تطور المفاعلات النووية منذ 1950 … دعوة نحو التفكير في الاعتماد عليها عربيا
على الرغم من أنه ولعقود من الزمن كانت وما زالت الحجج ضد الطاقة النووية قوية بسبب الكارثتين التي تعرضت لهما محطتة تشرنوبل الروسية ومحطة يوكوشيما الياباني الا ان هناك مجموعة كبيرة الشركات النووية بدعم من العلماء والسياسيين، الذين يقولون نحن بحاجة للطاقة النووية لمكافحة تغير المناخ يزعمون أن جميع المشاكل المرتبطة بالطاقة النووية قد حلت او على وشك ان تحل. وتشير تشير التقارير الدولية إلى أن مجموع الاستثمارات المالية، المتوقع ضخها في تشييد محطات جديدة للطاقة النووية، على صعيد عالمي، قد تصل إلى 300 مليار دولار مع حلول العام 2020. لقد اردت من الكتابة في هذا الموضوع من جلب الانتباه اصحاب القرار العربي في ضرورة التفكير جديا في الاعتماد على محطات الطاقة النووية الحديثة ولا سيما ان العالم قد تعلم الكثير من الدروس امتلك الخبرات الاساسية الكفيلة بضمان تشغيل المحطات النووية بسلام وامان وقد تم تحديث انظمة التبريد والتحكم في التفاعلات الانشطارية بما يضمن الحصول على طاقة مستدامة تحل مشاكلنا في الحاجة المتزايدة للكهرباء.
في هذا المقال سوف اتحدث عن التقنيات الحديثة التي صاحبت تطور وتحسين المفاعلات النووية منذ العام 1950 وحتى يومنا هذا.
الطاقة النووية هي الطاقة التي يتم توليدها عن طريق التحكم في تفاعلات انشطار أو اندماج الأنوية الذرية. تستغل هذه الطاقة في محطات توليد الكهرباء النووية، لتسخين الماء لإنتاج بخار الماء الذي يستخدم بعد ذلك لإنتاج الكهرباء.
صورة حجيرة مفاعل ضعط اثناء بنائها في العام 1956 ضمن برنامج المفاعلات البحرية التابع لقسم الطاقة في الولايات المتحدة الامريكية.
اصدر اربعة علماء مناخ دولين (مشار لهم في الرابط الاول) هذا النداء إلى العاملين في مجال البيئة في نوفمبر من العام 2013، من باب الدعوة لان تكون الطاقة النووية جزء من حلول التغير في المناخ العالمي. اننا نريد ان نقلل من انبعاث ثاني اكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الاحفوري. ان الطاقة النووية هي الخيار الافضل اليوم، انها تستطيع ان تولد طاقة كهربية بشكل كافي وآمن واقتصادي ومستمر وبطريقة مؤمنة تواكب امدادات مصادر الطاقة الخالية من الكربون مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتكنولوجيا المفاعلات النووية قد تطورت كثيرا منذ مولدها خلال الحرب العالمية الثانية.
نموذج بحجم طبيعي لمفاعل فيرمي CP-1 الذي تم بناؤه في جامعة شيكاغو.
القصة الاصلية للطاقة النووية
بدأت الطاقة النووية تحت مدرجات ملعب كرة قدم في جامعة شيكاغو. كان هذا في نهاية العام 1942 حيث تمكن مجموعة من العلماء بقيادة انريكو فيرمي Enrico Fermi من صناعة اول مفاعل نووي. مثل كل المفاعلات النووية التي تلته يعمل هذا النوع على فصل ذرات الوقود ويحولها إلى عناصر اخف – تعرف هذه العملية بالتفاعل الانشطاري والذي يتنج عنه طاقة كبيرة جدا، تقدر باكثر من مليون مرة من تلك التي تتحرر من التفاعلات الكيميائية.
قام فريق فيرمي بتجميع وقود من اليورانيوم القابل للانشطار في داخل قطع من الجرافيت على شكل مصفوفة. يعمل هذا التصميم للوقود على ابطاء سرعة التفاعل لاول نيوترونات تنتج عن الانشطار بمقدار يسمح للتفاعل بالاستمرار. اثبت مفاعل فيرمي انه يمكن التحكم بشكل مستدام في التفاعل الانشطاري المتسلسل، الحصول على تفاعل متسلسل، وهذا مهد الطريق نحو مفاعلات اضخم قادرة على توفير الطاقة الكهربية لمدن ومناطق كبيرة.
