مقالات في الفيزياء

كيف يمكن بناء آلة الزمن

كيف يمكن بناء آلة الزمن

بين الحين والاخر تراودنا احلام يقظة مصحوبة بأمنية العودة إلى نقطة محددة في الزمن الماضي لتغير قرار اتخدناه او تخفيف من تجربة مررنا بها او التفكير في المستقبل ومعرفة ماذا تخبأه الايام لنا. ان السفر عبر الزمن بشكل او باخر فكرة مثيرة وعجيبة وقد يعتقد الكثيرون انها قد تكون مجرد امنية لا علاقة لها بالعلم.

طالعتنا وسائل الاعلام في الآونة الاخيرة عن خبر اكتشاف امواج الجاذبية. وهذا يفتح المجال لمعرفة الكثير عن اسرار الكون. ويعتقد الفيزيائيون اننا اصبحنا على مقربة من اكتشاف نظرية التوحيد والتي نعرفها باسم نظرية كل شيء Theory of Everythings.

اعلانات جوجل

نحو نظرية كل شيء

منذ عصر العالم نيوتن ونحن نعلم ان الكتلة ترتبط مع الجاذبية. وقد توصل نيوتن إلى هذا الاكتشاف بعد سقوط تفاحة من شجرة على رأسه وهو مستلقي في فترة الظهيرة.

الاشياء العظيمة لها بدايات متواضعة …. من اقوال نيوتن

هذه الحادثة جعلت نيوتن يفكر في نفس القوة المسؤولة عن سقوط التفاحة إلى الارض وسقوط القمر في مدار الارض وبقائه فيه. وقد اثبت ان هذا صحيحا لكل الكتل وان كل الاجسام تجذب بعضها البعض بسبب الجاذبية. ونشرت احد الصحف المحلية في ذلك الوقت خبرا بعنوان نحن مجرد اجسام مجبرين على الانجذاب نحو بعضنا البعض بقوى نيوتن للجاذبية.

اعلانات جوجل

 

جدلية اينشتين

في مطلع القرن العشرين ذهب اينشتين ابعد من ذلك في النظرية العامة للنسبية واثبت ان الكتلة والجاذبية ترتبط مع الزمن.

ولد اينشتين في العام 1879 وفي العام 1905 نشر ورقة علمية غيرت الكثير من نظرتنا إلى الكون. قام في هذه الورقة العلمية بتغير الطريقة التي نفكر بها عن الضوء. حتى ذلك الوقت لم يكون احد قد فكر كثير في موضوع سرعة الضوء – لقد اعتبروا ان سرعة الضوء هي احد الثوابت الفيزيائية العالمية واجريت العديد من المحاولات لقياسها بدقة. لم يكن يعتقد ان الضوء يتصرف بشكل مختلف تماما عن امواج الصوت او امواج الماء.

 

اعلانات جوجل

لكن بواسطة استخدام بعض الرياضيات البسيطة – نظرية فيثاغورث – ومعادلة التأخير الزمني التي جاءت من نتائج النظرية الخاصة للنسبية يمكننا ان نثبت ان الزمن يتباطئ للشخص المتحرك.

تقول نظرية اينشتين انه اذا اردت ان يتحرك الزمن ببطء بمعنى ان تسافر في الزمن فانك تحتاج ان تتحرك بسرعة كبيرة جدا! تخيل انك بدأت رحلة من الارض في العام 2000 على سبيل المثال واعددت العدة لتعود في العام 2032، وانطلقت في الرحلة بسرعة وصلت إلى 95٪ من سرعة الضوء اي ما يعادل 285,000 كيلومتر في الثانية. المدهش هو انك عندما تعود سوف تخبرك ساعتك انك في العام 2010 مع انها في العام 2032 على الارض، اي انك اصغر من عمرك بـ 22 سنة عن اي شخص كان معك على الارض قبل الرحلة. هذا هو التأخير الزمني وهو يعمل ايضا على السرعات الأقل ايضا وان يكن بدرجة اقل تأثيرا.

 

اذا هيا بنا نبدأ

اعلانات جوجل

لكن انتظر قليلا – سرعة 285,000 كيلومتر في الثانية هي سرعة كبيرة جدا جدا. اسرع سيارة على الارض لا تتعدى سرعتها عن كيلومتر في الثاينة وحتى مركبة فضاء عندما تنطلق من الارض إلى الفضاء تتحرك بسرعة قريبة من 10 كيلومتر في الثانية. حتى اذا تمكنت من الوصول إلى هذه السرعات يتبقى السؤال هل يتمكن جسمك من تحمل الاجهاد الكبير نتيجة التسارع الهائل. اذا من ناحية المبدأ فان السفر عبر الزمن إلى المستقبل ممكنا لكن صعب جدا – حتى الان. لكن ماذا عن السفر إلى الماضي؟

مع انني في كل مرة اطالع فيها مقالا او اشاهد فيلما عن السفر عبر الزمن يراودني الشك ان هذا ممكنا مع انني اعلم كل الحقائق النظرية حول الموضوع وان الانسان محدود في حركته في الابعاد المكانية ولكنه مقيد في حركته في الابعاد الزمنية ولا يمكن ان يسيطر عليها ولكن لنقل نظريا ان السفر عبر الزمن ممكنا لنفتح المجال في التفكير في بناء الة تحقق هذه النظرية ومن هنا جاء عنوان هذا المقال كيف يمكن بناء آلة الزمن وحتى في النهاية نحكم على ان كان الامر ممكنا او انه مجرد افكار نظرية.

من خلال البحث والقراءة وجدت مجموعة من الافكار نشرت في موقع البي بي سي في العام 2003 لتصاميم ابتكرها علماء ومن بينها كان تصميم للبروفيسور فرانك تبلير Frank Tipler  الذي يعود إلى العام 1974 وشرح فيها تصميم لالة الزمن واطلق عليها اسطوانة تبلر Tipler Cylinder للسفر عبر الزمن.

tipler-cylinder-overview

نحتاج في البداية إلى الكثير من المال لشراء اسطوانة كبيرة جدا وهنا اعني بكبيرة جدا اي تفوق الوصف حيث يصل طولها إلى 100 كيلومتر وقطرها في حدود 10 كيلومتر. وهذه الاسطوانة يجب ان تكون لها كتلة تعادل كتلة الشمس ولكنها بكثافة كبيرة جدا لتعادل ثقب اسود. ومن ثم عليك ان تقوم بجعل الاسطوانة تدور بسرعة كبير جدا تصل لعدة مليارات دورة في الثانية حتى يصبح دورانها يعمل على تشويه نسيج الزمان والمكان – وتصبح قادرا على رصد امواج الجاذبية القادمة من هذا المجسم.

يجب التنويه هنا إلى وجود مشكلة صحية لانه كلما اقتربت من هذا البناء الكثيف سوف تظهر بعض التغيرات الخطيرة. على سبيل المثال تسحبنا كتلة الارض نحو الاسفل إلى سطحها ولكن بالاقتراب من جسم بهذا الحجم سوف يكون امرا خطيرا للغاية حيث انه سوف يسحبنا نحوه بقوة قد تغير شكلنا إلى جسم مسطح تماما.

لاستخدام الة تبلر للسفر عبر الزمن بعد التغلب على مشكلة التسطح بالطبع! هو ان تغادر الارض بمركبة فضائية وتتحرك نحو الاسطوانة في مسار حلزوني حول الاسطوانة. عندما تقترب بدرجة كافية من الاسطوانة حيث يكون نسيج الزمان والمكان انعطف او تشوه وانت سوف تتحرك فيه عدة مرات ومن ثم تعود إلى الارض في الزمن الماضي. ويحدد زمن عودتك إلى الماضي بعدد اللفات التي قمت بها حول الاسطوانة.

يقترح تبلر ان هذا يمكن ان يتم باستخدام ثقب اسود او نجم نيوتروني. هناك نجوم نابضة تدور حول نفسها بسرعات كبيرة يمكن ان تكون بديلا طبيعيا عن اسطوانة تبلر للسفر إلى الزمن الماضي.

تنقاضات بحاجة إلى حل

  • لو سافر شخص إلى الماضي فكيف يتواجد في زمن قبل أن يوجد أباه وهذا منطقياً وفلسفياً أمر غير مقبول أي أن يسبق المعلول العلة كما يسبق الابن أباه ؟
  • أنه لو استطاع أحد السفر عبر الزمن لماذا لم يأتي إلينا من هم في المستقبل؟ حيث أنهم وصلوا إلى أرقى المستويات في التقنية؟
  • هل يمكن أن أعيش في زمن أحفاد أحفادي وهم لم يأتوا بعد؟ أو أن أعيش في زمن أباء أبائي وأنا لم أولد بعد؟
  • هل من الممكن أن توجد كتلة في مكانين مختلفين في نفس الوقت؟
  • ماذا لو التقى الشخص بنفسه عندما كان صغيرا؟
  • إن عدنا إلى الماضي فهل سيكون ما نراه واقعاً قابلاً للتغيير؟ وإن كان كذلك كيف سيكون التأثير على زمننا الذي أتينا منه؟
  • لو وجد السفر عبر الزمن لاتی شخص ونقض هذه الاسباب.

 

كيف يمكن بناء آلة الزمنلقد أدت تلك التصورات النظرية لإمكانية السفر عبر الزمن إلى مناقشة التناقضات الناتجة عن ذلك، كمثل أن يسافر المرء إلى الماضي ليقتل جدته قبل أن تحمل بأمه، أو أن يؤثر على مسار التاريخ فيمنع الحروب مثلا… إلخ. ورأى بعض العلماء أنه يمكن حل تلك التناقضات من خلال مفهوم المسارات المتوازية للتاريخ بحيث يكون لكل إمكان مسار مستقل للأحداث. فيكون العالم بعد تغيير أحداثه في الماضي عالما مستقلاً موازيا. وفي الوقت الحالي لا تمثل تلك المناقشات سوى أفكار تأملية فلسفية وليست علمية، فلم يسافر أحد إلى الماضي حتى الآن. ويؤيد ستيفن هوكنج العالم المشهور بأبحاثه عن الثقوب السوداء ونشأة الكون فكرة حدوث السفر إلى الماضي على المستوى الميكروسكوبي، ولكنه يرى أن احتمال أن يكون هناك انحناء في الزمكان يكفي لوجود آلة للزمان هو صفر. ويرى أن هذا يدعم ما يسميه (حدس حماية التتابع الزمني) الذي يقول إن قوانين الفيزياء تتآمر لمنع الأشياء الميكروسكوبية من السفر في الزمان. ويرى بول ديفيز أن وجود جسر للزمان ما هو إلا مفهوم مثالي لا يضع في حسابه الموقف الفيزيائي اللاواقعي للثقب الأسود في الكون، وأنه على الأرجح أن هذا الجسر المثالي لابد أن يتحطم داخل الثقب الأسود. ومع ذلك فإن ما يجري داخل الثقب الأسود سيظل مثيرا للبحث العلمي والتأمل العقلي، وأنه يستطيع أن يكشف لنا عن مزيد من جوانب الطبيعة التي يتسم بها الزمن.

فالعلماء في واقع الأمر يختلفون في تقدير إمكان السفر عبر الزمن، وإن كانت الغالبية ترى أن هذا غير ممكن. ويذكر ستيفن هوكنج أن كيب ثورن يعتبر أول عالم جاد يناقش السفر عبر الزمان كاحتمال عملي. وهو يرى أن ذلك له فائدة في كل الأحوال، فعلى الأقل سيمكننا من أن نعرف لم لا يمكن السفر عبر الزمن؟ وأن فهم ذلك لن يتأتى إلا بعد الوصول إلى نظرية موحدة للكم والجاذبية (النظرية الموحدة للقوى)، وسيظل تفسير ما يحدث للمادة داخل الثقب الأسود أو في مسار زمكاني مغلق مبهمًا بالنسبة إلينا.

لمزيد من المعلومات

لماذا السفر إلى الماضي اصعب من السفر إلى المستقبل؟

اسئلة واجوبة للسفر عبر الزمن على موقع البي بي سي الانجليزية مع المزيد من الافكار لالة الزمن

 

 

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى