مقالات

كورونا التنين والعم سام

كورونا التنين والعم سام

عندما كنت طفلاً كنت مولعاً بالتاريخ وما زلت كذلك، لكن ما كان يلفتني دائماً هو الحضارة الإسلامية بجميع خلافاتها، وما كان يدهشني هما كيف كان لقادة مسلمين أن يغيروا موازين القوى في العالم، وحتى بعضهم أصبح أشهر وأعظم قائد على وجه الأرض في تلك الأزمان .. غيروا خريطة العالم .. وقالوا نحن هنا، نحن من أعاد تعريف مجد الإمبراطوريات .. وجعلنا الإمبراطورية الإسلامية هي الأعظم منذ الأزل بعد سقوط إمبراطوريات كثيرة أمام الإسلامية.

ومر الزمان واقتربنا من القرن السادس عشر الذي تغير في العالم حتى يومنا هذا .. تغيرت قواعد اللعبة، ومن لم يفهمها بشكل صحيح خسر.

اعلانات جوجل

بدأت أوروبا بالنهضة كقوى مناهضة للقوة الإسلامية في الشرق الأوسط التي كلما مر الزمان تضعف أكثر فأكثر، وعلى الجانب الأخر من العالم كان هناك قبائل بدأت بالثورة ضد المستعمرات البريطانية أنذاك.

أنقسم العالم إلى أربع أقسام .. الإمبراطورية الإسلامية القوة الأكبر في العالم، أوروبا وتقودها بريطانيا، عدة ولايات اتحدت فسميت الولايات المتحدة الأمريكية، الصين القوى القديمة والتي ما زالت لكنها ضعيفة لأنها بدأت تتعافى من نفوذ المسلمين فيها.

دعونا نتعرف على اللعبة وقواعدها ونفهم ما يجري في هذا العالم.

البداية .. تغير قواعد اللعبة

دعونا نعود للقوى الأربعة في العالم، وبالتحديد إلى بلاد العم سام وأوروبا .. في بلاد العم سام، جاء المفكر بينجامين فرانكلين ووضع قواعد اللعبة الجديدة .. وكان البند الأول هو الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد.

اعلانات جوجل

الملقب بالأب الروحي للاقتصاد الأمريكي والذي بنى أمريكا حجراً حجراً بدءاً من النظام الاقتصادي هو بنجامين، فلا تستغرب أن تجد صورته على الدولار الأمريكي، فهمت الولايات المفقود منها الأمل أن العالم بدأ يتغير، وأصبحت الحرب اقتصادية وعلمية وليست عسكرية كما كانت في السابق، ولكن انتظرت الفرصة لتعلن نفسها كقوى جديدة في العالم، فعملت بصمت حتى جاءت الفرصة في الحرب العالمية الثانية.

الاستراتيجية الأمريكية كانت واضحة منذ بدايتها على يد بنجامين اقتصاد وعلم .. فبدأت باستقطاب العلماء من جميع أنحاء العالم واستقبال طلبات اللجوء من جميع أنحاء العالم .. فكان أعظم من وطأت قدماه الأرض الأمريكية هو البرت اينشتاين هارباً من أدولف هتلر، والذي غير التاريخ الأمريكي حرفياً ونصب أمريكا سيدتاً للعالم بعد الورقة الذي كبتها بنفسه إلى الرئيس الأمريكي أنذاك.

تلك الورقة التي كان اللبنة الأولى لصناعة القنبلة النووية الأولى في العالم على يد فريق منهاتن.

أندلعت شعلة الحرب العالمية الأولى من أوروبا، وأنقلب كل شيء بنته القارة الأوربية عليها بعد الحرب، فاسترجعت التاريخ الدموي لديها أثناء حكم الكنيسة .. وبعد انتهاء الحرب وخسائر بشرية بالملايين وسقطوط الإمبراطورية العثمانية الإسلامية للأبد وقيام تركيا العلماينة مكانها وتقسيم الوطن العربي إلى دول كثيرة وتشتيت العرب جميعهم .. عاد الهدوء للعالم مرة أخرى، وبعدها أشعلت المانيا فتيل الحرب مرة أخرى ولكن توسعت رقعة الحرب ولم تكتفي بأوروبا فقط، بل شملت آسيا وأمريكا.

وفي هذه اللحظة بالتأكيد علمت أمريكا أنه حان الوقت لتعلن نفسها طرفاً قوية بل لتكون حاكمة الكوكب من شرقه لغربه، وتعلن قيام الإمبراطورية الأمريكية بعد إسقاط القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناشازاكي التي أبيدتا بالكامل .. لتتجه أنظار العالم إلى الوحش القادم من أقصى الشمالي الغربي.

اعلانات جوجل

وهنا بدأت أمريكا بالتفاوض على كل شيء .. وأعلنت سقوط الإمبراطورية البريطانية والمانيا النازية وسيادتها على الوطن العربي بأكمله، وقاموا بتقسيم الكيكة على جميع المنتصرين، لكن الولايات الغاشمة هي الأخبث لأن من يحكمها هم اليهود أنفسهم الذين كان يبيدهم هتلر.

من فهم اللعبة متأخراً هي الصين .. فاندلعت ثورة صينية، واستردوا البلاد وتخلوا عن الديانات كافة، وأصبحت الصين دولة شيوعية والتي ما زالت حتى اليوم، وعملت على الاقتصاد، لأنها فهمت اللعبة .. الحرب أصبحت حرب المال والعلم.

محاولة الدب واللاتينوس والعرب تذكير العالم بوجودهم

اتحد الدب الأكبر مع الدببة الأصغر منه، فتكون الاتحاد السوفيتي وبدأ القتال على الجبهة العلمية والاقتصادية .. فتارة نرى الصواريخ الروسية وتارة القنابل النووية الروسية وتارة الأقمار الصناعية هنا وهنا .. بعد سقوط أرث ستالين الديكتاتور الذي بنى روسيا وانتصر لها في الحرب الثانية .. روسيا الشيوعية بدأت بمنافسة أمريكا علناً على الحكم والاقتصاد والعلم وكل شيء تقريباً، وبقي التنين الصيني يعمل بصمت.

لم تأخد الولايات الميؤوس منها الكثير من الوقت حتى تفكك الاتحاد السوفيتي وتعيد روسيا وحيدة تخضع للقوانين الأمريكية الصارمة وتلتزم بتعليماتها حرفياً.

اعلانات جوجل

وعلى الجانب المقابل بدأت الثورات في الأراضي العربية، وبرز عدة أسماء مثل ياسر عرفات كقائداً للشعب الفلسطيني في مواجهة اليهود الذين استقطبتهم بريطانيا من جميع دول العالم ووضعتهم في فلسطين، وصدام حسين الذي أعاد أمجاد العراق وأعادها على خريطة العالم، وجمال عبد الناصر الذي بدأ عصر جديد في حكم العسكر لمصر .. كل هذا لم يرضي العم سام.

فأشعل النزاعات في الشرق الأوسط بالكامل، ووضعوا حكام موالين لهم، وحصارات واغتيالات .. حتى وصلنا إلى يومنا هذا، استطاعت أمريكا حكم قبضتها على الشرق الأوسط بالكامل بدءاً بالخليج العربي المستلسم مسبقاً وضمت العراق العراق وفلسطين ومصر وغيرها من الدول، لا أحد يزعج العم سام وإلا ستكون نهايته قريبة.

وعلى الضفة الأخرى من العالم كانت أرض اللاتينوس، أمريكا الجنوبية قامت فيها عدة ثورات كانت أهمها الثورة الكوبية التي قادها تشي جيفارا وفيديل كاسترو لتعيد التوازن في القارة اللاتينية.

قامت أمريكيا بتنفيذ نفس السياسة في الوطن العربي .. اغتيالات .. حصار .. حتى أنهكت الدول اقتصادياً ونصبت من يواليها حكاماً، وما زالت الدولة المحاصرة إلا يومنا هذا ألا وهي فنزويلا تحت الحكم الشيوعي الموالي لروسيا صامدة أمام العم سام ولم تسقط.

صحوة التنين

كورونا التنين والعم سام

بينما الجميع يقتل الاخر هنا وهنا كانت الصين تعمل بصمت .. حتى أنفرجت مرة واحدة وأصبحت المنافس الأول للولايات المتحدة على عرش العالم علمياً واقتصادياً.

الشركات الصينية اجتاحت العالم من شرقه لغربه .. منتجات أينما تريد بكل الجودات المتوفرة على كوكب الأرض، غرقت الأسواق العربية والأوربية والأمريكية بالمنتجات الصينية .. ماذا يفعل العم سام تجاه التنين الذي يحرق كل شيء أمامه ولا يكترث لأي شيء .. توالى الرؤوساء على أمريكا وجميعهم عقدوا اتفاقات تجارية مع الصين وتقساموا سيادة العالم مع التنين الصيني.

عندما لاحظ الأوربيون أن الصين وقفت في وجه أمريكا، فكروا بأن يعيدوا أمجادهم ومن هنا قام الاتحاد الأوروبي .. لمحاولة العودة للأمجاد الأوربية (فهم أرض الرومان والأغريق والفايكنج والكنيسة والدين)، وهنا فهم الأمريكان أن اللعبة تطورت والقواعد ازدادت صعوبة .. لكن هناك ورقة رابحة ألا وهي الشرق الأوسط بكامله تحت سيادة الأمريكان .. والجميع هناك ينفذ السياسة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية بإشعال النزاعات وطلب الحماية من أمريكا مقابل دفع الأموال، فقامت أمريكا بوضع عدة قوى هناك لإشعال النزاعات أهمهم إيران الشيعية وتركيا العلمانية .. الكل يقتل وينهب وفي النهاية يصب كل شيء في مصلحة الأمريكان.

وجعلت الاتحاد الأوروبي ينفذ سياستها أيضاً في أوروبا وأرغمته على ذلك ولكن ليس كلها لأن الاتحاد أصبح مصدر إزعاج لأمريكا مثلها مثل حال التنين، لم تصمد أمريكا أمام التنين الصيني الذي أصبح نداً لا يستهان به علمياً واقتصادياً حتى جاء العم سام بنفسه وحكم أمريكا.

العم دوالند ترامب

كورونا التنين والعم سام

مجيء هذا المجنون هو بلاء على العالم بأسره وليس على الوطن العربي الذي أخذ أموالهم رغماً عنهم، فهو الذي أخمد الرئيس الكوري الشمالي الذي كان يتفاخر بالسلاح النووي.

وأخضع إيران وجعلها موالية له بالكامل، وكذلك بالمثل تركيا ودول الخليج وبلاد الشام ومصر والعراق، ثم ركز على الاتحاد الأوروبي والصين، فرض العقوبات على كليهما .. وفعل ما لا يفعله الشيطان نفسه، ووضع بند جديد في اللعبة ألا وهو السلاح البيوليجي.

في ووهان الصينية تلك المدينة الذي بدأ منها كل شيء، خرج الكوفيد 19 إلى العالم أو كما يسمى كورونا، الفيروس المعدل جينياً والذي ضرب الحظ مع معدليه بأنه لا يقضي على الخلايا اليافعة بل يقضي على الخلايا الكبيرة.

وبدأت الحالات واحدة تلو الأخرى، انتبههت الصين لوجود كارثة قادمة، ولكن كانت الصين أذكى، أغلقت كل المدن والتعاملات في كل المدن ونقلتها إلى مدينة ووهان، ماذا ؟؟؟

نعم هذا ما فعلته الصين بالفعل فتحت ووهان لينتشر المرض في ووهان، وعندما حذر أحد الأطباب من أنه وباء وليس فيروس عادي، كاد أن يفسد خطة الصين الذكية، فتم قتله من السلطات الصينية .. وبدأ كورونا يحصد الأرواح واحدة تلو الأخرى.

وقامت الصين بإرسال المصابين من ووهان إلى جميع أنحاء العالم، وأهمها الوطن العربي، وإسرائيل الابن المدلل لأمريكا، وإيران وتركيا الموالين لأمريكا، وأوروبا التي توالي لأمريكا أيضاً .. فتحول المرض إلى كابوس وأجتاج العالم بأسره، حتى فهم ترامب اللعبة التي لعبتها الصين، ففتح البلاد للمسافرين ليصل كورونا لأراضيه، وكان فرحاً بذلك.

كورونا أعاد تعريف موازين القوى

كورونا التنين والعم سام

المستفيد الأكبر من كورونا هما العم سام والصين .. الصين تريد بسطت سيطرتها مرة أخرى على العالم وبدأت بتقديم المساعدات لإيطاليا التي تدمرت كلياً، وجلعت الطليان يحرقون أعلام الاتحاد الأوروبي في الشوارع .. وتبرعت لتركيا أيضاً بالمعدات الطبية لمواجهة كورونا، وأعادت فتح البلاد بالكامل لأنهم قضوا على كورونا تقريباً، وبدأ الرئيس الصيني بتوجيه الخطابات لجميع دول العالم، وكأن حال لسانه يقول أرأيتم كمن نحن شعب متكاثف وقوي.

أما أمريكا فهمت أنا السحر أنقلب عليهم، فسمحوا بكورونا بدخول بلادهم لتقضي على المسنين وكبار السن، لأنهم يعيقون اقتصاد الدولة من رعاية صحية ومستلزمات لهم، فهكذا يتخلص ترامب من ميزانية ضخمة كانت موجهة لكبار السن في الولايات المتحدة، وينعشها اقتصادياً مجدداً، وقد فهمت الرسالة التي مفادها أنكم لن تهزموا التنين بعد.

وبهذا يكون المنتصر من كل هذا هم أمريكا والصين لأنهم أعادوا تعريف العالم بأن اللعبة هي عبارة عن لعبة اقتصاد، من يصمد اقتصادياً ينتصر في النهاية.

نسأل الله أن يبعد عنا وعن شعبنا العظيم المرض.

حسني حاتم أبوشباك

https://www.facebook.com/hatemthaerr

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى