لماذا يجب ان يكون التعليم العالي عبر الانترنت حول التعلم وليس التعليم
نصائح وارشادات في مجال التعلم الإلكتروني
لقد حظيت بشرف حضور دورة تدريبية يشرف عليها مركز جامعة لندن للتعليم عن بعد ومن ضمن مواد التعلم التي تلقيتها كان هناك مقال لأحد مدربي الدورة وهو الدكتور ديفيد بوم Dr David Baume مستشار التعليم العالي وزميل مركز جامعة لندن للتعليم عن بعد، المملكة المتحدة. حصلت على إذن منه لترجمة مقاله… اتمنى ان تجدوا فيه الفائدة.
ان القفزة الكبيرة والتحول الجذري في التعليم التي أحدثتها جائحة كورونا هي الأكبر والأسرع والأكثر انتشارا على مستوى العالم. مهما كانت الاشكال الجديدة للتعليم بعد كورونا فان الشيء المؤكد هو ان معايير التعليم الجديدة سوف تكون مختلفة عما سبق. لن نتمكن من ترك ما تعلمناه خلال جائحة كورونا! إذا السؤال هنا ما هو الذي تعلمناه؟
لقد تعلمنا نوعين من الأشياء: (1) كيف نتغير بسرعة كبيرة وبسرعة أكبر بكثير مما كنا نعتقد انه ممكن، (2) وكيفية التعليم عبر الإنترنت.
لقد تعاملنا مع الصدمات الأولى تقريبا ببراعة كبيرة وفي كثير من الأحيان بجهد كبير. وعندما نكون صادقين يجب ان نعترف أيضا بدرجات متفاوتة من النجاح. نحن حاليا نخطط للشكل الذي سيكون عليه تعليمنا العالي وكيفيته في بقية عام 2021 وبعده.
نأمل ألا نبحث فقط عن معايير ثابتة جديدة. في السنوات التي سبقت صدمة كورونا كان التعليم العالي يتغير بالفعل من جوانب كثيرة بما في ذلك الانتقال إلى أشكال التعلم عبر الإنترنت والتعلم المدمج.
لكني آمل ان نكون قد تعلمنا أيضا عن الحاجة إلى المرونة في التخطيط. يجب ان نضع في مخططاتنا ان كل من لديه اتصال بشبكة الإنترنت هو طالب محتمل. وهذا يقربنا من نصف مليار طالب جديد محتمل كل عام. هل نحن مستعدون لهم؟
ان التغير الذي طرأ في التعليم العالي في عام 2020 هو تغيير غير مستدام، وما زلنا نبحث عن معايير جديدة. لذلك كما تتجلى رؤيتنا للمستقبل فقد يكون لدينا بضعة أشهر فقط لمعالجة سؤال أساسي واحد. ستؤثر اجابتنا على شكل وطبيعة التعليم العالي في بلدان العالم لعقود قادمة.
ما هو هذا السؤال الجوهري؟ اقترح: ما الذي نضعه على الإنترنت؟
قد لا يكون هذا هو السؤال الذي كنت تتوقعه. هذا ليس سؤالا تقنيا حول موارد وأنشطة التعلم. انه أعمق من ذلك بكثير. النسخة المفصلة من السؤال هو ما الذي نضعه على الإنترنت؟ تعليم أو تعلم؟
لماذا أقول “أو”؟ بالتأكيد هنا نفس الشيء، أو على أي حال وجهان لعملة واحدة. التعليم يؤدي إلى التعلم. ما هي المشكلة؟ لماذا “أو”؟ هناك عدة أسباب ستقودنا إلى الإجابة.
ما الفرق بين التعليم والتعلم؟
العملية التربوية تحتوي على كثير من المصطلحات، مثل التعليم والتعلم، وقد يحدث خَلط بين هذه المصطلحات في بعض الأحيان، إذ إنّ بينها علاقة متصلة، فلا تخلو أيّ عملية تربوية من هذه المصطلحات.
التعليم عمليّة يقوم بها المعلم بقصد إكساب الطالب معرفة أو مهارة، فالمعلم يمارس عملية التعليم، والطالب يمارس عملية التعلم، ويعرف التعليم بأنه برمجة المعلومات وتنسيقها ليستقبلها الشخص عبر حواسه، وتخيلها وتفسيرها ووضعها في فئات، ومن ثم تخزينها في الذاكرة على المدى البعيد؛ ليتمكّن من استرجاعها عند الحاجة.
أما التعلم فهو نشاط ذاتي يقوم به المتعلم، تحت إشراف هيئة تدريسية أو دون إشراف، يحدث من خلالها تغيير في سلوك الأفراد ناتج عن الخبرة والممارسة يهدف إلى اكتساب معرفة أو اكتساب مهارة، والتعلم هو كل ما يكتسبه الشخص عن طريق الممارسة والخبرة، هو الوجه الآخر لعملية التعليم ونتاج لها، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، ولا بُدّ من تسليط الضوء على التعليم عند التحدث عن التعلم، والتعلم هو تلقي المعرفة والمهارات والقيم عن طريق الدراسة.
إذًا فالتعلم هو تغيير ثابت في خبرة أو سلوك الفرد، نتيجة النشاط الذاتي لا نتيجة النضج أو الظروف العرضية، وتعديل دائم نسبيًا في السلوك نتيجة للمرور بخبرة ما، أما التعليم فقد قد يكون عملية مقصودة ومخطّطة، أو قد يكون عمليّة غير مقصودة وغير مخطّطة، تتم في داخل المدرسة أو خارجها، في أي وقت أو وقت محدد يقوم بها المعلم أو غيره؛ بقصد مساعدة الطالب على التعلم.
البوابة مفتوحة على مصراعيها الآن
اعتاد المعلمون ان يكونوا حراس بوابات المعلومات والمعرفة. ان التطور السريع في الاختراعات المتوالية للكتابة والقراءة والطباعة والاطلاع من خلال شبكة الإنترنت تعني اننا كمعلمين لم نعد حراس بوابات المعرفة.
بالطبع تتنوع المعلومات والمعارف بشكل كبير في الدقة والموثوقية والفائدة إلا أنها متاحة بسهولة كبيرة من أي وقت مضى.
الكثير من هذه المعلومات والمعارف نصل لها بنقرة صغيرة بالماوس من خلال أي جهاز متصل بشبكة الإنترنت وبتكلفة لا تذكر، وهذا متاح لأكثر من نصف سكان العالم وينمو عدد الواصلين لشبكة الانترنت بمعدل 10% في كل عام.
تظل المدارس والجامعات والمعلمون إلى حد ما حراسا للمعرفة، وتحديدا على المصادر التي تشتمل على المعرفة الصحيحة. نحن نقوم بذلك من خلال امتلاك القوة التعليمية المطلقة والقدرة على التقييم.
لكن ليس من الواضح هل يجب علينا كمعلمين ان نحتفظ بهذه القوة او ما هو الوقت الذي سنحتفظ بتلك القوة في التحكم ببوابات المعرفة. يرغب الطلبة وارباب العمل والدول والثقافات على نحو متزايد ان يكون لهم رأي في تحديد ما هي المعرفة المطلوبة وما هو المنهج الصحيح لاكتسابها.
المعرفة ليست كافية
يتم إنتاج كميات هائلة من المعرفة الجديدة في كل عام. أيضًا، في كل عام، تصبح كميات هائلة من المعرفة الحالية خاطئة أو زائدة عن الحاجة أو كليهما. المعرفة تموت. في بعض المواد، يكون جزء كبير مما تم تدريسه في السنة الأولى قد مات بحلول الوقت الذي يتخرج فيه الطلاب الذين تعلموا ذلك. إذن، ما هو التعليم؟
ليس فقط ما نعرفه هو المهم. إن ما نفعله بالمعرفة هو الأهم. إنها الطريقة التي نختار بها ما هو – في الوقت الحالي – موثوق بشكل معقول وربما له صلة وثيقة بالموضوع قيد البحث. إنها كيف نشرب من شلال المعرفة دون أن نغرق، او من بئر المعرفة دون أن نتسمم.