في مطلع العام 1955 اشرف الاميرال ريكوفر على بناء والاطلاق الناجح للغواصة Nautilus. استخدم لدفع الغواصة وتحريكها مبرد ماء خفيف لاستخلاص الطاقة المتحررة من التفاعل الانشطاري في قوالب وقود من اليورانيوم العالي التخصيب. المبرد المائي المضغوط يمتلك كثافة كافية لابطاء النيوترونات بشكل كافي للابقاء على التفاعل الانشطاري المتسلسل مستمرا. بالاعتماد على الاستخدام الناجح لمفاعل الماء الخفيف في دفع الغواصة وفي محركات السفن الحربية اعتبر تصميم مبرد الماء مناسب جدا لاستخدامه والاعتماد عليه في تجهيز محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة الامريكية وتستخدم الان في مختلف انحاء العالم لانتاج الكهرباء جنبا إلى جنب مع مفاعل الماء المغلي.
ملاحظة: مفاعل الماء الخفيف (light water reactor) هو نوع من المفاعلات النووية الحرارية thermal reactor يستخدم الماء العادي كمهدئ للنيوترونات وللتبريد، بعكس إالمفاعلات التي تستخدم الماء الثقيل لتهدئة سرعة النيوترونات وكمبرد. ومفاعلات الماء الخفيف هي أكثر أنواع المفاعلات انتشارا والتي تستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية.
توجد ثلاثة أنواع من مفاعل الماء الخفيف وهي، مفاعل الماء المضغوط ، ومفاعل الماء المغلي ومفاعل الماء فوق الحرج.
الحرارة الناتجة عن مفاعلات الماء المضغوط تعطي بخار يعمل على تحريك توربينات توليد الطاقة الكهربية.
تطور مبدأ المفاعل النووي تدريجيا على مدار 60 عاما، باستخدام انواع اخرى من المبردات مثل الغاز او الملح المذاب او المعادن السائلة بما فيها الصوديوم والرصاص التي تسمح بتشغيل المفاعلات عند درجات حرارة عالية والحصول على كفاءة اعلى.
اعطي اهتماما كبيرا نحو امور السلامة والامان للمفاعلات النووية، وكذلك نحو تكاليف الانشاء والصيانة والتحكم في الوقود ادى إلى تطوير بناء المفاعلات النووية المستخدمة حاليا – حوالي 100 مفاعل نووي في امريكيا واكثر من 400 مفاعل نووي في العالم. معظم هذه المفاعلات مصممة بتقنية الماء المضغوط كمبرد وهو نفس التصميم المستخدم في غواصة Nautilus والتي تعمل على استخلاص الحرارة الناتجة عن التفاعل الانشطاري وتحويله لتوليد التيار الكهربي.
الجيل القادم للطاقة النووية والذي من الممكن الاعتماد عليه لتوليد الطاقة بسلام وامان
تمتلك الطاقة النووية القدرة على توليد الطاقة الكهربية لدول بدون الحاجة لمصادر بديلة للوقود، وهذا يدعم التوجهه العام نحو المحافظة على استقرار المناخ والحصول على الطاقة الكهربية بدون المزيد من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون، والتخلص من الوقود المؤدي إلى تلوث الهواء. في ضوء المزايا العديدة للمفاعلات النووية توجه الباحثون والمهندسون في المختبرات الدولية والجامعات والقطاعات الخاصة نحو الابتكار والابداع في مجال المفاعلات النووية وهنا نذكر اربعة تصاميم مختلفة للمفاعلات النووية العصرية التي تعد الجيل القادم من مفاعلات توليد الطاقة الكهربية بالطرق النووية الاكثر سلامة وامنا.
النوع الاول: يحتاج المفاعل النووي إلى وقوده من اليورانيوم الطبيعي وبهذا فهو ليس كمثل المفاعلات النووية الحالية التي تعمل باليورانيوم المخصب، وبالتالي يكون لدينا امدادات وفيرة من وقود اليورانيوم.
النوع الثاني: مفاعل يعمل على الوقود المصنع من مخلفات المفاعلات الحالية او من وقود المفاعل نفسه والمعاد تكراره لاستخدامه مرة اخرى. ان مفاعلا من هذا النوع موجود بالفعل في الصين وروسيا ويتم بناؤه حاليا في روسيا والهند وتم تصميمه في فرنسا.
كلا من هذين النوعين للمفاعلات النووية يتم تبريدها بستخدام الصوديوم والرصاص. وكلا هذين العنصرين لا يعملان على ابطاء النيوترونات لانهما لهما وزن ذري اعلى من مكونات الماء. ولهذا يعرف هذا النوع بالمفاعلات السريعة نسبة إلى سرعة النيوترونات. تسمح السرعة العالية للنيوترونات بالتفاعل مع مادة الوقود واستخلاص الطاقة الكاملة لليورانيوم وخرص الوقود المستنفذ.
مخطط مفاعل السرير الحصوي
النوع الثالث: يعد مفاعل درجة الحرارة العالية الغازي والمستخدم في الولايات المتحدة الامريكية والذي يتم بناؤه الان في الصين ايضا من المفاعلات الرائدة والذي يعمل بالتبريد الحراري للهيليوم. يستخدم هذا المفاعل وقود موضوع داخل قطع كروية من الجرافيت ومن هنا جاء اسم هذا النوع من المفاعلات والذي يطلع عليه اسم مفاعل السرير الحصوي pebble bed reactor type. انه يعمل عند درجات حرارة عالية يمكن ان تستبدل الحاجة للغاز الطبيعي المستخدم للعديد من العمليات الكيميائية وايضا كافيا لانتاج كميات كبيرة من الهيدروجين والذي يعد وقود القرن الواحد والعشرين.
النوع الرابع: مفاعل درجة حرارة عالية اخر يستخدم نفس النوع من وقود اليورانيوم في قطع من الجرافيت لكن مع وجود مبرد من املاح الفلوريد السائلة والتي تعد ذات وزن ذري صغير. من المهم هنا ان نعلم ان خواص ملح الفلوريد تسمح بالتشغيل عند درجات حرارة عالية جدا لانتاج الكهرباء بدون تبريد عند ضغط عالي او غليان ولذلك التركيب الانشائية ذات الجدران الرقيقة سوف تقلل من التكلفة الاجمالية لانشاء محطة نووية.
كل نوع من انواع المفاعلات النووية الاربعة سوف تعمل على تعزيز الامان والفعالية والناحية الاقتصادية للطاقة النووية.
قطع وقود نووية مصنوعة من يورانيوم معالج
تعزيز نظم الحماية والوقاية في المفاعلات الحديثة
لكن للوصول إلى تحقيق القبول الاقتصادي والصناعي والتجاري فان المبادئ الجديدة التي تحدثنا عنها في تصميم المفاعلات النووية بمختلف انواعها يجب ان تحقق تحسن في جوانب السلامة والامان والتكلفة ايضا. لذلك يجب على محطات الطاقة النووية المتقدمة المعتمدة على تقنية مفاعلات الماء الخفيف والتي اثبتت فعاليتها ان تستبدل الاسطول الحالي من المفاعلات القديمة.
مكاسب السلامة والامان التي تم التوصل لها حاليا من خلال الاعتماد على انظمة حماية المفاعلات النووية والتي تعمل وفقا لقوانين الطبيعة مثل الجاذبية والدورة الطبيعية بدلا من الاعتماد على انظمة يتطلب عملها طاقة كهربية. انظمة التبريد للطوارئ يمكن ان تعمل اوتوماتيكيا لتعطي الكمية اللازمة من التبريد لمنع حدوث اي ضرر عن طريق التدفق والانسياب المعتمد على الجاذبية بدون الحاجة إلى طاقة كهربية لتشغيلها.
الطاقة الكهربية اللازمة للعالم في تزايد ونمو. حوالي 1.2 مليار فرد لا يحصل على الطاقة الكهربية ولا يمكن ان نتجاهل قدرتنا على تحسين جودة حياتهم. تزود الطاقة النووية مصدرا نظيفا وامن وعلى نطاق واسع للطاقة الكهربية جنبا إلى جنب مع مصادر الطاقة النظفية ويمكن ان تلبي حاجة العالم بطريقة بيئية مستدامة.
مصادر مهمة
Top climate change scientists’ letter to policy influencers