مقالات في الفيزياء

كرة البروق

كرة البروق

ظاهرة جديدة يربطها الكثيرون بنيران القديس المو، ويرون بينهما رابطا لا يمكن فصله، وعلى الرغم من أن ظاهرة القديس إلمو يمكن تفسيرها بسهولة، فإن ظاهرة الكرة الضوئية عدت في كثير من الأحيان، وربما لغاية الآن، شيئا خوارقيا، تضاربت حوله الآراء وتشعبت التفسيرات.

كما قلنا، لم تحظى ظاهرة الكرة الضوئية بتفسير علمي مؤكد لغاية الآن، ربما لأنها نادرة للغاية، أو لأنها لا تمكث وقتا طويلا يمكننا من دراستها وإعطائها تفسيرا مقنعا..في العادة عمرها لا يتجاوز الخمس ثوان، رغم أن هناك من يدعي في كوينزلاند باستراليا أن الكرة الضوئية التي ظهرت هناك مكثت خمس دقائق كاملة، وكان لها حجم كبير للغاية، وهذا يخالف الكثير من المشاهدات البصرية التي تؤكد حدوث هذه الظاهرة، فحجم الكرة الضوئية كما يؤكدون لا يتجاوز حجم كرة البسيبول أو الغولف، وفي بعض الأحيان لا يتجاوز حجم حبة البازيلاء أو الفول الصغيرة.

كرة البروق

(الكرة النارية المضيئة غير الاعتيادية في حجمها – تجاوزت المائة متر! – وظهرت في استراليل لمدة خمس دقائق كاملة!)

 

ولو عدنا إلى المشاهدات تلك، لوجدنا تضاربا أيضا، وهذا طبيعي عندما تتحدث عن عشرة آلاف تأكيد من مناطق مختلفة، لكن الفكرة التي يمكن تصورها من القصص المروية، هو أن الكرة الضوئية تلك تتكون خلال العواصف الرعدية، او قريبا منها، ولو أن بعضها حدث في أجواء صحوة..الكرة المضيئة هذه تدخل البيوت وتمشي في الأروقة!، وتبقى طافية معلقة في الهواء تمشي على غير هدى، حتى تختفي، أو تلتصق بأي جسم تصادفه وتختفي( وهناك شواهد تؤكد أن بعض الكرات أذابت زجاج النوافذ بعد ملامسته لها) ، أو، وهذا نادر، تنتهي بانفجار.

اعلانات جوجل

في عام 1960 ظهرت تقرير يؤكد أن 5% من سكان الولايات المتحدة قد “رأوا” هذه الظاهرة ويؤكدون حدوثها، ناهيك عن التأكيدات البصرية التي توزعت في مناطق مختلفة من العالم.

الصورة الملتقطة للكرة الضوئية، كما لكم ان تتوقعوا، نادرة للغاية، وإن وجدت فهي على الأغلب ملفقة( لكننا سنورد ما وجدناه على أية حال).

الكرة الضوئية كما قلنا، كرة صغيرة، متوهجة، تطفو في الهواء وتتحرك. شكلها كروي – وهذا الأعم – وأحيانا تميل لتكوّن شكلا بيضاويا، أو على شكل قطرة ماء.

حجمها يتراوح ما بين 15 – 50 سم. وبالنسبة لألوانها فهي إما حمراء، صفراء، زرقاء أو بيضاء..

التفسير:

أول تفسير وضع كان من قبل العالم العظيم – والذي دارت حوله الكثير من التكهنات والأمور الخوارقية – نيقولا تسلا.

الشيء الغريب الذي تتميز به الكرة الضوئية هو قابليتها للطوف ، أو العوم.

الفرضية الشائعة لتفسير هذه الظاهرة هي أن الكرة الضوئية عبارة عن “بلازمويدPlasmoid”: كرة البلازمويد هي تركيب من بلازما على درجة عالية من التأينو مجال مغناطيسي ذاتي.

هذه الفرضية ليست خارقة كما قد يظن ( وفكرة البلازمويد وضعت فقط لتفسير هذه الظاهرة).

من المعلوم أنه عندما يتأين غاز لدرجة عالية (أي يصبح بلازما، وقد شرحناها ببساطة في نيران القديس إلمو) ويقترب من حالة الإتزان الديناميكي، فإن حرارته تكون عالية جدا، ولأنه يجب أن يكون في حالة اتزان مع الضغط الجوي المحيط، فهذا يستلزم أن يكون أخف وزنا، مما يجعله يطفو، أو يطير كما شوهدت الكرة الضوئية..ووجود المجال المغناطيسي ربما يقويها، لكنه لن يحد من قابيلتها للطفو..وكما هو واضح، بسبب محاول كرة البلازمويد الإتزان مع المحيط فإنه لا يمكنها البقاء طويلا.