بالتأكيد، من الرائع معرفة الكثير من الأشياء. كلما زادت المعرفة التي لدينا، والتي يمكن الوصول إليها بسهولة، زادت قدرتنا على التحكم بها وخلطها وربطها والخروج بأفكار وابتكارات جديدة مثمرة.
نحن بحاجة إلى تطوير قدرتنا على قراءة إشارات التقادم والاضمحلال المعرفي وما إذا كانت المعلومات قديمة او خاطئة هذا الامر يعد بنفس خطورة الطعام الذي عفا عليه الزمن. أيضا حصولنا على المعلومة الجديدة والمعرفة متعة لا تقدر بثمن.
تقوم الآلات بالمزيد والمزيد من العمل
أصبحت الآلات قادرة على القيام بأشياء متزايدة الصعوبة وهي أعمال مادية بحتة هذا يقلل من فرص العمل التي كانت متوفرة قبل ان تنافسنا تلك الآلات. الا ان الخبر الجيد هو أننا سننشغل بأعمال أكثر إثارة وأكثر أهمية من أي وقت مضى. سنكون قادرين على البقاء في المقدمة لفترة طويلة، لأنه لا يزال هناك دائما أشياء أكثر صعوبة واهمية واثارة يتعين علينا القيام بها، هذا سلم التطور له قمة باستثناء القيود التي نفرضها على أنفسنا، والتي لان نعرفها حتى الآن.
يرغب ارباب العمل أن يكون الخريجون جاهزين للعمل. يريدون أيضًا أن يتقن الخريجون المجالات الخمسة لمهارات القرن الواحد والعشرين وهي: الإبداع، والتواصل، والتعاون، والتفكير النقدي، فضلاً عن الكفاءة. ليس كل التعليم الجامعي يطور حاليًا العناصر الأربعة الأولى. القليل جدًا من التعليم الجامعي يعطي حاليًا أولوية عالية لتنميتها. نادرًا ما يتم تقييمها رسميًا.
تغيير النتائج، وتغيير الأساليب التربوية
ان أصول التدريس القديمة مبنية على التدريس القائم على الإخبار بشكل أساسي والتعلم على الاستماع والقراءة من خلال المعرفة المحددة والمخزنة في مكتبتها، ويقوم التقييم بشكل أساسي على الاستذكار وإعادة ما تعلمه الطالب، وربما يتضمن التقييم أيضا بعض التطبيقات وبعض التفسير وهذا في الغالب ما تم إعادة إنشائه في صورة رقمية وبدرجات متفاوتة.
في الكثير من المقررات المطروحة على شبكة الانترنت تطلب من الطلبة القيام بالشرح والتطبيق والانتقاد وإعادة تجميع ما تعلموه في صور مختلفة. لكن مع ذلك، نحن لا زلنا ندرس. وعلى الرغم من أننا نذهب إلى أبعد من تدريس الحقائق والمعلومات، فإننا غالبًا ما نبدأ بالتدريس عن طريق ذكر المعلومات والمعرفة، وفي الكثير من الأحيان لا نذهب ابعد من التدريس في كونه ذكر او إخبار الطالب بالمعلومات ليحفظها.
قد لا تكون طريقة ذكر المعلومات والمعرفة للطالب هي الطريقة الصحيحة للبدء. ربما يجب ان نتعامل مع المعرفة كأحد النواتج الثانوية للتعلم.
بينما نتعلم تحديد معالم المشكلة وحلها – بطرق إنسانية مستنيرة بالقيم، وليس فقط كممارسة للمهارات التقنية – بالطبع سنكتسب المعرفة.
لذلك، دعونا نقرر عدم الاعتماد مصطلح التعليم عن بعد ونستخدم التعلم عن بعد.
بينما نتعافى نحن وطلابنا من الصدمة، سنكتشف وننشئ عالمًا جديدًا بالكامل من التعلم: النشط، والقوي، والطموح والمتشارك، وذو القيمة الذي يحسن العالم
“الكثير من التعليم يسلب القدرة والتعلم يمنحها. المعرفة تضمحل والتعلم يزدهر”.
مقال للدكتور ديفيد بوم Dr David Baume هو مستشار التعليم العالي وزميل مركز جامعة لندن للتعليم عن بعد، المملكة المتحدة.