كيف تعمل تقنية اتصال دماغ الإنسان بالكمبيوتر
مع تقدم وتطور أجهزة الكمبيوتر وازدياد فهمنا لدماغ الإنسان نقترب أكثر من تحويل الخيال العلمي إلي حقيقة. فتخيل عزيزي القارئ انك ترسل إشارات وتعليمات الكمبيوتر إلى دماغ شخص ما أو أن تقوم بتشغيل الكمبيوتر وطباعة ما تريد وتصفح مواقع الانترنت والقيام بكل شيء تحتاجه فقط بمجرد التفكير في ما تريد ويقوم الكمبيوتر بقراءة أفكارك وينفذها بدون تردد. بالتأكيد هذا حلم يراود الكثيرين منا ويروقهم سماع انجازات تحققت في هذا المجال في حين إن آخرين لا يروقهم مجرد التفكير في هذا الأمر لأنه بمجرد أن يفهم الكمبيوتر أفكارنا فإننا سنصبح تحت مراقبة خفية. ولكن على الجانب الصحي فان الأشخاص المصابين بعاهة ما فان هذا الأمر سيكون بالنسبة لهم حلم.
في هذا المقال من كيف تعمل الأشياء سوف نقوم بإلقاء الضوء على أعظم تقنية يمكن أن يشهدها الإنسان وهي فكرة اتصال الدماغ مع الكمبيوتر brain-computer interface واختصاراً (BCI)، كما سوف نقوم بشرح المعيقات التي تواجه العلماء في المستقبل.
كهرباء الدماغ
يعود السبب في إمكانية تحول فكرة اتصال الدماغ بالكمبيوتر من خيال علمي إلى حقيقة هو إن الدماغ يستخدم الإشارات الكهربية في نقل البيانات والتعليمات من الدماغ إلى الجسم عبر الشبكة العصبية. فعندما نقوم بالتفكير أو الحركة أو الشعور أو التذكر فان هناك إشارات كهربية تسري في الدماغ وتقدر سرعة انتقال الكهرباء في الخلايا العصبية 250 ميل في الساعة. والإشارة الكهربية تنتج بواسطة فرق جهد كهربي يتولد في الخلايا العصبية.
ومن المعلوم إن الإشارات الكهربية تنتقل عبر الشبكة العصبية إلا أن العلماء تمكنوا من التقاط إشارات كهربية متسربة، وهذه الإشارات هي التي سوف تستخدم للتحكم في جهاز الكمبيوتر. كما إن العلماء فكروا بطريقة أخرى وهي محاولة إدخال إشارات للدماغ شبيهه بالإشارات التي ينقلها العصب البصري إلى الدماغ لإدراك الصورة، حيث يتوقع العلماء أن يتم استخدام كاميرا لترى الأشياء وبدلا من تخزينها على الفيلم أو الذاكرة تكون هذه الكاميرا قادرة على توليد إشارة كهربية كتلك التي تنتج في الألياف البصرية وتنقل هذه الإشارة إلى الدماغ مباشرة مما تساعد الإنسان على الرؤية بدون استخدام عينه.
في الجزء التالي من هذا الموضوع سوف نقوم بشرح بعض الأساسيات الهامة في تقنية الاتصال interface.
المدخل والمخرج في الاتصال بين الدماغ والكمبيوتر
إن احد أعظم التحديات في هذا المجال هو عملية إيجاد طريقة للاتصال بين أجزاء الكمبيوتر والدماغ. وأسهل وابسط وسيلة يمكن التفكير فيها هي استخدام الكترود electrodes وهو عبارة عن أداة الكترونية اسمها العلمي (electroencephalograph وتختصر بـ (EEG هذا الاكترود من الممكن قراءة إشارات الدماغ.
صورة توضح الالكترود EEG ووظيفته
ويفكر العلماء في توصيل هذا الالكترود في الدماغ مباشرة وذلك من خلال عملية جراحية معقدة يتم فيها وضع الالكترود مباشرة أسفل الجمجمة، وبالطبع هذه الطريقة لها العديد من المشاكل من أهمها تكون طبقة من الألياف الدموية على الالكترود مما تجعله غير موصل ويفقد وظيفته بعد مدة من الزمن.
وبغض النظر عن الموضع الدقيق للالكترود بالنسبة للدماغ فان فكرة عمله تتلخص في قياس التغيرات في فرق الجهد بين الخلايا العصبية. وهذه التغيرات تعتبر إشارة كهربية يتم تكبيرها ثم ترجمتها وفهمها بواسطة برنامج كمبيوتر.
كما انه يوجد طريقة أخرى لقياس نشاط الدماغ باستخدام الرنين المغناطيسي magnetic resonance image (MRI). وقد استخدم الرنين المغناطيسي في الحصول على صور دقيقة للدماغ وتم الاعتماد علي هذه التقنية لتحديد أفضل مكان لتثبيت الالكترود في الدماغ بهدف الحصول على التأثير المطلوب بمعنى انه لو أردنا أن يقوم شخص بالتحكم بذراع الكترونية فان هذا الشخص يتم إخضاعه لجهاز الرنين المغناطيسي ويطلب منه تحريك ذراعه وعندها يلتقط جهاز الرنين المغناطيسي صورة للدماغ توضح الجزء من الدماغ الذي اصدر الإشارة المطلوبة لتحريك ذراعه وهذا الجزء هو الأنسب لتثبيت الالكترود.
التطبيقات المتوقعة لتقنية اتصال الدماغ بالكمبيوتر
من أهم التطبيقات المذهلة لتقنية BCI هو إنتاج أجهزة يمكن التحكم بها بواسطة عملية التفكير التي تتم في الدماغ. قد تبدو بعض هذه التطبيقات غريبة مثل القيام بممارسة العاب الفيديو بالتفكير. أو أن تقوم بتغير محطات التلفزيون باستخدام التفكير أيضا.
والتطبيق الأهم من هذا هو ما يمكن أن توفره هذه التقنية لشخص معاق فيمكنه أن يقوم بتحريك ذراع الكترونية تساعده في أداء بعض المهام أو التحكم بالكمبيوتر بمجرد التفكير فيما يريد.
يوضح الشكل أعلاه احد التطبيقات المتوقعة لتقنية BCI وهي مساعدة شخص غير قادر على تحريك ذراعيه أو التحكم فيها، فعندما يقوم الشخص بالتفكير في إغلاق يديه فان إشارات كهربية تصدر للعضلات لتستجيب لهذه التعليمات وعندما تكون هذه العضلات مصابه فان الكترود يقوم بتخطي المنطقة المصابة ويقوم بتوصيل إشارات الدماغ للعضلة المطلوبة وبتكرار المحاولة في إغلاق اليد فان برنامج كمبيوتر يقوم برصد هذه الإشارات وفهمها وعندها يمكن أن يقوم بإرسالها أيضا إلى ذراع الكترونية لتقوم بنفس العمل وهو إغلاق اليد.
وبالتالي فان كل حركة تقوم بها اليد بناء على إشارات الدماغ يفهمها كمبيوتر الذراع الالكترونية وبالتالي عندما تصدر إشارة الدماغ للذراع الالكترونية فإنها سوف تستجيب لها وتقوم بالحركة المطلوبة.
يقوم الدكتور Peter Brunner باستعراض وتوضيح فكرة التحكم بالكمبيوتر من خلال تقنية BCI في مؤتمر علمي عقد في باريس
معوقات على الطريق
بالرغم من ان العلماء قد تقدموا خطوات كبيرة في فهم المبادئ الأساسية لتوصيل الدماغ مع الكمبيوتر إلا ان الأمر لا يسير بدقة حسب التوقعات المفترضة وهذا يعود لعدد من الأسباب منها على سبيل المثال:
(1) الدماغ معقد للغاية حيث ان كل أفعالنا وأفكارنا هي عبارة عن إشارات كهربية ينتجها الدماغ إلا ان وجود 100 بليون خلية عصبية في دماغ الإنسان، وكل خلية منها ترسل وتستقبل إشارات كهربية عبر شبكة معقدة من التوصيلات، هذا بالإضافة إلى العمليات الكيميائية المتعلقة بعملية التفكير والتذكر والمشاعر كل هذا يجعل عمل الدماغ معقد جدا (سبحان الله).
(2) الإشارات الكهربية ضعيفة والتغيرات في فرق الجهد صغير جدا مما يجعل مراقبة الإشارات الكهربية الصادرة بواسطة الدماغ يحتاج إلى أجهزة فائقة الحساسية.
(3) الأجهزة المستخدمة في عملية الاتصال بين الكمبيوتر والدماغ في الأغلب أجهزة لا يسهل نقلها من مكان لأخر حيث يتطلب استخدام كمبيوتر وأسلاك توصيل ومجسات.
شخصان في ألمانيا يستخدمان أدمغتهم المتصلة مع الكمبيوتر لكتابة عبارة كيف حالك
شركات تعمل في مجال BCI توصيل الدماغ بالكمبيوتر
شركات قليلة تعمل في مجال الـ BCI حيث ان هذه الشركات لازالت في مجال الأبحاث العلمية، وقد نتجت عن هذه الأبحاث بعض المنتجات العملية ومنها:
(1) شركة Neural Signal طورت تقنية تمكن المصاب بالصم باستعادة القدرة على النطق. حيث يتم زرع شريحة الكترونية في المنطقة المسئولة عن النطق في الدماغ وهي منطقة تعرف باسم Broca، وتقوم هذه الشريحة بإرسال الإشارات إلى كمبيوتر ومن ثم إلى السماعات المتصلة به. ومع التدريب المستمر للشخص على استخدام هذه التقنية فانه أصبح من الممكن ان يقوم هذا الشخص بالتفكير في الكلمة التي يريد ان يقولها ومن ثم يقوم الكمبيوتر باستقبال الإشارات الصادرة عن الدماغ وتحويلها إلى كلمة مسموعة.
(2) قامت وكالة ناسا لأبحاث الفضاء بعمل مشابه ولكن عن طري قراءة الإشارات الكهربية من العصب الموجود في الحنجرة والفم بدلا من الاتصال مباشرة مع الدماغ. وأجريت تجربة ناجحة قام فيها الشخص تحت التجربة بالتفكير في طباعة كلمة NASA في محرك بحث جوجل وبالفعل نجح في ان يستجيب له الكمبيوتر ويجري البحث.
(3) طورت شركة Cyberkinetics Neurotechnology Systems ما يعرف بنظام BrainGate والذي يخدم شريحة المعاقين حركيا من خلال التحكم في الكرسي المتحرك وتوجيهه بالتفكير فقط، وكذلك التحكم في رجل إلي أو التحكم في مؤشر الماوس وتحريكه لعمل مهمات محددة على الكمبيوتر بمجرد التفكير. وفي هذا المقطع نشاهد كيف يقوم الشخص المستخدم لهذه التقنية بالتحكم بالكمبيوتر بواسطة التفكير.
(4) طور الباحثين اليابانيين تقنية BCI وذلك بان قام الشخص بالتحكم في تصرفات الشخص الوهمي له في الحياة الثانية على الانترنت (secondlife.com). وفي هذا المقطع نشاهد كيف يتحكم احد الاشخاص بالشخص الافتراضي في الحياة الثانية.
وفي النهاية نقول سبحان الله علم الإنسان.