“” كيف تحاول كرة البلازمويد أن تتزن مع محيطها؟: هناك عمليتان بهذا الشأن، الأولى تسمى Recombination، والثانية الاتزان الحراري.

 Plasma Recombination : عملية تتم في البلازما، حيث تقبض الأيونات الموجبة في البلازما على الالكيترونات  حرة الحركة، مما ينتج ذرات متعادلة.

وجد أن هذه العملية عند دراستها لا تحقق قوانين حفظ الزخم الخطي والحفظ الطاقة، وحتى يتم تحقيقها فأن هذا الخليط يحتاج “جسما ثالثا” لكي يتعادل معه، وهذا يفسر تلاشي كرة البلازمويد عند التقائها بجسم ما.

العامل الثاني وهو الإتزان الحراري، وهذا يعني انتقال الحرارة من الجسم الأعلى حرارة إلى الجسم الأقل حرارة. وهذا كما واضح السبب الآخر في تلاشي الكرة بعد زمن قصير، وذلك لأنها تفقد حرارتها وطاقتها في محاولة الاتزان مع المحيط كما أسلفنا”.

تحدثنا عن صفات تلك الكرة وكيف تفنى، لكننا لم نناقش كيفية تكونها!..

وهذا طبيعي، لأن التفسير كله نظري وإن تم تجريبه معمليا، رغم اعتراضات العلماء من أن الكرة التي تم انتاجها مخبريا لا تشابه الكرة الضوئية – أو كرة الصواعق كما يحلو للبعض أن يسميها – كما تحدثت عنها الشواهد البصرية.

كيف تضيء الكرة:

لو كانت العملية التي تحصل في الطبيعة كيميائية، لكان الفهم أسهل.

التفسير الأوليّ الذي وضعه العلماء هو حصول عملية أكسدة للتربة، وذلك عندما تضرب شرارة البرق القوية الجزيئات الصغيرة جدا الموجودة في التربة.

قام العلماء بتطبيق الفكرة معمليا ، حيث تم تبخير سيليكا ( وهي المكون الرئيسي لجزيئات التربة كما نعلم)، وتمرير تيار كهربائي فيها، مما أدى إلى ظهور” كرة ضوئية ذات عمر لا يتعدى الثواني القليلة”.

هناك آراء أخرى عن تدخل غاز الأوزون في عملية الأكسدة..وكل هذه آراء فقط لمحاولة تفسير هذه الظاهرة النادرة.

تفسيرات خوارقية:

بالطبع كما تقتضي الحاجة البشرية، تم الصاق تهمة “إتصال الأشباح بالأرض” و” محاولة غزو من الأطباق الطائرة ” بهذه الظاهرة الجوية البحتة.. وبدأت منظمة UFO  كما يحلو للأمريكيين أن يسموها ( UFO= Unidentified Flying Object ، ويسمى هذا النوع بـ اللقاءات من النوع الثالث) بابتداع تفسيرا ومحاولة إيجاد رابط بينها وبين ما تملكه من معلومات عن الأطباق الطائرة..

هناك تفاسير أسطورية لها، وقد وردت في الكثير من الأساطير اليونانية، والمؤلفات الأدبية، وحتى في الميثولوجيا اليابانية؛ حيث تقول الأسطورة أن الكرة الضوئية هذه هي غضب رب الصواعق رايجين على الأرض!.وحتى في أساطير الباسيفيك، تميل الروايات إلى الادعاء بأن الكرة الضوئية هي الإله- ماري أو سوجار – ينتقل بين الجبال !!..

لكن، أين الحقيقة بين كل الأساطير والنظريات؟

كل الشواهد تؤكد أنها موجودة، لكن كيف تكونت بالضبط؟ وما فائدة المجال المغناطيسي الذاتي الذي يتحدثون عنه؟

هل هو مصدر الإضاءة؟ أم أن العملية كيميائية بحتة؟

هل هو السبب في تحليقها متحدية كل قوانين الجاذبية؟

هل فكرة البلازمويد الأخف وزنا، صحيحة؟

وهل يمكن التأكيد منها معمليا؟

هل هي بالفعل أجسام زائرة من مكان آخر في هذه المجرة؟

حتى نمسك بكرة ضوئية، وندرسها عن قرب، ستبقى كل التفسيرات أمرا لا يمكن التثبت منه.

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى