مملكة النحل

النحلة: هي تلك الحشرة التي اختصها الله بعظيم الصفات، وبديع الصنع، حتى فاقت في خصائصها وقدراتها كل وصف وبيان، فجعل الله من عسلها شفاءا ومن شمعها ضياءا، فكانت بحق خير شاهد على إعجاز الخالق وبديع الصانع جل وعلا.

فلا عجب إذا أن تحتوي آثار قدماء المصريين على نقوش للنحل يرجع تاريخها إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد، كما عبدها الرومان تحت اسم الآلهة ميللونيا، كما وضعت على تاج الفراعنة كرمز لمصر السفلى كما وضعت كرمز على أردية وأسلحة العائلة الإمبراطورية لنابليون.

مستعمرة النحل

يتركب جسم النحل من ثلاثة أقسام واضحة وهي: الرأس والصدر والبطن، كما أن الجسم مغطى بغطاء كثيف من الشعر الذي تلتصق به حبوب اللقاح عند زيارتها للأزهار، كما يوجد على جانبي الرأس عين كبيرة كلوية الشكل تعرف بالعين المركبة، كما يوجد ثلاثة عيون تسمى بالعيون البسيطة على قمة الرأس.

كما يوجد قرون الاستشعار التي تساعد النحلة في التعرف على الروائح المختلفة إذ تحتوي على أعضاء الشم كما تحمل البطن عند نهايتها عضو اللسع المعروف (باللحمة أوالذبان) ولا يوجد الذبان إلا في الأنثى.

أفراد مملكة النحل

تتكون مملكة النحل من ثلاثة أنواع من الأفراد تختلف اختلافا واضحا عن بعضها البعض، وهي الشغالة والذكور والملكات، وتتكون المستعمرة من ملكة واحدة مع وجود عدد 40000 إلى 80,000 شغالة وبضع مئات من الذكور.

الشغالة ودورها بالمملكة

الشغالة هي أصغر النحل حجما ، وأكثرها عددا، وتمتاز بنشاطها الزائد، والتفاني في أداء واجبها، ويقع على عاتقها جميع الأعمال اليومية للمستعمرة فهي التي تعني بصغار النحل وإطعامهم ، كما أنها تحافظ على نظافة المستعمرة، وتهويتها والدفاع عنها من كل دخيل، كما أنها تمتص الرحيق من الأزهار وتحوله في بطنها إلي عسل شهى، وهي التي تجمع حبوب اللقاح وتخرج الشمع، والشغالة إناث عقيم لا تنسل إلا في ظروف خاصة نادرة، وهي تعيش من ستة إلى ثمانية أسابيع، كما تقوم بتنظيف البيوت الشمعية القديمة وتهوية المستعمرة وتغذية اليرقات.

الملكة

هي أكبر أفراد المستعمرة حجما، وهي أنثى كاملة لا تقوم بعمل داخل المستعمرة سوى وضع البيض، الذي يؤدي إلى زيادة عدد الأفراد، وتضع منه نوعين: نوع مخصب ينتج الملكات والشغالات، ونوع غير مخصب ينتج الذكور، فهي بذلك الأم الحقيقية والجميع أبنائها، وقد تعيش عدة سنوات، وتنتج ما يقارب مليون إلى مليون ونصف بيضة خلال حياتها، وتحصل من الذكر الذي لقحها على رصيد من الحيوانات المنوية يكفيها عدة سنوات، والجدير بالذكر أن الطعام الملكي الذي يقدم لها يسهل تكوين المبايض المنتجة للبيض، على عكس الطعام الذى يقدم للشغالات والذي يعيق تكون هذه الأعضاء.

الذكور

هي وسط في حجمها بين الملكة والشغالة، وتقتصر في دورها على تلقيح الملكة من خلال حاسة الشم القوية لديها، والتي تساعدها في التعرف على الملكة عند طيرانها خارج الخلية، ويساعد تحور أعضائها التناسلية على نقل كل رصيدها من الحيوانات المنوية إلى ملكة النحل في لقاء واحد والتي تقوم الملكة بتخزينها ثم تستخدمها بعد ذلك في إخصاب البيض طوال حياتها، وقد تموت الملكة أو تعجز عن وضع البيض لسبب من الأسباب وفي هذه الحالة تقوم الشغالة بوظيفة الملكة وتبدأ في وضع بيض غير مخصب لا تنتج عنه سوى الذكور، وتنتهي بذلك حياة المستعمرة ما لم تضاف إليها ملكة جديدة، وقد تقوم الملكة القديمة بالرحيل عن المستعمرة مع بعض الشغالات وترك المستعمرة إلى ملكة صغيرة لتقوم هي بعمل مستعمرة جديدة في مكان آخر.

غذاء النحل

يعتمد النحل في غذائه على ثلاثة أنواع من المواد الغذائية، وهي رحيق الأزهار وحبوب اللقاح والماء، أما عن رحيق الأزهار فهو يتركب من محلول مائي به ثلاثة أنواع من السكر وهي: السكروز والجلوكوز والفركتوز، ويختلف الرحيق من نبات إلى آخر مسببا هذا التنوع في طعم ورائحة العسل المختلفة، فقد يحدث أن يكون الرحيق الذي تجمعه الشغالات على درجة كبيرة من التركيز مما يستلزم تخفيفه ليصبح مناسبا وهنا يأتي دور الماء في عملية التخفيف، كما يستخدم النحل الماء في الأجواء الحارة الجافة لخفض درجات الحرارة داخل الخلايا، وكذلك الاحتفاظ بكمية من الرطوبة تكفي لمنع اليرقات وغذائها من الجفاف، أما المكون الثالث هو حبوب اللقاح والذى تستخلص منه النحل البروتينات والدهون والسكر وتقوم الشغالات بجمع حبوب اللقاح من الحقول عن طريق الشعر الغزير الذي يحيط بجسمها أثناء زيارتها للحقول ثم تقوم بتمشيط هذا الشعر واستخلاص حبوب اللقاح للغذاء.

بانتقال النحل من زهرة إلى زهرة فإنه يؤدي عملية هامة لهذه الأزهار وهي عملية التلقيح، وهي عملية انتقال حبوب اللقاح من الطلع (عضو التذكير) إلى المتاع (عضو التأنيث).

يرى العلماء أن قرون الاستشعار هى المكان الذي تستقر فيه حاسة الشم عند النحل.

عجائب مملكة النحل

من عجائب مملكة النحل أنك ربما تجد النحلة وهي تمتص رحيق الأزهار فتمتلئ بطنها حتى تكاد تنفجر ولكنها لا تحتفظ لنفسها من هذا الغذاء إلا بالقدر اليسير، حيث تقوم بتوزيع الجزء الأكبر منه على صغار النحل التي تعجز عن مغادرة المستعمرة، والعجيب أنها تقوم بالتوزيع العادل بين أفراد المستعمرة، كما أنها تقوم بحفظه وتخزينه لكي تستخدمه أوقات الجفاف حال ندرة الغذاء، ومن العجائب أيضا أنه كان يعتقد قديما أن لخلية النحل ملك لا ملكة إلى أن أثبت العلم الحديث خلاف ذلك، ومن العجائب أيضا أنها لا ترحب بالضيف ولا تحتمل بقاء النحل الدخيل في خلاياها بل تقوم بالتسرع في طرده إلى الخارج.

تتنوع أنواع النحل حتى وصل في تقديراتهم إلى ما يزيد عن عشرة آلاف نوع من النحل تتغاير عن بعضها البعض باختلاف صفاتها الشكلية والتركيبية.

من عجائب مملكة النحل أن التغذية هي السبب الوحيد في تحويل بعض اليرقات إلى ملكات، وبعضها الآخر إلى شغالات، فالملكات تتغذى على نوع فريد من الغذاء يسمى (الغذاء الملكي) وهو سائل لبنى تفرزه الغدد البلعومية الجانبية للشغالة بينما تتغذى الشغالات الأخرى على نوع آخر من الغذاء وهو خليط العسل وحبوب اللقاح المعروف باسم (خبز النحل).

ومن عجائب النحل أنه يفضل لون على لون ووجد أن اللون الأزرق هو لونها المفضل، ولديه القدرة على تمييز الألوان وتفضيل بعضها على بعض.

كما أن لديه القدرة على تحديد الوقت بشكل دقيق، ويستخدم هذه القدرة في ضبط مواقيت طعامه، كما أن الأزهار لا تفرز الرحيق أو تطلق حبوب اللقاح إلا في أوقات محددة من اليوم وبذلك فإن حاسة تحديد الوقت تفيد النحل في عدم تحمل مشقة وعناء البحث عن الطعام في غير هذه الأوقات.

النحل ووصايا الحكماء

نقل الدميرى في كتابه (حياة الحيوان الكبرى) عن أحد حكماء اليونان وصيته إلى تلاميذه قائلا: كونوا كالنحل في الخلايا، قالوا وكيف النحل في الخلايا؟، قال لا تترك عندها بطالا إلا نفته وأبعدته وأقصته عن الخلية لأنه يُضّيق المكان ويُفني العسل ويُعلم النشيط الكسل.

العرب ومملكة النحل

عُنى العرب منذ القدم بالنحل حتى صار ذلك في كلامهم وأمثالهم، وممّن اعتنوا بالنحل القزوينى في كتابه (عجائب المخلوقات) وكذلك الدميري في كتابه (حياة الحيوان الكبرى)، ومن أمثالهم (أهدى من نحلة) وذلك لكون النحل يرحل عن الخلية ثم يعود إليها لا يخطئها مطلقا، ويقولون أيضا (أنحل من نحلة) وفيه كناية عن النحول والهزال، ويقولون: (كلام كالعسل وفعل كالأسل) وذلك إذا تضارب القول مع الفعل فالكلام جميل كطعم العسل ولكن الفعل كالرمح وهي كناية عن الخيانة والله أعلم.

مما سبق يتضح لك أيها القارئ الكريم جلال الصنعة وعظيم الصانع، فكل موجود دلّ على واجده وفى كل شيء نرى آية تدل على أنه الواحد.