معهد كورتشاتوف – واحد من المراكز العالمية البارزة في الفيزياء النووية
التوفير الاقتصادي وقلة التكلفة وزيادة المردود والفاعلية والأمان والسلامة والشمولية – كل هذه المتطلبات يطرحها المستقبل أمام الطاقة النووية. ويعكف علماء معهد كورتشاتوف بهمة ونشاط على صنع موديلات ونماذج جديدة من المفاعلات النووية المستحدثة.
لقد تم هنا، في معهد كورتشاتوف، وفي هذا المبنى بالتحديد، تجميع اول مفاعل نووي في الإتحاد السوفيتي، إنه مفاعل ” إف – 1 ” الذي ما زال يواصل عمله منذ ستين عاما، شأن جميع المفاعلات التي صنعت في معهد كورتشاتوف. كان المفاعل الأول أشبه بكيان من القرميد الغرافيتي الأسود. والحقيقة أنه شيد بالفعل ليكون بناءا قرميديا. فقد رصفت الكتل والألواح من دون روابط معدنية فيما بينها. كما رصفت متعاكسة بحيث تتوافق الثقوب المحفورة فيها عمدا. ثم أدخلت في هذه الثقوب اسطوانات اليورانيوم الواحدة تلو الأخرى… قيل لنا ان بناء المفاعل استنفد جميع كميات اليورانيوم التي كانت في حوزة الإتحاد السوفيتي آنذاك. ثم ان الغرافيت الذي استخدم كوسيلة لتخفيف سرعة النيترونات وعاكس يحول دون تطايرها الى الخارج كان من أجود أنواع الغرافيت. فهو الأنقى في العالم، وليس فيه سوى ذرة واحدة من المخاليط بين كل مليون ذرة من الكربون.
وضع العلماء في معهد كورتشاتوف تصاميم جديدة يمكنها ان تقلص الكثير من مساحات التقنيات الشائعة، إن لم نقل، أن تحل محلها بالكامل. وثمة مشروع لجيل جديد من المفاعلات القنواتية يتميز بمُعامِل كفاية اكبر بكثير، وبأجود استهلاك مثمر للوقود في العالم حتى الآن، وبشبكة محسنة ومعززة للتبريد والتبخير، وبهيكلية خارجية محكمة الإغلاق لزاما. ويعتقد الخبراء ان مستقبل بناء المفاعل أصبح على ارتباط بالتفاعلات النووية التي تستخدم النترونات “السريعة” مباشرة من دون مواد ووسائل تخفيف سرعة تلك النيترونات، وهو ما يجعل المفاعلات اصغر حجما وأكثر تكاثفا بعدة مرات. والأهم من ذلك انه سيتيح استخدام اليورانيوم – 238 في الدورة الوقودية، بعد أن مثل حتى الآن مادة مصاحبة ما من حاجة ماسة إليها. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ان هذه المادة “النافلة” تشكل 99% من مكونات اليورانيوم الطبيعي فإن البشرية، إذا تعلمت استثمارها واستهلاكها، ستنسى مشكلة الطاقة لآلاف السنين.
تشكل الدراسات النووية الحرارية أحد الاتجاهات الأساسية لعمل معهد كورتشاتوف. ومن هذه الناحية كان المعهد أول مؤسسة للبحث العلمي في روسيا والإتحاد السوفيتي بدأت البحوث النووية الحرارية بين جدران هذا المعهد بالذات تم اختراع وصنع أول جهاز نووي حراري عرف بأسم “توكاماك” اعتمد كأساس لبناء أول مفاعل نووي حراري تجريبي اليوم.
يتطلب التفاعل النووي الحراري استمرار بقاء البلازما الفائقة الحرارة لنظائر الهيدروجين لفترة زمنية طويلة بهذا القدر أو ذاك. وقد أظهرت التجربة ان العلماء السوفيت الذين طرحوا فكرة “توكاماك” أي صنع حجرة بشكل طوق ذي ملفات كهرمغناطيسية كانوا أقرب الناس إلى حل هذه المعضلة.
ان أساس “توكاماك” يتمثل في حجرة مفرغة من الهواء بشكل طوق. وتطلق على هذا الشكل الهندسي اسم الطوق وباللاتينية” torus “. ولهذا فان الحجرة تكون” طوقية” الشكل. ويتم فيها احراق البلازما. ويلف الطوق بحلقات من ملفات مغناطيس كهربائي قوي يضغط بمجاله على السيل البلازمي. وتقوم الوحدة الكهربائية في وسط الطوق بطرد البلازما في حركة دائرية. والجهاز الذي نراه الآن هو ” توكاماك – 15″ – اي التوكاماك من آخر جيل. ونصب فيه اقوى مغناطيس كهربائي فائق التوصيل في العالم. ويقول الخبراء الروس إن الإمكانيات التجريبية التي يوفرها “جهاز توكاماك -15 “لتسخين البلازما، تعتبر بحكم خصائصه المميزة فريدة من نوعها وليس لها مثيل في العالم.
صنع أول جهاز “توكاماك” في العالم في معهد كورتشاتوف في عام 1955. كان لنشر ذلك النبأ وقع الصاعقة على الإسماع في العالم. كيف لا وقد تمكن العلماء في الإتحاد السوفيتي من السيطرة على البلازما الساخنة وحصرها ولو لمهلة قصيرة جدا. ومنذ ذلك الحين بدأت في البلدان المتطورة ازدهار حقيقي لتقنيات التوكاماك. إلا ان العلماء مازالوا يدققون الحسابات النظرية ويجرون التجارب على البلازما. ثم جاءت الخطوة التالية لتطوير هذا الاتجاه العلمي في صنع مفاعل نووي حراري مكتمل.
كان الإتحاد السوفيتي قد طرح في حينه فكرة بناء مفاعل نووي حراري دولي تجريبي قائم على تقنيات “توكاماك”. أما اليوم فتحتل روسيا بما لديها من خبرة أحد المواقع الرئيسية في مشروع “ايتر” الذي تشارك فيه كل من روسيا والولايات المتحدة وكندا والصين وكازاخستان والهند وكوريا واليابان والإتحاد الأوروبي.
إننا نعتبر من واجبنا المشاركة في مشروع “ايتر” الذي يؤمن الطاقة الكهربائية لأحفادنا. فهذا المشروع العلمي الأساسي يمثل احدث البرامج والمستجدات ويحمل الأمل الى البشرية جمعاء ويمد الأيدي الى اجيال المستقبل.
وهكذا فلدى زيارة مركز كورتشاتوف سوية مع برنامج “نبض المستقبل” ستتمكنون من الاطلاع على أفضليات صناعة الطاقة النووية الحرارية قياسا إلى النووية وكذلك من الاطلاع على المستجدات في مجال الطب النووي ومبتكرات تكنولوجيا النانو، كما ستتمكنون من زيارة البيت الذي عاش فيه ايغور كورتشاتوف أعظم عالم ذري سوفيتي.