مقالات في الفيزياء

ظاهرة التلألؤ او اللمعان او الضيائية Luminescence وانواعها المختلفة

ظاهرة التلألؤ او اللمعان او الضيائية Luminescence وانواعها المختلفة

ظاهرة التلألؤ او اللمعان او الضيائية هي ترجمة للمصطلح luminescence والتي تغطي الكثير من الظواهر التي سوف نتحدث عنها بشيء من التفصيل لكن في البداية نعرف التلألؤ luminescence على انه انبعاث للضوء من مواد معينة عند درجة حرارة منخفضة نسبيا (اي ان انبعاث الضوء ليس نتيجة للحرارة). انه ضوء يختلف عن الضوء المنبعث من الاجسام المتوهجة او البراقة incandescent الناتجة عن احتراق الخشب او الفحم او الضوء الناتج عن الحديد المنصهر او من سلك يمر به تيار كهربي فيتوهج. يمكن ان نرى التلألؤ luminescence في مصابيح النيون او الفلوريسنت وفي شاشات التلفزيون ومن بعض المواد العضوية مثل اللومينول luminol او اللوسفيرين luciferins وهو مركب كيميائي مسؤول عن الكائنات الحية التي تتوهج في اعماق البحار، وكذلك بعض الصبغات العضوية المستخدمة في لوحات الاعلانات. كما يمكن ان نشاهدها في بعض الضواهر الطبيعية الكهربائية مثل البرق والشفق القطبي. ينبعث الضوء في كل هذه الظواهر ليس بسبب الحرارة ولذلك تعرف ظاهرة التلألؤ luminescent احيانا بالضوء البارد cold light. تكمن فكرة المواد المتوهجة في قدرتها على تحويل اشكال الطاقة الغير مرئية إلى ضوء مرئي.

[box type=”warning” align=”” class=”” width=””]تذكر ان التلألؤ luminescence ينتج عن ضوء ينتج عند درجات حرارة منخفضة نسبيا على عكس الضوء العادي incandescent الذي يصدر عند ارتفاع درجة حرارة المادة.[/box]

اعلانات جوجل

مصادر التلألؤ luminescence

يحدث انبعاث التلألؤ عندما تمتص مادة مناسبة طاقة من مصدر مثل ضوء اشعة فوق بنفسجية او اشعة اكس او من حزمة الكترونات او بواسطة تفاعلات كيميائية وغيرها. تتسبب هذه الطاقة في اثارة ذرات المادة  حيث تنقلها من مستوى الطاقة الارضي ground state إلى مستوى طاقة مثار  excited state، وحيث ان مستوى الطاقة المثار غير مستقر يحدث انتقال اخر تعود فيه الذرات المثارة إلى المستوى الارضي وتتحرر مقدار من الطاقة على صورة ضوء او حرارة او كلاهما. تشتمل الاثارة على الكترونات المدار الخارجي للذرة، وتعتمد ظاهرة التلألؤ على مقدار تحول طاقة الاثارة إلى ضوء، وهناك عدد قليل من المواد المناسبة التي تمتلك كفاءة تلألؤ كافية لتستخدم في تطبيقات عملية.

انواع التلألؤ luminescence

يمكن التمييز بين العديد من أنواع التلألؤ الضوئي luminescence وفقا لمصدر طاقة الاثارة. عندما تكون الطاقة الضوئية صادرة عن تفاعل كيميائي، كما في حالة التأكسد البطيء للفسفور عند درجات الحرارة العادية، يسمى هذا النوع بالتلألؤ الضوئي الكيميائي Chemiluminescence. وعندما يحدث تفاعلا كيميائيا ينتج عنه ضوء في الأنظمة الحية، كما في توهج الكائنات الحية في اعماق البحار والمحيطات، يسمى الضوء بالتلألؤ الضوئي الحيوي Bioluminescence. هناك أنواع أخرى من التلألؤ الضوئي التي تنشأ نتيجة تدفق بعض أشكال الطاقة من خارج الجسم إلى داخله. وتبعا لمنبع هذه الطاقة المحفزة، يوصف التلألؤ الضوئي بالتلألؤ الضوئي المهبطي cathodoluminescence إذا أتت الطاقة من قذف إلكتروني، ويوصف بالتلألؤ الضوئي الاشعاعي  radioluminescence في حالة الاثارة بطاقة من اشعة اكس او اشعة جاما. اما اذا كانت الاثارة بواسطة ضوء اشعة فوق بنفسجية او اشعة مرئية او اشعة تحت حمراء فيطلق عليها اسم التلألؤ الضوئي photoluminescence، وتسمى بالتلألؤ الكهربائي Electroluminescence اذا كان مصدر الاثارة مجالا كهربائيا.

اعلانات جوجل

سوف نركز مقالنا هذا على نوع مهم من انواع التلألؤ وهو التلألؤ الضوئي photoluminescence والذي يندرج منه نوعين هما الفلوريسنت Fluorescence والفسفورية Phosphorescence.

ظاهرة التلألؤ او اللمعان او الضيائية Luminescence وانواعها المختلفة

صورة تخطيطية لبعض انواع التلألؤ luminescence المختلفة وتفرعاتها

تحدث كلا من الفلوريسنت Fluorescence والفسفورية Phosphorescence والتلألؤ الضوئي photoluminescence عند اثارة العينة بواسطة امتصاص فوتوني ومن ثم انبعاث فوتونات الاثارة عندما تسترخي الذرات المثارة مع الزمن. يستخدم مصطلح الفلوريسنت Fluorescence بواسطة الكيميائيين عند امتصاص وانبعاث الذرات والجزيئات. اما عملية الفسفورية phosphorescence فهي تشبه تماما عملية الفلوريسنت الا ان الزمن بين الامتصاص والانبعاث اطول بكثير من الفلوريسنت. اما عملية التلألؤ الضوئية photoluminescence فتستخدم من قبل الفيزيائيين لوصف عملية امتصاص وانبعاث الضوء بواسطة مواد مثل اشباه الموصلات semiconductors وانابيب الكربون النانوية nanotubes. بغض النظر عن المصطلح المستخدم، عندما تمتص العينة فوتونات ومن ثم تحدث عملية الانبعاث عند اطوال موجية مختلفة يتم رصدها بواسطة جهاز راسم المطياف spectrograph المزود بشريحة CCD والمعلومات التي نحصل عليها تعطينا معلومات حول العينة.
(١) عملية الفلوريسنت Fluorescence

كما هو موضح من المخطط ادناه، تحدث عملية الفلوريسنت عندما تمتص العينة فوتون وتثار إلى مستوى الكتروني منفرد ومن ثم تسترخي بالتخلص من الاثارة بواسطة عملية غير انبعاثية non-radiative، ومن ثم يحدث انبعاث لفوتون عند طاقة اقل من طاقة الفوتون الممتص، ومن ثم تحدث انتقالات إلى مستوى الطاقة الالكتروني الارضي. الزمن المستغرف بين الامتصاص والانبعاث في عملية الفلوريسنت في حدود النانو ثانية. ويستخدم طيف الاطوال الموجية المنبعثة للتعرف على الذرات والجزيئات وكذلك تحديد التركيب الكيميائي للعينة. كما يمكن استخدام شدة الفوتونات المنبعثة في تحديد تركيز العناصر الكيميائية في العينة.

ظاهرة التلألؤ او اللمعان او الضيائية Luminescence وانواعها المختلفة

اعلانات جوجل

حيث ان الامتصاص هي احد متطلبات عملية الفلوريسنت فان الجزيئات والمركبات الكيميائية التي تمتلك طيف امتصاص قوي عند مدى الاشعة المرئية والاشعة فوق البنفسجية تعطي فلوريسنت قوي. على سبيل المثال جزئيات المواد الاروماتية او العطرية aromatic تعتبر مواد فلوريسنت ممتازة وتعرف بالمواد المفلورة او fluorophores. في البيولوجي ترتبط هذه المواد fluorophores مع جزيئات مثل البروتينات وعند اثارتها فانها تعطي ضوء فلوريسنت يستخدم لتصوير الجزئيات في داخل الخلايا الحية. التحليل الطيفي للفلوريسنت يمكن ان يعطي معلومات كيميائية حول الانظمة البيولوجية.

(٢) عملية الفوسفورية Phosphorescence

تشبه عملية الفوسفورية عملية الفلوريسنت فيما عدا الزمن بين امتصاص الفوتون وانبعاثه والذي يستغرق عدة ثواني وقد تصل إلى ساعات (لاحظ ان عملية الفلوريسنت تتم خلال نانو ثانية). ومثل عملية الفلوريسنت تبدأ بامتصاص فوتون وتحدث عملية الاثارة لمستوى الكتروني منفرد بواسطة عملية تعرف باسم التشابك الداخلي الذي يحدث من خلال ارتباط مستوى منفرد مع مستوى الكتروني ثلاثي، والذي بدوره يحرر فوتون في عملية الاسترخاء للعودة إلى المستوى الارضي. ان التأخير الكبير بين عملية الامتصاص والانبعاث تعود إلى ان عملية الارتباط بين المستوى المنفرد والمستوى الثلاثي غير مسموحة ولهذا تأخذ كل هذا الوقت الكبير.

(٣) عملية التلألؤ الضوئي Photoluminescence

اعلانات جوجل

هي نفس عملية الفلوريسنت ولكنها تطبق على اشباه الموصلات والمواد الاخرى. والتي تتم بنفس الطريقة الموضحة في الشكل اعلاه ويتم بواسطتها التعرف على درجة نقاء اشباه الموصلات ودراسة البنية التركيبية لانابيب الكربون النانوية.

تجربة التلألؤ الضوئي او التوهج الضوئي photoluminescence

تعد عملية التلألؤ الضوئي وسيلة لاستشعار البنية التركيبية الالكترونية للمواد من خلال دراسة وتحليل الاشعاع الضوئي الناتج عن الفلوريسنت. وتتم العلمية بتوجيه الضوء على العينة المراد دراستها وفحصها، يمتص جزء من الضوء والجزء الاخر يكسب المادة طاقة في عملية تعرف باسم الاثارة الضوئية photo-excitation. تتخلص المادة من هذه الطاقة عن طريق الانبعاث الضوئي في عملية تعرف باسم التلألؤ او التوهج luminescence. وعندما تكون عملية الاثارة بواسطة الضوء فاننا نطلق على عملية تخلص المادة من الطاقة في هذه الحالة باسم التلألؤ الضوئي photoluminescence.

ظاهرة التلألؤ او اللمعان او الضيائية Luminescence وانواعها المختلفة

تتسبب عملية الاثارة الضوئية للالكترونات داخل المادة بان تتحرك في مستويات طاقة اعلى. عندما تعود الالكترونات إلى حالتها العادية فان الطاقة الاضافية تتحرر في صورة ضوء وهي عملية نطلق عليها عملية اشعاعية وفي احيان اخرى تتخلص المادة من الطاقة في عملية غير اشعاعية لا ينتج عنها ضوء. ترتبط طاقة الضوء المنبعث في عملية التلألؤ الضوئي بفرق الطاقة لمستويي الطاقة التي حدث بينها الانتقال الالكتروني اي بين مستوى الطاقة المثار ومستوى الطاقة الارضي في حالة الاتزان.

اهمية التلألؤ الضوئي The importance of photoluminescence

توفر تقنية التلألؤ الضوئي طريقة ممتازة لدراسة خواص التلألؤ للمواد الفوسفورية ولها العديد من التطبيقات في مختلف المجالات وهذه بعض منها:

(١) تحديد مقدار فجوة الطاقة Band gap determination

فجوة الطاقة هي الفرق بين حزمة التوصيل وحزمة التكافؤ، للانتقالات الاشعاعية في المواد شبه الموصلة. ان توزيع طيف التلألؤ الضوئي الناتج عن المواد شبه الموصلة يمكن ان تم تحليله لتحديد مقدار فجوة الطاقة الالكترونية. هذا يزودنا بطريقة لتعيين تركيب العناصر المكونة للمواد شبه الموصلة وهذا هام جدا في تقنيات زيادة كفاءة الخلايا الشمسية.

(٢) تحديد مستويات الشوائب وكشف العيوب Impurity levels and defect detection

تتضمن الانتقالات الاشعاعية في المواد شبه الموصلة تحديد مستويات العيوب المتمركزة فيها. ويمكن استخدام طاقة التلألؤ الضوئي المرتبطة مع هذه المستويات في التعرف على عيوب محددة، ومن مقدار التلألؤ الضوئي يمكن معرفة تركيزها ايضا. طيف التلألؤ الضوئي عند درجات حرارة منخفضة للعينة يكشف في الاغلب عن قمم طيفية مرتبطة مع الشوائب الموجودة في المادة المضيفة. ومع استخدام تحويلات فورريه للتلألؤ الضوئي يمكن ان يوفر لنا اداة حساسة جدا لتعريف التراكيز المنخفضة من الشوائب التي تلعب دورا كبيرا في تحديد جودة المواد وتأثيرها على جودة الاجهزة التقنية المصنعة منها.

(٣) اليات اعادة الارتباط Recombination mechanisms

عودة الالكترونات المثارة إلى الحالة العادية والتي تعرف بعملية اعادة الارتباط recombination يمكن ان تتضمن كلا من العملية الاشعاعية والعملية الغير مشعة للضوء. كمية الضوء المنبعث من المواد في عملية التلألؤ الضوئي  ترتبط بشكل مباشر مع النسبة بين معدل اعادة الارتباط الاشعاعي والغير اشعاعي ومقدار التلألؤ الضوئي واعتمادها على مستوى الاثارة الضوئية ودرجة الحرارة ترتبط بشكل مباشر عملية اعادة الاتحاد الاعم والاشمل. ولهذا فان تحليل التلألؤ الضوئي يمكن ان يكون اداة لمراقبة التغيرات في جودة المواد كدالة في عملية النمو وظروف الترسيب المختلفة وهذا يساعد على فهم الفيزياء خلف عملية اعادة الارتباط.

(٤) البنية التركيبة للسطح والمستويات المثارة Surface structure and excited states

الطرق التقليدية المستخدمة بكثرة مثل XRD ,IR وطيف رامان ليست حساسة بما فيه الكفاية لبعض المواد التي تحتوي على تراكيز منخفضة من الاكسيد المعدني. لكن تقنية التلألؤ الضوئي حساسة جدا للتأثيرات السطحية او الاصناف الممتزة للجسيمات شبه الموصلة وبالتالي يمكن ان تستخدم كمجس لعمليات ارتباط الالكترونات مع الفجوات على السطح.

 

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى