الحس المغناطيسي لدى الحيوانات
الحس المغناطيسي لدى الحيوانات: أولُ دليلٍ على أنَّ المغناطيسية تُساعِدُ أسماكَ السلمون على إيجادِ طريقها الى مسقطِ رأسها
ترجمة أ. عبد الرحمن المشعل
بكالوريوس اللغة الإنجليزية من سوريا ويعمل في نفس المجال في المملكة السعودية
تسبحُ أسماكُ السلمون الأحمر عادةً ما يقاربُ 4000 ميل مُهاجرةً في مياهِ المحيطِ ثمَ وبعدَ عدة سنين تُبحرُ عائدةً عكسَ التيار الى النهرِ الذي ولِدَت فيه لتضعَ بيوضها. ولطالما تساءل العلماءُ والصيادون والناسُ العاديون عن مقدرةِ أسماكِ السلمون على ايجادِ طريقِها الى الأنهارِ التي ولِدَت فيها بعدَ تِلكَ الرحلةِ الملحمية.
كيف يفعل السلمون ذلك؟
تقترحُ دِراسةٌ جديدةٌ نُشِرَت في عددِ هذا الأسبوع من Current Biology ومُوّلَت بشكل جزئي من الجمعية الوطنية للعلوم (National Science Foundation) أن السلمون يجِدُ النهرَ الذي ولِدَ فيه عن طريقِ احسَاسِهِ بالإشارةِ المغناطيسيةِ الفريدةِ للنهرْ.
كجُزءٍ من الدِراسة استعمل الباحثون بيانات تعودُ لأكثرَ من ستةٍ وخمسينَ عاما” من مصائدِ السلمون للتعرُفِ على الطُرقِ التي يسلُكُها قادِما” مِن وجهته في أقاصي الشَمال والتي تكونُ غالبا” قُربَ آلاسكا أو جزرِ الوشيان (Aleutian Islands) في المُحيطِ الهادئ، نَحوَ مَصَبِ النهرِ الذي ولِدوا فيه وهو نهر فرايزر في مقاطعة بريتش كولومبيا في كندا ( Fraser River in British Columbia، Canada )، وقاموا بمقارنةِ هذه البياناتِ مع كثافةِ الحقلِ المغناطيسي للكرةِ الأرضية في المناطق المحورية للطريقِ الذي يسلُكُهُ السلمون المهاجر.
للكُرةِ الأرضيةِ حقلٌ مغناطيسي يَضعُفُ كلما اقتربنا من خطِ الاستواء وابتعدنا عن القطبين ويتغيرُ تدريجيا” مع مُرورِ السنين، ولذلك فإن الكثافة المغناطيسية لأي موقعٍ من الكرة الأرضية هي كثافةٌ فريدة تختلف عن أي موقِعٍ أخرَ وتتغيرُ
بشكلٍ بسيط من سنةٍ الى أُخرى.
تقعُ جزيرةُ فانكوفر (Vancouver Island ) بالضبط مُقابلِ مصبِ نَهرِ فرايزر وبالتالي فهي تحجُبُ أيَّ طريقٍ مُباشرٍ إليه من جهة المُحيط الهادئ، على ايَّةِ حال فإن أسماك السلمون تنزلقُ خلف جزيرة فانكوفر وتصلُ الى مصبِ النهر من الشمال عبر مضيقِ كوين شارلوت (Queen Charlotte Strait ) أو من الجنوب عبرِ مضيقِ خوان دي فوكا (Juan De Fuca Strait).
تُظهرُ نتائجُ الدِراسة أن كثافةَ الحقلِ المغناطيسي هي التي تُحددُ بشكلٍ كبير المُنعطِفِ الذي تسلُكُهُ اسماكُ السلمون حولَ جزيرةِ فانكوفر، ففي أيِّ سنة يسلُكُ السلمون المُنعطَفَ ذو الحقلِ المغناطيسي الأكثر شَبَها” بالحقلِ المغناطيسي لنهرِ فرايزر في السنين التي قبلها حينَ غادرَ نهر فرايزر مُتجِها” الى المحيط الهادئ.
يقولُ ناثان بوتمان، وهو باحثُ حائزٌ على شهادةِ الدكتوراه في جامعة ولايةِ اوريجون ( Oregon State University) والمؤلفُ الرئيسي لهذه الدراسة : ” تتوافق نتائجُ الدراسةِ مع فكرةِ أن أسماك السلمون صغيرةَ السنِّ تطبعُ في ذاكرتها التوقيعَ المغناطيسي للنهرِ الذي ولِدتْ فيه ومن ثُمَ تبحث عن هذا الحقلِ المغناطيسي في طريقِ عودتها مهاجرةً لتضع بيوضها”.
نتائج هامة:
مِنَ المعروف مُنذُ فترةٍ طويلةٍ أن بعضَ الحيواناتِ تستخدمُ عادةً الحقلَ المغناطيسي للكرة الأرضيةِ لتوجِهَ نفسها وتتبع طريقا” مباشرا”. ولكن على ايَّةِ حال لم يوثقُ العلماءُ من قبلُ أبدا” قدرةَ هذهِ الحيوانات على فهمِ وتعلُّمِ الحقلِ المغناطيسي بدلا” من وراثة هذه المعلومات بكل بساطة واستخدامها لإيجادِ موقعٍ مُحدد.
تُعطي هذه الدراسةُ أولَ دليلٍ تجريبي على قدرةِ الحيوانات على طباعةِ وفهمِ المغناطيسية الأرضية وتمثلُ اكتشافَ ظاهرةٍ جديدةٍ وهامةٍ في علمِ الأحياءِ السلوكي (Behavioral Biology).
وبالإضافةِ الى ذلك فإن هذه الدراسة تقترح أنَّهُ من الممكن التنبؤُ بتحركاتِ أسماكِ السلمون باستخدامِ نماذِجَ للمغناطيسيةِ الأرضية وهو تطورٌ لهُ آثارٌ هامةٌ في مجالِ التحكمِ في مصائدِ الأسماك.
الخروجُ على الخريطة:
يقولُ بوتمان أن العُلَماءَ لا يعرفونِ بالضبط متى تبدأ اسماكُ السلمون بالتحققِ من الحقل المغناطيسي الأرضي لمعرفةِ مواقِعها الجُغرافية خِلالَ رِحلاتها عائدةً الى مسقطِ رأسها، ولكن ليستطيعَ السلمون الانطلاق في رحلتِهِ من مَواقعَ في وسَطِ المحيطِ الهادئ تبعد 4000 ميل يحتاجُ ان يختار مسارا” صحيحاً لبدءِ الهجرة في وقتٍ مُبكر وأن يعرفَ من أي طريقٍ يبدأ رِحلَتَهُ، لذلك فمنَ المحتملِ أنهُ يستعملُ الحقلَ المغناطيسي.
يُتابعُ بوتمان: ” بعدَ أن يبدأ السلمون رِحلَتهُ في ذلك المسار فإنَ تياراتَ المحيطِ وقوىً أخرى قد تُخرِجُهُ عن مسارِهِ وبالتالي فمن الأرجح انه يحتاجُ أن يتحقق من موقعِهِ المغناطيسي عِدةَ مراتٍ خلالِ هجرته ليبقى في الطرِيقِ الصحيح. وما إن يقتربَ منَ الساحل فإنه يحتاج أن يشحذ قدرته ويركز أكثرَ على هدفه، لذلك فمنَ الأرجح انه يتحقق عددً أكثرَ من المرات في هذهِ المرحلة من الهجرة.
يقول بوتمان أنه حالما تصلُ أسماكُ السلمون الى النهرِ الذي ولِدَت فيه فإنها تستعمل حاسةَ الشمِ لديها لإيجادِ رافدٍ محددٍ من النهرِ حيثُ ولِدَت. على ايَّةِ حال فإن المغناطيسية هي وسيلةٌ مفيدةٌ أكثرَ من الروائحِ في الرحلات ذات المسافات الطويلة، فالمغناطيسيةُ على عكس الروائح يمكن العثورُ عليها عبرِ آلافِ الأميال من المحيط المفتوح.
رحلةٌ طويلةٌ وغريبة:
كباقي أنواعِ السلمون في المحيط الهادئ، يضعُ السلمون الأحمر بيوضَهُ في قيعان الأنهارِ والجداولِ المفروشة بالحصى وبعدَ أن تفقسَ البيوضُ تخرجُ أسماكُ السلمون الصغيرة من قاعِ النهرِ وتُمضي ما يقاربُ سنتين أو ثلاث في المياهِ العذبةِ ثمَ تُهاجِرُ مع التيار الى المُحيط.
يسافرُ السلمون بعد ذلك آلافَ الأميال من النهرِ حيثُ مسقَطُ رأسِه بحثاً عن الغذاء في شمال المُحيطِ الهادئ لسنتين أُخرَيين ثم تعودُ اسماك السلمون البالغة المتخمة بالغذاء مهاجرةً الى نفس القيعانِ المفروشة بالحصى التي ولدت فيها.
حينِ يهاجِرُ السلمون فإنه ينتقلُ من المياه العذبةِ الى مياهِ البحر وبالعكسِ عندَ الإياب، خلال هذا الانتقال يخضعُ السلمون لعمليةِ انسلاخٍ يقولُ عنها بوتمان أنها تُشبِهُ من الناحية الدراماتيكية عملية انسلاخ اليعسوبِ وتحولِهِ الى فراشة. تتضمن عمليةُ الانسلاخ هذه استبدال أنسجة الخيشوم التي تمكنُ السمكة َ من الحفاظِ على التوازنِ الصحيحِ للملح في بيئتها فالسلمون يحتفظُ بالملحِ عندما يكونُ في المياهِ العذبةِ ويضخه خارجاً عندما ينتقلُ الى المياهِ المالِحة.
تقومُ أسماكُ السلمون عادةً بهجرتها التي فرضتها عليها الطبيعةُ ذهاباً وإياباً والتي قد تصل مسافتها الى 8000 ميل مرةً واحدةً في حياتها، حيثُ تموتُ عادةً بعدَ أن تضعَ بيوضَها.