المعلم هو أساس العملية التعليمية الناجحة، وقد جاء الاهتمام باعداد المعلم وتنمية مهاراته في قمة الأولويات، إذ أن كل شيء يتعلق بتطوير الإنسان يأتي أولاً، وأنه يعتبر من الأولويات الأساسية في بناء البشر وصولا لمستقبل أفضل. ويتصف هذا العصر بالتسارع في المعرفة والتكنولوجيا والتغيرات المتلاحقة في العلوم على اختلافها، وهذه التغيرات اللامتناهية تتطلب تطوير قدرات المعلم وتنمية معارفه ومهاراته وفق المستحدثات الجديدة، وهذا لن يتحقق ما لم يكن لدى المعلم حب التطلع للمعرفة واكتســابها، والرغبة في الابتكار وتقديم الأفضل.
أن استخدام التكنولوجيا الجديدة في التعليم استدعى وجود أدوار جديدة للمعلمين، واستحداث أساليب تربوية جديدة لإعداد وتأهيل هؤلاء، حيث يتوقف نجاح دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في قاعة الدرس على قدرة المعلمين على بناء بيئة للتعلم بوسائل غير تقليدية، ودمج التكنولوجيا الجديدة مع الأساليب التربوية والتثقيفية الجديدة، وتطوير قاعات درس نشطة اجتماعياً، تشجع الأسلوب التفاعلي، والتعلم القائم على التعاون، والعمل ضمن فرق صغيرة، وهذا يتطلب مجموعة من المهارات التي ينبغي أن يمتلكها معلمو العصر الرقمي.
المهارة الأولى: تنمية المهارات العليا للتفكير
تعد مهارات التفكير من العمليات الأساسية في السلوك الإنساني، فهي السمة المميزة للإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، وأصبحت برامج تعليم التفكير وتنميته هدفًا رئيسًا من أهداف المؤسسات التربوية، وعليه فإن الكثير من القائمين على العملية التعليمية يتفقون على ضرورة تعليم التفكير وتنمية مهاراته لدى المتعلمين، خاصة أن هناك دولاً تبنت هذه الوجهة في عملياتها التعليمية ومنها اليابان وأمريكا وسنغافورة وماليزيا وغيرها الكثير. ويقصد بتنمية المهارات العليا للتفكير هو استطاعة المتعلم على تقديم ما تعلمه باسلوبه الخاص مستندا إلى الوعي والادراك والقدرة على استرجاع المعلومات المختلفة، ليكتسب القدرة على التخطيط واتخاذ القرارات وحل المشاكل المختلفة واجراء المحادثات والمناقشات وتحليل البيانات واستكشاف المعلومات….
المهارة الثانية: إكساب الطلاب المهارات الحياتية
هي تلك المهارات الحياتية التي يكتسبها المتعلم من قبل المعلم، فصحيح أن المعلم يدخل إلى الحجرة الدراسية ليعلم طلابه معارف أكاديمية، ولكن في ذات الوقت يكتسب المتعلم من المعلم أمورًا تتعلق بطريقة التواصل وإدارة . ومن هنا تؤكد أدبيات العصر الرقمي على الكثير من المهارات الحياتية التي ينبغي على المعلم أخذها بعين الاعتبار عند تعليمه لطلابه، بحيث تخرج من حيز المنهج الخفي إلى حيز المنهج المُعلن، بل هناك من يرى ضرورة أن يكون ضمن المناهج الدراسية مقررات مستقلة تحت مسمى المهارات الحياتية، ومن المهارات الحياتية التي يتوقع أن يقوم معلمو العصر الرقمي بتنميتها لدى المتعلمـين ما يتعلق بالمهارات الحياتية الشخصية مثل (اتخاذ القرار ونقد الذات وتعـزيز الذات وتطوير القدرات وتحديد الأهداف وإدارة الوجدان والتوافق النفسي والثقة بالنفس وإدارة الوقت والمرونة)، هذا إلى جانب المهارات الحياتية الاجتماعية مثل (التعامل مع الشخصيات الصعبة، والسيطرة على الغضب والعمل الجماعي والتعامل مع المواقف الضاغطة وتكوين علاقات اجتماعية ناجحة والتفاوض والحوار والإقناع وتقبل الآخرين).
المهارة الثالثة: إدارة قدرات الطلاب من خلال التدريس المتمايز
التدريس المتمايز هو تعليم يهدف إلى رفع مستوى جميع الطلبة، وليس الطلبة الذين يواجهون مشكلات في التحصيل، إنه سياسة تأخذ باعتبارها خصائص الفرد وخبراته السابقة، وهدفها زيادة إمكانات وقدرات الطالب، والنقطة الأساسية في هذه السياسة هي توقعات المعلمين من الطلبة، واتجاهات الطلبة نحو إمكاناتهم وقدراتهم.
المهارة الرابعة: مهارة دعم الاقتصاد المعرفي
يقوم الاقتصاد المعرفي بدور مهم في توليد المعرفة واستثمارها ومن ثم تحقيق الثروة، ففي عصر الثورة الصناعية تحققت الثروة عبر استثمار الآلة عوضًا عن الإنسان، وفي اقتصاد القرن الحادي والعشرين تتحقق الثروة من خلال الاستثمار في المعرفة وخاصة في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ومن أهم مظاهر الاقتصاد المبني على المعرفة:
- سرعة توليد ونشر واستثمار المعرفة.
- زيادة في البيئة التنافسية العالمية.
- زيادة أهمية ودور المعرفة والابتكار في الأداء الاقتصادي وفي تراكم الثروة.
يحتاج معلم العصر الرقمي لدعم الاقتصاد المعرفي أن يقوم بالأدوار التالية:
- التنويع في أساليب التعلم لتوائم الحاجات المتنوعة للطلبة، وتراعي الفروق الفردية بينهم.
- استخدام تطبيقات من الحياة اليومية بحيث تربط ما يتعلمه الطلبة بحياتهم العملية، وبما يمكن البناء عليه مستقبلا.
- الاستجابة لمستويات عليا من الأسئلة (مثل: التطبيق، التحليل، التركيب، التقويم).
- قضاء وقت أكبر في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تساعد على إدراك المفهوم الجديد.
- تطوير أنشطة لتنمية روح العمل الجماعي واستخدام المهارات البين شخصية إضافة إلى أنشطة التعلم الفردية.
المهارة الخامسة: استخدام وإدارة تكنولوجيا التعليم
في ظل ثورة المعلومات والتقدم التكنولوجي الذي فرض نفسه على تعليم القرن الحادي والعشرين، لم يعد للمعلم النمطي الذي يركز فقط على حفظ المعلومات، مكانًا يذكر في النظم التعليمية الحديثة التي تركز على الأساليب التكنولوجية الحديثة في تصميم وتنفيذ البرامج التعليمية وهذا يتطلب من معلم العصر الرقمي أن يكون قادراً على استخدام التكنولوجيا وإدارتها وتوظيفها في عملية التعليم، بل إنه مطالب بأن يُحدث معارفه ومهاراته التي تمكنه من القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة والمتطورة باستمرار، فما نشهده من ثورة معلوماتية وتكنولوجية حالية وما سنشهده من تطور هائل في مجال المعلومات والتكنولوجيا سوف يفوق طاقة تخيلنا اليوم عما سيكون عليه المستقبل، حيث يتوقع الخبراء ان حاسوب المستقبل سوف يدمج كلا من علوم المعلومات وعلوم الحياة معاً في ثورة تقنية واحدة.
إن مثل هذا التطور السريع يتطلب غرس وتنمية مهارات وقدرات علمية لها من الصفات ما يجعلها مشاركة، وغير متلقية فقط في مجال تطوير استخدام التكنولوجيا، وأولى الخطوات في ذلك تأهيل معلمي المستقبل وتفعيل دورهم، حيث أن معلم اليوم يعيش في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي، وعصر التفجر المعرفي والثقافي السريع، وعصر الابتكارات والتجديد، ويتجلى هذا بوضوح في ازدياد المعرفة الإنسانية المتطورة القائمة على اكتشاف حقائق وقوانين ونظريات جديدة كل يوم بشكل لم يسبق له مثيل من قبل.
إن الأدوار الجديدة لمعلم العصر الرقمي تفرض عليه أن يكون مزوداً بمهارات كيفية استخدام تكنولوجيا التعليم، إضافة إلى ضرورة تخليه عن مهمة تقديم المعلومات وتلقينها لطلبته، ويجعل همه توظيف مهاراته وكفاءاته التعليمية في تشخيص مستويات المتعلمين، وتحديد أولوياتهم وأنماط تعلمهم، وتقويم مستويات تحصيلهم وإنجازاتهم لتهيئة بيئة ومواد تعليمية وأنشطة مناسبة لكل متعلم أو مجموعة من المتعلمين في ضوء الأهداف المنشودة.
المهارة السادسة: القدرة على التفكير الناقد
يمثل إعداد المتعلمين وفقا لمهارات التفكير الناقد أحد المهام الأساسية لتربية العصر الرقمي، ومن الممارسات التي ينبغي على المعلم أن يقوم بها لغرس وتنمية مهارة التفكير الناقد لدى طلابه وهي:
- التخطيط للمواقف والخبرات التعليمية: حيث يعد المعلم مخطط الخبرات التعليمية نحو مشكلات الحياة الواقعية، من خلال التعامل على نحو إبداعي مع مواقف واقعية في حياة الطلبة.
- توظيف مبادئ ديناميات المجموعة في توطيد مناخ جماعي متماسك، يسمح فيه بالتعبير عن الرأي والاستكشاف الحر.
- إثارة حب الاستطلاع والاهتمام لدى طلابه، وحفزهم على المبادرة وحب الاستطلاع والاهتمام بالمشكلات المطروحة.
- طرح الأسئلة الملائمة ذات المعنى لتعزيز التعلم بالخبرة، وتؤدي الأحداث الصفية وغير الصفية عمومًا إلى الاعتقاد بأن الأسئلة المطروحة وطريقة البحث عن إجابتها تعكس نوعية التعلم بصورة أكبر مما تعكسه الإجابات نفسها، وتشجيع الطلبة على طرح الأسئلة ومناقشة المواقف المختلفة.
- تجنب تزويد الطلبة بالإجابات عن التساؤلات التي يطرحونها بل عليه أن يعينهم على السعي للوصول إلى الاستنتاجات بأنفسهم.
وعليه فانه بات من الضروري الاخذ بالاعتبار تنمية وتطوير المعلمين مهنيا بما يتناسب مع معطيات العصر الرقمي وانعكاساته على التعليم، فلقد بات من الضروري تأهيل المعلمين وتنميتهم مهنيا بطريقة تمكنهم من القدرة على التكيف والتفاعل مع المعطيات الجديدة للعصر الرقمي ليكونوا مزودين بالخبرات والمعارف والمهارات التي تعينهم على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية المرتبطة بمهنة التعليم، لا سيما وأن تطويرهم وتنميتهم مهنيا ينعكس على دعم الطلاب، وزيادة قدرتهم على فهم التغيرات والتحولات المعاصرة.
شكرا دكتور حازم على هذه المعلومات القيمة