مبادئ فيزيائية

كيف تعمل النانوتكنولوجي

كيف تعمل النانوتكنولوجي

في القرن العشرين بلغت مساحة شركة هنري فورد لتصنيع السيارات حوالي 8000 متر مربع في ولاية ميتشيغن الأمريكية.  استخدمت كل هذه المساحة لتصنيع السيارات على مسار طويل طوله 144 كيلومتر ليتخصص كل جزء من هذا المسار في مرحلة من مراحل تصنيع وتجميع السيارات.  واعتبر هذا المصنع من اكثر مصانع السيارات كفاءة، حيث كان يمتلك أكبر مساحة مخصصة للعمل.

عصر التلفزيون والكمبيوتر والطائرة من أهم مظاهر التطور في القرن العشرين ولكن عصر النانو تكنولوجيا هو المستقبل الذي ينتظرنا بكل ما يحمل من تكنولوجيا لها ميزاتها ومخاطرها. إن النانو تكنولوجيا هو اسم كبير يخفي في طياته العديد من مواضيع البحث العلمي التي تتعامل مع الأجسام التي بحجم النانومتر (النانومتر هو جزء من البليون متر اي ان النانومتر هو 1/1000,000,000 متر)،  في هذه المقالة من تفسيرات فيزيائية سوف نلقي الضوء على هذه التكنولوجيا الجديدة.

اعلانات جوجل

ما هي التكنولوجيا النانوية

تهتم النانو تكنولوجيا بتصنيع الآلات والأدوات والمواد إلى الدرجة النانوية وتطوير أساليب الإنتاج والتحليل النانوي. تعبر كلمة نانو في الفيزياء عن وحدة قياس والتي تعادل 1×10-9 من المتر، وعلى هذا الطول يمكن ترتيب حوالي ثمانية ذرات بجانب بعضها البعض، وهكذا فإن النانومتر أصغر منقطر شعرة من شعر الإنسان بحوالي 70000 مرة، بكلمة أخرى يمكن مقارنة حجم الجسيم النانوي بحجم كرة القدم بالنسبة لحجم الكرة الأرضية. تعود كلمة نانو في أصلها إلى اللغة اليونانية وتعني عالم الأقزام الخرافي المتناهيفي الصغر، وعليه فإن عالم التكنولوجيا النانوية هو أشبه بعالم المخلوقات الخرافية غير قابلة للملاحظة بالعين المجردة، حيث تسري فيه قوانين ميكانيكوفيزياء الكم.

لتقريب فكرة التكنولوجيا النانوية الى الأذهان استعن بالصورة في الشكل التالي وهي صورة مكبرة باستخدام الميكروسكوب الإلكتروني.


في هذه الصورة نلاحظ وجود ترس لجزء من محرك نانوتكنولوجي بحجم حبيبة غبار وفوقه حشرة وهذا يوضح أن العلماء يستطيعون صنع آلات صغيرة بصغر حبيبة الغبار! (حجم حبيبة الغبار يوازي حجم ربع نقطة عادية على الصفحة) هذا المثال جزء فقط مما يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحقق.

 

اعلانات جوجل

 أصل مصطلح التكنولوجيا النانوية أو النانوتكنولوجي

تم إدخال مصطلح التكنولوجيا النانوية لأول مرة عام 1974 وذلك من قبل الباحث الياباني نوريو تانيغوشي عندما حاول بهذا المصطلح التعبير عن وسائل وسطرق تصنيع وعمليات تشغيل عناصر ميكانيكية وكهربائية بدقة ميكروية عالية.

أما البوابة إلى عالم الذرات فقد تم فتحها عام 1982 عن طريق الباحثين السويسريين جيرد بينيغ وهاينريش رورير، حيث قاما بتطوير الميكروسكوب الأكثر دقة من أجل مراقبة الذرات وإمكانية التأثير بها وإزاحتها وبعد إنجازهما المشترك بأربع سنوات 1986 حصلا على جائزة نوبل. في عام 1991 اكتشف الباحث الياباني سوميو ليجيما الأنابيب النانوية المؤلفة فقط من شبكة من الذرات الكربونية وبالقياس تم الحصول على مقاومة شد أعلى من مقاومة شد الفولاذ بعشرة مرات وأكثر قساوة واستقراراً من الماس بمرتين على الأقل. إن الطلب على المنتجات النانوية آخذاً بالازدياد والنمو، ففي عام 2001 بلغ معدل الإنفاق العالمي على المجال النانوي حوالي 54 مليار يورو، هذا وتشير التوقعات بأن هذا المبلغ سوف يتضاعف أربعة مرات حتى عام 2010.

 

اعلانات جوجل

البناء باستخدام الذرات

الذرات هي وحدة البناء الرئيسية لكل المواد في هذا الكون الفسيح. فنحن البشر وكل شيء حولنا مكون من الذرات.  فعلى سبيل المثال اجسامنا عبارة عن خلايا مكونة من تجمع لعدد هائل من الذرات بطريقة معينة، هذه الخلايا عبارة عن الات نانوية طبيعية لا دخل للانسان فيها. كما ان المواد التي نشتريها هي ايضا عبارة عن ترتيب معين للذرات لتكون تلك المواد، تخيل عزيزي القارئ الان انه بالامكان ان نتحكم بترتيب ذرات اي مادة من المواد هذا هو اختصاص تكنولوجيا النانو والكثير من العلماء يؤكد على انه في غضون عشرة سنوات سيتم التحكم كل ذرة من الذرات المكونة للمادة.

مجموعة تروس ذرية تستخدم في تصنيع الآلات الناتوية

 

اعلانات جوجل

تعتمد التكنولوجيا النانوية على التشبيك والتنسيق بين العلوم البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والميكانيكية والإلكترونية وعلم المواد وتقنية المعلومات وذلك من أجل دراسة الهياكل البنائية للمادة الحية واللاحية، وكما حدث في القرن العشرين من تبدل في حياة الشعوب كنتيجة لثورة المعلومات والاتصالات بدأت علائم تبدل جذري جديد بالظهور بفعل التطور الهائل في مجال التكنولوجيا النانوية والبيولوجية والنانوبيولوجية والميكروية والبصرية.

هناك ثلاثة مراحل للوصول إلى مواد واجهزة والات مصنعة بالتكنولوجيا النانوية هي:

 (1) العلماء عليهم ان يتمكنوا من التأثير والتحكم بكل ذرة من الذرات المكون للمادة، وهذا يعني تطوير طريقة للامساك بالذرة وتحريكها إلى المكان المطلوب، وفي الحقيقة تمكنت شركة IBM في العام 1990 من كتابة اسم الشركة على بواسطة ترتيب 35 ذرة من ذرات عنصر الزينون على سطح بلورة من النيكل واستخدموا علماء شركة IBM في ذلك جهاز الميكروسكوب الذري atomic force microscopy.

صورة تحت الميكروسكوب الالكتروني لكلمة كتبت بذرات الزينون

 

(2) المرحلة الثانية وهي تطوير ألات نانوية تسمى المجمع assembler، تبرمج مسبقاً لتتحكم في الذرات والجزيئات، وحيث أن مجمع واحد يحتاج إلى الاف السنين ليصنع مادة من نوع واحد من الذرات لذلك فإن المطلوب هو ملايين من هذه المجمعات تعمل مع بعضها البعض لتصنع جهاز أو ألة أو مادة.

(3) ليتمكن العلماء من تطوير ملايين المجمعات فإن أجهزة نانوية تسمى المستنسخات replicators تكون مبرمجة لتبني هذه المجمعات.

نستنتج مما سبق أن التكنولجيا النانوية تحتاج إلى بلايين من المستنسخات لبناء البلايين من  المجمعات وهذه لن يزيد حجمها عن مكعب بحجم 1 ميليمتر مكعب والتي بدورها تتحكم في الذرات. هذا كله لن يرى بالعين المجردة وهذا يعني أن أيدي عاملة من نوع جديد بانتظارنا!

 بعض تطبيقات التكنولوجيا النانوية

تبذل الدول الصناعية في أوروبا واليابان والولايات المتحدة ملايين الدولارات من أجل تطوير تطبيقات تعتمد على التكنولوجيا النانوية. ففي العام 2001 خصصت الولايات المتحدة أكثر من 497 مليون دولار للتقنية النانوية واستخداماتها هذا وقد تضاعف المبلغ المخصص لابحاث النانوتكنولوجي في الاعوام اللاحقة، كما أن شركات الكمبيوتر الكبرى المهتمة بالبحث العلمي، مثل “هيوليد باكارد” و”آي بي إم” و”ثري إم” تقوم بتخصيص ما يصل إلى ثلث المبالغ المخصصة للبحوث العلمية على التقنية النانوية.

وقد أهتمت عدة مجلات علمية بأبحاث النانوتكنولوجي وطرحت على صفحاتها عدة تقارير حول نجاح العلماء في الآونة الأخيرة في التوصل لأولى المنتجات التطبيقية المعتمدة على التقنية النانوية، ولقد بات في الإمكان وصولها للأسواق في غضون السنوات القليلة القادمة، وسوف نعرض بعض من هذه التطبيقات وهي على النحو التالي:

(1) نجح الباحثون الالمان واليابانيون في إنتاج مسحوق نانوي عبارة عن ذرات ذهبية دقيقة للغاية وذلك لأجل تنظيف دورات المياه دون بذل جهد.

(2) معالجة المياه الآسنة والنفايات السائلة الناتجة عن المصانع وذلك عن طريق ضخ جزيئات نانوية عبر التربة لتصل بذلك إلى أماكن تواجد النفايات بغية هدمها وتحويلها إلى مواد غير ضارة عبر تفاعلات كيميائية خاصة.

(3) تمكن علماء ألمانيون من اكتشاف وسيلة نانوية جديدة بغية حفظ المخطوطات القديمة وحمايتها من التلف وتأثير العوامل الخارجية.

(4) في عالم الميكانيك الهندسي حقق الباحثون نتائج مذهلة في مجال السيطرة على عمليات الاهتراء والصدأ والتآكل الميكانيكي والكيميائي، وكذلك في مجال التغلب على الاحتكاك الميكانيكي حيث أنه سيتم الاستغناء عن مواد التزييت والتشحيم، وهذا ما يساعد على إطالة عمر الآلة وزيادة كفاءتها.

(5) في مجال صناعة السيارات تم استخدام طرق ومواد نانوية جديدة في مجالات الطلاء والتغليف والعزل والمساهمة في تخفيف وزن السيارات وزيادة صلادتها وبالتالي تخفيض مصروفها من الوقود. وهناك العديد من الأبحاث في مجال تطوير وتصنيع عجلات السيارات والتي ستكون لها خاصية التلاؤم الأتوماتيكي مع ظروف الطقس وطبيعة الأرض والعوامل الخارجية الأخرى.

(6) تمكن الباحثون الألمان من تخزين المعلومات في ذرات قليلة وقراءتها، وإذا ما استمر النجاح في هذا الاتجاه فإنه سيصبح قريباً من الممكن تخزين كل ما تم إنتاجه من الأدب العالمي على رقاقة بحجم الطابع البريدي.

(7) لقد فتحت التكنولوجيا النانوية آفاقاً جديدة في المجال الطبي والجراحي، هناك دراسات عديدة من أجل تطوير روبوتات نانوية والتي يمكن إرسالها إلى الجسد للتعرف على الخلايا المريضة وترميمها وكذلك للتعرف على محرضات الأمراض ومعالجة الأمراض المستعصية والأورام الخبيثة.

(8) في عالم الأدوية توصل العلماء الأمريكيون إلى طريقة علمية جديدة لمكافحة البكتيريا القاتلة التي طورت مقاومة ضد المضادات الحيوية، والبكتريا المحورة وراثيا المستخدمة عادة في الحرب البيولوجية. ويعتبر هذا النوع الجديد من الأدوية الذكية بديلا غير مسبوق للمضادات الحيوية، ويساعد على حل مشكلة مقاومة هذه الأنواع البكتيرية للأدوية. هذا النوع الجديد من الأدوية التي تعرف بـ النانوبيوتيكس Nanobiotics  من باكورة الإنتاج الطبي لعلم النانوتكنولوجي.

(9) في المجال العسكري تم في الولايات المتحدة الأمريكية وبمبلغ تم تقديره بأكثر من 50 مليون دولار أمريكي تأسيس معهد البحوث التكنونانوية العسكرية (Institute for soldier Nanotechnologies) (ISN)، بحيث أن جندي المستقبل سوف يرتدي بذة عسكرية ذكية مصنوعة من مواد تكنونانوية ومجهزة كومبيوترياً والتي ستقيه من الحرارة والبرودة والإشعاع وموجات الضغط وفي الوقت نفسه خفيفة الوزن ومريحة في التنقل. هناك تجارب ودراسات حول إمكانية تلاؤم الجنود مع المحيط الذي يتعاملون معه مثل إمكانيات القفز عبر جدران عالية وإمكانية المعالجة الذاتية للجروح.

إن الأمثلة التي تم طرحها فيما سبق لا تشكل سوى غيض من فيض تطبيقات التكنولوجيا النانوية والتي بدأت برسم ملامح المستقبل القادم.  ومازالت تتسرب من وقت لآخر، معلومات عن مشروعات طموحة تجري فيبعض مراكز البحوث بالعالم، منها فكرة لبناء محركات في حجم الخلية البكتيرية، تدير آلات مجهرية أو “فوق مجهرية”، قادرة على التقاط جزيئات من المواد في البيئة المحيطة بها، ومعالجتها، تخلصاً من جوانب غير مرغوب فيها، أو تعظيماً للفائدة في جوانب أخرى، ومن المتوقع أن تزيد الاستثمارات في هذا الحقل العلمي الفريد الذي سيحدث ثورة صناعية جديدة في المستقبل القريب.

مراجع

http://www.royalsoc.ac.uk/landing.asp?id=1210

http://encyclopedia.quickseek.com/index.php/Nanotechnology

 http://physicsweb.org/articles/world/17/8/7

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى