مقالاتمواضيع العدد ١٣

نظرة حول نظرية الفوضى في الفيزياء والعلم الحديث

أ. محمد ابراهيم: كيف ضاعت احلام السير اسحق نيوتن؟ وما الذي قدمته نظرية الفوضى؟ ما العوامل التي أدت الي الاعتقاد بعدم قدرة الميكانيكا الكلاسيكية على التنبؤ بظواهر متعددة كالأمر في الحركة الذرية وغيرها؟ ما الاعتقاد الذي ساد حول الفيزياء قبل القرن العشرين؟ كيف تبددت اعتقادات السير اسحق نيوتن حول امكانية التنبؤ المباشر بالقياسات الدقيقة وأطيح بأفكاره حول امكانية التوقع المحكم والمحتم في القياس؟

نظرة حول نظرية الفوضى في الفيزياء والعلم الحديث

كان القرن العشرين واحدا من اهم القرون علي المستوي العلمي فقد تظافرت فيه عوامل التقدم العلمي وحدثت فيه نهضة في العلم لم تسبقها اي نهضة في العصور السابقة وفى الفيزياء ظهرت العديد من النتائج والنظريات والافكار والاكتشافات الجديدة التي لم نكن ندركها ولعله كان من أبرزها ثلاث نظريات هامة وهي النظرية النسبية للعالم الكبير ألبرت اينشتاين واهم النتائج التي توصلنا الي معرفتها من خلال النظرية النسبية هي نسبية المكان والزمان ونسيج الزمكان العجيب والابعاد الاربعة وادخال مفهوم الزمن كبعد مؤثر ولقد أطاحت النظرية النسبية وهم نيوتن في الميكانيكا الكلاسيكية عن الزمن والمكان المطلقين، اما النظرية الثانية فكانت هي النظرية الكمومية (ميكانيكا الكم) والتي عنت بدراسة الظواهر في الجسيمات الذرية وتحت ذرية وما يحدث في العالم الكمومي الذي لا تنطبق عليه الافكار ومسرح الاحداث في المستوي الكوني الذي تصفه النظرية النسبية ولقد بلغ حد الجنون بالنظرية الكمومية ان وقف اينشتاين يوما معترضا قائلا “لا يمكن ان يكون الله يلعب النرد “وقد بددت النظرية الكمومية حلم نيوتن في التوصل الي القياسات الدقيقة الحاسمة نتيجة لواحد من أهم المبادئ في الفيزياء الكمومية وهو مبدأ الشك (اللايقين) للعالم الألماني هايزنبرج الذي ينص ان تحديد مكان وسرعة الالكترون (الجسيم) معا في وقت واحد يستحيل عمليا وانما يمكن أن نقول من المحتمل بقدر كبير أو صغير وجود الالكترون (الجسيم) في هذا المكان أو ذاك طبقا لمفهوم السحابة الالكترونية التي تفسر منطقة اللايقين في حالة الالكترونات التي تدور حول النواة ويمكن التعبير عن مبدأ اللايقين رياضيا بحاصل ضرب دالتين احداهما تعبر عن عدم اليقين في الطاقة وتعبر الأخرى عن عدم اليقين في الزمن، اما ثالث النظريات فهي نظرية الكايوس “نظرية الفوضي” والتي تتميز بانها تتناول العالم المباشر الذي نحسه ونراه وتنظر الي أشياء علي مقياس الانسان وقد بددت تلك النظرية خيال نيوتن وخصوصا تلميذه انطوان لابلاس عن امكانية التوقع المحكم والمحتم ومن بين تلك النظريات الثلاث التي يمكن أن نطلق عليها ثورات علمية تتميز نظرية الكايوس بانها تمثل الواقع كما ذكرنا وتبحث في النظم التي تتفاعل بشكل مباشر مع الانسان ويمكنه ادراكها بحواسه المختلفة.

نظرة حول نظرية الفوضى في الفيزياء والعلم الحديث

ولو قمنا بمقارنة بين النسبية التي تبحث في المقياس الكبير (الكون) مع ما تبحثه ميكانيكا الكم في المقياس الاصغر (الذرة والجسيمات التحت ذرية) سنجد ان الاختلاف جذري بشكل كبير حيث تمثل الاولى النظرة الي الكون الشاسع والاحداث التي تقع فيه ومكوناته من مجرات وكواكب واسدمة وكويكبات وغيرها والثانية الكمومية تبحث في الجسيمات الاولية والحركة داخل الذرة والجسيمات التحت ذرية وتصف الاحداث والوقائع ضمن أسلوب ومنهج مختلف عن المقياس الاكبر الذي تنطبق عليه النظرية النسبية واما الكايوس فتتأمل في الاحداث والتجارب اليومية والعادية للبشر فلوقت طويل، ساد شعور غائم لم يعبر عن نفسه دائما بوضوح، بأن الفيزياء النظرية ابتعدت عن العالم ،كما يعرفه الانسان ويقيسه بالحس والبداهة المباشرين وكأن نظرية الكايوس عودة الي ما تركته الفيزياء طويلا.

نظرة حول نظرية الفوضى في الفيزياء والعلم الحديثولقد أطلت علينا الدراسات الاولى لنظرية الفوضى من هوامش علم الفيزياء خاصة الفيزياء النظرية في القرن العشرين ففي هذا الوقت، ساد الانشغال بفيزياء الجسيمات (فيزياء الطاقة العالية) التي تستكشف أصغر اللبنات في المادة التي تكون العالم مع مستويات مرتفعة باستمرار من الطاقة (القنبلة الذرية كمثال ونموذج)، كما تهتم بالمادة على المقياس الاصغر فالأصغر وبالوقت الاقصر فالأقصر.

لقد لاحظ ستيفن هوكينج عالم الفيزياء النظرية الشهير أن فهم قوانين الطبيعة من خلال فيزياء الجسيمات لا يحمل الاجابات عن تطبيق تلك القوانين على أشياء أكثر بساطة، اذ يختلف شأن القدرة على التوقع بحسب السياق، فمثلا لا تحمل الاشياء الدلالة عينها عندما ترصد تصادم جسيما على سبيل المثال في مسرع ذري، أو حينما تراقب رقرقة السوائل في حوض الاستحمام وأحوال الطقس ودماغ الانسان وغيرها من الظواهر.

اعلانات جوجل

ومع استمرار القفزة والثورة التي احدثتها نظرية الكايوس فقد وجد أفضل الفيزيائيين أنفسهم مشغولين، ومن غير أدني شعور بالحرج في الخبرات الحياتية اليومية التي

تجري على المقياس الانساني العادي، فدرسوا الغيوم بدلا من النجوم وأجروا بحوثا على الحواسيب الشخصية العادية وخوارزميات الجدولة لنظم التشغيل للحاسبات الشخصية وليس فقط دراسة الحواسيب الكمومية او الحواسيب الفائقة”Super-Computers” وتضمنت مقالاتهم الاولى أفكارا عن تقافز الكرة عن الطاولة وفى الالعاب المختلفة مثل تنس الطاولة وغيرها، وذلك على قدم المساواة مع الشروح المتصلة بالفيزياء الكمومية.

وقد تبين ان النظم البسيطة شديدة الصعوبة، من حيث عدم القدرة على التنبؤ بمساراتها وفى المقابل هناك ثمة انتظام ينبثق في قلب تلك النظم التي بدا أنها تجمع الفوضى والنظام في آن واحد وكان من أجل ذلك وهي خلاصة هذا الموضوع انه طبقا للمعطيات السابقة فانه تطلب نشوء علم جديد لسد الثغرة بين ما يعرفه العلم عن عمل “شيء مفرد” وبين عمل “الملايين من الشيء نفسه” فمثلا ثمة ضرورة لتجسير المعرفة بين معرفة عمل الخلية العصبية، التي يعرف عنها العلماء الكثير وبين عمل الملايين منها في الدماغ والجهاز العصبي، وكذلك بين جزيء الماء وتياراته، علم ليعبر الجسر الفاصل بين المعرفة عن الشيء المفرد وبين الكلي المتألف من مجموعات من الشيء عينه.

بقلم أ. محمد ابراهيم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى