الاختفاء…..من روايات الخيال العلمي إلى أرض الواقع
“عندما نزلت من الدرج كانت هناك مشكلة غير متوقعة لأنني لم أرى قدمي أثناء النزول، برغم هذا كنت أشعر بإثارة كأنني مبصر في مدينة عميان، أردت أن أضرب الناس على ظهورهم وأجعل قبعاتهم تطير…عموما كنت استمتع بهذا التفوق الاستثنائي”
كانت هذه كلمات “جريفين” تلك الشخصية التي صاغها أسطورة الخيال العلمي جورج ويلز H.G Wells في روايته العبقرية “الرجل الخفي” The Invisible Man التي الهبت خيال وعقل كل من قرأها والتي كتبها عام 1897.
فلطالما حلم الإنسان بأن يكون متخفيا وبذل من أجل هذه الغاية الكثير من المال والجهد ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم تبذل محاولات حثيثة من العلماء من سائر بلدان العالم المختلفة والتي سنسرد بعضا منها، لكن قبل ذلك أود منك أن تتأمل النظرية التي استخدمها ويلز في التخفي، ولتعلم أن الخيال دائما كان منطلقومهد الكثير من الحقائق والابتكارات التي ربما تحول مجرى حياتنا.
يقول ويلز على لسان “جريفين”: “الفكرة هنا معالجة المادةسواء كانت سائلة أو صلبة دون تغيير خواصها بحيث ينخفض معامل انكسارها ليساوي معامل انكسار الهواء…. يعتمد ظهور الأشياء على تعاملها مع الضوء…إما يعكسها أو يكسرها أو يمتصها، لو لم يفعل أي من هذا لن يكون ظاهرا”
ملحوظة: معامل انكسار الضوء (Refractive index) هو مقياس لسرعة الضوء في المادة ويعبر عن درجة انحناء أشعة الضوء عندما تمر من وسط إلى اخروبالطبع كلما كانت النسبة بين معاملي الانكسار للوسطين أكبر كلما كان الانحناء أكبر.
“لكن هناك خطأ ما” هكذا يعلق الكاتب الروسي المشهور ياكوف يبرلمان على هذه القصة فقد أشار في كتابه “الفيزياء المسلية” Physics Can Be Fun (1913)أنه من وجهة النظر العلمية فإن هذا الرجل “جريفين” سيكون أعمى!.. وذلك لأن العين الادمية تعمل بامتصاص الضوء القادم إليها وبذلك تتم الرؤية لكن في حالة “جريفين” فإن الضوء سوف يمر كلية ولن تمتصه العينوبالتالي لن يستطيع الرؤية.
توضيح بسيط لتفسير بيرلمان: تعمل العين عندما يسقط ضوء على الشيء وينعكس على العين تقوم العدسة بتركيزه على الشبكية وبذلك تتكون الصورة وتتم الرؤية.
ممكن!…
ومن تلك المحاولات والتي أجريت بهذا الصدد تلك المادة التي ابتكرها علماء من جامعة بروكلي بالولايات المتحدة الأمريكية، هذه المادة يمكنها أن تحول الضوء عن الأشياء ثلاثية الأبعاد مما “يخفيها عن الأنظار”، وفقا لما يسمى بالانعكاس المقلوب أو السالب، وهو نفس مبدأ الفيزياء البصرية الذي يعطي الانطباع بأن قشة وضعت في كوب من الماء تبدو كما لو كانت منكسرة لكن لسوء الحظ لا توجد هذه المادة في شكل عادي، فقد أنتجت على قياس متناهي الصغر يناهز جزءا من مليار جزء من المتر، وقد استخدمت مقاربتان إحداهما استخدمت كمية متناهية الصغر من الفضة وفلورايد المجنيزيوم، والأخرى استخدمت فيها حبال متناهية الصغر من الفضةولم تمتص هذه الأشياء الضوء كما لم تعكسه، “مثل ماء ينساب حول صخرة” حسب تعبير أحد أعضاء الفريق العلمي وكانت النتيجة أن الضوء الوحيد الذي يمكن رؤيته هو ضوء الخلفية. ويقول العلماء إن المبادئ التي يستند عليها الاكتشاف قد تمكن في المستقبل من صنع عباءة “إخفاء”.!
المشكلة والحل….
لطالما كانت مشكلة الضوء العاديالمنظورهي في قصر موجاته والتي تحتاج لمواد ذراتها صغيرة جدا لكي تستطيع التلاعب بها، وإذا تم استخدام ذرات صغيرة سيكون هذا على الأسطح الصلبة الغير قابلة للانحناء والتي تفتقد المرونة اللازمة لاستخدامها في التطبيقات المختلفة.
لكن بعض العلماء من الاسكتلنديين استطاعوا أن يتغلبوا على هذه المشكلة وذلك باستخدام أغشية مرنة تثبت على الشيء المراد إخفاءه بحيث هذه الأغشية الذرات الموجودة بها تتحرر وبذلك تستطيع التلاعب بموجات الضوء العادي هذه المادة تسمى ” ميتافليكس ” Metaflex ويمكن لهذه المادة أن تعمل مع موجات الضوء ذات الطول الموجي الصغير جدا حوالى 620 نانو متر ( النانومتر يساوي 10-9) وهذا المدى يقع فيه الطول الموجي لموجات الضوء المنظوروبالتالي يتم التغلب على مشكلة قصر موجات الضوء المنظور.
ومن التطبيقات التي ممكن ان تنتجها الميتافليكس” عباءة إخفاء” مثل تلك التي توجد في الفيلم الشهير “هاري بوتر”.. سيتم ذلك-على حسب العلماء- عن طريق ترتيب مجموعة من تلك الأغشية بطريقة معينة بحيث تكون مع بعضها أقمشة ذكية (Smart fabric) وينتج عنها تلك العباءة السحرية!
أقمشة فوتوغرافية
ومن المحاولات التي تمت في هذا الحقل تلك التي تمت في جامعة طوكيو باليابان والتي استخدموا فيها نوع من الأقمشة عاكسة للضوء والتي تعمل كأقمشة فوتوغرافية..
يقول البروفيسور Susumu Tachiشارحا لتلك العملية..” سوف تكون هناك كاميرا خلف الشخص الذي يرتدي تلك العباءة، الصورة من الكاميرا سيتم إسقاطها على العباءة بحيث اذا نظرت لها من الأمام سوف ترى الصورة المسقطة من الكاميرا على العباءة وبذلك تبدو وكأنها شفافة”.
ولا يخفي عليك أن هذه التقنية لها تطبيقات عديدة فعلى سبيل المثال يمكن استخدامها في الديكورات بحيث توضع الكاميرات على الجدران الخارجية وعندما تكون بالداخل سيبدوا لك أنك تنام في العراء..!
شاهد فيديو كامل للعمليةوبعض التطبيقات التي ستستخدم فيها هذه التقنية………مذهل جدا!
http://www.youtube.com/watch?v=PD83dqSfC0Y
ماذا بعد..؟
بعد كل تلك المحاولات من شتى بقاع المعمورة والتي تجلي إصرار الإنسان على تحقيق مبتغاه ، هل لاحظت أن منبع كل هذه الأفكار وملهمها كانت فكرة خيالية-وإن كان لها أصل علمي- من كاتب يعيش في القرن التاسع عشر أخرج ما في رأسه على وريقات وصلتنا فألهبت عقول العلماء.. هكذا هو العلم وهكذا هي الابتكارات دوما تبدأ بفكرة ،بذرة من الخيال تأتي للشخص قي لحظة تجلي ، لكن الفرق بين العبقري وغيره من باقي البشر هو أن الأنسان العادي تمر الأفكار والأحداث أمام ناظريه دون التشبث بها ودون إعمال عقله فيها أما العبقري فهو مؤمن بفكرته…. على يقين بأن المستحيل كلمة أزيلت من القاموس البشري منذ زمن بعيد…