص، كما أنه لا يمكن الإحساس بها. إنها تسمى التموجات الكهرومغناطيسية أو الإلكترومغناطيسية. إننا رغم عدم استطاعتنا رؤيتها أو إحساسها ندرك وجودها بوساطة آلات خاصة. وأحد هذه الأجهزة هو الراديو. فإذا كان جهاز الراديو في حالة استقبال فإنك في بعض الأحيان تسمع تشويشاً عندما تضيء أو تطفئ أحد المصابيح الكهربية في المنزل. إنك عندئذٍ تعمل على إبطاء أو إسراع التيار الكهربي، وعندئذٍ يلتقط الراديو تلك التموجات الكهرومغناطيسية التي تنبعث. وإذا حركت أحد المصابيح الكهربية من قاعدته تنشأ (شوشرة) في الراديو حيث يكون المصباح عندئذٍ عاملاً على بدء أو وقف سريان التيار الكهربي. وفي كل مرة تحدث تلك الأصوات في الراديو بوساطة التموجات الكهرومغناطيسية. وتسير هذه الأمواج بسرعة هائلة تقدر بـ300،186 ميل في الثانية. لقد قرأت هذا الرقم من قبل في هذا الباب.

إن 300،186 ميل في الثانية هي سرعة الضوء (ولا يمكنني أن أفيض في شرح كيفية معرفة ذلك نتيجة للتعقيد الشديد في شرحها)، ولكن التموجات الكهرومغناطيسية تسير بسرعة الضوء.  ولعلك تستطيع أن تستنتج أن التموجات الكهربية والضوئية هما شيء واحد، والواقع أنهما كذلك.  لكن… لكن، وعدة مرات لكن، إنك لا تستطيع أن ترى التموجات الكهرومغناطيسية، ولكنك ترى الضوء، فكيف يمكن أن يكونا إذاً صورتين لشيء واحد؟ حسناً إن التفسير هو في أطوال الموجة. والتموجات وأطوال الموجات شيء صعب الفهم.

اعلانات جوجل

ولا يمكنني حتى أن أرسم لك صورة  توضح ما هي الموجة الضوئية. إننا نستطيع أن نرى الضوء ولكن لا يمكننا أن نرى أمواجاً فيه. ومع هذا فإننا نؤمن أن الضوء يسير في أمواج رغم أن تلك الأمواج لا تشبه تموجات الماء أو الصوت. وطول الموجة هو المسافة بين كل موجتين. ويمكننا قياس الأطوال المختلفة للتموجات الكهرومغناطيسية. وبعض هذه التموجات ذات أطوال قصيرة تكون في بعض الأحيان أقصر من قطر الذرّة، في حين أن لبعضها أطوالاً قد تصل إلى الأميال. فهناك تباين بين أطوال الأمواج الكهرومغناطيسية، ولكنها جميعها تسير بسرعة 300،186 ميل في الثانية في الفراغ.

ولأعيننا القدرة على رؤية التموجات الكهرومغناطيسية إذا كانت ذات طول معين. وهذه هي التموجات الضوئية. ولا نرى التموجات الضوئية على شكل تموجات، ولكننا نرى الضوء فقط. ونحن نعلم أن الضوء يسير في تموجات ذات طول معين، وأن الضوء ما هو إلا جزء ضئيل واحد من أنواع مختلفة من التموجات الكهرومغناطيسية. وتستطيع آلة التصوير أن تميز عدداً من الموجات المختلفة الطول أكثر من العين، ولذلك تستطيع آلة التصوير أن تلتقط صوراً في الظلام إذا وجدت أنواع معينة من التموجات الكهرومغناطيسية. رغم عدم قدرتنا على رؤيتها، فإنها تكون صوراً على اللوح الحساس.

والآن فلنحاول ترتيب الأمواج الكهرومغناطيسية في صف تبعاً لأطوالها تماماً، كما يرتب المدرّس تلاميذ الفصل تبعاً لأطوالهم. إننا عندئذٍ سنحصل على رسم توضيحي يوضح في أحد طرفيه الأمواج الكونية المتناهية القصر والتي لا نعرف عنها الكثير حتى الآن. إنها تبدو كأنها تصل إلى الأرض من جميع الجهات وتصل إلى أعماق كبيرة حيث توجد في أعماق المناجم وفي قيعان البحيرات.

أما أشعة اكس (X) فهي أطول من حيث موجاتها من الأشعة والكونية رغم أن موجاتها متناهية في القصر. إن موجاتها قصيرة بدرجة تمكنها من اختراق الكثير من المواد التي لا يمكن للضوء المرئي العادي أن يخترقها. ولهذا تمكننا هذه الأشعة من تصوير الأجزاء الداخلية في أجسامنا. فإذا وضع لوح حساس من ألواح التصوير خلف راحة يدك وسلطت عليه أشعة اكس، فإن هذه الأشعة تخترق اليد وتؤثر في الفيلم في الأجزاء التي تصل إليه منها. ولا تخترق الأشعة العظام أو الأجسام المعدنية بنفس السهولة التي تخترق بها اللحم أو الدم، ولهذا لا يتأثر اللوح الحساس كثيراً تحت العظام، ولذلك تظهر صورة العظام سوداء قائمة. وفي حالة كسر إحدى العظام في اليد مثلاً، فإن أشعة اكس تظهرها. وإذا ابتلع طفل جسماً معدنياً كقطعة من النقود، فإن أشعة اكس تظهرها داخل جسمه.

ويستطيع طبيب الأسنان أن يصور بأشعة اكس الحفر والدمامل في الأسنان واللثة والتي لا يمكن رؤيتها بأي طريقة أخرى. فهي لهذا ذات نفع عظيم للأطباء عموما. أما الأشعة فوق البنفسجية فهي أطول من أشعة اكس. إنها أقصر بقليل من موجة الضوء الذي نراه بنفسجياً. وهذه الأشعة فوق البنفسجية هي التي تسبب تلك السمرة التي تكتسبها البشرة من شمس الصيف. إنها لا تنفذ جيداً خلال الزجاج العادي، وهذا هو السبب في أن فائدة أشعة الشمس التي تنفذ خلال الزجاج ليست مثل فائدة أشعة الشمس الخارجية في حالة الحمامات الشمسية. ولقد أنشئت في بعض المنازل نوافذ من نوع خاص من الزجاج تنفذ خلاله الأشعة فوق البنفسجية.

اعلانات جوجل

ويلي ذلك في الرسم الأشعة تحت الحمراء التي لا ترى رغم أننا نشعر بدفئها، وتستطيع أيضاً تكوين صورة على اللوح الحساس. وعد الأشعة تحت الحمراء تأتي التموجات الحرارية وهي تلك التموجات الكهرومغناطيسية التي تحمل إلينا الحرارة من الشمس بسرعة 300،186 ميل في الثانية.  إنها تلك الأشعة التي تكسب أشعة الشمس حرارتها. إنها هي السبب في انتقال الحرارة بالإشعاع أسرع بكثير من انتقالها بالحل أو التوصيل.

ويلي ذلك في الرسم الأمواج اللاسلكية وفيها الأمواج القصيرة إلى اليسار. ويلتقط جهاز الاستقبال ذو الأمواج القصيرة هذه الموجات، وإلى اليمين تأتي الأمواج طولاً والتي تستخدم في الإذاعات العادية. ونحن لا نسمع هذه الأمواج على جهاز الراديو، ولكنها تسبب أمواجاً صوتية بوساطة مكبر للصوت، ولذلك فإننا لا نسمع إلا أمواجاً صوتية. ويجب أن تتذكر جيداً أن الأمواج الصوتية تختلف كلية عن الأمواج الكهرومغناطيسية.

والآن فلنسترجع الحقائق الرئيسية التي درسناها في هذا الباب. يسير الضوء بسرعة 300،186 ميل في الثانية.  تسير التموجات الكهرومغناطيسية بسرعة 300،186 ميل في الثانية.  لا يوجد أي شيء يسير بسرعة الضوء، ولهذا فالتموجات الضوئية والكهرومغناطيسية شيء واحد.  الضوء المرئي ما هو إلا جزء صغير من الموجات الكهرومغناطيسية.  يبعث التيار الكهربي الذي تتغير سرعته سواء إلى الزيادة أو النقص بعض أنواع التموجات الكهرومغناطيسية.

تختلف التموجات الكهرومغناطيسية من حيث النوع والطول. وهناك منها الأشعة الكونية، وأشعة اكس، والفوق بنفسجية، والضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء، وأشعة الإشعاع الحراري والتموجات اللاسلكية.  ولقد عرفنا أيضاً أن موضوع الضوء موضوع محيّر ومعقّد.

اعلانات جوجل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى